ليـــــــــــــل الغربــــــــــــــــــــــــــة
الخيال الشعري عند العرب لأبي القاسم الشابي: Ououoo10
ليـــــــــــــل الغربــــــــــــــــــــــــــة
الخيال الشعري عند العرب لأبي القاسم الشابي: Ououoo10
ليـــــــــــــل الغربــــــــــــــــــــــــــة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ليـــــــــــــل الغربــــــــــــــــــــــــــة

منتــــــــــــــــــــدى منـــــــــــــــوع موسوعــي
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
لكل الكرام المسجلين في منتديات ليل الغربة ، نود اعلامكم بأن تفعيل حسابكم سيكون عبر ايميلاتكم الخاصة لذا يرجى العلم برفقتكم الورد والجلنار
الخيال الشعري عند العرب لأبي القاسم الشابي: Colomb10
الخيال الشعري عند العرب لأبي القاسم الشابي: Yourto10سأكتب لكم بحرف التاسع والعشرين ..الخيال الشعري عند العرب لأبي القاسم الشابي: Yourto10 الخيال الشعري عند العرب لأبي القاسم الشابي: Yourto10لكل من هُجرْ ، واتخذ من الغربة وطناَ .الخيال الشعري عند العرب لأبي القاسم الشابي: Yourto10لكل من هاجر من اجل لقمة العيش ، واتخذ من الغربة وطناً الخيال الشعري عند العرب لأبي القاسم الشابي: Yourto10لكم جميعا بعيدا عن الطائفية والعرقية وغربة الاوطان الخيال الشعري عند العرب لأبي القاسم الشابي: Yourto10نكتب بكل اللغات الخيال الشعري عند العرب لأبي القاسم الشابي: Yourto10للأهل والاحبة والاصدقاء الخيال الشعري عند العرب لأبي القاسم الشابي: Yourto10نسأل ، نستفسر عن اسماء او عناوين نفتقد لها الخيال الشعري عند العرب لأبي القاسم الشابي: Yourto10نهدي ،الخيال الشعري عند العرب لأبي القاسم الشابي: Yourto10نفضفض ، الخيال الشعري عند العرب لأبي القاسم الشابي: Yourto10 الخيال الشعري عند العرب لأبي القاسم الشابي: Yourto10نقول شعرا او خاطرة او كلمة الخيال الشعري عند العرب لأبي القاسم الشابي: Yourto10اهديكم ورودي وعطر النرجس ، يعطر صباحاتكم ومساءاتكم ، ويُسكن الراح قلوبكم .
الخيال الشعري عند العرب لأبي القاسم الشابي: Colomb10احتراماتي للجميع

 

 الخيال الشعري عند العرب لأبي القاسم الشابي:

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Fati
المديــــر العــام
المديــــر العــام
Fati


اسم الدولة : فرنسا

الخيال الشعري عند العرب لأبي القاسم الشابي: Empty
مُساهمةموضوع: الخيال الشعري عند العرب لأبي القاسم الشابي:   الخيال الشعري عند العرب لأبي القاسم الشابي: Icon_minitimeالإثنين نوفمبر 16, 2009 3:00 pm


الخيال الشعري عند العرب لأبي القاسم الشابي:
الشاعر المؤسِس



"شبّ العرب تحت سماء ضاحية صاحية لا يحجبها سحاب مركوم و لا يسترها ضباب كثيف و ليس تحتها غير الصحراء الأبدية الصامتة التي لا يعرف الطرف لها حدّا تضرب في مناكبها سمائم القيظ و أرواح الرياح مروّعة تائهة شاحبة كأرواح ضائعة في آباد الجحيم فكان لهم من ملامح الصحراء الشاحبة و من طبيعة الأرض القاحلة الجدوب. هذا النوع من الحياة الذي عاشوا عليه هذا النحو الذي لا يعرف رغد العيش و لا روح السلام إنما هو ثورة جامحة كالرياح ظامئة كالهواجر لا تسكن إلى الراحة ولا تخلد إلى السكون و ما الذي يشغلهم عن إسعار الحروب و كان لهم من صحو السماء و وقدة الصحراء صفاء في النفس و تلهب في الطبع و وحدة في المزاج" الخيال الشعري عند العرب ص129

لقد عرف دارسو الأدب الشابي شاعرا أو على الأقل الأغلبية الساحقة منهم و أظن أن من عرفوا فيه الناثر كانوا قلة و أجزم أن من وقفوا على أهمية كتابه "الخيال الشعري عند العرب" هم أقل من ذلك فهذه المحاظرة التي ألقيت في سنة 1929 و التي صدرت في شكل كتاب بعد ذلك بسنة في حين أن ديوان "أغاني الحياة" قد صدر بعد عشرين عاما من وفاة صاحبه قد وجدت من الجدل في تلك الفترة في الأوساط الأدبية التونسية و العربية ما يكشف عن أهميتها فهذا النص يكتسي قيمته أولا من أنه ترصّد تكوّن الخيال الشعري عندالأمم القديمة و وقف على ما يسمّيه "الغريزة الشاعرة" متحسسا إياها عند العرب من العصر الجاهلي إلى العصر الأموي إلى العباسي إلى الأندلسي متتبعا بدقة جميع المؤثرات التي رافقت رصيدهم الأدبي و إن في هذا الكتاب الذي يعتبر من قبيل الأدب المقارن في فترة مازال فيها الأدب العربي يقدم على أنه الخيار الأوحد و الأجود و المثال الأوْلى بالاحتذاء في الشعر (الهيكل العمودي) و في النثر (الخطابة) ما يقوّض الكثير من المسلّمات في الأدب كما أن فيه رؤية الشاعر الذي ينقد الشعر من قبيل أنه المسؤول الأول و الوحيد عن تكوينه و صَوْغه و بالتالي تقديم البدائل الحقيقية التي يتطور من خلالها دون أن يكرّس –لاعتبارات سياسية و اقتصادية كما اعتاد نقاد العرب أن يفعلوا– نماذج قديمة تجعل من الشاعر مجرد بوق للقبيلة أومهرّج للملك.
يظهر علينا الشابي من خلال هذا الكتاب لا كمجرّد ثائر على المرجعيات القديمة في شعر البلاد العربية و البلاد الناطقة بالعربية و لكن كمنظّر لشعره في أغاني الحياة.
العرب و أساطيرهم:

روى العرب قصصا عن حروبهم الدامية بين القبائل ( الحرب بين طسم و جديس) و حاكوا أقاويل عن تعشق الجن للإنس( قصة عمرو بن عدي) كما عبدوا آلهة كثيرة من قبيل التشخيص كتأليه الأجداد و عبدوا اللات
و العزى و قد اختلفت في أصلهما الروايات فمن الرواة من يقول بأنهما "نخلتان" و منهم من يقول إنهما "رجلان صالحان" و منهم من يقول إنهما صنمان و كذلك كان حالهم مع "مناة و يغوث و يعوق و سواع
و نصرا و عبد شمس " و "أساف و نائلة" و هما صنمان يمثلان رجلا و امرأة تروي الحكايات أنهما فجرا بالكعبة فمسخهما الله حجرين و لكن هذه الآلهة رغم كثرتها لم تكن تنم عن عمق في الفكر و سعة في الخيال فلم يقع تدوين هذه الأساطير و لم يقع حفظها في قصائد مطولة كالالياذة و الأوديسة و لم تكوّن رؤية مخصوصة للعالم تمكن من فهم ظواهره و تقدم مخزونا يثري الشعر العربي في مرحلة أولى و النثر في مرحلة لاحقة.
كانت أغلب قصص العرب تدور حول "الغول" و هو كائن خرافي بشع يسكن الكهوف و القفر يظلل المارة
و يلهو بالجماجم و يزعم أبطال هذه القصص أنهم عرفوه و هزموه فيقول تأبط شرا:
وإني قد لقيت الغول تهوي بسهب كالصحيقة صحصحان
فأضربها بلا دهش فخرّت صريعا لليدين و للجران
إذا عينان في رأس قبيح كرأس الهِرّ مشقوق اللسان
و زعم العرب أن الصدى طائر خرافي يخرج من رأس القتيل و يقف على قبره هاتفا :" اسقوني فإني صديَة"
و لا يزال كذلك حتي يؤخذ بثأر القتيل:
له هامة تدعو إذا الليل جنّها "بني عامر ! هل للهلالي ثائر؟"
و اعتقد العرب لكل شاعر شيطانا يلهمه "فصاحب امرئ القيس لافظ بن لاحظ و صاحب عبيد بن الأبرص هبيد بن الصلادم و صاحب الأعشى مسحل السكران بن جندل و صاحب الكميت مدرك بن واغم ابن عم هبيد صاحب عبيد بن الأبرص".
و زعموا للنجوم قصة و هي "أن سهيلا كان فارسا جميل الطلعة ساحر المنظر فخانه الحظ في معركة سماوية وراء المجرة فخرّ صريعا تكسوه الدماء القانية فراع أختيه مصرع أخيهما الباسل فعبرت إليه إحداهما نهر المجرة و ظلت واجمة عند رأسه و في جفنها دمعة حائرة فسُميت عبورا و قعد بالثانية الرزء الفادح و ذرفت الدموع حتى غمضت عينها البيضاء فسُميت غميضاء "
و يقارن أبو القاسم الشابي بين أساطير العرب و غيرهم من الأمم فينفي عنها "الروح الشعرية الجميلة الزاخرة بفلسفة الحياة الفنية الراقصة في ظل الخيال" و هو يقدم مثال "عشتروت" الآشورية آلهة الحب و الجمال و نظيرتها اليونانية "أفروديت" المخلوقة من أمواج البحار و ابنها "إيروس" و يعرض لمثال "كيوبيد" إله الحب هذا الطفل المجنح النبيل الذي يحمل نباله الحادة يرمي بها القلوب فتهوي صريعة بل إنه يقارن أسطورة الصدى العربية الآنفة الذكر بأسطورة الصدى اليونانية "فقد كان اليونان يعتقدون أن الصدى جنية من بنات الجبال و الأودية و أنها كانت خلابة المنظر و الحديث فمرّت بها يوما "هيرا" و كانت ذاهبة لتفاجئ زوجها مع بعض عشيقاته في إحدى مقاصير الأولمب فاُستهواها صونها حتى فاتها الغرض و فرت العشيقات إلى مآويهن فتملك نفسَها الغضبُ على الجنية فسلبتها قوة الكلام إلا إعادة ما تسمع فأصبحت منذ ذلك الحين والهة حائرة تتلقف الأصوات لترجعها كأنات الألم" و رغم أن العرب يسمّون الصدى ابنة الجبل إلا أنهم لم يهتدوا لمثل هذه الرقة و النعومة في التصوير.كما تعرض الشابي لأساطير الاسكنديناف الذين كانوا يرون الحياة شجرة قوية راسخة تضرب بعروقها في مملكة الموت و تنتشر بفروعها في آفاق السماء و عند أصلها في مملكة الموت يجلس الأمس و اليوم و الغد يروون جذورها من البئر المقدسة و هي دائما تورق ثم تزهر ثم تثمر ثم يجف ما عليها من ورق و زهر و ثمر ليهوي إلى مملكة الموت حيث يجلس الأمس و اليوم و الغد" و هذا من قبيل عناق الفكر
و الفن الذي يأتي بالتأني و السكون إلى المكان لا دوام الترحال.
العرب و الطبيعة :
يعتبر الشابي أن المناخ الطبيعي مكوّن أساسي لطبائع الشعوب لأن جمال الطبيعة هو الموقظ الأول لحساسية الشاعر و خياله: " و لكن أي شيء هو هذا الذي حرّك في نفس البلبل حب النشيد فاُنطلق يغني بين الغصون المزهرة، و داعب قلب القبرة الصغيرة فاُندفعت تتغرد راقصة بين الحقول و أثار الفَراش فرفرف بين الشقيق و الأقحوان؟ إن مثل هذا الجمال الطبيعي هو القسطاس العادل الذي ينبغي أن توزن فيه نفسيات الأمم و شاعريات الشعوب ليُعلم ما هي عليه من قوة و ضعف و من صحة أو فساد" ص45- 44
إن هذه الأهمية التي يقر بها علماء النفس و الدارسون للأدب قد طبقها الشابي على البيئة العربية فخلص إلى نتائج بعيدة المدى من خلال تقسيم الشعر العربي إلى أدوار:
ـــالعصران الجاهلي و الأموي: تقصّى الشابي أثر الطبيعة في هذين العصرين فلم يقف على اختلاف كبير بينهما فقد خَلَوَا من التغتي بمحاسن الطبيعة لسببين أساسيين أحدهما جفاف الطبيعة الذي جعل استدعاءها عرضيا أو مرتبطا بوصف الحبيبة التي هي خيال رؤيتها و تبادل الحديث معها بل إن هذا الجفاف قد صبغ هذه اللغة صوتيا فتشعر أن اصطدام الكلمات فيها و الحروف بعضها ببعض من قبيل قسوة المكان كما أن جفاف البيئة الصحرائية جعل العربي ينظر إلى كل ما حوله من منطلق وظيفيته لا ماهيته ( المرأة/ الطبيعة/ الشعر..) و الثاني عدم انفتاح العرب على شاعريات الأمم الأخرى بالسفر و اثراء التجارب الابداعية التي يمكن أن يفضي التلاقح معها إلى خلق مناطق تداخل جمالية و أسلوبية مثرية للأدب العربي و هكذا فقد بدا الشعر العربي متشابها في أغلبه في هذين العصرين(كثيرعزة/عنترة/الأعشى)
يقول الأعشى:
ما روضة من رياض الحسن معشبة خضراء جاد عليها مسبل هطِل
يوما بأطيب منها نشرَ رائحةٍ و لا بأحسن منها إن دنا الأصُل
و يقول كثير:
فما روضة زهراء طيبة الثرى يمج الندى جثجاثها و عرارها (من النباتات)
بأطيب من أدران عزة موهنا إذا أوقدت بالمندل الرطب نارُها
فكأنما هو لشاعر واحد فإن تميز بوصف فإن ذلك لا يعدو أن يكون محاكاة للواقع (امرؤ القيس)
يقول امرئ القيس:
ديمة هطلاء فيها وطف طبَقَ الأرضَ تحرى و تدر
فترى الود (الوتد) إذا ما أشجذت و تواريه إذا ما تعتكر
و ترى الضب خفيفا ماهرا ثانيا برئنه ما ينغفر (ما يمسّ التراب لكثرة الماء)
حتى تجربة عمر بى أبي ربيعة التي جعلت من القصة رافدا أساسيا للقصيدة ظلت مبتورة لا أتباع لها.
يقول ابن أبي ربيعة:
قالت لجارتها عشاء إذ رأت نزَهَ المكانِ (خُلُوَهُ من الناس) و غيبة الأعداء
في روضة يمّمْنَها مُولية (غبّ مطر) ميثاء (لينة) رابية بُعَيْد مساء
"ليت المغيري العشية أسعفت دارٌ به لِتقارُبِ الأهواء
ـــالعصرالعباسي: شهد هذا العصر انفتاح العرب على الحضارات الأخرى و امتزاج الطبائع و اصطباغ الأفكار بمعارف الأمم من فكر و فن كما أن اتقان الأمم الأخرى للغة العربية و نظمهم فيها أشعارا تنهل من بيئتهم و تاريخهم الفكري و الشعري هذا بالاضافة إلى انتقال الشعراء المعروفين من البوادي إلى القصور و من حياة الترحال و الجفاف إلى حياة الدعة و الرواء قد صبغ الشعر العباسي بالعمق و بُعد الخيال.
و قد برز من الشعراء في هذا العصر أبو تمام:
يا صاحبيّ تقصّيَا نظريْكما ترَيَا وجوهَ الأرض كيف تُصوَّر
ترَيَا نهارا مشمسا قد شابَهُ زهر الرُبا فكأنما هو مقمر(حركة عمودية)
تبدو فيحجبها الجميم (الاعشاب) كأنما عذراء تبدو تارة و تخَفّر(حركة أفقية)
دنيا معاش للورى حتى إذا جاء الربيع فإنما هي منظر
يقول الشابي " أي خيال أعمق و أي نظر أبعد؟ أليس من بعد النظر و عمق الخيال أن يحس الشاعر بتلك (الدنيا) الخيالية الرائعة التي يخلقها الربيع و يتكشف عنها الوجود تلك الدنيا البريئة الطاهرة التي لم تُخلق لمشاغل العيش و أرجاسه و إنما خُلقت للذة "النظر" و إمتاع النفوس الشاعرة .
و هاك بيت البحتري:
أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكا من الحسن حتى كاد أن يتكلّما
الذي يقول عنه الشابي" ألا تشعرون بهذا الإحساس القوي الصادق هذا الإحساس العميق اليقظ الذي يكاد يستمع إلى صوت الربيع؟
أما عن ابن الرومي :
إذا شئت حيّتني بساتين جنّة على سوقها في كل حين تنفس
إذا ما أعارتها الصَبا حركاتها أفادت بها "أنس الحياة" فتأنس
توامَض فيها كلما تلمع الضحى كواكب يذكو نورها حين تشمس
فيقول الشابي "ألا تحسّون بهذا الشعور المشتمل الصادق الذي يحس بروح الحياة السارية في عمق الكون؟"
ـــالعصر الأندلسي: صارت الطبيعة في الشعر الأندلسي موضوعا مركزيا و ذلك لشدة الترف كانت تتمتع بها البلاد و الطبيعة الرقراقة التي كانت تتجلي في الرياض و البساتين الأندلسية و لا بد أن نذكر ابن زيدون في قصيدته:
إني ذكرتك بالزهراء مشتاقا و الأفق طلق و مرأى الأرض قد راقا
و للنسيم اعتلال في أصائله كأنما رق لي فاُعتل اشفاقا
و الروض عن مائه الفضي مبتسم كما حللت عن اللبات أطواقا
يوم كأيام لذات لنا اُنصرمت بِتْنا لها حين نام الدهر سرّاقا
نلهو بما يستميل العين من زهر جال الندى فيه حتى مال أعناقا
كأن أعينه إذ عاينت أرقي بكت لما بي فجال الدمع رقراقا
ورد تألق في ضاحي منابته فاُزداد منه الضحى في العين إشراقا
و نذكر في هذا المقام ابن خفاجة حين يقول:
لله نهر سال في بطحاء أشهى ورودا من لمَى الحسناء
متعطف مثل السوار كأنه و الزهر يكنفه مجرّ سماء
و الريح تعبث بالغصون و قد جرى ذهبُ الأصيلِ على لُُجيْن الماءِ
و يرى الشابي "في شعر ابن خفاجة براعة في الوصف و جمال في الأسلوب دون أن تجد خيالا قويا أو شعورا دقيقا و غاية ما أرى فيه هو أن في نفسه ميلا إلى الطبيعة شغلته اللذة و اللهو عن الإفصاح عنه و إن في قلبه شغفا بالوجود كفكفه المجون"ص62
و يقول ابن سهل:
اِغنم زمان الوصل قبل الذهاب/فالروض قد وافاه دمع السحاب/ و قد بدا في الروض سِرعُجاب
ورد و نسرين و زهر الأقاح/ كالمسك فاح/ و الطير شاد باُختلاف النواح
لما رأيت الليل أبدى المشيب/ و الأنجم الزهر هوت للمغيب/ و الوُرق تبدي كل لحن عجيب
ناديت صحبي حين لاح الصباح/ قوْلا صُراح/ حي على اللذات و الانشراح
و إن لأبي القاسم الشابي في الشعر الأندلسي رأيا يتقاطع مع رأي ابن خلدون في الحضارة حين أن بلوغ كل حضارة أوجها يعلن بداية انحدارها و ميل أهلها إلى الملذات يعيقهم عن الاضطلاع بما تتطلبه هذه من الكدّ و البناء و لهذا يقول الشابي "الأدب الأندلسي ديباجة غضة ناعمة و تعابير عذبة ناصعة و وصف دقيق جميل و لكن ليس وراء ذلك عاطفة حارة و لا احساس عميق" فكما لو أن جمال الطبيعة استحوذ على قلب الشاعر استحواذا فطبعه بذلك الرواء و أغناه عن البحث في ما وراءه فصبغه بسطحية الخيال و الشعور و لهذا يفاضل الشابي بين شعر الدور العباسي و غيره من الأدوار الأخرى لأن الخيال في ذاته سموّ و تعويض و متى توفر للنفس كل ما تشتهيه و تتطلبه نزعت للابتذال و هوت إلى المادية و المباشَرَة. و في هذا يقول الشابي "إن الفن الطبيعي في الأدب العباسي أبعد نظرا و أعمق خيالا و أدق شعورا منه في الأدب الأندلسي رغما عن أن الأدب الأندلسي أحفل بهذا الفن من الأدب العباسي و رغما عن أن الأدب الأندلسي أنصع ديباحة و أرقى أسلوبا و أدق تصويرا فإنني لأجد من صدق الشعور و قوة العاطفة عند البحتري و أبي تمام و ابن الرومي ما لا أجده عند ابن خفاجة و ابن زيدون"
لقد زعزع الشابي مفاهيم كثيرة عن الشعر العربي و هذه الدعوة إلى نقد الشعر هي دعوة إلى نقد الذات التي تتحكم فيها الذائقة القديمة بمكوناتها السياسية و الاجتماعية.
العرب و المرأة:
إن المرأة كموضوع أدبي تظل من المحاور التي تساعد الباحث على معرفة درجة التجريد و التحرر الانساني الذي تبلغه أمة من الأمم يقول امرئ القيس:
و يا رُب يوم قد (لهَوْتُ) و ليلة بآنسة كأنها خط تِمثال
كأنيَ لم أركب جوادا لِلَذةٍ و لم أتبطن كاعبا ذات خلخال
و لم أسبأ الزق الروِيّ و لم أقل لخيلي (كُرّي كَرّة) بعد إجفال
و يقول:
و بيضة خِدر لا يُرام خِباؤها (تمتّعت) من (لَهْوٍ) بها غيرَ مُعْجَلِ
أما طرَفة ابن العبد فيقول:
و لَوْلا ثلاث هن من عيشة الفتى و جدِّكَ لم أحفل متى قام عُوّدي
فمنهن: سبق العاذلات بشربة كُميْت متى ما تعل بالماء تزبد
و تقصير يوم الدجن و الدجن معجب ببهنكة (شابة) تحت الخِباء الممدّد
و كذاك يقول أوس بن حجر:
و هل (لَهَوْتَ) بمثل الرئم آنسة تُصبي الحليم عَروب غير مكلاح
و يقول البحتري:
في ليلة ما ينام الصبح آخرها علقتُ بالرّاح أُسقاها و أسقيها
عاطيتُها غضة الأطراف مُرهفة شربتُ من يدها خمرا و مِن فِيها
و هكذا كان دأب أبي تمام و ابن خفاجة و اُبن سهل و اُبن خاتمة و مهيار الديلمي و ليس غريبا وقوع أسماء المحبوبات على نفس الوزن الشعري (ليلى-سلمى-لبنى-بَثنَ-عزة) فكأنما كل الشعر قد قيل في امرأة واحدة و إن كان اُبن الرومي قائلا في بعض شعره:
ليت شعري إذا أدام إليها كرة الطرف مبدئ و مُعيد
أهي شيء لا تسأم العين منه أم لها كل ساعة تجديد
بل هي العيش لا يزال متى استُحْ دِث يبدي غرائبا و يُفيدُ
يقول الشابي :" فنظر الآداب العربية للمرأة كنظرها إلى الطبيعة أو أدنى لا سموّ فيه و لا خيال و إنما هو مادي محض. هل زاد على أن جعل المرأة متعة و لهوا و سوّى بينها و بين الفرس السابق و الخمر العتيق؟ بل ربّما سَمَت نظرة بعض الشعراء إلى الخمر حين لم تسْمُ نظرتُهُ إلى المرأة...فهو كالمصوّر الفوتوغرافي لا يهمه إلا التقاط الصور و الأشباح و إظهارها كما هي دون أن يرسم معها صورة من نفسه و لَوْنًا من شعوره تاركا للمشهد وحده أن يثير في نفس الناظر ما يثير حتى إذا تصرّف فلا يعدو التنميق و التزويق إلا أفرادا قلائل شذوا عن هاته الطريقة في بعض أشعارهم كابن الرومي و البحتري و أبي تمام"
و هكذا كان الشعر المقروض في المرأة إما شعر لَهْو يدلّ على سطحية التعامل معها أو شعر مجالس يتبجح فيه الشاعر بفحولته الجسدية كما الشعرية و قدرته على جلب النساء أو يُطرب به أصحاب القصور فيجودون بالمال مقابل استثارة غرائزهم في مجالس اللهو و الغناء.
الروح العربية:
.إن قيمة هذا الكتاب تكمن بخاصة في دراسته للشعر العربي كظاهرة معزولة عن كل المؤثرات التي داخلتها
و تحسّسِه للروح العربية الصِرف قبل أن تخالطها أذواق الأمم الأخرى و معارفهم وبناء ملاحظاته وفق ذلك مما مكّنه من الإجابة عن بعض الأسئلة الهامة التي تشغل الأدب.
يقول الشابي:" الروح العربية خطابية مشتعلة لا تعرف الأناة في الفكر فضلا عن الاستغراق فيه و مادية محضة لا تستطيع الإلمام بغير الظواهر و قد كان لهاتين النزعتين الأثر الكبير في إضعاف ملكة الخيال الشعري في النفسية العربية لأن الخيال مصدره الشعور فما كان الشعور دقيقا عميقا إلا و كان الخيال فياضا قويا و قد كان لهاتين النزعتين أثارأخرى في آراء العرب و أذواقهم منها أنهم كانوا لا يفرقون بين الشاعر و بين الخطيب ذلك لأنهم لا يرون في الشاعر إلا خطيبا ينظم ما يقول قد تأثر الشعر العربي بهذا الفهم الذي كان يفهمه العرب من الشاعر فكان فيه شيء كثير من الخطابة المنظومة "
و إضافة إلى هاتين النزعتين المتجذرتين كان اعتداد العرب بموروثهم الجاهلي عائقا أمام تقبّل شعريات مختلفة فقد "ترجموا من مختلف العلوم العقلية ما أحدث الأثر الجميل في الذهن العربي و قد ترجموا فلسفة اليونان و حكمة فارس و علومها أما آداب اليونان و الرومان" فلا و هذا و إن عاد للنزعة الوثنية التي تشوبها فإنه عائد في أغلبه إلى "الغرور فقد كان العرب معتزين بأدبهم فلم يجدوا حاجة تدفعهم إلى ترجمة الآداب الأخرى" ص 139- 140كما أن نقدة الأدب في الفترة ما بعد-الجاهلية قد كرّسوا الشعر الجاهلي لأن هيكلته العمودية كانت حاملا جيدا لحفظ أحكام الدين و السنّة و "تفسير القرآن و شرح الحديث و معرفة ما فيهما من بلاغة و إعجاز"ص136
إن هذه الروح العربية التى نشأت في طبيعة قاسية قد اصطبغت بها قوة و أنفة و صعوبة في التغير و لهذا لم يكن مرورها بالأدوار الزمنية المذكورة مؤثرا حتميا في شعريتها كما أن الدول التي اشتركت مع العرب في هذا الموروث لم تحرص على نهضة فنية و نقدية حقيقية و هذا ما يجعلني أقول إن أبا القاسم الشابي قد شرح نظريته في الشعر من خلال نقد شعرية العرب و تقديم البديل لها في ديوانه "أغاني الحياة"

خاتمة:
حين تقرأ "الخيال الشعري عند العرب" تجد نفسك مجبرا على ترك ذاكرتك و كل ما علمتك إياه المقررات المدرسية عند الباب و الإقبال على هذا النص بروح جديدة لا لتجعل منه وثنا آخر و لكن لتتجاوز به ذاتك إلى ذاتك و ماضيك إلى مستقبلك بعد أن تنفض عنك غبار المسلمات و تغتسل من سفرك الطويل الذي لم تقطعه إلا لتبحث عن نقطة انطلاق جديدة.
لقد وضع الشابي اصبعه على الجرح فاُتهم جمودنا و وقوفنا في ذات المكان منذ مئات السنين جاعلين من الشعر الجاهلي "لَاتًا وَ عُزَّى" متزمنة في ذائقتنا تسحق رقبة الشعر الحديث و تتهم قصيدة النثر و حركة الشاعر الطفولية في تلمس الطريق بعد ظلام دام قرونا...إن في تسمية الشعر الجاهلي في حد ذاتها بعدا دينيا فهل تقابل هذه الكلمة الشعر الإسلامي و هل إن كل ما جاء بعد الفترة الجاهلية من الشعر هو شعر إسلامي و هل استطاع شعرنا الحديث أن يتحرر و لو لمرّة من رقابة الأب ليكون للمرة الأولى شعرا "شخصيا" لا شعرا "جماعيا"...إن هذا السؤال يجيب عنه شعراؤنا ممن يملكون قدرة صياغة نظرية في الشعر تتحرر من ربقة النقد القديم الذي لم يكن نقدا بقدرما كان امتدادا للأنظمة الإستبدادية يكرّس النوع الذي ترتضيه من الشعر و الفصيلة التي ترتضيها من الشعراء و إلا فمن يجيبني عن الشاعر المتنبي و ما آل إليه شعره رغم فرادة تناوله إما في جيب كافور أو في رصيد سيف الدولة أما هو فما غيّر و لا بدّل سنّة غيره من الشعراء القدامى و المحدثين لأن الدور الحقيقي للشعر يجب أن يكرس الإختلاف لا التشابه و لا أرى اختلافا بين شعراء العربية إلا في ما يعبر عنه الشابي ب"الخيال الصناعي" أي الخيال الذي يُعنى بالمجاز و الاستعارة و التشبيه و الصناعة اللفظية في عمومها أما في ما يجعل الشعر شعرا فكلهم شاعر واحد عاش الدور الجاهلي فكتب بلغة بيئته و عاش الدورالأموي فكتب بلغة عصره و عاش الدور العباسي فاُصطبغ بأفكاره و عاش الدور الأندلسي فكان صوتا من أصوات الطبيعة و لحنا من ألحانها. و لهذا نجد الشابي يقول:" لقد أصبحنا نتطلب أدبا قويا عميقا يوافق مشاربنا و يناسب أذواقنا في حياتنا الحاضرة و هذا ما لا نجده في الأدب العربي و لا نظفر به فلا خير في أمة عارية تكتم فقرها و لا خير في شعب جائع يظهر الشبع و شر من ذلك أمة تقتني أثوابها من مغاور الموت ثم تخرج في نور النهار متبجحة بما تلبس من أكفان الموتى و أكسية القبور"


موقعي في الحوار المتمدن - عربي
http://www.ahewar.org/m.asp?i=2548

موقعي في تويتر
https://twitter.com/Fatiaa_F

موقعي في الحوار المتمدن - إنجليزي
http://www.ahewar.org/eng/search.asp?


مدونة موسوعة شارع المتنبي
https://shar3-almoutanabi.blogspot.com/
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الخيال الشعري عند العرب لأبي القاسم الشابي:
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ليـــــــــــــل الغربــــــــــــــــــــــــــة :: المنتديات الثقافية :: منتدى القراءات والدراسات النقدية والبحوث-
انتقل الى: