الحكومة الجديدة وتحديات مرحلة ما قبل الانتخابات
بقلم عزالدين مبارك*
لقد غادر السيد حمادي الجبالي المسرح الحكومي في ظل تداعيات مقتل الشهيد شكري بلعيد وقد ساهم خروجه في خلط الأوراق أمام الفرقاء السياسيين وفي نهاية الأمر تمسك كل طرف بمواقفه رغم دخول بعض المستقلين ولو ظاهريا إلى فريق حكومة السيد علي العريض وتخلي النهضة عن التسيير المباشر لوزارات السيادة.
وغلبت المعارضة حسابات الانتخابات القادمة وتركت التركة الثقيلة على أكتاف علي العريض المسؤول الوحيد عن انجازات الحكومة أو فشلها لا قدر الله مادامت بيده كل الصلاحيات التنفيذية الواسعة حتى وإن غابت الأطراف الفاعلة من أبناء الحركة في التشكيل الجديد للحكومة.
فكل الأطراف السياسية حافظت تقريبا على مواقعها إن كانت في الحكم أو في المعارضة في انتظار المنازلة الكبرى وقد تبين بما أتيح لعموم الشعب من حرية إعلامية غير مسبوقة الخيط البيض من الخيط الأسود لنصل في النهاية إلى انتخابات نزيهة وشفافة.
فالفترة التي تفصلنا عن الانتخابات مليئة بالتحديات والرهانات والتجاذبات أيضا وتتطلب اليقظة التامة والعمل بحكمة وكفاءة وذلك لتجنيب البلاد الاهتزازات المدمرة والفوضى والنجاح فيها مسؤولية مشتركة بين السلطة الحاكمة والمعارضة على حد سواء وذلك باتباع سياسة تشاورية وتوافقية حول الخطوات والبرامج المزمع القيام بها.
فنجاح الحكومة الجديدة مرتبط بواقعية البرامج المتفق عليها لإنجازها على أرض الواقع خلال سنة 2013 بما أنه من المتوقع أن تكون الانتخابات في أواخر هذه السنة لأن الوعود الانتخابية الجذابة قد انتهى مفعولها ولم تعد تنطلي على أحد والواقعية السياسية هي الأجدى والأنفع. فدراسة تجربة حكومة السيد حمادي الجبالي ضرورية وكذلك الأخذ بعين الاعتبار الظرف الاقتصادي والاجتماعي والمطالب الشعبية والرجوع إلى الأسباب التي قامت من أجلها الثورة حتى لا نقع في نفس الخطأ مرتين ونكون من الخاسرين.
وأهم واجبات هذه الحكومة الجديدة ما يلي:
1. القضاء على منظومة الفساد والمحسوبية :
لا يمكن تطور البلاد من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية دون القضاء على الفساد الإداري والمالي لأن ذلك يساهم في إفقار الدولة ونهب خيراتها وإفساد الحياة الاجتماعية برمتها وانتشار الاقتصاد الخفي والمعاملات المافيوزية المريبة. فالفساد المستشري في الإدارة يعطل مصالح المواطنين والمستثمرين وباعثي المشاريع الصغرى ويحد من قدرات الموظفين العلمية والعملية في العمل والمبادرة في كشف التجاوزات للخوف من السلطة العقابية التقديرية الواسعة النفوذ بلا حسيب ولا رقيب.
2. تحقيق العدالة الانتقالية:
للقطع مع الماضي بصفة نهائية وحاسمة لا بد من إرساء نظام العدالة الانتقالية حتى ترفع المظالم عن الجميع بصفة شاملة وعادلة ويأخذ كل صاحب حق حقه حتى ولو كان بصفة اعتبارية ومعنوية ونطوي بالتالي صفحة من تاريخنا المليء بالأحاجي والأساطير وننطلق في بناء الدولة الحديثة على أسس جديدة كل شيء فيها شفاف وظاهر للعيان.
3. وضع تصور عقلاني للقضاء على الفقر والبطالة والتفاوت الجهوي:
من أهم تحديات المرحلة الراهنة هو إرساء برامج وتصورات عملية لتقليص الفقر والبطالة والتفاوت الجهوي ولا يكون ذلك بالوعود البراقة والتسويف بل بقراءة دقيقة للحاجيات الملحة وتوظيف الامكانيات المتاحة وتقاسم الأعباء بحيث تكون التضحية حسب القدرة على ذلك فلا يمكن مثلا تحميل الأجراء وصغار الموظفين أعباء الدعم وترك كبار أصحاب المال والأعمال دون مساهمة حقيقية في جهود التنمية والتغاضي عن الفاسدين و الهاربين من المحاسبة بشراء الذمم والدخول في الأحزاب والمنظمات للتواري والمواربة.
كما لا يمكن التغاضي عن الإمكانيات الممنوحة لكبار المسؤولين من سيارات ومساكن ووصولات وقود تقدر بالمليارات دون جدوى وبدون فائدة اقتصادية سوى الأبهة والتفاخر وهدر المال العام ونحن نعيش أزمة طاقة وشح في الامكانيات وبطالة أصحاب الشهائد العليا.
فمن أولويات الحكومة الجديدة أن تبدأ تطبيق سياسة التقشف على نفسها لتكون المثال والنموذج إن كانت صادقة في البحث عن حلول عملية وناجعة للمشاكل المطروحة بإلحاح.
كما لا يمكن المواصلة مع جباية غير عادلة في ظل التهرب من أدائها لشرائح كثيرة والتمتع الغير متوازن بخيراتها في ظل التفاوت الجهوي في الاستثمارات العمومية والبنية الأساسية.
4. التخلي عن سياسة الولاءات:
لسنا في عهد القبائل والغزوات لنعطي لأبناء العمومة ما نشاء من خيرات البلاد وثروتها التي حباها الله بها ونمنح المناصب جزافا بعيدا عن الكفاءة والمقدرة ونتكئ عل سلطتنا التقديرية الأمارة بالسوء لنعطي لزيد ما ننكره على عمرو بجرة قلم وذلك بحثا عن طاعة عمياء لا تفيد شيئا ولا تحقق مصلحة للبلاد سوى منفعة شخصية زائفة ووقتية.
5. النهوض بالتعليم :
لا يمكن لأمة أن تنهض بدون تعليم جيد ومبدع بحيث يأخذ البحث العلمي مكانة مرموقة ويحظى فيه العلماء المكانة الرفيعة وتكون فيه الشهائد العلمية معترف بقيمتها فتستفيد بذلك المجموعة الوطنية ولا تبقى حبرا على ورق.
فبطالة أصحاب الشهائد العليا قضية مركزية أمام الحكومة الجديدة تتطلب العناية اللازمة عبر البحث عن حلول بالنظر في منظومة التشغيل والتطور المهني والملاءمة بين سوق الشغل وخصائص التكوين الأكاديمي والمهني.
فالإدارة التونسية بتشاريعها وإجراءاتها الحالية لا يمكنها توظيف العدد الهائل من أصحاب الشهائد العليا وقد أصبحت إدارتنا الموقرة تمنح الشهائد العليا بطرق ملتوية نيابة عن الجامعة سوى بالإختيار أو عن طريق المناظرات الداخلية المشكوك في مصداقيتها ومستواها العلمي والبيداغوجي بحيث يصبح صاحب شهادة الباكالوريا فحسب أو أقل من ذلك بكثير ''باش مهندس'' أو خبير أو حتى مدير في سنوات قليلة بقدرة قادر.
6. محاربة غلاء المعيشة:
يعيش المواطن التونسي اليوم محنة غلاء المعيشة في ظل فوضى الأسعار والعرض والطلب ولا بد من إيجاد آليات تحد من هذا الغول الرهيب وترشيد الاستهلاك والتحكم في المسالك والكلفة والضرب من حديد على المضاربين والمحتكرين وسن القوانين الرادعة.
7. إرساء قواعد الأمن الجمهوري الفعال:
في ظل التجاذبات السياسية واقترابنا من رهانات مرحلة الانتخابات القادمة يعتبر الأمن من أوكد مهام الحكومة الجديدة لتحقيق الأمن الجمهوري الفعال ومنحه الامكانيات والصلاحيات والعقيدة بعيدا عن التوظيف السياسي والحزبي حتى يشعر المواطن بالطمأنينة وراحة البال وتتم الانتخابات المقبلة على أحسن وجه.
*كاتب ومحلل سياسي