القصاص نجم التأسيسي
بقلم عزالدين مبارك
أتى إبراهيم القصاص من أعماق الريف حاملا معه الشهامة والرجولة والبساطة في كل شيء وهو البدوي الذي رضع الكرامة والأنفة من حليب أمه الشحيح وأكل الرغيف حافيا وربما تناول في أيام القحط والتعاسة والجوع الأسود وجبات من الظلف مثله مثل العديد من أقرانه وقد اًصبح الآن رمزا من رموز تلك الربوع الذي يصفر فيها الريح والعجاج الأصفر.
ترك القصاص سيارته المهترئة وعدته هناك وأصحابه الأوفياء وجاء العاصمة فاتحا فلم تغره مباهج العالم الجديد وتمسك بهندامه وفطرته ولكنته وأسلوب عيشه وخرج مع المتظاهرين ملتحما ودخل قبة التأسيسي مدافعا عن المهمشين وآكلي الظلف والضعفاء فكان بذلك صوت من لا صوت له وفارسا لا يشق له غبار في المجادلة والتكتيك السياسي والكر والفر.
وقد كانت تدخلاته نابعة من الواقع الذي كان يعيشه ولم تكن مخادعة أو تهويلا مفتعلا أو مزايدات بلا معنى مثلما يفعل غيره في الكثير من الأحيان. فهو لم يدخل مدرسة النفاق والدجل السياسي والمناورات الحزبية والمذهبية وبقي صافي السريرة لا يجامل ولا يعادي أحدا وهمه خدمة الثورة وتحقيق أهدافها النبيلة وهو المكتوي بنار التهميش والفقر والخصاصة والقادم من المناطق المحرومة البائسة منذ عصور طويلة.
وكلما تكلم أحدث زوابعا ورعودا وتململا داخل قبة التأسيسي فيهب الجمع في التشويش عليه فلغته الواقعية تخدش حيائهم فلم يتعودوا على خشونتها النابعة من وعورة التضاريس في تلك الربوع المنسية وصعوبة الحياة وشظف العيش.
فتعبيراته القادمة من الأعماق التي تلامس القلوب ولا تعرف النفاق والمجاملة أحدثت في النفوس انبهارا وإعجابا وقبولا واستلطافا متزايدا حتى أصبح نجم التأسيسي بدون منازح و لا يحلو المقام بلا حضوره.
وكل من يتصفح الانترنات يجد للقصاص ركنا أو زاوية قارة أو مكانا بارزا فهو معبود الفايسبوكيين ومحور حديثهم وتندرهم وهو على كل لسان من الصغير إلى الكبير وشاغل الناس ومعبود الجماهير وظاهرة بأتم معنى الكلمة.
دخل القصاص البيوت من أوسع أبوابها ونال الإعجاب والتبجيل فلم يتغير ويكفر ببني جلدته وواصل مهمته بثبات كما هدد بالرجوع إلى قواعده وسيارته لينفض عنها الغبار وقد عاوده الحنين لقيادتها بين الصحاري كالأمير بين خلانه وأصحابه بعدما مل الجلوس في المقاعد صامتا في انتظار لحظات معدودة لا تشبع نهمه ولا تفسح المجال أمامه ليبلغ صوت من نالهم سخط الطبيعة والحكام.
وهناك شق من المنعوتين ب''البلدية'' والذين يدعون التحضر ومصابون بداء التعالي لا يتحملون رؤية القصاص وهو يتحدى من كان يراهم في التلفاز ولا يستطيع حتى مجرد مصافحتهم والوقوف بجانبهم فشيطنوه وجعلوه مهرجا حينا ومتطاولا أحيانا أخرى ونعتوه بال''بصاص'' وال''غفاص'' لعله ينهار أو يخرج عن رشده لكنه أبدع لهم من قاموسه ''الظلفي'' شتى أنواع التوليفات والمفردات التي زادت من شعبيته وجعلته صلب المشهد التأسيسي بامتياز رغم أنف الحاقدين والصائدين في الماء العكر.
وربما تبقى ذكرى القصاص ومروره بالتأسيسي ذات يوم تاريخا وعلامة بارزة ومن ديباجات الدستور الجديد وهذا في حد ذاته يعد فخرا لصاحب ال''الكات كات باشي'' ولأهله الطيبين وربوع الجنوب وتذهب بقية الحواشي والتعليقات الطريفة كسحابة صيف.