لانغستون هيوز... شاعر الزنجيّة الجديدة
بيروت – محمد الحجيري
قرأنا أخيراً قصائد الشاعر الأميركي لانغستون هيوز مترجمة الى العربية، من بينها خمس قصائد بتوقيع عادل صالح الزبيدي، وقبل أيام صدرت عن «دار الجمل» مجموعة «أنا أيضاً أغني أميركا» ترجمة سامر أبو هواش.
لانغستون هيوز شاعر أميركي أسود، وقاص وروائي ومؤلف مسرحي. وُلد في غوبلن بولاية بمايسوري، وعاش طفولته بين والدين انفصلا عن بعضهما في وقت مبكر. وانطلقت شهرته في السابعة عشرة من عمره، عند نشره قصيدته الشهيرة «الزنجي يتكلّم عن الأنهار».
جاء هيوز من خلفية أميركيّة سوداء وترك أثراً مهماً في تطوّر القصيدة الأميركية عموماً، وربما كان أول شاعر أفرو - أميركي يستثمر انتماءه في تطوير خطاب شعري متميز، على عكس شعراء آخرين من الانتماء ذاته آثروا أن يكونوا أقرب إلى الموروث الأميركي الأبيض أو الأنغلوسكسوني منهم إلى انتمائهم الإثني، بما يزخر به من ثقافة ومكونات سياسية واجتماعية واقتصادية. واذا كانت مهمة المفكرين السود محاججة الدعاوي العرقية الني كانت منتشرة بقوة في العالم الغربي والقائلة بانحطاط العرق الأسود «الأصلي» (بالولادة)، والجيني وعدم قدرته الطبيعية على التطوّر والارتقاء، فإن أهمية هيوز تكمن في أنه قدّم البعدين الروحي والحضاري للسود، والمتمثلين في الأشكال التعبيرية والإيقاعات الموسيقية والثقافة الطقوسية الضاربة عميقاً في التاريخ.
نهضة «هارلم»
هيوز أحد أبرز كتّاب ما يسمى بنهضة «هارلم»، وهي حركة أدبية فنيّة ظهرت في عشرينات القرن الماضي لتهتم بثقافة الأميركيين الأفارقة، واستقت اسمها من الحي الشهير الذي يسكنه هؤلاء في مدينة نيويورك.
تأثر الشاعر بوالت ويتمان وكارل ساندبورغ، وبشعراء سود أمثال بول لورنس دانبر. كذلك تأثر كثيراً بموسيقى الجاز وأغنيات الزنوج الحزينة (البلوز)، ويبدو ذلك واضحاً في أشعاره الأولى الواردة في مجموعتيه «البلوز الحزينة» (1926) و{ملابس فاخرة إلى اليهودي» (1927).
تميز شعر هيوز بالتعبير عن وعي السود، وهدر كرامتهم تحت وطأة التمييز العنصري. يقول في قصيدة «مهرج أسود»:
أنا المهرّج الأسود
فتاتي لم تحبني
فزحفت بعيداً في الليل
وكان الليل أسود مثلي
أنا المهرج الأسود
فتاتي لم تحبّني،
فبكيت حتى طلع الفجر
دماً سفح على التلال الشرقية،
وكان قلبي ينزف أيضاً.
وفي قصيدة أخرى:
أنا أيضاً أغني أميركا
أنا الأخ الداكن
يرسلونني لآكل في المطبخ
حين تأتي الرفقة
لكنني أضحك
وآكل جيداً
وأصير قوياً
عام 1926 نشر الشاعر مقاله الشهير «الفنان الأسود وجبل العرقية» في صحيفة «الأمة»، وعرض فيه رؤيته للفنانين الأفرو - أميركيين. قال: «لنعبّر عن أنفسنا، رغم سواد لوننا، من دون خوف أو خجل. لنسعد إذا رضي البيض عنّا. ولنسعد اذا لم يرضو عنّا. لا يهم رأي البيض فينا». ولا تزال قصاصة الجريدة موجودة في «متحف هيوز» في بنسلفانيا، ويقول عنها البعض «مانفستو هيوز» الذي افتخر بلونه الأسود، ودعا الى المساواة، واعتبر نفسه ليس أقل أميركيّة من أي أبيض.
ومنذ مطلع الثلاثينات بدأ الشاعر يهتم بالجماعات اليسارية، لا سيما الحزب الشيوعي، وعلى رغم أنه لم ينضم رسمياً الى صفوفه، إلا أنه كان مناصراً للشيوعية التي رأى فيها نموذجاً لجلب العدالة الى السود في أميركا. وكتب في هذا المجال «صباح الخير أيتها الثورة» و{وداعا أيها المسيح».
استدعي هيوز للتحقيق من «المكارثية» التي تعتبر أسوأ كابوس عرفته أميركا. فأنكر انتماءه إلى اليسار الثوري، واعترف بأن أشعاره الثورية كانت طائشة وتفتقر إلى الحكمة. ونشر عام 1942 مجموعته «شكسبير في هارلم» التي هاجم فيها التمييز العنصري، ثم نشر «مجالات العجب» عام 1947 و{بطاقة سفر ذهاباً» عام 1949، ثم مجموعة شكلت منعطفاً مهماً في مسيرته الشعرية بعنوان «مونتاج حلم مؤجل» عام 1951. وكتب عام 1962 قصيدة طويلة بعنوان «اسأل ماما» التي تزخر بإشارات وإحالات إلى ثقافة السود وعالمهم وموسيقاهم.
توفي هيوز عام 1967 بعد معاناة مع السرطان، وكان أصبح بمثابة أسطورة تتجاوز الكتابة والشعر الى مستوى الرموز، حتى أن البعض أطلق عليه لقب «شاعر الشعب الأميركي».