شاعر النيل
حافظ إبراهيم هو شاعر النيل وواحد من أبرز الشعراء المصريين في
العصر الحديث، تناول شعره أشكالاً مختلفة وبرع في الأشعار الوطنية والرثاء، فنجد له العديد من القصائد الرائعة، ينضم حافظ لقافلة الشعراء المتميزين الذين عرفوا بشعراء عصر الإحياء، مثل محمود سامي البارودي، واحمد شوقي وغيرهم.
البعض أرجع سبب تسميته بشاعر النيل نظراً لحبه الشديد لمصر وشعبها، أو لأنه نظم العديد من أشعاره الوطنية والتي جاء ذكر النيل في عدد منها.
النشأة والمجال العملي
هو محمد حافظ بن إبراهيم فهمي المهندس، ويعرف بحافظ إبراهيم، ولد في الرابع من فبراير عام 1872م بديروط بمحافظة أسيوط بجمهورية مصر العربية، توفى والده بعد عامين من ولادته، وأنتقل حافظ إلى القاهرة مع والدته التي توفيت هي الأخرى بعد أعوام قليلة من وفاة والده، وتولى خاله تربيته وادخله المدرسة، وفي المدرسة أقبل حافظ على قراءة الدواوين الشعرية ونظم الشعر وهو الأمر الذي أثر على دراسته.
التحق بالمدرسة الحربية وتخرج منها عام 1891م برتبة ملازم ثان، ثم قام بالسفر إلى السودان في إحدى الحملات، وفي السودان ذاق حافظ مرارة الاستعمار ومدى المعاناة التي تقع بها الشعوب المحتلة، مما اثر على أشعاره كثيراً والتي اصطبغت بالوطنية والقومية.
وَمـا أَعـذَرتُ حَـتّى كـانَ iiنَـعلي
دَمــاً وَوِسـادَتـي وَجـهَ iiالـتُرابِ
وَحَـتّى صَـيَّرَتني الشَمسُ iiعَبداً
صَـبـيغاً بَـعـدَ مـا دَبَـغَت iiإِهـابي
وَحَـتّـى قَـلَّـمَ الإِمــلاقُ iiظُـفـري
وَحَــتّـى حَـطَّـمَ الـمِـقدارُ iiنـابـي
مَـتى أَنـا بـالِغٌ يـا مِـصرُ أَرضاً
أَشُـــمُّ بِـتُـربِـها ريــحَ iiالـمَـلابِ
رَأَيـتُ اِبـنَ الـبُخارِ عَلى iiرُباها
يَــمُـرُّ كَــأَنَّـهُ شَـــرخُ iiالـشَـبابِ
كَـــأَنَّ بِـجَـوفِـهِ أَحـشـاءَ صَــبٍّ
يُـؤَجِّـجُ نـارَهـا شَــوقُ الإِيــابِ
إِذا مــا لاحَ سـاءَلـنا iiالـدَيـاجي
أَبَرقُ الأَرضِ أَم بَرقُ السَحابِ
تم طرده من الجيش بعد أن قامت القوات الإنجليزية باتهامه هو ومجموعة من الضباط والجنود المصريين بتدبير مؤامرة عليها وتأليف جماعة وطنية سرية، فقاموا بمحاكمته هو والآخرون وطرد من الجيش، ثم أعيد مرة أخرى للخدمة فعين بوزارة الداخلية عام 1894م، أصبح بعد ذلك رئيساً للقسم الأدبي بدار الكتب المصرية عام 1911م، ثم عمل محرراً بجريدة الأهرام.
في الفترة التي تلت عودته من السودان عاش حافظ حياة بها الكثير من الألم والفقر، وفي مصر بدأ يمعن النظر في حياة المصريين وتعمق فيهم فنظم العديد من الأشعار التي تنوعت بين مدح ورثاء ووطنية، والتقى هناك بالعديد من الرموز الفكرية والوطنية من أمثال محمد عبده، قاسم أمين، مصطفى كامل البارودي وغيرهم مما اثر عليه كثيراً.
شعره
قام حافظ إبراهيم بحمل هموم الوطن والشعب فعبر عنها في الكثير من القصائد الشعرية، اشتهر بشعره الوطني وقوميته، وارتبط شعره بالمناسبات على اختلاف أنواعها سواء رثاء أو مدح أو وصف، وقال عنه الشعراء والنقاد انه احكم الصياغة والأسلوب وأجاد بهما، وقد هزته الأحداث الوطنية التي مرت على بلاده في الفترة التي عاصرها، كما اثر فيه ظهور الكثير من الشخصيات الوطنية الحاملة لهموم الوطن.
مما قاله في حادثة دنشواي:
أَحـسِـنوا الـقَـتلَ إِن ضَـنَنتُم iiبِـعَفوٍ
أَنُــفــوســاً أَصَــبــتُـمُ أَم جَـــمــادا
لَيتَ شِعري أَتِلكَ مَحكَمَةُ التَفتيشِ
عـــادَت أَم عَــهـدُ نــيـرونَ iiعــادا
كَـيـفَ يَـحلو مِـنَ الـقَوِيِّ iiالـتَشَفّي
مِــن ضَـعـيفٍ أَلـقـى إِلَـيهِ iiالـقِيادا
إِنَّــهـا مُـثـلَةٌ تَـشُـفُّ عَــن iiالـغَـيظِ
وَلَـــســنــا لِــغَــيـظِـكُـم iiأَنـــــــدادا
أَكـرِمـونـا بِـأَرضِـنـا حَــيـثُ iiكُـنـتُم
إِنَّــمــا يُــكـرِمُ الــجَـوادُ iiالــجَـواد
وقد قام حافظ برثاء زعماء مصر مثل سعد زغلول ومصطفى كامل.
مما قاله في رثاء مصطفى كامل
تَـرَكتَ فـينا فَـراغاً لَـيسَ يَشغَلُهُ
إِلّا أَبِــيٌّ ذَكِــيُّ الـقَـلبِ iiمُـضطَرِمُ
مُـنَـفَّـرُ الــنَـومِ سَــبّـاقٌ iiلِـغـايَـتِهِ
آثـــــارُهُ عَــمَــمٌ آمــالُــهُ iiأَمَــــمُ
إِنّـي أَرى وَفُـؤادي لَيسَ iiيَكذِبُني
روحـاً يَحُفُّ بِها الإِكبارُ iiوَالعِظَمُ
أَرى جَـلالاً أَرى نوراً أَرى مَلَكاً
أَرى مُــحَـيّـاً يُـحَـيّـيـنا iiوَيَـبـتَـسِمُ
الـلَـهُ أَكـبَرُ هَـذا الـوَجهُ iiأَعـرِفُهُ
هَـذا فَتى النيلِ هَذا المُفرَدُ العَلَمُ
غُـضّـوا الـعُـيونَ وَحَـيّوهُ تَـحِيَّتَهُ
مِـنَ الـقُلوبِ إِذا لَـم تُـسعِدِ الكَلِمُ
وَأَقسِموا أَن تَذودوا عَن مَبادِئِهِ
فَنَحنُ في مَوقِفٍ يَحلو بِهِ القَسَمُ
لَـبَّيكَ نَحنُ الأُلى حَرَّكتَ iiأَنفُسَهُم
لَـمّـا سَـكَنتَ وَلَـمّا غـالَكَ iiالـعَدَمُ
وقال في رثاء سعد زغلول
خَــرَجَــت أُمَّـــةٌ تُـشَـيِّـعُ iiنَـعـشـاً
قَــد حَــوى أُمَّــةً وَبَـحـراً عُـبـابا
حَـمَـلـوهُ عَــلـى الـمَـدافِـعِ iiلَــمّـا
أَعـجَـزَ الـهـامَ حَـمـلُهُ وَالـرِقـابا
حالَ لَونُ الأَصيلِ وَالدَمعُ يَجري
شَـفَـقـاً ســائِـلاً وَصُـبـحاً iiمُـذابـا
وَسَـها الـنيلُ عَـن سُـراهُ ذُهـولاً
حينَ أَلفى الجُموعَ تَبكي iiاِنتِحابا
ظَـنَّ يـا سَـعدُ أَن يَـرى iiمِهرَجاناً
فَـــرَأى مَـأتَـماً وَحَـشـداً عُـجـابا
لَــم تَـسُق مِـثلَهُ فَـراعينُ مِـصرٍ
يَــــومَ كــانــوا لِأَهـلِـهـا أَربــابـا
خَـضَـبَ الـشـيبُ شَـيبَهُم iiبِـسَوادٍ
وَمَـحا البيضُ يَومَ مِتَّ iiالخِضابا
من أشهر قصائده قصيدة " مصر تتحدث عن نفسها" والتي قامت بغنائها كوكب الشرق السيدة أم كلثوم ولحنها رياض السنباطي.
وهذا جزء من القصيدة
وَقَـــفَ الـخَـلـقُ يَـنـظُـرونَ iiجَـمـيعاً
كَـيـفَ أَبـنـي قَـواعِدَ الـمَجدِ وَحـدي
وَبُـنـاةُ الأَهـرامِ فـي سـالِفِ iiالـدَهرِ
كَــفَـونـي الــكَــلامَ عِــنـدَ iiالـتَـحَـدّي
أَنـا تـاجُ الـعَلاءِ في مَفرِقِ iiالشَرقِ
وَدُرّاتُــــــــهُ فَــــرائِــــدُ عِــــقــــدي
أَيُّ شَيءٍ في الغَربِ قَد بَهَرَ الناسَ
جَــمـالاً وَلَـــم يَــكُـن مِــنـهُ iiعِـنـدي
فَــتُـرابـي تِــبــرٌ وَنَــهــري iiفُـــراتٌ
وَسَــمــائـي مَــصـقـولَـةٌ كَـالـفِـرِنـدِ
أَيـنَـمـا سِـــرتَ جَــدوَلٌ عِـنـدَ iiكَــرمٍ
عِــنــدَ زَهــــرٍ مُــدَنَّــرٍ عِــنـدَ iiرَنـــدِ
وَرِجـالـي لَــو أَنـصَـفوهُم iiلَـسـادوا
مِــن كُـهـولٍ مِــلءِ الـعُـيونِ وَمُـردِ
لَـــو أَصـابـوا لَـهُـم مَـجـالاً iiلَأَبــدَوا
مُـعـجِزاتِ الـذَكـاءِ فــي كُــلِّ قَـصـدِ
إِنَّـــهُــم كَــالـظُـبـا أَلَـــــحَّ عَــلَـيـهـا
صَـــدَأُ الــدَهـرِ مِــن ثَــواءِ وَغِـمـدِ
فَــــإِذا صَــيـقَـلُ الـقَـضـاءِ iiجَــلاهـا
كُــنَّ كَـالـمَوتِ مــا لَــهُ مِــن iiمَــرَدِّ
أَنـــــا إِن قَـــــدَّرَ الإِلَــــهُ iiمَــمـاتـي
لا تَرى الشَرقَ يَرفَعُ الرَأسَ iiبَعدي
مــــا رَمــانــي رامٍ وَراحَ iiسَـلـيـمـاً
مِـــن قَــديـمٍ عِـنـايَـةُ الــلَـهُ جُـنـدي
كَـــم بَــغَـت دَولَـــةٌ عَـلَـيَّ وَجــارَت
ثُـــمَّ زالَــت وَتِـلـكَ عُـقـبى الـتَـعَدّي
إِنَّـــنــي حُــــرَّةٌ كَــسَــرتُ قُــيــودي
رَغــمَ رُقـبـى الـعِـدا وَقَـطَّعتُ iiقِـدّي
وَتَـمـاثَـلتُ لِـلـشِـفاءِ وَقَـــد iiدانَــيـتُ
حَــيــنـي وَهَـــيَّــأَ الــقَــومُ iiلَــحــدي
قُــل لِـمَـن أَنـكَـروا مَـفـاخِرَ iiقَـومي
مِــثـلَ مـــا أَنــكَـروا مَــآثِـرَ iiوُلــدي
هَـــل وَقَـفـتُـم بِـقِـمَّـةِ الــهَـرَمِ iiالأَك
بَـــرِ يَــومـاً فَـرَيـتُمُ بَـعـضَ جُـهـدي
هَــل رَأَيـتُـم تِـلكَ الـنُقوشَ الـلَواتي
أَعَـجَـزَت طَــوقَ صَـنـعَةِ iiالـمُتَحَدّي
وفاته وأعماله
توفى حافظ إبراهيم في 21 يوليو عام 1932م، ترك ديوان شعر يضم أكثر من خمسة ألاف بيت، ومن أعماله النثرية نجد " ليالي سطيح"، ومن الأعمال الشعرية " قصيدة العام الهجري، الأم المثالية، مصر تتحدث عن نفسها، خمريات ، سجن الفضائل"، ومن أعماله المترجمة " مسرحية شكسبير، البؤساء لفكتور هوجو".