رابندراناث طاغور شاعر وفيلسوف هندي. ولد عام 1857 في القسم البنغالى من مدينة كالكتا وتلقى تعليمه في منزل الأسرة على يد أبيه ديبندرانات وأشقاؤه ومدرس يدعى دفيجندرانات الذي كان عالماً وكاتباً مسرحياً وشاعراً وكذلك درس رياضة الجودو. درس طاغور اللغة السنسكريتية لغته الأم وآدابها واللغة الإنجليزية ونال جائزة نوبل في الآداب عام 1913 وأنشأ مدرسة فلسفية معروفة باسم فيسفا بهاراتي أو الجامعة الهندية للتعليم العالى في عام 1918 في اقليم شانتي نيكتان بغرب البنغال.
أهم أعماله
(جيتانجالي) أو القربان الشعري
جورا (رواية)
كتب البريد (مسرحية)
أهم أفكاره
نبذه لفكرة التعصب والتى سادت بين كثير من الطوائف والأديان في الهند المقسمة وتجلى ذلك في روايته (جورا) التي فضحت التعصب الهندوسى فتسبب ذلك استياء أهله ،فسافر إلى إنجلترا عام 1909 ليصيب شهرة بعد ترجمة العديد من أعماله للغة الإنجليزية.
محبة الإنسانية جمعاء بدلاً من التمسك بالحب الفردى والخاص وكان ذلك بعد فقده لأمه وانتحار شقيقته وكذلك وفاة زوجه وثلاثة من أطفاله ووالده.
اختلافه مع الزعيم الروحى الهندى غاندي الذي اعتمد على بساطة العيش والزهد كسلاح لمقاومة الاستعمار الانجليزى وهو ما رآه طاغور تسطيحاً لقضية المقاومة وهو أول شاعر آسيوي حصل على جائزة نوبل.
وفاته
توفى طاغور عن عمر يناهز 84 عاماً وذلك في عام 1941
( ويكيبيديا)
هِبة العاشقعن الشاعر رابندرانات طاغور
- 1 -
إيهٍ .. شاه جاهان *
لقد تركتَ قدرتكَ الملكية للتلاشي
لأنكَ رغبتَ في أٍن تمنحَ الخلودَ لدمعة حب .
إنّ الزمن لا يرحم القلبَ البشري
بَل إنه يسخر من كفاحه الكئيب للتذكّر .
لقد فتَنْتَه بالجمال فجعلتَه أسيراً
وتوّجتَ الموت الذي لا شكل له
بإكليلٍ لا تذوي أزهارُه .
الهمسة السرّية التي تناهتْ إلى أذن حبّكَ
في سكون الليل
تحوّلتْ إلى صمتِ حجارةٍ أبديّ .
وفي حين تنهار الإمبراطوريات فتمسي غباراً
وتمّحي القرونُ في الظلال
فإنّ الرخام يظلّ يتنهّد وهو يتطلع إلى النجوم قائلاً :
(( إنني أتذكّر .. إنني أتذكّر ))
ولكنّ الحياة تنسى ، لأنّ الأبديّة تدعوها
وهكذا تستمرّ في رحلتِها
متحررةً من عبئها ،
مغادِرةً ذكرياتها
إلى أشكال الجمال البائسة المهجورة .
ـــــــــــــــ
* شاه جاهان : هو الأمير الهندي الذي بنى أعجوبة الدنيا " تاج محل " من الرخام تخليداً لزوجته . وفيه دُفنا .
- 2 -
تعال ، يا حبّي ، إلى عالَم جنّتي .
مُرَّ بالأزهار المتّقدة التي تتدافع لرؤيتِك .
مُرَّ بها ، متشوِّفةً لقليلٍ من البهجة المحتمَل حدوثها .
والتي تشبه معجزةً فجائيّةً
لزخرفة الأنوار الآفلة والمراوِغة .
ولأنّ هديّة الحبّ خجلة
فإنّها لن تفصِحَ عن اسمِها،
بل ستطير عبر الظل ،
ناشرةً رعشةً من بهجةٍ على طول التراب .
أدرِكْها ، وإلاّ ستفوتكَ إلى الأبد .
فإنّ هديّةً تتمكّن من الإمساك بها ،
لن تكون أكثرَ من زهرةٍ هشّةٍ ،
أو مصباحٍ ذي لَهَبٍ سيومض ويخبو .
- 3 -
هي ذي الثمار تكتظّ في بستاني ،
ويزحم بعضُها بعضاً .
هي ذي تموج في النور في كربٍ من التخمة .
سيري بكبرياءٍ في بستاني ، يا مليكتي ،
واجلسي ثمّةَ في الظلّ ،
ثمّ اقطفي الثمارَ اليانعةَ من أغصانِها ،
واعصريها
لتهبَ إلى الآخرِ حِملَها من الحلاوة لشفتيك .
في بستاني ،
تهزّ الفراشاتُ أجنحتَها تحت الشمس
وترتعش الأوراق ،
وتصخب الثمار لتصل إلى الاِكتمال .
- 4 -
إنها شديدةُ القرب من قلبي ،
كما المَرْج من الأرض .
عذْبةٌ كما النوم للأوصال المتعَبة .
حبّي لها هو حياتي التي تجري إلى تمامِها
مثلَ نهرٍ في تدفّقٍ خريفي ،
يسعى باستسلامٍ هادئ .
أغنياتي متّحدةٌ بحبّي ،
مثل خرير الجدول الذي يغنّي
مع كلّ أمواجه وتياراتِه .
- 5 -
سوف أطمع بالمزيد ،
ولو امتلكتُ السماء بكلّ نجومها ،
والعالَمَ بثروته التي لا تنضب .
ولكنني سأكون قانعاً
بالزاوية الأصغر على هذه الأرض ،
لو كانت حبيبتي وحدها معي .
- 6 -
في ضوء هذا النهار الباهت من الربيع ، يا شاعري ،
يغنّي أولئكَ الذين يمرّون بغير توانٍ أو تريّث ..
والذين يضحكون بينا هم يسارعون
بغير التفاتٍ إلى وراء ..
والذين يزهرون في ساعةٍ واحدةٍ بالسعادة المُفرِطة ،
ثمّ يذبلون في لحظةٍ واحدةٍ بغير ندم .
فلا تقتعد الأرضَ صامتاً ،
تكرّ سبّحات دموعكَ وابتساماتكَ الآفلة .
لا تتوقّفْ
لتلتقط التويجاتِ الساقطةَ من أزهار الليلة الفائتة .
لا تذهب بحثاً عن أشياء راغتْ منك ،
بغية معرفة المعنى الغامض .
بل غادر الشِعابَ في حياتك حيثما كانت ،
إلى الموسيقى ، لتنقذك من أعماق تلكم الشِعاب .
- 7 -
لقد أُهدِر الكثير في صيفٍ طائشٍ واحد ،
ولم يبق إلاّ القليل الآن ،
لكنّه يكفي لنظم أغنيةٍ تُغنّى لك ،
ولنسج سلسلةٍ زهريةٍ تشبك بوداعةٍ معصمَك .
يكفي ليُدَلّى على أذنكِ
مثل لؤلؤةٍ قرنفليّةٍ بالغة الكمال ،
ومثل همسةٍ حييّة .
يكفي للمجازفة في لعبةٍ لليلةٍ واحدةٍ ؛
ثمّ يضيع إلى الأبد .
قارَبي هشٌّ صغير ،
لا يصلح لركوب أمواجٍ هائجةٍ تحت المطر
بيْدَ أنه لو خطوتِ بنعومةٍ فيه
فإنني سأجدّف بك بكلّ تؤدةٍ
بعيداً إلى وِقاءٍ على الشاطئ
حيث تموّج الماء الداكن يشبه نوماً مكدّرَ الحلم ، وحيث هديل الحمامة من الأغصان المتدلّية
يهب ظلال الظهيرة كآبةً وحزناً جليلا .
وفي نهاية النهار ،
حين تتعبين
سأقطف سوسنةً مائيةً لأضعَها في شَعرك ،
وأستأذن بالانصراف .
- 8 -
ثمّةَ متّسَعٌ من أجلِك ..
أنتِ وحيدةٌ مع حُزَمكِ القليلة من الرز .
قاربي مزدحمٌ ، وحمولتُه ثقيلةٌ ، ولكنْ
أنّى لي أن أردّكِ خائبةً ؟
جسدُكِ الفتيّ ناحلٌ يتمايل ،
وثمّة ابتسامةٌ متلألئةٌ في طرفي عينيك ،
ورداؤكِ بلون غمامةٍ ماطرة .
ومثل جميع المسافرين الذين سيترجّلون
إلى طرقٍ وبيوتٍ متباينة ،
ستجلسين لبرهةٍ في مقدّمة المركب ،
ثمّ لن يستبقيكِ أحدٌ إمّا انتهت الرحلة .
- إلى أين تذهبين ؟
إلى أيّ منـزلٍ لتخزني فيه هذه الحُزَم ؟
لن أسألكِ البتّةَ .
ولكنني ساعةَ أطوي أشرعتي وأرسي قاربي ، سأجلس متسائلاً في المساء :
- إلى أين تذهبين ؟
إلى أيّ منـزلٍ لتحتجني فيه حُزَمك ؟
- 9 -
ثقيلةٌ هي سلّتُكِ يا امرأة ، ومتعَبةٌ أوصالُك .
فلأي مسافةٍ شرعتِ برحلتكِ هذه ،
توّاقةً للربح والانتفاع ؟
الطريقُ طويلٌ ، والثرى ساخنٌ تحت الشمس ..
تأمّلي ،
البحيرةُ طاميةٌ عميقة ،
وماؤها داكنٌ كعين غراب ،
أمّا جروفُها فمنحدرةٌ زَلِقةٌ معشوشبةٌ .
اغمسي قدميكِ المُتعَبتين في الماء .
إنّ ريحَ الظهيرة ستمرر أصابعَها من خلال شَعرِك ، وستدندن الحمائم بأغانيها الناعسة ،
وستهمس أوراقُ النباتات
بأسرارها المستكنّة في الظلال .
ما من مشكلةٍ
إن مرّت الساعات أو غربت الشمس ،
أو إن ضاع الطريق عبر الأرض المقفرة
في النور الشاحب .
إن بيتي هناك ،
إلى جوار زهور حنّاء الأسيجة ..
سأقودُكِ إليه .
وسأسوّي فراشاً لك ، وأشعل قنديلاً .
ثُمّ في الصباح
حين تستيقظ الطيورُ على ضجّةِ حِلابة البقر ..
سأوقظك .
- 10 -
تُرى ..
ما هو ذلك الشيء
الذي يقود تلكم النحلات من خليّتِها ،
تلكم المتتبّعات للروائح غير المرئية ؟!
ما هي تلك الصيحة التي تتردّد في أجنحتِها المتلهّفة ؟!
كيف يتأتى لها
أن تسمعَ الموسيقى النائمة في روح الزهرة ؟!
ثم كيف تستطيع أن تجدَ طريقَها
إلى المكمن الذي يستلقي فيه العسلُ حييّاً ، صامتاً ؟!
- 11 -
كان ثمّة بدايةُ تفتّحٍ للأوراق فحسب ، في الصيف ..
الصيف الذي وصل إلى الحديقة عبر البحر .
كان ثمّةَ نشاطٌ وحفيفٌ فحسب ، للريح الجنوبية ، ونُتَفٌ قليلةٌ كسولةٌ من الأغنيات
وبعدها انتهى النهار .
فاسمح لريعان الحبّ في الصيف
أن يصل إلى الحديقة عبر البحر ..
واسمحْ لبهجتي أن تولَدَ ، وتصفِّقَ بكفّيها ،
ثمّ ترقص مع الأغنيات الدافقة ..
واجعل الصباح يفتح عينيه على اتّساعهما
بانشداهٍ عذب .
- 12 -
أهٍ أيّها الربيع !
منذ عصورٍ خلتْ ،
حين فتحْتَ البوّابةَ الجنوبيّة لحديقة الآلهة ؛
وهبطتَ فوق الأرضِ الفتيّة البِكْر
اندفع الرجالُ والنساءُ خارج منازِلهم
ضاحكين ، راقصين ،
يرشق بعضُهم بعضاً بزهر الأرضِ
بمَرَحٍ جنونيٍّ مفاجئ .
وعاماً بعد عام ،
صرتَ تأتي بالأزهار ذاتِها
التي بعثَرتَها في طريقك ، في نيسان الأوّل ذاك .
ولذا فهي - في عبيرها المتضوّع - اليوم ،
إنما تنفُثُ تنهُّدَ الأيام التي أضحتْ مجرّدَ أحلام ، وتنهُّداً مُفعَماً بكآبةِ ذكرى تلك العوالِمِ المتلاشية .
نسيمُكَ محمّلٌ بنقوشِ الحبّ التي تلاشتْ
من كلّ اللغات البشريّة .
وذاتَ يوم ،
بمعجزةٍ عذبة ،
دخلتَ حياتي التي كانت مبتهجةً بحبّها الأوّل .
ومنذ ذلك الحين ،
صار الخوفُ الحَذِرُ لتلك البهجة الساذجة
يأتي مستتراً كلّ عامٍ
في البراعمِ الخضراء المبكّرة لأزهار ليموناتِك .
زهورُكَ الحمراء تحمل في صمتِها الملتَهِبِ
كلَّ الأشياء التي كانت تجِلُّ عن الوصف في داخلي . وهاهي ذكرى الساعات الغنائية في أيام أيّار
تُصدِرُ حفيفاً في ارتعاش أوراقِكَ الجديدة
التي تولد مرّةً بعد مرّة .
- 13 -
قدّمْتُ لكِ - الليلةَ الفائتة -
خَمرةَ شبابي المُزبِدة .
رفعْتِ الكأسَ إلى شفتيك ، وأغلقتِ عينيك ، وابتسمتِ بينما كنتُ أرفع عنكِ خمارَكِ ..
خُصُلاتُ شَعرِكِ المنثورةُ فوق صدري
غطّتْ حلاوة وجهِكِ المفعَمِ بالصمت ، أمس ،
حين غمر حلمُ القمرِ عالَمَ الرقاد .
وهاأنتِ ذي اليومَ تمشين
في سكون الفجر الباردِ النديِّ إلى هيكل الآلهة ، مستحمّةً ومكسوّةً بالبياض
مع سلّةٍ تنضح بالزهور في يدك
بينما أقف أنا جانباً تحت ظلِّ شجرة ،
محنيّ الرأس ، في هدوء الفجر ،
على الطريق الوحيدة المؤدّية إلى الهيكل .
- 14 -
اغفري لي يا حبّي ،
إذا ما كنتُ نافد الصبر اليوم .
إنه المطر الصيفيّ الأول ،
والحَرج على شاطئ النهر مصطفقٌ متمايل ،
كما أنّ أشجارَ ( الكادام ) المزهرة
تغري الرياحَ العابرة بكؤوسٍ مسكِرةٍ من العبير .
انظري ؛
من كلّ زوايا السماء ،
تفوِّقُ البروقُ ومضاتِها ،
وثمّة رياحٌ تتخلّل جدائلك .
اغفري لي يا حبي ،
إذا ما قدّمتُ لكِ اليومَ ولائي .
إنّ العالَمَ اليوميّ مخبوءٌ في عتمة المطر ،
وقد توقّف كلُّ عَمَلٍ في القرية ،
والمروجُ مهجورةٌ مقفِرة ..
في عينيكِ السوداوين ،
يعثرُ قدومُ المطر على موسيقاه
وعلى بابِكِ يقف تمّوز بتنّورته الزرقاء
مع شجيرات ياسمينٍ ، منتِظراً شَعرك .