حوار مع قيصر الترجمة عراف و قديس الشعر ( منير مزيد ) - د .بشار القيشاوي
إذا كانت روسيا القيصرية تتفاخر وتتباهى بأنها قد أنجبت الشاعر (بوشكين)، فمن حقنا كـ فلسطينين أن نتفاخر وأن نتباهى بأن فلسطين التي اغتصبت أرضها وشرد شعبها قد أنجبت للعالم من هو أعظم من (بوشكين)،
)، وهذا ما وجده الشاعر والناقد الفلسطيني (محمود فهمي عامر) خلال قراءاته النقدية في شعر( منير مزيد ) حتى منحه لقب (بوشكين فلسطين).
يعد (منير مزيد) أهم شاعر عربي معاصر يكتب قصيدة النثر، حتى أصبح قيصرها ويتربع حاليا على عرشها بلا منازع، وليس هذا فقط بل إنه من كبار المترجمين للشعر، فقد أصدر أنطولوجيا الشعر العربي التي حملت اسم (بوابة الشعر العربي ) بثلاث لغات: العربية، والرومانية، والإنجليزية بالتعاون مع البرفسور العراقي عبد الستار الأسدي والشاعر والباحث الروماني ( ماريوس كيلارو) ، لتكون أول أنطولوجيا شعرية تصدر بثلاث لغات ليتبعها بأنطولوجيا الشعر الروماني الموسومة بـ ( أكاليل الغار) بالتعاون مع الدكتور العراقي
(حمد الدوخي)، والشاعر والباحث الروماني (ماريوس كيلارو)، بالإضافة إلى ترجمته لديوان الشاعر الباكستاني سونا الله (حلقات ضمن حلقات)، وديوان الشاعرة الرومانية كورينا ماتي غيرمان ( فسيفساء الروح )، و ديوان الشاعر الروماني ماريوس كيلارو(الذي لم يتم اختياره أبدا)، وأنطولوجيا الشعر الصيني، ونماذج من شعر الهايكو الياباني، وحاليا يقوم بترجمة وإعداد أنطولوجيا شاعرات العرب (عقد اللؤلؤ)، وأنطولوجيا الشعر الروماني (الجزء الثاني) التي أوشك على الانتهاء من ترجمتها..
بداية نرحب بشاعرنا الكبير وسفيرنا إلى العالم و بوشكين فلسطين (منير مزيد)
* هناك بعض المؤسسات الثقافية والإعلامية العربية تتجاهل وجود( منير مزيد ) كواحد من كبار الشعراء ليس فقط على المستوى العربي بل على المستوى العالمي ، هل هذا يشعرك بالظلم ؟
سأكون صادقا معك، و أقول بصراحة ، من لا يقدر الجهد الثقافي والإنساني الذي قدمه (منير مزيد) فهو إما جاهل، أو حاسد فاسد ، والصنف الثاني من لا أريد التعامل معهم، أو لا ألتفت إليهم خلال عملي الثقافي والحضاري ، وربما زادوني قوة وإصرارا دون أن يشعروا ، وصدق الشاعر الألماني برتولت برشت عندما قال :
الأشرار يخيفهم مخلبك
الأخيار تسعدهم رقتك
مثل هذا سمعته
عن أشعاري
فسرني
ومن هذا الفهم فأنا والحمد لله لا أشعر بأي نوع من الظلم ، هذا جانب ، أما الجانب الأهم فهو يرتكز في فلسفتي الثقافية التي تسعى لمشروعها في كشف الذات الثقافية هنا في أوروبا ، ولهذا فأنا لست معنيا كثيرا بما يحدث في الشرق الأوسط على الساحة الثقافية ، فهناك من يقوم بهذا الدور في صدق و أمانة، وأنا أقدر جهدهم هناك وتواصلهم مع الثقافات الأخرى، أما هنا في وطني البديل رومانيا فيكمن مشروعي الحقيقي ، ويهمني جدا ما يدورفي ساحته الثقافية والحضارية؛ لأنني أريد لـ رومانيا أن تصبح منارة ثقافية وإنسانية للعالم ، وأن تحقق الرخاء لمواطنيها ، لهذا أشعر بأنني الأكثر دلالا في رومانيا مقارنة مع زملائي الآخرين، وهذا بفضل حب الشعب الروماني للإبداع وتقديرهم للجهد والعطاء ، وهذا أحد وأهم أسباب تفوق الغرب علينا. لهذا نرى هنا مدى سرعة التطور الذي يحصل على الصعيد العلمي والثقافي والاقتصادي في المقابل نرى عكس ذلك في الشرق الأوسط..
أما إذا اردت الحديث مستقبلا ، فأنا سبق لي وحاولت دخول تلك الساحة فدفعت الثمن غاليا، ولست مستعدا لتكرار تلك المأساة ، أو أكون فردا أو عضوا في عصابة ثقافية تخضع لهوى شخصي .
أحيانا أقرأ المقالات والقصائد التي تصلني من الأهل في الشرق الأوسط ، فأشعر بحزن شديد
و مرارة وغضب من هؤلاء الذين يشترون التخلف ويغرقون الأمة في مزيد من الجهل بحيث نرى شاعرا يكتب بيانا خطابيا يطلب فيه أن نحمي ثقافتنا من قصيدة النثر أو التفعيلة ، ويعتقد أن هناك مؤامرة على الشعر العربي ، وكأن طريقته مقدسة ولا يجوز لنا أن نجرب طريقة أخرى تتناسب مع حياتنا المعاصرة ، وهذا لا يعني أنني أرفض الشعر التقليدي جملة وتفصيلا، ولكنني أرفض تلك النماذج التي لا تواكب حضارتنا أو ترفض التعامل مع غيرها من الحضارات حتى غدت تعيش في زمن يختلف كثيرا عما نعانيه الآن ، أقول للأسف نقرأ لمثل هؤلاء الشعراء أصحاب البيانات الشعرية ولا نجد في شعرهم ما يتعلق بلغة الشعر الحالمة الممزوجة بخيالها ومجازاتها المعبرة عن روح العصر، وفي المقابل حتى لا نظلم الآخرين ، فهناك نماذج شعرية كتبت القصيدة التقليدية بثوبها الجديد ، ولكنها قليلة .
لهذا سأعد نفسي وحالي مثل حال ( جبران خليل جبران ) حيث وجد المكان والأرض التي يستطيع أن ينثر بذوره عليها ، ورومانيا هي الأرض والمكان والمتنفس لـ (منير مزيد ). ربما بعد مئة عام أو أكثر، سيتذكر العرب شاعرا عربيا اسمه (منير مزيد ) وسيقولون بفخر واعتزاز: لم يكن أبداً رومانياً ، كما سمعناهم يقولون (جبران خليل جبران ) عربيا وليس أمريكياً . .
* المتتبع للإنتاج الإبداعي لـ (منير مزيد ) يجد في قصائده الأخيرة لغة المقاومة ، فهل أراد شاعرنا أن يحمل لواء الشعر الفلسطيني المقاوم ، خاصة بعد رحيل الشاعر الفلسطيني الكبير
( محمود درويش) ؟
في الحقيقة ، سأعتبر هذا الكلام مجرد سؤال ، وليس رأي الآخرين أو نظرتهم لشعري ، لأن مثل هذا الكلام يعد إساءة لي و لمشروعي الثقافي . هناك فرق كبير بيني وبين الشاعر الفلسطيني
( محمود درويش) أو أي شاعر فلسطيني أو عربي ، أنا من أنصار الشعر للشعر ، وأرفض رفضاً قاطعاً تسيس الشعر لأي قضية ، إذا كانت القضية الفلسطينية قد خدمت شعر( محمود درويش) فأنا أرفض أن تخدم شعري أو تخدمني شخصيا، والفرق بيني وبين ( محمود درويش ) هو أنني أريد لشعري و مشروعي الثقافي أن يخدم قضيتي كـ فلسطيني وكـ عربي و مسلم والأهم كـ إنسان وليس العكس ، وعلينا التفريق بين قضية فلسطين وقضية الشعر، ففلسطين لن تبقى محتلة للأبد وستعود يوما محررة ، إلا أن قضية الشعر هي قضية أبدية والشعر سيبقى هو الشعر .
هكذا ينتصر الفن على السياسة وأطماعها ، من تجار الدم والعنصريين ، أعداء الإنسانية. لهذا حاربت شعراء و أدباء المرتزقة المتمثلة برابطة الكتاب الأردنيين و كل من هو على شاكلتهم بحيث لا يفوت أي فرصة ليطبل أو يحاول استغلال أي قضية باسم الشعر والفن .
أنا احترم الشاعر محمود درويش وإبداعه الفني ولا أنكر وجوده الثقافي ودوره النضالي في الساحة الأدبية الفلسطينية والعالمية ، ولكني أراني أقف على الجانب الآخر من النهر، وهذا الجانب دفعني مثلا حين رحل الشاعر العظيم( تشيزار افينسكو) أن أكتب له قصيدة رثاء ؛ لأنه عاش و مات لأجل قضية الشعر ، وقضية الشعر (البحث عن الجمال و إثراء الفكر الإنساني) ، في المقابل حين رحل الشاعر ( محمود درويش) حزنت على رحيل مبدع فلسطيني ،جسد قضية فلسطين شعرا . وهذا قد يغضب الكثير ، ولكن سأبقى أقول رؤيتي دون نفاق أو مصلحة كما قلت سابقا في مقال لي ؛ سأقول شيئا قد يغضب بعض الناس كما أغضب رابطة الدجل حين نشرته في مقال في الصحف الأردنية وهو يتعلق بـ الأستاذ (سميح القاسم) بأنه ليس شاعرا، قد يكون خطيبا رائعا يعرف كيف يخاطب الجماهير و يعرف كيف يركب العربة أو الموجة التي يتطلع لها الجماهير ولكن هذه الخصائص لا علاقة لها بالشعر.. وهذا خلافي مع رؤية العرب للشعر ، ورؤيتي الذاتية ، وربما تلك الرؤية هي العدوى التي أصابتني خلال وجودي في الغرب .
أما إذا أردت أن تسألني عن أي لواء حملت لواء درويش أو تشيزار فسأقول لواء تشيزار، وهذا ما كان بيني وبين هذا الشاعر العظيم ، الذي قدرني فنيا قبل كل شيء ، ولن أنسى أنه في سبيل ذلك سهل هجرتي لرومانيا ومهد لي الطريق ، وهو من زرع في قلبي الحب لرومانيا
و لشعبها و لهذا سابقى وفيا لهذا الحب و لرسالة الشعر التي ناضل لأجلها حتى آخر يوم في حياته...
* هذا يدفعني إلى سؤال غريب نوعا ما وهو لماذا لم تضع أي قصيدة لـ (تشيزار افينسكو) في أنطولوجيا الشعر الروماني ( أكاليل الغار) أو آثرت تأجيله إلى الأنطولوجيا الثانية ؟