الأدب الأردني
على المتصدي لدراسة الأدب في الأردن أن يكون معنياً بمعرفة الحدود الزمانيّة والمكانيّة لهذا الأدب وتحديد مفهوم سياسي جغرافي، يعتمدُ عليه في دراسته، لمعرفة كيف نشأ هذا الأدب، وكيف ترعرع؟ وما المؤثرات التي أسهمت في نموه ونضجه؟ فالدراسات التاريخية وأحداث القرن العشرين تُشير إلى أن الأردن قبل إنشاء الإمارة سنة 1921 كان جزءاً من سورية الطبيعية، وكان يشمل شمالي فلسطين والأردن اليوم، وكان مسرحاً للتخلف وانتشار الأميّة والغزو القبلي، وسياسة التتريك. فلم تُشر الدراسات إلى مدارس تعلم العربية والأدب الفصيح، وإنما تناقل الأجداد ألواناً من الشعر العامي والزجل والأدب الشعبي، ولم يشر الدارسون إلى أجناس أدبية منشورة أو مأثورة عن أدباء أردنيين في أثناء الحكم التركي.
إن المتابع للحركة الأدبية في الأردن يمكن أن يرصد مسارها من خلال مراحل ثلاث هي: الأدب زمن الإمارة (1921- 1946)، والأدب ما بين النكبة والنكسة (1947-1967) أو زمن وحدة الضفتين، والأدب ما بعد نكسة حزيران 1967 حتى اليوم. وهذا عرض سريع لهذه الاتجاهات الثلاثة.
الأدب الأردني زمن الإمارة الأردنية: لا بدّ من الإشارة إلى طبيعة ارتباط الأردن ببلاد الشام حتى أواخر الحكم العثماني وإلى هيمنة الغزوات القبلية على العلاقات بين القبائل وسكان الريف، وندرة التعليم وغياب الصحف والمجلات والمدارس التي تعلم العربية، وكان التعليم ينحصر في الكتاتيب ومدارس الشيوخ التي لا تعدو ثقافتها ومناهجها القليل من مبادئ الحساب، والتركيز على حفظ القرآن وكتابة الخط العربي، فقد أنشئت أول مدرسة ثانوية أردنية عام 1923م، بعد مجيء الأمير عبد الله بسنتين اثنتين، وتخرّج الفوج الأول فيها عام 1928.
كان للإمارة دور قومي ووطني وثقافي وأدبي، واعتمد الأمير عبد الله بن الحسين على المثقفين والأدباء من أبناء سورية ولبنان والحجاز والعراق والمستنيرين من العرب ممن وفدوا إليه بعد سقوط الحكومة العربية إثر معركة ميسلون عام 1920م، وأدى ذلك إلى تجاوب الإمارة مع المجتمع العربي الجديد، فهو مجتمع مركب من حملة الأفكار القومية والوطنية، واستقطب الكتّاب والمربين المعبئين بالشعور الوطني المقاوم للاستعمار والتخلف والتجزئة، وأقام بعضهم بضع سنين، ومنهم خير الدين الزركلي من سورية وفؤاد الخطيب من لبنان، وبعضهم الآخر أقام في الأردن واستقر فيه وحصل على الجنسية الأردنية، مثل نديم الملاح الشاعر اللبناني وحمد الشريقي الشاعر الصحفي الذي أنشأ جريدة «الشرق العربي» أول جريدة أردنية تصدر في عمان بعد إنشاء الإمارة، وتيسير ظبيان الصحفي السوري الذي نقل جريدته «الجزيرة» من دمشق إلى عمان عام 1939، وفتح صفحاتها لحركة أدبية مزدهرة، تلاقى فيها الكتّاب العرب والشعراء على اختلاف مذاهبهم ومناهج حياتهم، وكانت صوتاً داعياً للوحدة العربية، تناوئ الاستعمار الفرنسي والبريطاني، وتعرّضت للإغلاق مرّات، وأسهمت في رعاية الأدباء الأردنيين الشباب، وشجعت الحركة النقدية، وأسهم الأمير عبد الله بنفسه في الكتابة فيها. وكان أديباً فصيحاً يجمع في بلاطه الأدباء والشعراء ويحاورهم ويساجلهم في الشعر وتاريخ الأدب، ويقصدُه الشعراء العرب، وله ديوان شعر وأعمال أدبية كاملة منشورة.
وصدرت عشرات المجلات والجرائد زمن الإمارة، وعلى صفحاتها نشرت المئات من القصائد والمقالات الأدبية والقصص الصغيرة، وهذا مهد لإنشاء حركة أدبية بالاستقرار ورعاية الدولة له، ولا ينسى أثر المثقفين العرب الذين تجمعوا في الأردن بعد سقوط الحكم الفيصلي في دمشق وإسهامهم في إرساء قواعد الحركة الأدبية الأردنية.
ففي زمن الإمارة ازدهر الشعر والنثر ونهض الأدب على أيدي رواد من أبناء الأردن الأصليين، فقد كان (عرار مصطفى وهبي التل) شاعر الأردن الأول يمثل هذه المرحلة خير تمثيل، قال شعراً فصيحاً منظوماً أقرب إلى روح الشعب، وكان صوتاً جريئاً ناطقاً باسم فقراء الأمة ومظلوميها وتناول في شعره الخمرة وعني بحياة الغجر الفئة المسحوقة التي تنتمي إلى أصول غير عربية، وتعيش في الأردن، وتمتهن العزف على الآلات الموسيقية والتسوّل، وتعيش متنقلة من قرية أردنية إلى أخرى، وظل حب الوطن هاجس الشاعر الأول.
وفي حقل النثر، كان محمد صبحي أبو غنيمة أول من كتب «أغاني الليل»،وهي مجموعة قصص اجتماعية وأخلاقية وأدبيّة، وخواطر متقدمة في فن الأدب في هذه المرحلة من عمر الإمارة الأردنية، وكان أبو غنيمة شاعراً مقلاً.
ومهد هذان الأديبان الأردنيان الدربَ لجيل أنتج أدباً ذا مضمون قوميّ وحدويّ مقاوم للاستعمار والتخلف، وذا مضمون فلسفي وإنساني وسياسي يسعى إلى إحداث تغيير ونقلة حضارية، في أداء تعبيريّ راق وفصاحة لغة أهلاهما ليكونا رائدين في الأردن، وكان هناك شعراء أدنى قامة منهما، وبعضهم نضجت تجربته بعد عهد الإمارة، وظهر في هذه المرحلة ديوانان شعريان هما: «هياكل الحب» لحسني فريز، و«أطياف وأغاريد» لحسني زيد، أما شعر عرار فلم يطبع إلا بعد وفاته سنة 1949م.
وفي مجال القصة الطويلة ظهر في الإمارة كتاب «ذكريات» لشكري شعشاعة عام 1945، وكتاب «أين حماة الفضيلة؟» لتيسير ظبيان، وقد نشره في حلقات في جريدة «الجزيرة».
أما القصة القصيرة فكانت لوناً أدبياً كتبه بعض الأدباء ولم يتخصص فيه أديب محدد في مرحلة الإمارة الأردنية، ولكنهم نشروا عشرات القصص في المجلات والصحف، ولم تصدر فيها أيُّ مجموعة قصصية.
الأدب الأردني بعد وحدة الضفتين (1950- 1967): نزح إلى الأردن بعد نكبة فلسطين عام 1948 نحو نصف مليون لاجئ فلسطيني إلى الضفة الشرقية، واجتمع أهل الضفة في أريحا وقرروا الانضمام إلى الأردن في دولة واحدة عام 1950، وتشتتت بقية الشعب الفلسطيني في ربوع الأرض، وأصبح المجتمع الأردني مركباً من فلسطينيين وأردنيين بنسبة متقاربة، تجمعهم هويّة أردنيّة فلسطينية موحّدة وظهر أدب جديد يمثل هذا الاتجاه الجديد، فقد تضاعف عدد السكان، واتسعت مساحة الوطن، وكثر عدد المدارس والمتعلمين وخريجي الجامعات ونشطت حركة الثقافة والأدب، ونشأ حوار دائم حول الهم الفلسطيني، وظهرت اتجاهات أدبية متنوعة تحمل سمات هذه المرحلة، وصدرت أجناس أدبية منشورة، إضافة إلى كثرة المنتديات الأدبية وازدياد عدد الصحف، وأنتج ذلك أدباً ذا مضمون متنوع الاتجاهات، فهناك أدباء فلسطينيون أردنيون كتبوا الرواية والقصة مثل جُمعة حمّاد ومفيد نحلة وأمين شنار، وأدباء أردنيون كتبوا هذا اللون الأدبي مثل عيسى الناعوري وحسني فريز وسليمان المشيني.
وهناك شعراء أردنيون فلسطينيون مثل: خليل زقطان وفدوى طوقان، وجمعة حماد، وأسد محمد القاسم، وأمين شنار، وأيوب طه، ورجا سمرين، وكمال ناصر، ويوسف الخطيب، نظموا شعراً تقليدياً وشعراً حراً، أما أشهر شعراء الضفة الشرقية من الأردنيين فهم حسني فريز وعبد المنعم الرفاعي، أما أشهر شعراء الشعر الحر في هذه المرحلة فهم عبد الرحيم عمر،وتيسير سبول، وحيدر محمود، وأسد محمد القاسم.
وفي هذه المرحلة صدر نحو ثمانين ديوان شعر وعشر روايات، وفي مجال القصة القصيرة ظهر سيف الدين الإيراني وله خمس مجموعات قصصيّة، وأمين فارس ملحس، ومحمد أديب العامري.
مرحلة ما بعد نكسة حزيران 1967 حتى اليوم:
كان عقد الخمسينات ,والستينات مرحلة التأسيس للأدب الأردني الحقيقي، ففيها نشأت المجلات الأدبية المتخصصة التي ترعى الأدب وتشجع الأدباء، فقد أصدر عيسى الناعوري مجلة «القلم الجديد» في عام 1961،وكانت لسان حال المثقفين الأردنيين، جمعت الشباب والشعراء والقصاصين على صفحاتها، تنشر إنتاجهم أسبوعياً، طوال خمس سنوات (1961- 1965)، وبعدها أصدرت دائرة الثقافة والفنون في الأردن مجلة «أفكار» عام 1966، ولا تزال حتى اليوم، وتتبنى الأدب الأردني أولاً، والعربي ثانياً. وفي هذه المرحلة تعددت المنابر الأدبية وكثر التأليف، ونشأت رابطة الكتّاب الأردنيين عام 1976، وضمّت مئات الشعراء والكتّاب في أنشطتها، وغذّى الإعلام الأردني الصحف والمجلات الأردنية برامجه وطاقاته بألوان أدبية كثيرة، وكثرت الدراسات النقدية في هذا الأدب، ويمكن القول إن عدد دواوين الشعر الأردني قد نيفت على أربعمئة ديوان شعر، وثمانين رواية ومئة مجموعة قصصية قصيرة، إضافة إلى مئات الكتب التي تناولت الخواطر الأدبية.
أما موضوع الدراسات الأدبية الأردنية فإن أوائل هذه المراجع التي تخصصت في الأدب ولها فائدتها ودورها هي دراستا ناصر الدين الأسد: الاتجاهات الأدبية في فلسطين والأردن، والشعر الحديث في فلسطين والأردن، وقد ربطتا الأدب الفلسطيني والأردني معاً، من دون تحديد، وركزتا على أدب الإمارة، ولكنهما عبدتا الدرب للسالكين والباحثين، وكانت دراستا سمير قطامي: الحركة الأدبية في شرقيّ الأردن، والحركة الأدبية في الأردن قد عالجتا الأجناس الأدبيّة المختلفة من دون تركيز على جنس أدبي بعينه، وفي الشعر نشأت دراستان: الحركة الشعرية في الضفة الشرقية لعيسى الناعوري، ودراسة محمود محسن مهيدات: اتجاهات شعراء شمال الأردن، فقد اهتمتا بالشعر في إطار ضيق، وركّزت دراسة فواز طوقان: الحركة الشعرية في الأردن، على الجانب الإحصائي الوصفي في صفحات قليلة، واتسمت دراسة إبراهيم خليل: الشعر المعاصر في الأردن بأنها مجموعة مقالات نقدية لعدد محدود من دواوين الشعر الأردني.
وجملة القول إن الأدب الأردني في الصف الثاني من الأدب العربي من حيث جودة الإنتاج وسلامة البناء الفني وسعة الانتشار،فلم يُتح لشاعر أن يتجاوز الحدود الأردنية وأن يدرّس شعره في مناهج الدول العربية المجاورة، ولا يزال القصاصون الأردنيون في دائرة الشهرة المحلية لأن تجربتهم لم تنضج بعد، وهذا يعود إلى أن الحركة الأدبية ولدت متأخرة، وأن النبوغ الأدبي والأعمال الأدبية المتقدمة لم تظهر بعدُ بصورتها الجلية.
ومن الأدباء الواعدين الذي يكتبون بكثرة، ويهيمنون على وسائل الإعلام الأردنية الشعراء محمد القيسي وإبراهيم نصر الله، وفي مجال القصة والرواية جمال ناجي ومؤنس الرزاز وسالم النحاس، وفي مجال المقالة الأدبية والخاطرة إبراهيم العجلوني وطارق مصاروة وخالد محادين وخالد الساكت، وفي مجال الدراسات التراثية للأدب يبرز ركس العزيزي ويعقوب العودات (البدوي الملثم)، وعبد الحليم عباس، وفي مجال القصة القصيرة تحديداً يظهر فخري قعوار ومحمود الريحاوي وبدر عبد الحق.