الأدب الفارسي
الأدب الفارسي أحد أبرز الآداب العالمية القديمة، ومن أقربها إلى الأدب العربي، لاسيما بعد الإسلام. وفي فترة ما قبل الإسلام كان للفرس أدب مزدهر يواكب ما كان لديهم من حضارة ويعبر عنها، ونستطيع أن نتلمس هذا الأدب فيما بقي من تراث باللغة البهلوية (اللغة الفارسية السائدة قبل الإسلام) في محاوره التالية:
التاريخ (سير الملوك):
كان فن التاريخ أو سير الملوك من أبرز الفنون الأدبية لدى الفرس قبل الإسلام وبعده. والتاريخ عندهم لم يكن تاريخ الأمة أو نشاط الشعب بقدر ما كان تاريخ الملوك وإنجازاتهم وسيرهم. ومن أبرز ما تركه الفرس: كارنامة أردشير بابكان: سجل أعمال أردشير بابكان؛ خداي نامة: كتاب الملك وفيه سير الملوك، وقد ترجم عبدالله بن المقفع في صدر الدولة العباسية بعض هذه الكتب إلى العربية وكانت هي أصل حكايات الشاهنامة.
الشعر الفارسي القديم
ومن أبرز ما بقي منه :
منظومة درخت آسوريك أو شجرة نسب الآشوريين، وهي النخلة، في ما ذهب إليه بعض الدارسين. والمنظومة حوار ومناظرة بين هذه النخلة وفائدتها والعنزة؛ يادكار زريران أو سيرة زريران، وهي أقدم المنظومات الحماسية الإيرانية، وموضوع هذه المنظومة هو الحرب بين كشتاسب وأرجاسب الطوراني دفاعًا عن الدين الزرادشتي؛ وجاماسب نامة: وهي منظومة تشتمل على تنبؤات جاماسب الحكيم وزير كشتاسب بالحوادث التي ستحدث في ختام الألف عام الأولى بعد زرادشت؛ وأناشيد (غاتها) وهي الأناشيد الدينية التي كانت جزءًا من الكتاب الديني للزرادشتية (الأفستا).
النثر
ترك الفرس القدماء آثارًا كثيرة تعبر عن عنايتهم بالنصيحة والرمز من خلال الحكايات والأساطير، نذكر من ذلك : كليلة ودمنة ذلك الكتاب الخاص بالنصيحة من خلال الرمز على ألسنة الحيوان والذي نقله إلى البهلوية من الهندية الطبيب الفيلسوف (بيدبا) وذلك في عهد كسرى أنوشروان؛ وهزار أفسانة: وهو الأصل الفارسي لألف ليلة وليلة ويدور حول المرأة والعناية بشرفها والدفاع عنها ضد الظلم؛ ونصائح بزرجمهر وكلمات أنوشروان العادل وهي نصائح في هيئة حكم وأمثال وحكايات قصيرة حيث اشتهر بزرجمهر وزير أنوشروان بالحكمة، وكذلك بعض النصائح التي أثرت عن أنوشروان الذي اشتهر بأنه الملك العادل.
الفترة الإسلامية
بعد أن عادت الفارسية إلى الازدهار والحياة مع نهاية القرن الثاني الهجري وجدناها تعود ومعها آدابها الإسلامية التي تعبر عن حيوية هذه اللغة وقيمتها الحضارية سواء كان ذلك قبل الإسلام أو في ظل الإسلام وخاصة في ظل الدولة السامانية التي تعصبت شعوبيًا للفارسية وآدابها حتى أنها نسبت نفسها إلى (سامان) رأس الدولة السامانية. ويمكن استعراض أبرز مظاهر الأدب في هذه الحقبة وميزاته على النحو التالي:
ففي مجال الشعر نجد أنه قد ازدهر بصورة قوية منذ الدولة الصفارية التي رفض أحد ملوكها وهو يعقوب بن الليث الصفار أن يمدحه الشعراء بالعربية لأنه لا يفهم هذه اللغة، فدعا الشعراء بذلك إلى امتداحه بالشعر الفارسي.
وتطور الشعر في عهد السامانيين، في القرنين الثالث والرابع الهجريين، حتى بلغ أرفع درجات نضجه في بساطة وتنوع وشمول. ومثله خير تمثيل الرودكي (أبو عبدالله جعفر بن محمد)، وكان شاعرًا مكفوف البصر لكنه كان مجيدًا أصيلاً وصف وكأنه يرى لا بقلبه فقط بل بعيون كثيرة مدققة. وكان شعره يؤثر في ملوك تلك الدولة وفي قراراتهم. وله ديوان بقيت منه آثار كثيرة في كتب عديدة. وينسب إليه أنه أول من اخترع فن الرباعي في الشعر. واشتهر من كتاب الرباعيات الشاعر الفارسي عمر الخيام، الذي وجدت رباعياته شهرة وانتشارًا، وترجمت إلى العربية وبعض اللغات الأخرى، ثم زيدت تلك الأشعار ونسبت إليه رباعيات ليست له يقينًا.
وكانت مكتبة بخارى عاصمة السامانيين أروع المكتبات الإسلامية عبر التاريخ وخرجت العديد من العلماء والفلاسفة ونخص بالذكر منهم الشيخ الرئيس ابن سينا.
وفي الشعر أيضًا نظم أبو منصور الثعالبي شاهنامته (شاهنامة منصوري) وقد بقي منها حوالي (1000) بيت من الشعر كانت أساسًا لشاهنامة الفردوسي الطوسي التي نظمها بعد ذلك في 60 ألف بيت من الشعر تمثل ملحمة بطولية في العصر الغزنوي.
أما في التاريخ فقد بقيت لنا آثار قيمة لاتزال مصادر رئيسية للتاريخ الإسلامي منها تاريخ البلعمي، وكان وزيرًا في عهد الدولة السامانية، وهو ترجمة لتاريخ الطبري الذي ألّف بالعربية في عصر منصور بن نوح الساماني. وقد استمر العمل في هذه الترجمة المدققة والمختصرة حتى منتصف القرن الرابع الهجري. وتعد أول ترجمة من العربية إلى الفارسية الإسلامية. وقد ظل لسلاسة أسلوبه وجاذبية نثره موضع عناية واهتمام لأكثر من ألف عام. ولم يطبع سوى جزء منه في طهران عام 1341هـ ش، الموافق عام 1383هـ.
وفي التفسير قام البلعمي نفسه باستدعاء العلماء الثقاة من أنحاء البلاد للعكوف على ترجمة تفسير الطبري، وجاء تفسيرهم متقنًا أمينًا معبرًا عن مدى تطور الأدب الفارسي في هذه الفترة المبكرة. وتميز الأدب في هذه الفترة بالمباشرة في أداء المعاني دون غموض أو تعقيد؛ وببساطة الأسلوب وخلوه من الصنعة أو المحسنات؛ وبامتزاج الألفاظ الفارسية بالألفاظ العربية لقرب عودة الفارسية إلى الحياة بعد انزوائها وإن غلب على الشعراء والكتّاب تعمد التخلص من الألفاظ العربية؛ وتمحور الشعر حول الوصف والمدح والخمريات والصيد أكثر من بقية الأغراض.
العصر الحديث
من أبرز المجالات الكتابية التي عني بها الكتّاب الإيرانيون المحدثون إلى جانب الشعر، فن المقالة. تأتي بعدها في الأهمية القصة القصيرة، وقد حظيت بعناية بالغة لإمكان ترويجها عن طريق الصحافة فضلاً عن المجموعات القصصية. ويليها في الأهمية فن الرواية خاصة أنها كانت تزاوج بين التراث والمعاصرة. ويمثل الأدب المسرحي أبرز فترات نهضته في هذا المجال، وقد حاول الأدباء نقل هذا الفن إلى إيران ترجمة ثم تأليفًا. ولا ننسى في هذا المجال الشعر المرسل حيث أصبح دعامة يعتني بها القراء ويقبلون عليها كعناية الشعراء المحدثين بها.
ومن الظواهر الجديدة تبلور أدب الأطفال وتخصص بعض الكُتَّاب في الكتابة لهم والعناية بهذا الأدب من حيث الهدف التربوي والأسلوب والصياغة، بل والنشر الجيد المدعوم بالصور على أساس تكوين وعي الأطفال منذ سن مبكرة بما يؤهلهم للقراءة في المراحل التالية.
في العقود الأخيرة من العصر الكجري (1794 - 1925م) زادت قيمة التراث النثري القصصي، كما زاد اتجاه النثر الفارسي إلى البساطة نتيجة الترجمة وكتب الرحلات وترجمة الروايات. ونذكر من ذلك ترجمة حاجي باباي أصفهاني التي نقلها ميرزا حبيب أصفهاني عن حكاية لجيمس موريه، وتعد أول رواية فارسية بالأسلوب الحديث.
ومن ذلك أيضًا ترجمة النجوم المخدوعة وحكاية يوسف شاه التي كتبها فتحعلي آخوند زاده وترجمها ميرزا جعفر قراجة داغي.
وقد تأكدت ضرورة العناية بفن الرواية في العصر الكجري واتخذت المنحى التاريخي في البداية، وممن اعتنوا بهذا في رواياتهم آخوند زاده، وكتب الرحلات مثل كتاب رحلة إبراهيم بيك أو بلا تعصبه الذي كتبه الحاج زين العابدين المراغي. ويذكر في هذا الصدد أيضًا كتابا مسالك المحسنين والسفينة الطالبية لميرزا عبدالرحيم التبريزي (طالبوف) وكتب الرحلات هذه كانت خيالية وعالجت كثيرًا من المسائل الاجتماعية والسياسية في عصرها بأسلوب حديث أو عصري. وهي تعد ضمن الظواهر الجديدة في الأدب الإيراني في تلك المرحلة. وقد مهدت لظهور أدب القصة وفق القواعد الحديثة لهذا الفن إلا أن أدب القصة بهذا الأسلوب الحديث لم يظهر في إيران إلابعد فترة الحياة النيابية وتحت تأثير الآداب الأوروبية.
القصة القصيرة
يعد عام 1300هـ ش، الموافق 1342هـ هو عام نهضة الآداب الإيرانية المعاصرة حيث نشرت فيه كان يا ما كان لجمال زاده وقصة شاحب لنيميا، وتأصلت القصة القصيرة في هذا العام، والعام الذي تلاه.
وكان الأثر الأكبر في ترسيخ هذا الاتجاه ثورة الحياة النيابية، وما شهده القرن العشرين من تطور عالمي في اتجاه الثقافة حيث كانت الأشكال الروائية في الأدب الفارسي قد اتصلت قبل ذلك بالآداب الأوروبية وخاصة الأدب الفرنسي، وحققت رواجًا وازدهارًا لافتين للانتباه. فحققت الرواية تقدمًا ملحوظًا أكثر من غيرها من الفنون الأخرى عن طريق التحليق في سماء الثقافة الإيرانية، وحظيت بإقبال كبير من المتعلمين وممن يعرفون القراءة بصفة عامة. نذكر من رواد هذا الفن محمد باقر خسروي وشيخ موسى كبودر آهنكي وصادق هدايت. أما القصة القصيرة فقد اعتمدت كثيرًا على الترجمة، وسرعان ما حظيت بقابلية كبيرة لدى القراء والكتّاب على السواء. فالقصة القصيرة كانت تمثل روح العصر والتجربة الشخصية والاجتماعية للبشر الذين يحيون في مجتمع واحد معاصر فلم تحفل لا بالتاريخ ولا بالماضي، وهذا ما جعلها أقرب إلى وجدان القراء. وساعد هذا في سرعة اتجاه الكتاب إلى تأليف القصص القصيرة استنادًا إلى مجريات الحياة اليومية الإيرانية، فظهر في وقت قصير عشرات الكتَّاب ومئات القصص. وقد ساعد في رواج القصة القصيرة اتجاه النثر الفارسي إلى السلاسة وتحمس عدد كبير من الكتَّاب لهذا الأسلوب. ومن هؤلاء الكتَّاب عبداللطيف تبريزي في ألف ليلة وليلة التي كتبها في فترة ناصر الدين شاه، كما ساعدت الصحف مع ظهورها على ترويج فن القصة القصيرة. من تلك الصحف: جريدة القانون وصُور إسرافيل. وكانت نزعة كتَّاب المقالات إلى الأخذ بالأسلوب السلس البسيط أحد أسباب ترويج هذا الأسلوب الذي ساعد القصة القصيرة على الانتشار.