صورة الذئب في الأدب... المكر والغدر
يصوّر التوراة الذئب كحيوان ضار (بنيامين ذئب ضار - سفر التكوين 49/27)، وفي القرآن الكريم ارتبط الذئب بقصة النبي يوسف (سورة «يوسف»، الآيات من 13 إلى17). ومن الصور الجميلة عن الذئب فيلم «الرقص مع الذئاب» الفائز بجائزة أوسكار.
تبدو صورة الذئب سلبيّة في الأدب العالمي من خلال قصة «ليلى والذئب». وقد قيل عنه في الشعر العربي: «إذا كان الطباع طباع ذئب، فلا أدب يفيد ولا أديب» (من «مجمع الأمثال» للميداني). ومن الأفلام العربية الممنوعة «ذئاب لا تأكل اللحم» الذي يصوّر نساء عربيات يمارسن التعري الفاجر.
يستعين الأدب العربي بالذئب للمديح تارة، وللهجاء تارة أخرى. وقد كتب عنه الألماني هرمان هسه في رواية «ذئب البراري أو البوادي»، وجاك لندن في رواية «ذئب البحار». وفي عمان صدر عن «دار فضاءات للنشر» كتاب «الذئب في الشعر والتراث العربي» لعايد عمرو.
يفتتح المؤلف الفصل الأول بمشهد يمثّل معظم معالم الذئب، ويستدعي أنماطاً مختلفة من الشواهد التراثية حول الذئب في الأديان والأساطير وأحاديث الرسل، وفي الشعر والنثر والحكايا، الواردة منذ ما قبل الإسلام وانتهاءً بالعصر الأموي المتأخر أو العصر الأيوبي. وترد في الكتاب أوصاف الذئب وأسماؤه وأسماء الأنثى، وأماكن تواجد الذئب في العالم العربي ورمزيته.
كذلك قدّم الكاتب قراءات لما اعتقد أنها نصوص تحدثت عن الذئب بشكل فني جميل، مثل كتابات رائية بشر بن المعتمر، ولامية الشنفري، والفرزدق، والبحتري، والمرقش الأكبر، وحميد بن ثور، والعنبري، والأحيمر السعدي.
وفي الفصل الرابع «الذئب في الشعر العربي» أحصى الكاتب ما قاله أكثر من 150 شاعراً في مختلف عصور الأدب العربي عن الذئب، وأبرزهم امرؤ القيس، المتنبي، طرفة بن العبد، أبو كبير الهذلي، حماد عجرد، عبدة بن الطيب، ابن قيس الرقيات، بشار بن برد، معاوية بن أبي سفيان، بيهس، ابن لمكك المصري، العماني، ابن هانئ الأندلسي، ابن سنان الخفاجي، مالك بن الريب، الشريف المرتضى، وعبد المسيح بن عسلة، الدريد بن الصمة، والأسعر الجعفي...
للذئب أيضاً حضوره القوى في الشعر العربي الحديث، سواء في قصائد أنسي الحاج أو أدونيس ومحمود درويش وسعدي يوسف وقاسم حداد ومحمد الماغوط ومحمد عمران وسيف الرحبي وسركون بولص وغيرهم. وفي الأردن صدر ديوان بعنوان «ذئب الأربعين» ليوسف عبد العزيز وقبله ديوان «ضجر الذئب» ليوسف أبو لوز وبعده رواية جمال ناجي «عندما تشيخ الذئاب».
وللذئب عند العرب أسماء وأوصاف، فهو السيد والسرحان والعسال وأويس. قال الهذلي:
يا ليت شعري عنك والأمر أمم
ما فعل اليوم أويس في الغنم
ويسمونه أيضاً «أم عامر»، قال شاعرهم:
لا تعمل المعروف في غير أهله
تلاقي الذي لاقى مجير أم عامر
ويُقال إن الذئب أكثر الحيوانات مكراً وحذراً، فاذا نام، أغمض إحدى عينيه وترك الأخرى تحرسه، لذا قال الشاعر:
ينام باحدى مقلتيه ويتقي
المنايا بأخرى فهو يقظان هاجع.
اليونان
تتحدث الأسطورة الإغريقية عن الذئب العملاق «فنرير بن لوكي» الذي عمد الى تحطيم السلاسل والأغلال، ومدّ ظله ليحجب قرص الشمس، فسبحت الأرض ومن عليها في ظلام دامس. وقتل «أودين» أب الآلهة بصفعة عنيفة من كفه دمرت كل ما بين السماء والأرض. ولولا الذئب ما وجد الرومان القدماء، رومولوس مؤسس المدينة الخالدة روما، فقد اعتنت به وشقيقه التوأم ريموس ذئبة، زرعت في أذهاننا صورة حسنة عن الذئب ترمز إلى الأنوثة والأمومة، لكن في المقابل يُطلق على الذئبة والمومس في اللغة اللاتينية اسم «لوبا» أي أم السكر والشهوات.
يحتاج الشعر العربي والعالمي إلى أنطولوجيا كبيرة تبين مدى اهتمام الشعراء برمزية هذا الحيوان المفترس، ربما اهتموا به أكثر من اهتمامهم بسيرة الحمل الوديع أو سائر الحيوانات.
بمن يثق الإنسان فيما يرومه
ومن أين للحرّ الكريم صحابُ
وقد صار هذا الناس إلا أقلّهم
ذئابٌ على أجسادهن ثيابُ
أبو فراس الحمداني
وَأطْلَسَ عَسّالٍ، وما كانَ صاحباً،
دَعَوْتُ بنَاري مَوْهِناً فَأتَاني
فلمّا دَنَا قلتُ: ادْنُ دونَكَ، إنّني
وإيّاكَ في زادِي لمُشتركانِ
فَبِتُّ أسَوّي الزادَ بَيْني وبَيْنَهُ،
على ضَوْءِ نَارٍ، مَرّةً، وَدُخَانِ
فَقُلْتُ لَهُ لمّا تَكَشّرَ ضَاحِكاً
وَقَائِمُ سَيْفي مِنْ يَدِي بمَكَانِ
تَعَشّ فَإنْ وَاثَقْتَني لا تَخُونُني،
نَكُنْ مثلَ مَنْ يا ذئبُ يَصْطَحبانِ
وَأنتَ امرُؤٌ، يا ذِئبُ، وَالغَدْرُ كُنتُما
أُخَيّيْنِ، كَانَا أُرْضِعَا بِلِبَانِ
وَلَوْ غَيْرَنا نَبّهَت تَلتَمِسُ القِرَى
أتَاكَ بِسَهْمٍ أوْ شَبَاةِ سِنَانِ
الفرزدق
وطني أيها الذئب الملوي كالشجرة إلى الوراء
إليك هذه «الصور الفوتوغرافية»
للمناسف والإهراءات
وهذه الطيور المغرّدة، والأشرعة المسافرة
على «طوابع البريد»...
(من قصيدة «المصحف الهجري»، ديوان «الفرح ليس مهنتي»).
الذئب والأفعى لن يكونا أبداً
حمامتين تحت المطر
(من قصيدة «بكاء السنونو»، «الفرح ليس مهنتي»).
محمد الماغوط
أمدّ يدي إلى الظلّ هناك
ويكون صباح الهواء الأوّل
في الأرض الأولى والأخيرة
أيتها الهاربة المقبلة
اليقين
والضبابة
مضاء الذكاء وانحلالية الهناء
من صميم تهذيبك
اللطيف
لتدفّق نشوتك الصامتة
وكقطيع من الذئاب تفترس ذاتها
فما أجمل العروس في أحضان ذاتها.
يا نبع الغابات الداخلية
يا نعجة ذئبي الكاسرة
أنسي الحاج
... وهمو أوقعونيَ في الجبّ، واتهموا الذئبَ؛ والذئبُ أرحم من إخوتي... أبتِ! هل جنيتُ على أحد عندما قلت إني: رأيتُ أحد عشر كوكباً، والشمس والقمر، رأيتُهم لي ساجدينْ.
محمود درويش
وشم الذئب
كان مســاءُ القريةِ في أوّلِــهِ
والحانةُ كانت في أولِ مُـقـتَـرَباتِ القريةِ ؛
في كل مساءٍ أتـمشّــى من بيتي كي آخذَ كأسـاً في حانة قريتِــنا
وأعود لأدخلَ في ليلي وكوابيســي …
………………………
………………………
………………………
حين دخلتُ اليومَ الحانةَ
قلتُ : اختلفَ الأمرُ !
فقد وقفتْ خلفَ البارِ المتواضعِ ســاقيةٌ أخرى …
………………
………………
………………
عندَ الـفِـقْـراتِ السُّــفلى
من ظَــهرِ فتاةِ الحانةِ،
في مفترَقِ الإلْــيةِ هذي
عن تلك الأخرى :
يتمشّــى وشمُ الذئبِ الأزرقِ …
أحياناً يتخفّــى الذئبُ الأزرقُ تحت حريرِ قميصٍ حُـرٍّ
فتلوبُ فتاةُ الحانةِ ،
باحثةً بين الروّادِ عن الذئبِ …
وباحثةً بين رماد سجائرِهم عن جَـمْـرِ العينينِ؛
وماذا لو ســقَــطَ الثلجُ الآنَ؟
أترقصُ في الساحةِ إذْ تَـبْـيَـضُّ الساحةُ؟
سعدي يوسف