افضل خمسين كتاباً روسياً في القرن العشرين فلاديمير بُندَرينكو
أفضل خمسين كتاباً روسياً في القرن العشرين فلاديمير بُندَرينكو ـــ ت.شاهر أحمد نصر
كلما ابتعدنا عن القرن العشرين، نزداد ـ نحن أبناءه ـ فهماً وقناعة، أنّ عظمته هي عظمتنا وهباته ومآسيه هي هبات لنا ومآسينا. لقد لامس ذلك كلاً منا بهذا الشكل أو ذاك؛ إذ يوجد بيننا من مات آباؤهم بعد الحرب مباشرة متأثرين بجراحهم، كما يوجد من عانى آباؤهم في معسكرات الاعتقال. جميعنا تقريباً، أبناء جيل كامل من أصل ريفي، على الرغم من أننا ولدنا وترعرعنا في مدن كبيرة. لهذا السبب ها أنذا أكتب ثانية عن قرننا العشرين.
كرست مجلداتي الثلاثة: «القرن الفضي لعامة الشعب» للكتابة عن أدب الجبهة والريف، عن الشعر الغنائي الصامت، وكتاب «أبناء عام 1937» عن الجيل المجيد والعظيم، الذي ولد على أعتاب الحرب، أما كتابي الذي صدر للتو «جيل الوحيدين» فهو عن أبناء جيلي بالدرجة الأولى، الجيل المذهول والمرتبك والضائع، من أبناء نصر أعوام 1945-1955، عن الجيل السوفييتي الأخير الناضج، عن أولئك الذين تجاوزوا الثلاثين من العمر في سنوات البيرسترويكا؛ في الجوهر كتبت هذه المجلدات الثلاثة عن الأدب الروسي، وعن مبدعيه في النصف الثاني من القرن العشرين. قد لا تكون شملت جميع الكتاب المتمرسين والجديرين؛ إذ أنّه من المستحيل أن تحتضن، كلّ ما هو فسيح، وشاسع ورحيب ومترامي الأطراف، وعزائي أنني سأهتم وأعالج هذه الثغرات في السنوات المتبقية.
وها أنا أقترح للقارئ، من وجهة نظري، أفضل 50 خمسين كتاباً من الأدب الروسي في القرن العشرين. أقدم لكم الآن لائحة فقط بهذه الكتب وأسماء مؤلفيها. سيتبع ذلك تعليق من صفحتين أو ثلاث عن كل كتاب، وذاتية مختصرة عن الكاتب، وسيعرض هذا الكراس المؤلّف من خمس صفحات مطبوعة على رفوف المكتبات. أعتقد أنّ هذه اللائحة، وذلك الكراس سيثيران اهتمام ليس تلاميذ المدارس، والطلاب والمعلمين، فحسب؛ بل وجميع محبي الأدب.
سيجد كل من يطلع على هذه القائمة نقصاً وخللاً ما فيها، إن لم يعثر على أحد من كتابه المفضلين، والمحبوبين، لكن 50 هو 50، وقد تظهر عند كل منكم لائحته الخاصة بأفضل خمسين كتاباً. علماً بأنّ الأساس عند الجميع سيكون، من وجهة نظري، واحداً.
سيندهش البعض، وقد يرون عيباً في وجود، على سبيل المثال: ليف تولستوي وإيدوارد ليميونوف، أو أنطون تشيخوف ويوري كازاكوف، أو أندري بلاتونوف وألكسندر بروخونوف، أو إيفان بوزين وغريغوري كليموف في قائمة واحدة.
وسيرفض البعض المقاربة الحسابية للأدب، قائلاً ها هو بُندارينكو يتذكر سنة ميلاد الكتاب، أو يقدم لوائحه من عشرة، أو خمسين كاتباً. لكن قد يكون هذا الاختيار بالتحديد مفيداً لبعض القراء البسطاء ـ وبالتالي لن يضيع جهدي عبثاً.
سيلومني البعض كالعادة للإفراط الزائد في سعة المقاربة، ما حاجتنا لبيتوفي ولماكيناني، وسيلومني آخرون لأنني تجاهلت مدارس ما بعد الحداثة، ولم أذكر، على سبيل المثال، بابلي (الذي، حسب زعمي، لا يذكره أحد الآن، ولا يطبع له). تفضلوا، أيها الأصدقاء، أبدعوا وتقدموا بمقاربتكم. وأنا سأقوم بعملي.
ومن الجدير بالذكر أن أفضل خمسين كتاباً، لا يعني، أولاً، أنّها جميعها في مستوٍ واحد، ولا يمكن أن يوجد في روسيا 50 ليف تولستوي في قرن واحد، وثانياً، من الطبيعي، أنّه كلما اقتربنا أكثر من العصر الحديث، كلما ازداد عدد المرشحين، وعدد المنافحين عنهم. ستثبت الأيام كم أنا محق في صحة القائمة التي أقدمها. ويبقى المجال مفتوحاً أمام الراغبين أن يصححوا لي عبر صحيفة «زافترا ـ الغد»، وأن يقدموا تعديلاتهم وإضافاتهم، قبل إصدار الكتاب، وأنا بكل رحابة صدر ورغبة صادقة سأستفيد من نصائحكم، غير متجاهل أسماء مساعدي الأذكياء في الصحيفة.
ها هي قائمتي بالرصيد الذهبي للأدب الروسي ـ قائمة بأفضل خمسين مؤلفاً لأفضل الكتاب، الذي وضعه ناقد الأدب في القرن العشرين فلاديمير بُندرينكو:
1ـ ليف تولستوي. قصة «الحاج مراد»، التي نشرت من قبل الكاتب العظيم في عام 1902. كنا قد شطبنا ليف تولستوي من بين كتاب القرن العشرين، لكن وفي هذا القرن بالتحديد تمت طباعة «سوناتة كريتسيروف»، و«ما بعد الحفلة الراقصة»، و«القسيمة (الكوبون) المزورة»، و«الأب سيرجي» ـ أهم أعماله وأكثرها إثارة للجدال. وفي القرن العشرين بالتحديد حرموا ليف تولستوي من الكنيسة، وتم الاعتراف به مرآة للثورة الروسية، وفي القرن العشرين بالتحديد غادر ياسني بولياني. مازال الهواء حتى اليوم مشبعاً بأفكاره. ليس مصادفة أن يتحاشاه حتى الآن أمثال فلاديمير كروبين، لأنّهم يعدونه ملحداً، ومجدفاً على الله. ما الذي يمكن قوله عن قصته الشيشانية «الحاج مراد» التي عدها، منذ مدة قريبة، كاتبنا المعاصر ألكسندر سيغين قصة معادية للروس.
أنا أعتقد، على العكس تماماً، أن جميع النزعات الإمبراطورية الروسية التقليدية متضمنة في هذه القصة الكلاسيكية الشفافة، والواضحة، والفاتنة. إنّها القصة الرئيسية في القرن العشرين.
2ـ انطون تشيخوف: مسرحية «بستان الكرز» التي نشرت في عام 1903. إذا اعتقد أحدهم أن هذه المسرحية تتحدث عن الأيام الغابرة، عن انهيار بنيتنا الإقطاعية والأميرية، فهو مخطئ. هذه المسرحية حول الانهيار الروسي التقليدي، وتتحقق الآن مجمل أفكار «بستان الكرز» في أوهامنا الروسية الخاصة عن سادة الحياة الجدد (المقصود: الليبراليين الجدد ـ المترجم). لكن الانهيار ينتظرهم أيضاً. تبز هذه المسرحية مسرحية «في انتظار جودو» لحبيبي الإيرلندي سمويل بيكيت، إنها تضم في طياتها الانتظار، وتحقيق كل الآمال وانهيارها. لكنها تجبر القارئ على التفكير بالمستقبل.
3ـ إيفان بونين. المجموعة القصصية «الدروب الظليلة» الصادرة في عام 1943 الأعجف، لكنّها ليست مكرسة للحرب؛ بل للحب الصادق. إنّها تحفة القصص العالمية. لقد نما ونضج فلاديمير نابوكين بفضل «الممرات المظلمة»، مهما تصنّع تحرره من تأثير بونين عليه.
4ـ دميتري مِِيريجكوفسكي. روايته غير المنجزة «تيريزا الصغيرة»، وعلى الرغم من عدم اكتمالها، فإنه وبفضل هذه الرواية حول الراهبة الكاثوليكية تيريزا من ليزي، التي كتبها قبل وفاته مباشرة في عام 1941، يبرز لنا القداسة التي سعى الكاتب نفسه إليها. من المعروف أن الراهبة تيريزا تعد من خلال كاثوليكيتها المطلقة «المدافعة والحامية والمبتهلة والمضحية في سبيل الأرض الروسية».
5ـ ألكسندر كوبرين. قصة «المبارزة» التي نشرت في عام 1905، بعد الهزيمة في الحرب اليابانية الروسية، عدها الكثيرون قصة مسالمة ومعادية للحرب. مرت السنون، واليوم يعد الملازم روماشوف أحد أفضل رموز الضباط الروس.
6ـ مكسيم غوركي. «حياة كليم سامغين». لا تقل هذه الرواية الملحمية التي كتبها مكسيم غوركي قبيل وفاته في عام 1936، من وجهة نظري، أهمية عن «الحرب والسلام» لليف تولستوي، ولا عن «الدون الهادئ» لميخائيل شولوخوف. لم يتم إعطاؤها حقها حتى الآن. ومن المثير للدهشة والإعجاب أن مكسيم غوركي الذي كان ينشر في السنوات الستالينية، مقالاته البلشفية حول الواقعية الاشتراكية، لم يتنازل ولو بسطر واحد في هذه الرواية للدوافع السياسية خارج الرواية. أعتقد أنّ رواية «دكتور جيفاغو» لباسترناك، مثقلة بالدوافع الفردية، ويكمن تميزها في متابعة التقاليد الملحمية الروسية الجبارة.
7ـ فيودور سولوغوب. رواية «الشيطان الصغير». يوجد عدد غير قليل من الكتاب الذين أصبحوا في مصاف الأدباء العالميين بفضل عمل أدبي واحد فقط، منهم على سبيل المثال الأب بيرفو، وكذلك الأمر فيودور سولوغوب، الذي كتب الكثير، وخلد في الأدب الروسي بفضل روايته «الشيطان الصغير» التي نشرت عام 1907، وبفضل بطله المعلم بيريدانوف؛ هنا تأسسَ مستقبل كافكا، ومجمل الأدب التجريدي، وأدب المأساة الاجتماعية، في الوقت نفسه. إنّها رواية عظيمة.
8ـ أندريه بيلي. «بطرسبورج»، مرة أخرى نتعرف إلى رواية روسية عظيمة لم تنل حقها من التقييم. عندما قرأت «بطرسبورج» وكنت ما أزال تلميذاً في المدرسة، فكرت ملياً لأول مرة في التاريخ الروسي التراجيدي. تتضمن الرواية البيئة الروسية اللامحدودة والمدمرة أحياناً، مجموعة في أشكال رائعة من الرمزية الروسية. إنّها الروح القومية الروسية الحقيقية، دون شوائب.
9ـ فاسيلي روزانوف. رواية «قيامة عصرنا». رأت النور في ضاحية سيرغيف في عام 1918. ومع أن روزانوف يلقب بالفيلسوف، فإن جميع الفلاسفة الروس كتاب، وأولهم فاسيلي روزانوف. إنّها جوهرته الأدبية التراجيدية الروسية، التي تضج بالأفكار حول الحياة الروسية، والطبع الروسي. أيوجد من كتب بحماسة ولهفة عن مآسينا وعن آثامنا، مثلما كتب الأدباء القوميون الروس، وهل يوجد بينهم من أحب روسيا، حتى النهاية، حتى الحدود القصوى، مثل فاسيلي روزانوف؟!
10ـ يفغيني زامياتين. رواية «نحن». اكتشف هذا الكتابُ المستقبلَ الشمولي الذي ينتظر العالم منذ عام 1920، بدءاً من الاحتمال الألماني، والتجريبية السوفيتية، وحتى العولمة الأمريكية، أو الإسرائيلية. وصدرت لاحقاً رواية «1984» لـجورج أورويل، و«العالم الجديد الرائع» لـ أولدوس هاكسلي. والأخوة ستروغاتسكي وغيرهم، وغيرهم. قرأت الرواية عندما كنت طالباً في بطرسبورج، وأدهشني الأسلوب الحي، والتصوير الدقيق، وأكثر ما أثار إعجابي المقدمة ... لفلاديمير بوندارينكو. تعرفت لاحقاً على هذا اللغوي والقاص العبقري في مونتيري في الولايات المتحدة الأمريكية، تبين أنّه كجميع مهاجري الموجة الفلاسوفية الثانية ليس فلاديمير، ولا بوندارينكو. فضلاً عن أنني أتمنى أن أكتب عن يفغيني زامياتين، كالباحث عن المستقبل الذي أضاع جميع الخرائط، بحيث لا تميزوننا الواحدَ من الآخر.
11ـ نيقولاي أستروفسكي. رواية «كيف سقينا الفولاذ». انتهت طباعتها في عام 1934. يريدون الآن نسيانها، دون جدوى. لم يعد يوجد في أدبنا من يعترف بالإنسان الذي تمتلكه الأفكار، المخلص للأفكار. أين رواية «ما العمل؟» لنيقولاي تشيرنشيفسكي من هذه الرواية؟ تلك الرواية من العقل، أما هذه فهي رواية من القلب. سيلهب نموذج البطل بافكا لقرون عديدة قادمة قلوب الرومانسيين الشباب. إنّه كتاب عظيم. وكم هو محق أندريه بلاتونوف عندما يقول: «لا نعرف بعد، كل ما هو مخبأ في جوهرنا الإنساني، وقد اكتشف كورتشاغين لنا سرّ قوتنا». إنّهم يريدون سحب الرواية من ذاكرة الأجيال الشابة ليس بسبب بلشفيتها، بل لما تتضمنه من أفكار حول سر القوة الروسية.
12ـ أندريه بلاتونوف رواية «تشيفنغور». لم يوجد ولن يوجد كاتب أكثر بلشفية، وحتى أكثر ستالينية (فضلاً عن صاحب الجسم الضعيف نيقولاي أستروفسكي) من أندريه بلاتونوف. ويبقى لغز محير بالنسبة إلي لماذا اشمأز ستالين منه. أيكمن السبب في أنّ بلاتونوف في مجال الكتابة كان نبياً؟ لقد قيمه عالياً ألكسندر فادييف، وميخائيل شولوخوف، وجميع الكتاب السوفيت العظام الحقيقيين في القرن العشرين. ومن المثير للدهشة أن يقيِّمه عالياً جميع المتناقضين من يوسف بارادوسكي، وحتى ألكسندر سونجالستين. من المعلوم أن السلطات السوفيتية تبنت رواية «الدون الهادئ»، وأصبحت كتاباً مفضلاً لجميع المتناقضين.
13ـ ليونيد ليونوف. رواية «اللص»، 1927. تدور الرواية حول تحديد شخصية الإنسان، وصعوبات اختيار كل إنسان لطريقه الخاص. سيبقى هذا الخيار موجوداً، وسيبقى الإنسان يبحث عنه. وبالتالي فرواية «اللص» ستبقى موجودة دائماً.