لكل الكرام المسجلين في منتديات ليل الغربة ، نود اعلامكم بأن تفعيل حسابكم سيكون عبر ايميلاتكم الخاصة لذا يرجى العلم
برفقتكم الورد والجلنار
سأكتب لكم بحرف التاسع والعشرين .. لكل من هُجرْ ، واتخذ من الغربة وطناَ .لكل من هاجر من اجل لقمة العيش ، واتخذ من الغربة وطناً لكم جميعا بعيدا عن الطائفية والعرقية وغربة الاوطان نكتب بكل اللغات للأهل والاحبة والاصدقاء نسأل ، نستفسر عن اسماء او عناوين نفتقد لها نهدي ،نفضفض ، نقول شعرا او خاطرة او كلمة اهديكم ورودي وعطر النرجس ، يعطر صباحاتكم ومساءاتكم ، ويُسكن الراح قلوبكم .
حسونة المصباحي* "أبدا لم أتعذب لأننى امرأة" س. دو بوفوار عرفت فرنسا كاتبات مرموقات خلال القرن العشرين مثل كوليت "1873-1954"، ومارغريت يورسنار "1903-1987" غير أن سيمون دو بوفوار التى يُحتفل هذا العام بمرور مائة عام على ميلادها، كانت أكثرهن شهرة وحضورا على المستوى العالمي.
وقد لا يعود ذلك فقط إلى علاقتها الوثيقة بجان بول سارتر، الذى كانت أفكاره ومواقفه الأدبية والفلسفية والسياسية تثير عواصف هوجاء لا فى فرنسا وحدها وإنما فى العالم بأسره، وإنما أيضا لأنها اختارت العيش، خصوصا منذ نهاية الحرب الكونية الثانية، فى قلب الأحداث التى عرفتها الإنسانية فى النصف الثانى من القرن العشرين.
فكانت مساندة لحركة المقاومة الفرنسية ضد الاحتلال النازي، وكانت إلى جانب سارتر عند تأسيسه لمجلة "العصور الحديثة" المدافعة عن الفلسفة الوجودية، وعن الحرية والديمقراطية بصفة عامة، والمنتقدة للجوانب المعتمة للرأسمالية. وكانت ضمن المثقفين الفرنسيين الذين ناهضوا الاحتلال الفرنسى للجزائر، وطالبوا باستقلالها فى حين كانت الحرب تحرق الأخضر واليابس على أراضيها. وكانت ضد حرب فيتنام.
وفى كتابها "الجنس الثاني"، وضعت الأسس الأولى التى قامت عليها الحركة النسوية فى العالم الغربى وذلك خلال السبعينات والثمانينات من القرن الماضي. وفى عام 1970، وبعد أن هدأت ثورة ربيع مايو/أيار الطلابية، شاهدها الناس توزع مع جان بول سارتر جريدة "قضية الشعب" "LA CAUSE DU PEUPLE" اليسارية المتطرفة التى كانت الناطقة باسم الشبيبة الماوية "نسبة إلى الزعيم الصينى ماوتسى تونغ".
"باسيوناريا" القرن العشرين لذلك قد يكونون على حق أولئك الذين سموها "باسيوناريا" القرن العشرين. وقد ولدت سيمون دو بوفوار عام 1908 من أب ينحدر من عائلة نبيلة، ومن أم تنتسب إلى عائلة غنية من منطقة "فاردان". وكان الأب لائكيا، عاشقا للمسرح والأدب. أما الأم فكانت محافظة، ومتمسّكة بالتقاليد. وفى سنوات المراهقة ارتبطت سيمون دو بوفوار بفتاة تدعى اليزابيت لاكوان، وعنها سوف تتحدث كثيرا فى كتابها "ذكريات فتاة رصينة". وفى الوقت نفسه، اشتدت الخلافات بينها وبين والديها، وبدأت تبحث عن طريقة للفرار بعيدا عن البيت العائلي. وأمام من يعرفونها، أو لا يعرفونها كانت تجاهر بعدائها لكل ما يتصل بالدين..
عقب حصولها على الباكالوريا وذلك عام 1924، انتسبت سيمون دو بوفوار إلى جامعة "السربون"- قسم الفلسفة- وأثناء سنوات الطلب فى الجامعة، انشغلت بكتابة يومياتها التى سمتها "دفاتر الشباب"، وفيها كتبت تقول "سوف أؤسس قوة ألجأ إليها إلى الأبد!". ولم تكن هذه القوة غير الأدب الذى سوف يصبح العنصر الأساسى فى حياتها حتى النهاية.
وسوف تكون هذه الدفاتر بمثابة التمارين اليومية التى تقوم بها سيمون دو بوفوار لكى تكون المرأة والكاتبة التى تطمح إلى أن تكون- وهذا ما نلاحظه فى هذه الفقرة التى كتبتها يوم 30 أفريل/نيسان 1927، والتى فيها تقول "قوتي! أريد لكى أتغنى بها أن يكون لى الكبرياء الحماسى للنهر. أمس، أمام باب المكتبة، نظرت إلى ساحة "السربون" لأعاين كما قال كوكتو فى "السر المهني" أننا نكتشف فجأة الأشياء التى هى عاديّة للغاية.
وكان الطلبة الذين كانوا يسيرون فى الضوء يبدون كما لو أن فكرى هو الذى خلقهم. وقد أحسست بأن الحياة تغمرنى بكل ما فيها. وراحت تتسابق فى ذهنى ذكريات عن الكتب وعن لوحات أحببتها. وأمس، قبل أن أنام، شعرت بأننى أنا، أنا التى فى قلب الحياة. غير أن هذا ليس مجديا. فالكلمات لا تضمن مثل هذا التأكيد".
الكائنات الذكية والحساسة وفى فقرة أخرى من اليوميات، كتبت سيمون دو بوفوار تقول "الحياة جميلة بكل اللوحات الجميلة التى رسمها الناس، وبكل الكتب الرائعة التى أبدعوها، وبكل الأفكار والنظم الفلسفية التى ابتكروها. وهى جميلة بفضل الكائنات الذكية والحساسة التى تعيشها، وبفضل شمس الأيام الحارة، وبطراوة الصباحات الرمادية قليلا، وبفضل العلاقات السهلة، والصداقات العميقة. وهى غنية بكل غنائي. أنا غنية!".
وفى جامعة "السربون"، تعرفت سيمون دو بوفوار على مارلو بونتى الذى سيكون فى ما بعد واحدا من أهم الفلاسفة الوجوديين. غير أن لقاءها بجان بول سارتر مطلع الثلاثينات من القرن الماضى هو الذى سوف يحدث منعرجا هائلا فى حياتها كامرأة، وككاتبة، وكمفكرة. وفى بدايات هذا اللقاء، كتبت سيمون دو بوفوار تقول "كان سارتر يجيب بالضبط على تمنياتى وأنا فى الخامسة عشرة من عمري. وكان الصّنو الذين كنت أعثر فيه من جديد، على جميع ميولى المفرطة، وقد تأججت بما فيه الكفاية. معه، سيكون باستطاعتى دائما أن أتقاسم كل شيء. وعندما فارقته فى أوائل شهر أغسطس/آب، كنت أعلم أننى لن أخرج من حياته أبدا".
ومنذ البداية، اتفقت سيمون دو بوفوار مع سارتر على أن تكون المسألة الجنسية بينهما ثانوية. لذلك كان بإمكان كل واحد منهما أن تكون له علاقاته الجنسية الخاصة. وبعض من هذه العلاقات سوف تكون بمثابة الفضائح الجنسية لدى وسائل الإعلام والرأى العام الفرنسي. ووصف بعضهم العلاقة بين سيمون دو بوفوار وجان بول سارتر بأنها كانت "مغامرة ثقافية" كان الهدف الأساسى منها تقويض وتدمير الضوابط و"المعايير البورجوازية".
صعود الفاشية وخلال الثلاثينات، لم يهتم الاثنان- أى دو بوفوار وسارتر بالأحداث السياسية الكبيرة التى هزت العالم فى ذلك الوقت مثل صعود النازية فى ألمانيا، والفاشية فى إيطاليا، والحرب الأهلية التى اندلعت فى إسبانيا عام 1936، و"الجبهة الشعبية" التى حكمت فرنسا لفترة وجيزة، من شهر حزيران/يونيو 1936 حتى نفس الشهر من عام 1937، فقد كانت الفلسفة والأدب كل ما يشغلهما. وكان طموح كل واحد منهما كتابة أعمال تخرج عن العادى والمألوف، وتنسف القوالب الجامدة. وكان سارتر قد أصدر فى ذلك الوقت عملين جلبا له اهتمام النقاد، هما "الغثيان"، وهى رواية، و"الجدار"، وهى مجموعة قصصية. أما سيمون دو بوفوار فلم تكن قد أصدرت أى شيء.
ثم اندلعت الحرب الكونية الثانية، فجنّد سارتر وأرسل فى الحين إلى الجبهة. أما سيمون دو بوفوار فقد واصلت تدريس الفلسفة فى المعاهد الثانويّة، مهتمة بالخصوص بالتلميذات الذكيات والجميلات، وغير عابئة بالأخريات. وكانت تعيش حياتها وكأن شيئا لم يقع، وكأن باريس لم تحتل من قبل النازيين. غير أن موقف سارتر سوف يكون مختلفا. فقد كانت الحرب بالنسبة إليه بمثابة الصدمة العنيفة التى جعلته يفتح عينيه، وللمرة الأولى، على حقائق لم يكن قد انتبه إليها قبل ذلك. وعن ذلك، كتب ميشال كونتا يقول: كانت الحرب المنعرج الكبير فى حياة سارتر تلك الحرب التى لم يكن قد توقعها، ولم يكن قد فهم أسبابها. وعندما سقطت عليه، شعر كما لو أنه استقال ثقافيا لأنه لم يكن قد فكر قبل ذلك فيها.
وابتداء من ذلك، أصبح مسكونا بحب عميق للسلم، سلم كان قد عرفه فى المدرسة العليا تحت تأثير تلامذة الفيلسوف آلان "ALAIN". ولم يكن سارتر محبا للسلام بطبعه. كان بالأحرى مثقفا لامعا، وكان أيضا شديد الاقتناع بأن العنف هو فشل الحوار، وإنه من الضرورى اللجوء دائما وأبدا إلى الحوار العنيف والحاد ربما، ولكنه يظل مع ذلك الوسيلة الأنجع لحل الخلافات. ولم يكن سارتر يفكر مثل سوريل "SOREL" الذى كان يرى أن العنف هو المولد للتاريخ. لذا من المحتّم المرور منه. وكان سارتر يميل بالأحرى إلى عنف المتمردين لكن من دون أن يعظمه أو يتخذ منه قيمة أساسية".
فى عام 1941، عاد سارتر إلى باريس بعد أن أمضى أشهرا طويلة فى الأسر. وعندما التقى بسيمون دو بوفوار، شرع يحرضها على الخروج من حالة الفراغ الثقافى التى كانت تعيشها، طالبا منها الانخراط مثله فى النضال ضد النازية. وفى ما بعد سوف تقول سيمون دو بوفوار "للأسف الشديد، كان لا بد من اندلاع الحرب لكى أعلم أننى أعيش فى العالم، وليس خارجه".
مجموعة "الاشتراكية والحرية" ولم تتردد سيمون دو بوفوار فى الانضمام إلى مجموعة "الاشتراكية والحرية"، المناهضة للنازية، والتى كان سارتر أحد الناشطين فيها. وكانت مهمتها توزيع المناشير فى محطات المترو، وعند مدخل المعامل، وإعداد النصوص التحريضية.
غير أن المجموعة سرعان ما اندثرت. وكان على سارتر وسيمون دو بوفوار أن يسافرا فى الصيف إلى "المنطقة الحرة" للالتقاء بأندريه جيد واندريه مالرو الذى كان قائدا فاعلا فى حركة المقاومة. غير أن هذا الأخير الذى كان قد اكتسب تجربة حربية هامة فى الهند الصينية، وفى الحرب الأهلية الإسبانية، اقتصر على مدهما بالورق والمال. وعندما أدرك سارتر أنه لن يكون عنصرا فاعلا فى حركة المقاومة، استسلم للحياة "الرمادية" فى باريس "الحزينة". ولمقاومة الملل، انكب على كتابة مسرحيات سوف تحقق له فى ما بعد شهرة عالمية واسعة.
كما أنه انصرف إلى إعداد المادة الأساسية لمؤلفه الفلسفى "الوجود والعدم". أما سيمون دو بوفوار فقد أصدرت كتابا حمل عنوان "الضيفة". ومنذ ذلك الحين أصبحت الأوساط الباريسية تتعامل معها ككاتبة، وليس فقط كعشيقة لسارتر.. ولأنهما لم يشاركا فى حركة المقاومة بصفة ناجعة وفعلية، فإن المؤرخة أنات فيفيوركا كتبت عنهما تقول "كان الاثنان- أى دو بوفوار وسارتر- يعيشان حياة الفرنسيين العاديين. ولم تحدث الحرب أى شرخ لا فى حياتهما، ولا فى أعمالهما الأدبية. لقد فوّتا فرصة الالتزام النضالى الحقيقي، ذلك الذى يمكن أن يلاقيا فيه حتفهما".
لكن حالما وضعت الحرب أوزارها، وعادت باريس لتنخرط فى حياتها الصاخبة، أصبح سارتر، فيلسوف الحرية بامتياز، وأصبح النقاد والقراء يتعاملون مع دو بوفوار وكأنها الكاتبة التى عاشت فى قلب حركة المقاومة.
وفى باريس الضاحكة، السعيدة بحياتها الجديدة بعد سنوات القتامة التى عاشتها تحت الاحتلال النازي، كان الاثنان، أى دو بوفوار وسارتر، يتحركان وكأنهما بطلان. وكان المعجبون يتحلقون حولهم فى مقاهى "السان جارمان دى بويه"، وساحة "الاوديون" وهم متلهفون لسماع كل كلمة ينطقان بها، وكل فكرة يطلقانها.
ولأنهما شعرا بالأهمية الكبيرة التى أصبحا يحظيان بها فى المشهد الثقافى والفكري، فإن سارتر وبوفوار سارعا بتأسيس مجلة "العصور الحديثة" التى ستصبح حال صدورها، أرقى مجلة فكرية وأدبية عرفتها فرنسا عقب الحرب الكونية الثانية. ولأن الاثنين، أى سارتر وسيمون دو بوفوار، كانا متفقين على ضرورة عيش حياة جنسية حرة، فإن كل واحد منهما انصرف باحثا عن ما يمكن أن يرضى غرائزه وشهواته الجنسية. فقد ارتبط سارتر بعلاقة حب مع ميشال فيان، زوجة الفنان والكاتب بوريس فيان، ومع نساء أخريات مثل الأمريكية دولوريس فانيتي.
رسائل حب محمومة أما سيمون دو بوفوار فقد عشقت أمريكيا يدعى نلسون الغرين "NELSON AL GREN" كان يسميها "ضفدعتي" مرة، ومرة أخرى "تمساحي". وكانت هى تكتب له رسائل حب محمومة. وفى واحدة من هذه الرسائل كتبت له تقول وكأنها أَمَةٌ تخاطب سيدها "سأكون عاقلة، سأغسل الصحون وأوانى الطبخ، سأكنس، وسأذهب وحدى لأشترى البيض وحلويات "الروم". لن أمس شعرك، ولا وجنتيك، ولا كتفيك من دون إذن منك. وأبدا لن أفعل أشياء لا تسمح بها أنت..".
ومع الغرين، سافرت سيمون دو بوفوار إلى شيكاغو لتكتشف هناك بؤس الأحياء التى على حزام المدينة، وحياة الهامشيين، والمدمنين على المخدرات، والعنف الذى يهيمن على العلاقات بين الزنوج والبيض. وكل هذا سوف يدفعها إلى النظر إلى الكثير من الأشياء والقضايا انطلاقا من رؤية جديدة، وسوف يجعلها أكثر تضامنا مع الطبقات الكادحة، ومع المعذبين والمقهورين فى الارض.
وفى عام 1949، أصدرت سيمون دو بوفوار "الجنس الثاني" الذى سوف يكون واحدا من أهم الكتب التى ألفتها خلال مسيرتها الأدبية والفكرية الطويلة. وقد أثار هذا الكتاب موجة عارمة من الغضب والسخط داخل الأوساط الأدبية والثقافية فى فرنسا. فقد اتهم البير كامو سيمون دو بوفوار بأنها "تمس من شرف الرجال الفرنسيين".
ومخاطبا واحدا من المساهمين فى مجلة "العصور الحديثة"، قال الكاتب الفرنسى فرانسوا موريالك "لقد أصبحت أعرف كل شيء عن الثياب الداخلية لصاحبتكم!" وعلق الحزب الشيوعى الفرنسى على الكتاب قائلا بأنه سوف "يسلّى ويضحك عاملات بيونكور".
وقد ردت سيمون دو بوفوار على التهجمات والانتقادات التى انهالت عليها عقب صدور "الجنس الثاني"، قائلة "لقد نحتوا لى صورتين، الأولى، صورة فتاة مجنونة، نصف مجنونة، منحرفة "..." أما الصورة الثانية، فصورة امرأة بحذاء مستو، وبعقيصة. وهم يقولون إنى رئيسة كشاف، وإنى رئيسة جمعية خيرية، وإنى معلمة. لا شيء يمنعنى من أن أصالح بين الصورتين. يمكن أن أكون سيدة ماجنة بفكر كبير، ورئيسة لجمعية خيرية. المهم أن أظهر للناس كما لو أننى غير طبيعية".
سن النضج ولكن لماذا عالجت هذا الموضوع، موضوع المرأة فى كتابها "الجنس الثاني"؟ مجيبة عن هذا السؤال، كتبت سيمون دو بوفوار فى مؤلفها الآخر "سن النضج" تقول "ماذا يعنى بالنسبة إلى أن أكون امرأة؟ أبدا لم أشعر بالدونية لكونى امرأة. وأنوثتى لم تكن تسبب لى أى شعور بالنقص. وقد قلت كل هذا لسارتر. فرد عليّ قائلا "مع ذلك يا سيمون، أنت لم تتربى بنفس الأساليب والطرق التى يتربى بها الطفل الذكر.. وعليك أن تنظرى إلى هذا عن قرب..".
وقد نظرت، وعندئذ، اكتشفت الشيء التالى " هذا العالم الذى من حلوى عالم ذكوري، وقد تغذت طفولتى بالأساطير التى نسجها الرجال، وأبدا لم أرد الفعل بنفس الطريقة التى أرد بها لو كنت طفلا. ومن شدة اهتمامى بهذا الموضوع، تركت كل شيء جانبا، لأهتم بموضوع المرأة فى مجمله".
ومنذ الخمسينات والستينات من القرن الماضى أصبح "الجنس الثاني" إنجيل زعيمات الحركات النسوية فى الولايات المتحدة الأمريكية، وفى العالم بأسره. وعن "الجنس الثاني" كتبت الألمانية انغريد كاستلير تقول "صادمة اليمين كما اليسار، كانت بوفوار من دون شك سابقة لعصرها "..." فلقد تمكنت ولأول مرة من أن تستعمل السجل الفلسفى الذى يسمح بالتفكير فى العلاقة بين الجنسين عوض أن نفعل ذلك بحسب التعابير التجريبية، وإعطاء هذا التفكير المكانة الضرورية لكى نجعل منه خطابا أكثر انتشارا".
وعند اندلاع الحرب التحريرية فى الجزائر، رفعت سيمون دو بوفوار صوتها مع سارتر ومع مثقفين فرنسيين آخرين للتنديد بجرائم جيش الاحتلال هناك، وقامت بحملات للتضامن مع جبهة التحرير الشعبية. ومع جيزال حليمي، كانت ضمن لجنة التضامن مع المناضلة جميلة بوباشا التى عذبها الجنود الفرنسيون، واغتصبوها، قبل أن يحكم عليها بالإعدام. ولم تكن سيمون دو بوفوار تتردد فى النزول إلى الشوارع للمشاركة فى المظاهرات المناهضة للحرب، أو لتوزيع المناشير الداعية إلى إنهائها.
وفاة سارتر عام 1980، أصدرت سيمون دو بوفوار كتابا حمل عنوان "موكب التوديع"، وفيه تروى علاقاتها به خلال السنوات العشر الأخيرة التى سبقت وفاته. وفى هذا الكتاب، هى تروى بدقة متناهية التدهور الصحى والجسدى لرفيق حياتها، وتدين ألاعيب بنى ليفي، المثقف اليهودى الذى كان تروتسكيا "نسبة إلى ليون تروتسكي" والذى أصبح صهيونيا متطرفا. وقد حاول بنى ليفى استدراج سارتر إلى أفكاره الصهيونية الشيء الذى أثار غضب سيمون دو بوفوار. وفى كتاب "موكب التوديع" نقرأ ما يلى "موته يفصلنا، موتى لن يجمعنى وإياه. هكذا هو الأمر. وعلى أية حال، لقد كان رائعا أن تتوافق حياتى مع حياته لفترة طويلة".
وكانت قد مرت ستة أعوام بالضبط على وفاة جان بول سارتر، عندما لفظت سيمون دو بوفوار أنفاسها لتدفن فى ثوب أحمر، وفى إصبعها الخاتم الفضى الذى كان قد أهداه إياها عشيقها الأمريكى نيلسون الغرين. وقد رافق جثمانها إلى مقبرة "مونبارناس" آلاف الناس من المعجبين والمعجبات. وعندما مر الموكب أمام مقهى "COUPOLE" فى حى "مونبارناس" والتى كانت من مرتاديه، وقف النادلون والعاملون فيه ليؤدوا لها تحية الوداع الأخير... * كاتب تونسي ________________________________________