سطوة الحدث في قصة ( اسمها و العيون ) للقاص : ماهين شيخاني - عبد الخالق سلطان
ينبغي أن تتوفر في القصة العديد من العوامل حتى تكتسب صفتها القصصية مثل الشخصيات والبيئة والحاجة إلى زمن
والذي يربط بين هذه العناصر شيء مهم وهو الحدث الذي تجسده القصة وتحاول تصويره لنا وكثيرا ما تتوقف قوة القصة ومدى تأثيرها فين على هذا العنصر الحدث فما الحدث الغريب والشاذ غير المألف يمنح القصة تشويقا وجاذبية ، ويشد القارئ إليها ويجعلها يتشبث بها ..فيا ترى ماهي العناصر التي ينبغي أن نغرسها في الحدث حتى يكون بالمستوى المطلوب ..؟ أن الحدث هو الجزء المهم في القصة ، لأن
غالبية العناصر الأخرى تأثر بشكل غير مباشر على القارئ بينما الحدث يبقى المحور الذي يعتمد إليه كل من القارئ والكاتب ، فعليه ينبغي أن نركز على الحدث بشكل دقيق ، ونحاول تجسده بطرق فنية مشوقة ، فمن الأمور التي ينبغي عدم إهمالها هي تسلسلية الحدث إلى حدث ذي بداية ووسط ونهاية ، وليس مهما من أين تبدأ سواء من النهاية أو من الوسط أو من البداية ، المهم أن يكون حدثا متكاملا غير ناقص ، من الأمور الأخرى هو عدم وجود الفجوات ، الا إذا كان للكاتب غرض من هذا الفجوات .. إذ يجب أن يكون الحدث خاليا من الفراغات المكانية والزمانية إلا إذا كان للقاص غرض من ضمن تقنيات القصة فتكون في ذلك الوقت صادرة من وعي الكاتب وتفي غرضا .. ولكن من الأمور التي ينبغي على الكاتب الالتفات إليها عند اختياره الحدث،هي:
1- مدى اقترابه الحدث واتصاله بالحس الإنساني والمفاهيم السامية التي تخدم البشرية بصورة عامة ، إذ أنه كلما كان الحدث قريبا
ولصيقا تمثل هذه المفاهيم الإنسانية كلما جاء التعبير عنه صادقا ومثيرا
2- ليكن الحدث غريبا بعض الشيء ، أي يدور حول عوالم مجهولة غامضة ، وحول أسرار مغرسة في كوامن النفس البشرية لأن مثل هذه الأحداث الغريبة تجد لنفسها في كل الأوقات – أذانا صاغية ، ونفوسا متلهفة .
3- أن يحمل الحدث شيئا من الخصوصية للكاتب ، ويمنحه الذاتية والتميز والتفرد ، ويتم ذلك بربط الحدث بأشياء تدخل في صميم قومية الكاتب وهويته أو ترتبط بأحداث وأساطير من تراث الكاتب فمثلا يكفي أن يسمي الرسام ب(مه م وزين ) أو (مها باد ) لكي نستدل من خلالها على شخصية الكاتب الكوردية لأن أسطورة (مه م وزين ) لاوجود لها الافي تراث الكورد ، وهكذا فأن نقطة واحدة تعطي القاص خصوصية وتمنحه هويته الخاصة به ..وفي الوقت نفسه تخرج أدبه من نطاق الغربة الخاصة الى دائرة المجتمع ، وهموم الأمة لأنه ليس كل الشعوب قد عانت الاضطهاد والتشريد والضياع والتمزيق والإبادة بالمواد الكيماوية والهجرات الجماعية ، وليس كل الشعوب تلوذ بالجبال ملجأ وملاذا وتجد في صحة البندقية أمانا وتسليما .. وفي قصة (( أسمها و العيون )) (1) للقاص ماهين شيخاني من سوريا نلاحظ سطوة الحدث فيها بشكل ملفت للنظر ، لأن قوة هذه القصة تكمن في الحدث الذي تدور حوله القصة فإننا نرى شكل تقليدا ولا تجديد يذكر فيه ، وكذلك الشخصيات فأنها اعتيادية ومألوفة ، لأنها مأخوذة من أرض الواقع فهي ليست من الشخصيات الشاذة والمثيرة والغريبة التي تلفت الأنظار أليها فقوة القصة تكمن في الحدث المختار – كما قلنا – فهو – القاص – يعبر عن مفهوم أنساني عميق وهو الحب من خلال حدث كثير الحصول في المجتمعات الشرقية بصورة عامة ،إذ أن هذه المجتمعات تنظر إلى الحب نظرة مختلفة فيأتي الحب في الدرجة الرابعة والخامسة وربما الأخيرة وقد لا يدخل في جدول أوسلم الأولويات لدى البعض الأخر ..لذلك جاء القاص وعبر عن هذا المضمون من خلال حدث حالة وحبكة بشكل مثير عبر موقف موجز وقصير : فتاة تزور معرضا يلفت نظرها لوحة وتتوقف أمام اللوحة التي ذكرتها بالماضي ، ويأتي الفنان ليحكي لها قصة اللوحة والرجل المرسوم عليها ، ويربط الأحداث بالوطن – كوردستان – فتخبره الفتاة بعلاقتها القديمة لصاحب الصورة ، تلك العلاقة التي وقف أمامها جبروت العائلة وسلطة العشيرة وحالت دون تحقيقها وكيف تحطمت حياة تلك الشابة البريئة بعدها عندما تزوجت من شخص أخر لا تحبه .. وكانت النتيجة الطلاق والفراق والضياع في البلاد الأوربية ..؟؟
وتتجسد روعة القصة في ربطها لهذا الموضوع بالقضية الأم ، قضية الشعب الكورد وذلك عندما يقول الرسام (بل هو وجه شاب ، اعتبره أخي وصديقي وأستاذي في الرسم ، وهو الخيط الذي يربطني بالوطن ) فهذه العبارات أعطت القصة نقلة قوية لأنها أخرجتها من دائرة الحدث الشخصي الفردي إلى دائرة الكل العام حيث عبرت عن هموم مجتمع بأسره .. ثم أن القاص خروجه من دائرته الفردية قد أكسب لنفسه تميزا وخصوصية لأنها القصة – قد صورت معاناة الشعب الكوردي كله ، تلك المعاناة لم يمر بمثلها شعب فبالرغم من أن الحدث ليس غريبا ولا شاذا (؟) ولا مثيرا بتلك الدرجة ، فهو حدث مألوف وربما صادفناه لاكثر من مرة في حياتنا اليومية ، ولكن – القصة – عبرت عن مفهوم أنساني كبير وحيوي على مر الأيام.. وهذا ما أعطى القصة أثاره وحيوية .
(1) نشرت هذه القصة في مجلة (كولان العربي ) عدد 67
* نقلاً عن كولان العربي العدد (68) كانون الثاني 2002 صفحة 63 ………….