(سنين يوسف) لعبدالرزاق الربيعي جهاز بلاغي يدل الكلمات الى معانيها - حيدر عبد الرضا
ان هذا الشاعر لديه القدرة الكاملة علي تحويل المضحك إلي المبكي وهذا بدوره يؤدي إلي نوع ما من المأساوي ، ولعل هذا القول يبدو غير دقيقا الا اننا سوف نوضح الفكرة بشكل اوسع عندما يكون التناول بالمثال والفقرات والايضاحات
، في قصيدة(سنين يوسف) يعمد الشاعر إلي تشغيل نوع ما من (الجهاز البلاغي) عن طريق الاسلوب الكنائي الرمزي والمتمثل في (الامثال) التي تتميز بخاصية عبور الازمنة القولية والامكنة الاخبارية ، وتستمد كتابة الامثال التوصيفية لدي الشاعر الربيعي علي اساس من محورية (قصيدة الاطروحة) التي تبدو مهيمنة في قصيدة (سنين يوسف) وهذا النوع الافتراضي من الكتابة الشعرية يديم استقلالية اختلافية تقوم بتوظيف المستويات الشعرية في مشروع فك الايهام الدلالي باستقلالية نوع من المخيلة الموروثية ، وهو لربما يعد مستوآ جديدا من توظيف الشعر صوتا موروثيا مسعفا في تبليغ خطابات المستنسخ الكتابي. والي جانب هذا نلاحظ توفر شعوريا لدينا بان الممارسة الشعرية لدي قصيدة (سنين يوسف) تولد احساسا قريبا من حدود الالفة والغرابة في الوقت نفسه. ان عدم ذكر الشاعر استدعاءاته بالدوال والانظمة التي مارسها في كتابة توزيعات قصيدة(سنين يوسف) تخلد الاعتقاد لدي المتلقي بان هذا النص كان ينحي نحوا افتراضيا مجاريا لخلفيات المحافظة علي حالات العلامات الصوتية التي اخذت تستغرق مجالات فاعلية صياغة قصيدة الاطروحة : ــ
الليلة.../ يهبط نجم الرؤيا / فيفيض القاع ثعابين / هياكل سود الاظلاف / حروفا مسمومة
الليلة.../ تتكسر امزجة الورود / تلم الريح انوثتها / وتفر الغابة / من جيب الصياد.. ص51
ان الاسماء التوصيفية التي قام الشاعر الربيعي بتوظيفها اسماء وصفات ومزايا وحالات لا تدل علي بطولات واستظهارات جاهزية تمت علي اساس من (لعبة تعرية السرد) بل ان صياغة الشاعر لها كانت ذاتية يدعمها الدليل الايهامي المتنامي بموجب شواهد موضوعية مرسومة تنحو منحي التوغل الاستشهادي والموعظي و إلي جانب تكرار المواصفات المقصدية نلاحظها تنبجس كممارسة اعادة حفاظ علي سياقية حذوف (المسكوت عنه) كقول الشاعر: ــ (يعزف يوسف منفردا.. في ناي الشريان.. يحاصر فطنته الصمت..) وبهذه التقنية الخارقة في تحديد ايحائية المتوقع الشفروي تتلاحق متعددات الاسناد الكنائي وفق مفهومية الشاعر إلي تمديد القضية الاساسية (يوسف) كتوقيع متداول في كل متتاليات الاستثمار المسموع والمقروء. اضافة إلي هذا فان مهمة القصيدة بهذا المنحي تبدو تجاريا لوظيفة الاطروحة الشعرية للقصيدة وتلاعبا ملفوظيا لادوار التوصيف المقصدية المكيفة ، وبهذه التقنية من (قصيدة الاطروحة) ايضا يعتمد الشاعر علي توظيف المستحدث بهدف انشاء وحدة ترابط ما بين ثنائية (التوصيف / التخريج) حيث يعني كل هذا اخيرا استثمارا دلاليا مشع عند عملية التصريف السياقي. وقد لاحظنا مرارا طريقة الشاعر في تحريك واعتماد (بنية التضاد) الا انه احيانا يصاب بشيء ما من سوء الاستخدام ــ لاسيما ــ في قوله : ــ (موت عقارب ساعته.. يقضم راحته.. فتسيل الديدان.. علي اشلاء قروحه..) ان عملية انزلاق التضاد من وهج تجلياته يقلص مسافة معاينة (تحرك الفعل التوصيفي) من خلال مجالات الدفع الشكلي للسارد ، ومما يظهر (التضاد) علي مستوي اخر من محاصرات التمظهر الاخباري المعلن ، وعن طريق ملاحقة هذه البنية (بنية التضاد) ومحاولة اتمامها بالشكل الاكمل نستعين بالتراسلي لدي الشاعر الربيعي كنوع مستقل وكتعدد صوتي محايث ، ولغرض هذا نلاحظ شكله الكتابي وبنياته السردية قد اوجزت الكثير من الحصوليات الخطابية في قصيدة (سنين يوسف) وهذه الحصوليات بدورها قد شكلت وظيفة السارد الكامل ، كقول الشاعر : ــ
كقول الشاعر : ــ ويولول يوسف (أني ابصرت..)/ يضيق الجب/ تضيق الأرض/ ولكني ابصرت القمر العالي / يسجد لي /والشمس تبوس خطاي.. ص52
من هنا لعلنا بحاجة إلي تكرار ما قد قلناه سابقا ، بان شعرية الربيعي لم تتوقف عند حدود التوظيف الابداعي الخالص ، بل انها قد تقدمة إلي ماهو مختص ومخصوص بالعلم القراني والصورة الرسالية للنص السماوي ، ان حضور (النص السماوي) داخل وظيفة شعرية لربما يمنحنا انطباعا علي مهارة تناصية هذا الشاعر ــ لاسيما ــ وانه يوظفه بمهارة العارف داخل اسلوبية معلومية من المقاربة الشكلية الجاهزة. اما علي مستوي اخر فأننا نلاحظ بأن قصيدة الشاعر تلجأ لمستوي تسمح من خلاله بأحالة التواصل مع الخارج وبالتالي اقامة فضاء كتابي يقطع صلة الحبل السردي واستبداله المؤقت بتقنية تعتمد تفكيك الخبر وتقديمه في شكل اصوات تشخيصية موجزة : ــ ابصرت دمي / في كف اخي / وغزال الوقت / يضرس في الرقبة / لكن لم يتفقد خطاه احد/ غلقت الافواه/ اضطجع الاخوة / في اعين نسوتهم..
ان الشاعر الربيعي حاول من خلال هذه المقاطع من قصيدته ان يجد رابطا مقصديا يبين تداخلات الاصوات التوصيفية لغرض ربطها داخل ايقونية المحيط القصدي ، الا انها بقيت تراوح تمويهها امام واقع تكسير الايهام السردي في بنية القصيدة : ــ
الليلة.. يستيقظ يوسف/ من صحوته / يحفر عينيه علي اسفلت الجب / ينفض اتربة الغيم / ويبدأ عزلته...
في نهاية القصيدة كم نشعر من الشاعر برغبة إلي البكاء لاسيما والشاعرقد احسن بشكل مثير نهاية قصيدته وهو ماجعل القصيدة تبدو رسما لخريطة (قرأنية جديدة)
انها تقنية اسقاط (المبكي إلي المدهش) وتوليد التفاؤل بالعنف واشتقاق ونحت توظيفات شعرية بعيدة عن مجالات احاطتنا المعرفية. ان الشاعر الربيعي في قصيدة (سنين يوسف) بمثابة (قيثارة سماوية) تعيد للاشياء لغتها وخطابها وعنفوانها ضمن جنس (قصيدة الاطروحة) فنحن بهذه القصيدة وهذا الشاعر المبدع بحاجة دائما إلي ان نحتفي يوميا ببقاء القصيدة العراقية والعربية.. وهكذا سوف تبقي قصيدة هذا الشاعر بمثابة الاشعاع الممتنع عن الذبول والذوبان في ذاكرة القراءة الشعرية الجادة.. فسلاما لك منا شاعرنا العزيزعبد الرزاق الربيعي.
احالات : ــ
1 ــ عن ديوان (حدادآ علي ماتبقي)
2 ــ قصيدة (سنين يوسف) نموذجآ /
3 ــ عبد الرزاق الربيعي / بغداد / مطبعة الاديب / الشعر العربي / 1993..
25/12/2008