أم كلثوم (1904 - 1975)

أم كلثوم

(1904 - 1975)


هي أكثر مطربات القرن العشرين شهرة وتميزا في العالم العربي. قالت عنها صحيفة التايم الأمريكية أنها الصوت الوحيد الذي كان يجمع الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج فى وقت واحد ، وفى ليلة واحدة هي الخميس الأول من كل شهر. ولدت أم كلثوم بقرية طماي الزهايرة مركز السنبلاوين محافظة الدقهلية باسم فاطمة إبراهيم البلتاجي في 31/12/1904. تعلمت القراءة والكتابة وحفظت أجزاء من القرآن الكريم مع أخيها خالد، ثم انتقلت إلى مدرسة الشيخ جمعه بالسنبلاوين. أما اسم أم كلثوم فهو اسم الشهرة الذي اعتادت أسرتها أن تناديها به منذ صغرها. والكلثوم فى العربية كما فسرها الأستاذ / العقاد تعنى الحرير الذي يوضع على رأس العلم والمعنى هو الراية المتوجة بالحرير.

كان أبوها الشيخ إبراهيم البلتاجي مؤذن القرية وكان بارعا في إلقاء الأناشيد الدينية والمدائح النبوية في الاحتفالات الدينية في قريته وما حولها، وكان يصطحبها معه في بعض هذه المناسبات. أول مرة غنت فيها أم كلثوم أمام الجمهور كانت في منزل شيخ بلد القرية ثم في منازل العمدة وكبار أهل القرية حيث كانت تنشد القصائد والموشحات الدينية إحياء لحفلات القرية. لم تلبث أم كلثوم أن انتقلت من الغناء في القرى إلى المدن القريبة وعواصم المديريات ولكنها دائما حافظت على التزامها بأداء القصائد والموشحات الدينية والمدائح النبوية. التقت بالشيخ أبو العلا محمد لأول مرة بمدينة المحلة الكبرى عام 1916 وكان هذا اللقاء بمثابة المدخل إلى عالم الغناء المنهجي الاحترافي ، حيث تتلمذت فيما بعد على يدي الشيخ ابو العلا وتلقت على يديه القواعد الصحيحة للغناء. غنت بالقاهرة لأول مرة عام 1920 حيث أقامت حفلا غنائيا ، ثم عادت لقريتها وكلها أمل في العودة مرة أخرى إلى أضواء القاهرة. فى عام 1921 عادت أم كلثوم للقاهرة لتغنى ويسمعها الثقاة من أهل الطرب والتلحين ، ومن هنا بدأ نجمها يسطع بالتدريج فأحيت حفلاتها لحساب متعهد حفلات يدعى صديق أحمد ثم غنت ألحانا لكبار الملحنين مثل الشيخ ابو العلا محمد وداود حسني، وأصبحت منافسة لجميع معاصريها من المطربات الشهيرات في هذا الوقت أمثال منيرة المهدية – نعيمة المصرية – فتحية أحمد – فاطمة سرى.

تواكب النمو المطَّرد في شهرة أم كلثوم مع ظهور كوكبة من الملحنين والمؤلفين الذين التفوا حولها وصاغوا لها عديدا من القوالب الفنية المتميزة ، فمن الملحنين كان أحمد صبري النجريدي محطة هامة ومتميزة في مشوار أم كلثوم الفني وكانت أشهر ألحانه لها (خايف يكون حبك ليا – أنا على كيفك – لي لذة - مالي فتنت بلحظك - الفل والياسمين والورد). كذلك كان ظهور محمد القصبجي علامة فارقة باعتباره ملحنا مجددا في ذلك الوقت قدم لها ألحانا عاشت حتى الآن فى وجدان عشاق فنها منها (إن حالي في هواها عجب – حبيت ولا بانش عليا – الشك يحيي الغرام – مادام تحب بتنكر ليه - رق الحبيب). أما زكريا أحمد(أحد الملحنين الكبار الذين ساهموا في صياغة الطابع اللحني لأم كلثوم فقد قدم لها عديدا من الأعمال سواء الأغاني العاطفية أو الوطنية أو أغاني الأفلام من أهمها ( أهل الهوى – الآهات – أنا في انتظارك – حلم - هو صحيح الهوى غلاب – حبيبي يسعد أوقاته). ثم كان لظهور رياض السنباطى في حياة أم كلثوم أثر كبير في تطوير غنائها للقصائد ، فالسنباطي كان أقدر الملحنين على تلحين القصائد وقدمت أم كلثوم على يديه أروع القصائد التي ما زالت تثرى وجدان مستمعي الغناء العربي مثل ( رباعيات الخيام – الأطلال – ولدى الهدى – قصة الأمس ) وغيرها من الأغاني مثل ( عودت عيني – لسه فاكر – هجرتك – ياظالمنى. أما الشعراء فكان أبرزهم شاعر الشباب أحمد رامي الذي بدأت رحلته الفنية معها منذ عام 1924 واستمرت حتى وفاتها وكان له ولها فضل كبير فى تطور الأغنية حيث أنه كان شاعراً وليس زجالا ولكنه طوع الشعر للأغنية وقدم لها ما يربو على 130 أغنية.

أما بيرم التونسى فكان له أسلوبه المميز وصياغاته الشعرية المتطورة وتعبيراته المعبرة عن مكنون الروح المصرية، فقدم لها على سبيل المثال ( هو صحيح الهوى غلاب – شمس الاصيل- الفوازير– أنا في انتظارك – أنساك.

أم كلثوم لم تقتصر على الغناء من أشعار وألحان المشاهير في عصرها بل كانت دائما تسعى للجديد. ولكنها لم تكن تسعي لتقديم الجدد من الشعراء والملحنين لمجرد أنهم جدد. فقد كان شرط الإجادة والتفوق عندها أهم بكثير. والحقيقة أن النظرة الموضوعية إلى هذا الأمر تقودنا إلى أن رغبتها الحقيقية كانت في التطوير الذي لم يكن التجديد سوى ضرورة له، وجزء مهم من التطوير عند أم كلثوم تمثل في غنائها كثيرا من الشعر القديم وكذلك لشعراء من خارج مصر. ليس لافتقاد الأفذاذ بين من عاصروها من الشعراء المصريين ولكن رغبة في تطوير القوالب الشعرية والمعاني التي تقدمها. فغنت لأبي فراس الحمداني والشريف الرضي وصفي الدين الحلي والعباس ابن الأحنف وعبد الله الفيصل وجورج جرداق والهادي آدم ونزار قباني وبيرم التونسي ( هذا إذا اعتبرنا موطنه الأصلي وغضضنا الطرف عن حياته بمصر وعشقه لها).

فى عام 1925 بدأت أم كلثوم تسجل أغانيها على اسطوانات واستبدلت بتختها القديم مجموعة من العازفين المهرة ذوي الثقافة الموسيقية الحديثة أمثال " محمد القصبجى – سامى الشوا – محمد العقاد " وغنت بمصاحبة هذا التخت أغنيتها المشهورة " إن كنت أسامح وأنسى الآسية " .
غنت أم كلثوم بالإذاعة المصرية في أول يوم لافتتاحها في 31/05/1934 فكانت هذه بداية وثبة جديدة في حياتها الفنية وسعت من قاعدة محبيها ومدت دائرة جمهورها لتصبح باتساع بث الإذاعة. في ذات العام 1934 بدأ مشروع إنتاج فيلم سينمائي تقوم ببطولته أم كلثوم وتغزو به شاشة السينما فكان فيلمها الأول " وداد " في عام 1936. كان مفترضا أن يقوم المخرج أحمد بدرخان بإخراج الفيلم وتلقى قصة وداد في 1934 أثناء بعثته بفرنسا لإعداد السيناريو. وبعد عودته وأثناء تصوير بعض المشاهد الخارجية حدث خلاف مع مدير ستوديو مصر الذي استبعد بدرخان وأسند إخراج الفيلم لمخرج أجنبي ، فما كان من أم كلثوم إلا أن اختارت احمد بدرخان لإخراج فيلمها الثاني "نشيد الأمل" والذي عُرض 1937. بعد ذلك مثلت أم كلثوم أفلاما أخرى مثل "دنانير" 1940 ، "عايدة" 1942 ، "سلامة" 1945 ، "فاطمة" 1947.

شكلت الحفلات الخارجية في مواجهة الجمهور نقلة جديدة في حياة أم كلثوم الفنية بدأتها سنة 1937 وكانت الإذاعة تواظب على نقلها يوم الخميس الأول من كل شهر. كان المذيع الشهير محمد فتحي الملقب بكروان الإذاعة وجلال معوض أشهر من نقلوا حفلاتها على الهواء مباشرة وكان محمد فتحي الذي واظب على نقل حفلاتها طوال الأربعينات هو أول من أطلق عليها لقب كوكب الشرق.

تزوجت السيدة أم كلثوم من الدكتور حسن الحفناوي عام 1947 .

للسيدة أم كلثوم فضلها على الغناء العربي بما تتميز به عن غيرها من أهل الفن، حيث خلقت للغناء موضوعات جديدة يغلب عليها الطابع القصصي، فكانت أغلب أغانيها تتناول مواقف عاطفية فيها سمو بالروح وارتقاء بالنفس. أما أغانيها وأناشيدها الوطنية فقد غذت فرعا هاما من فروع القومية العربية بقدرتها على توحيد الوجدان العربي وتعبيرها عن المشاعر العربية الأصيلة كلاما ونغما وأداء. بناء على رغبة الجماهير وعلى رأسهم الرئيس جمال عبدالناصر تم الجمع بين القمتين أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب فى أغنية " أنت عمرى " وسميت هذه الأغنية بلقاء السحاب ، كما لحن لها أغانى أخرى منها (فكرونى–هذه ليلتى–أغداً ألقاك–ليلة حب).



وقد عرف عن أم كلثوم اعتزازها الشديد بنشأتها الريفية المتواضعة وشخصيتها القوية ومنحاها المحافظ في حياتها واحترامها لنفسها ولفنها فاحترمها الملوك والزعماء كما احترمها عامة الشعب وأحبها الناس في كل مكان ، وتفردت بمكانة عالية في الفن والمجتمع. ينظر الشعب العربي بمزيد التقدير لدورها في إزالة آثار العدوان إبان حرب يونيو 1967 ولإسهاماتها العظيمة في جمع التبرعات لصالح المجهود الحربي في ذات الفترة وجولاتها الفنية في العالم العربي وأوروبا وإنشاء دار أم كلثوم للخير ، مما نالت عليه تقدير الدولة فضلا عن تقدير كل طوائف الشعب المصري. نالت أم كلثوم قلادة النيل عام 1946 من الملك فاروق الأول ، ووسام الاستحقاق من الدرجة الأولى من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في مارس 1960 ، كما كرمت من قادة وحكام الدول العربية بجوائز ونياشين عديدة .

توفيت أم كلثوم في 03/02/1975 وبقى صوتها شامخا يضع لكل المشتغلين بالطرب مثلا أعلى ونهاية عظمى.