التعريف بثاني بحور شعر الملحون المغربي
مكسور الجناح
chemmasse
مكسور الجناح هو ثاني أنواع القصيدة الملحونة، إنه ثورة على سابقه المبيت بأنواعه الأربعة،وعلى قياساته وبنية الـقصيدة فيه والتزامه بالقافية الموحدة ، فهو قد تحرر من النظام الكلاسيكي المنحصر في التبييت أي الإعتماد على نمط القصيدة العمودية والتي تعتمد الصدر والعجز. حقيقة إنه شبيه بالشعر الحر أو الشعر المرسل في زماننا كما قال الأستاذ أحمد سهوم وذلك من حيث ثورة هذا الأخير على نظام القصيدة العمودية ، إلا أن مكسور الجناح مقنن وله قواعد خاصة به لا يمكن تجاوزها وسبب تـشـبـيـهـه بالشعر الحر لا يستفاد منه ما قاله الأستاذ أحمد سهوم على أنه بضع كلمات تحت بضع كلمات تحت بضع كلمات أي أنه شبيه بالشعر الحر في طريقة كتابته وإنما هو شبيه بالشعر الحر في ثورته على بنية القصيدة العمودية .
أما مكسور الجناح فأعتبره شخصيا خاصية مغربية صرفه هناك من سوف يقول أن الملحون في حد ذاته خاصية مغربية أقول نعم ولكن ما رميت إليه هو أن مكسور الجناح خاصية مغربية كالكسكس في الطبخ المغربي، علما بأن للقصيدة فيه بنية فريدة عكس بحر المبيت الذي امتطى بنية القصيدة العمودية وإن تنوعت بحوره وعكس ألسوسي الذي يقابله النثر الفني أو المقامة.
بنية القصيدة في بحر مكسور الجناح هي زخرفة بديعة رسمها الشاعر المغربي لغة وشكلا ونغماً وهذا يدل على رهافة حس هؤلاء الفنانون المبدعون.
يقول الأستاذ الفاسي رحمه الله معرفا هذا النوع " مكسور الجناح يختلف تماما عن القصيدة العربية الفصيحة وحتى على المبيت لأنه لا يتركب من أبيات وإنما كل قسم كأنه بيت بداية فهو وحدة عروضية يكون هيكلها على هذه الصورة يبتدئ الشاعر أولا بشطر واحد تقاطيعه دائما في كل بحور هذا النوع عشرة باستثناء بحر واحد وهو الخادم والحرة الغر ابلي حيث يتركب هذا الشطر ويسمى المزراك من 12 تقطيعا ثم بعد المزراك تأتي أشطار صغيرة تسمى المطلعات بفاس والكراسي بمراكش ويختلف عددها حسب بحور هذا النوع ثم في أخرها يأتي بيت يكون غالبا على قياس الحربة أو قريبا منه إذ يتكرر هذا التركيب في كل قسم," المعلمة ق1 ج1 ص143
وفي تعريفه لمكسور الجناح يقول الدكتور الجراري " يتكون القسم من أربعة أقسام :
1- الدخول : وهو عبارة عن شطر في استهلال القسم لا غطاء له يبدو كالطائر الذي كسر أحد جناحيه ويؤكد هذا التعليل أن الأشطار التي تأتي بعد الدخول غير مبيتة ولا غطاء لها فكأنها هي الأخرى مكسورة الجناح.
2- مجموعة أشطار تسمى المطلعات أو الكراسي.
3- بيت على وزن الحربة وقافيتها كأنه تمهيد لها.
4- الحربة أي اللازمة. " القصيدة ص140 - 141
ونجد الأستاذ سهو م في تعريفه لهذا النوع يقول : إنه لون من ألوان فن الملحون، أشبه ما يكون بالشعر الحر أو الشعر الحر أو الشعر المرسل في عصرنا الحاضر ، لا يتركب من أبيات كما هو الشأن في الملحون "المبيت " بل إن كل قسم من أقسام قصائده وكأنه بيت بذاته، فهو أي مكسور الجناح وحدة عروضية تشمل المقطع الشعري كله." ويضيف "مكسور الجناح إذن يتحرر من سائر قياسات المرمة السالفة الذكر ، ويتخلى عن رتابة القافية الثابتة ، لكن في البداية فقط أما نهاية كل مقطع لابد من الرجوع إلى الأصل -المبيت-."
هذا هو مكسور الجناح ثاني بحور الملحون بالإجماع عند كل المهتمين فهو قد تحرر من سلطة القصيدة العمودية وتفتح على الجديد، أما تحرره من سلطة القصيدة العمودية فمعناه انفصاله الحذر عن القالب المألوف رغم تنوعه في بحر المبيت بأنواعه، هذا الانفصال الحذر يتجلى في اعتماد مكسور الجناح على قياسات من المبيت بأنواعه في لوازمه وقد أشار الأستاذ سهو م إلى ذلك حيث قال :" من طبيعة العمل في قصائد مكسور الجناح أن لا تخرج اللازمة عن مرمات الشعر العمودي في الملحون وكذلك نهاية كل مقطع ونهاية القصيدة أيضا والمتتبع قصائد مكسور الجناح لابد أن يلاحظ أن سائر مرمات الملحون العمودي حاضرة في مكسور الجناح من خلال اللازمة ورواح القسم والسارحة أي الجوانب الخاضعة للأوزان القديمة."
أما انفتاحه عن الجديد فمعناه محاورته للبحر الأول المبيت بأنواعه الأربعة وقياساتها التي تفوق 153 قياس -عروض- ومحسناته من نوا عر وكراسي وعر وبيات والاستفادة منها وتخلصه من قيود النظام التقليدي وتخطيه إلى ما هو أسلس وأخف لتكتسب القصيدة فيه رشاقة وحرية .
أما عن نشأته ومبتكره فلا يمكن الجزم بأن مبتكر هذا النوع هو الشيخ فلان أو أن مكسور الجناح ظهر أول ما ظهر بتاريخ كدا لأن النصوص التي وصلتنا والتي هي تحت أيدينا لا يمكننا التأريخ بها لهذا النوع لعلمنا أن هناك نصوص سبقتها لم أستطيع أن أثبت أن أول ما قيل في هذا البحر قصيدة كذا ، فأين لي بشاعر يته، أو أن أقول بأن :" بأن مكسور الجناح نشأ بعد وفاة عبد الله بن حساين بأكثر من نصف قرن" (ص13 الملحون المغربي ) .
ولن أقول بأن : " مبتكر هذا اللون هو الشيخ عبد العزيز المغراوي الذي عاصر مولاي إسماعيل (مجلة الإذاعة والتلفزة . " عدد 12 ص54.
ولن أقول بأن : " مبتكر هذا اللون هو بوعمرو." (الملحون المغربي ص43) .
لهذا ومن أجله لن أستطيع القول بأن واضع مكسور الجناح هو بوعمر كما زعم الأستاذ سهو م
ولن أقول بأن واضعه هو إدريس المر يني كما قال الأستاذ الجراري نقلا عن الأستاذ سهو م وذلك لعدة أسباب :
1- ذكر الدكتور الجراري في الفصل الثاني من القصيدة باب مرحلة التطوير ص585 ترجمة للشيخ إدريس المريني حيث قال: " هو من معاصري محمد بن عبد الله بن أحسا ين وذاك أن المريني ضاق بقيود الزجل المتمثلة في الوزن والقافية ودعى إلى التحرر منها في ثورة عليها تكشف عنها هذه الآبيات :
أنا ابغيت نـنـظم والحرف ابدا ايغور
علاه ما ايكون الشعر بلا حرف
غير حس أو قول الكلمات
ولودن تسمع ما قلتي
والقلوب تغني بغناك
تابعة تلديد المعنى
اولاعنات بشي قافيات
لاش نحبس فكري فالحرف
ونحبس عقلي فالتبيتَ
ولفكار تمثيل لطيور
ما ارضات اقفز من لبيات
جايبا سلوكه من لحروف
والركايز من لقياسات ."
ويستغرب الدكتور الجراري على عدم تعرض معاصريه له بالنقد على دعوته التحررية، وعلل ذلك بموقف محمد بن عبد الله بن أحسا ين الذي كان إيجابيا حيث أنه نظم قصيدة على نسق مقطوعة المريني دليلا على تجاوبه معه ومساندته إياه وللأسف -يقول الدكتور الجراري- أنا لم نقف من هذه القطعة إلا على هذه الأبيات القليلة التي يقول فيها :
وصف الهوى اوعده خبروا بيه الكتوب
صْغى نْصيف لك حْساب عْدادُ لَلْذي سَوَّل بَجْهاد ْوجال محال فترشادُ
ونفس الرواية نجدها عند الأستاذ أحمد سهوم مع تغير في اسم الشاعر حيث يسميه محمد ولد بوعمر هذا من جهة ومن أخرى ورد النص عند سهو م مرتين : الأولى في ص18 من الملحون المغربي" حيث قال :" ورحم الله العبقري الجريء سيدي محمد ولد بوعمر مبدع مكسور الجناح إذ يقول :
المعاني هي الطيور
والقفوزة من المرمات
والقياسات
والمساد القافيات
أح أنا .
والثانية: نفس المرجع ص43 .44 حيث يقول: " كان ذلك في عهد بوعمر وهو القائل:
الاشعار ف لعقول اطيار
والقفوزة ف القافيات
والمرمات
والقياسات
ثم يختم روايته كما جاء عند الدكتور الجراري بأن عبد اله بن أحسا ين ساند بوعمر بقصيدة يقول فيها :
وصف الهوى وعد خبروا بيه الكتوب
اصغى نعيد لك احساب اعداده
على للي سول بجهاده
وجال محال فترشاده
على اسناده
للي راده
مع مراده
ويختم الأستاذ سهو م قائلا " وقد ساند بها -أي محمد بن عبد الله بن أحسا ين- ولد بوعمر شكلا ومضمونا . "
لنقف مع الحاج أحمد سهو م عند هذه الجملة"ساند بها ولد بوعمرو شكلا ومضمونا. " قبل أن نناقش تاريخ نشأة هذا البحر وأصل تسميته وعروضه.
إن نص بن أحسا ين لا يمت بصلة لا من حيث الشكل ولا من حيث الموضوع إلى النص السابق سواء كان للمر يني كما جاء عند الدكتور الجراري أو لولد بوعمر عندك، وكما لا يخفى عليك سيدي وأنت المتمرس في قرض الشعر فالفرق واضح
-1 من حيث الشكل : أقول ما قاله الدكتور الجراري على نص المريني الذي هو بوعمر عندك : "هذا التجديد في نظام الوزن والأبيات والقافية هو الأساس الذي انطلق منه مكسور الجناح ."ص585
وكما لا يخفى عليك هناك تباين بين شكل النصيين معا فالا ول مجرد دعوى -رغم ما تنتابنا من شكوك حول مصداقية هذا النص- قلت إنه مجرد دعوة إلى تكسير رتابة الوزن والقافية في النوع الأول من الملحون والذي هو المبيت بأنواعه الأربعة هذه الدعوة ينطبق عليها قولك "هو أي مكسور الجناح - بضع كلمات تحت بضع كلمات تحت بضع كلمات ،
أما النص الثاني فهو مكسور الجناح محض كما يقول المنشد عبد اللطيف الملوخية مكسور الجناح بجميع محسناته وقواسمه المشتركة. وغريب منك أن تقول سانده بها شكلاً وأنت الحاج أحمد سهوم.
-أما من حيث المضمون: فلن أخوض فيه طويلا إذ أدعو القارئ إلى إعادة قراءة النصين معا ليستنتج أن لا تطابق للمضمون في النصيين بتاتا، فالأول يدعو إلى ثورة على قيود الوزن والقافية فهو يطرح فكرته ويوضحها ويدافع عنها وينكر تقييد الفكر في القافية والعقل في الوزن، في حين نجد النص الثاني واضح إذ أن الشاعر وضعه مجيبا عن تساؤل طرح ونحن نعلم كما تعلم أن من بين موضوعات الملحون السولان وقد نظمت أنت في هذا الغرض قصيدة تطرح فيها على لسان أحد أصدقائك وهو رشيد الحسني المسفيوي رحمه الله تساؤلا تقول :