ذهبت إلى دولة السويد في شهر رمضان ..
كنت في رحلة دعوية لإلقاء بعض المحاضرات ..
دعاني بعض الأخوة في أحد المراكز الإسلامية للقاء عدد من الشباب السويديين المسلمين ..
دخلت المركز بعد الظهر .. فإذا هم مجتمعون في حلقة ينتظرون ..
كانوا جالسين على الأرض ..
لفت نظري غلام لم يتعدَّ عمره خمس عشرة سنة .. اسمه محمد .. جنسيته سويدي .. لكنه من أصل صومالي ..
رأيته مقعداً على كرسي متحرك ..
وقد ربطت يداه في جانبي الكرسي لأنها تنتفض بشكل دائم ولا يملك التحكم فيها ..
وهو إلى ذلك كله لا يتكلم .. ورأسه ينتفض أيضاً طوال الوقت ..
أشفقت عليه لما رأيته ..
اقتربتُ منه .. فهشّ في وجهي وبدأ يتبسم وينظر إليَّ ويودّ لو كان يستطيع أن يقوم ..
سلمتُ عليه فإذا هو لا يفهم العربية لكنه يتكلم الإنجليزية والسويدية بطلاقة .. إضافة إلى اللغة الصومالية ..
بدأت أحدّثه عن المرض وفضله وعِظم أجر المريض .. وهو يهزّ رأسه موافقاً ..
لاحظتُ أن أمامه لوحاً صغيراً قد علّق عليه ورقة فيها مربعات صغيرة وفي كل مربع جملة مفيدة : شكراً .. أنا جائع .. لا أستطيع .. اتصل بصديقي .. الخ ..
فعجبتُ من هذه الورقة .. فأخبرني أحد الحاضرين أن هذا الغلام إذا أراد الكلام ركبوا على رأسه حلقة دائرية يمتدّ منها عصا صغيرة فيحرك رأسه بين هذه المربعات حتى يضع طرف العصا على المربع المطلوب فيفهمون منه ما يريد ..!!
وهذه هي الطريقة الوحيدة للتفاهم معه .. فهو لا يتكلم .. ولا يتحكم بحركة يديه ..
تكلمت معه عن فضل الله علينا بهذا الدين .. وأن المرء إذا وفق للإسلام فلا عليه ما فاته من الدنيا ..
فاكتشفتُ أن محمداً هذا من أكبر الدعاة .. كيف !!
أنا أخبرك بذلك :
وزارة الشئون الاجتماعية السويدية قد خصصت له رجلين موظفَين يأتيان لخدمته في الصباح .. واثنين يأتيانه في المساء ..
فإذا جاءه رجل غير مُسلم .. طلب منه عن طريق الإشارة على هذه الورقة أن يتصل بصديقه فلان ..
فإذا اتصل هذا الموظف بالصديق طلب منه محمد أن يسأل صديقه : ما هو الإسلام ؟
فيجيب الصديق على السؤال ..
فيحفظه الموظف ثم يشرحه لمحمد ..
ثم يطلب محمد من الموظف أن يسأل الصديق عن الفرق بين الإسلام والنصرانية ؟ ..
فيجيب عن ذلك ..
ثم يطلب منه أن يسأل عن حال المسلم وغير المسلم يوم القيامة ؟
فيجيب الصديق ويشرح الموظف ..
حتى إذا فهم الموظف الكلام كله أشار له محمد إلى درج المكتب فيفتحه ..
فيجد فيه كتباً في الدعوة إلى الإسلام .. فيأخذ منها ويقرأ ..
وقد تأثر بسبب ذلك أشخاص كثيرون ..
فلله درُّ محمد ما أكبر همّته .. لم يقعده المرض عن الدعوة .. بل ولا عن البشاشة والسرور ..
ارضَ بما قسم الله لك تكن مؤمناً ..
واعلم بأن كل إنسان محاسب عن القدرات التي أعطاه الله إياها .. السمع .. البصر .. اللسان .. العقل ..
وقد يتقبل الناس النصيحة من المريض المبتلى أكثر من تقبلهم لها من الصحيح المعافى ..
فلماذا لا تكون داعية وأنت بهذا الحال ؟ لست عاجزاً إن شاء الله ..
وقد تسألني وتقول :من أدعو ؟!
فأقول : أدعُ الأطباء .. الممرضين .. المرضى .. الزائرين ..
كن رجلاً مباركاً .. تنصح هذا في الاهتمام بالصلاة ..
وذاك في حفظ البصر والفرج .. والثالث في الاستفادة من وقته .. والرابع .. وهكذا .