مقال للمعلق الرياضي حفيظ دراجي :
تمر غدًا ثلاثة وعشرون عامًا على رحيل المجاهد محمد بوضياف من دون أن نعرف الجواب الشافي والكافي عمن كان وراء اغتيال الرئيس، ومن دون أن نعرف الجواب عن سؤاله الكبير الذي طرحه المرحوم ذات يوم: "الجزائر إلى أين؟".
السؤالان بقيا من دون إجابة إلى اليوم مثلما ستبقى كثير من الأسئلة من دون جواب إلى حين، وتبقى كثير من علامات الاستفهام قائمة بخصوص عديد القضايا والأحداث التي شهدتها الجزائر عبر تاريخ مليء بالألغاز والأسرار والتناقضات، ولكن كل الجزائريين يعرفون بأن "بومعرافي" كان منفذًا فقط لجريمة اغتيال بوضياف، وكثير من الجزائريين يعرفون بأن الجزائر تتوجه نحو المجهول من زمان في غياب مشروع مجتمع واضح المعالم، وغياب الانسجام والتناغم بين أطياف المجتمع، وفي ظل الانحطاط السياسي والغموض الذي يخيم على مستقبل الجزائر الأمة والجزائر الدولة بسبب أنانيتنا وجشعنا وحقدنا على بعضنا بعض.
المرحوم محمد بوضياف "الوطني" راح ضحية عفويته وصدقه وثقته العمياء، وضحية ظروف صعبة مرت بها الجزائر بداية التسعينيات، وعاش مجاهدًا ومات شهيدًا، والجزائر كانت ضحية صراعات مستمرة بين أطراف عديدة من أجل البقاء في السلطة أو الوصول إليها، أطراف تدعي الشرعية التاريخية، وأخرى تلبس الشرعية الثورية، وجيل صاعد لا ينتمي لهؤلاء وأولئك، وجد نفسه ضحية تلك الصراعات التي لم تتوقف، بل ازدادت شراسة وحدة وتوسعت لتشمل أطيافًا عديدة، وتجر خلفها تراكمات تلاحقنا ولا ندري كيف نتخلص منها!
المرحوم محمد بوضياف، وكذا الشعب بكل أطيافه دفعا ثمن منظومة حاقدة وفاشلة قائمة على الخداع والرداءة، تصفي حساباتها القديمة والحديثة رغم كل الإمكانات والقدرات والخيرات التي تتوفر عليها الجزائر، ورغم كل المقومات التي تغنينا عن الاقتتال والتحايل والخداع من أجل الانتفاع والبقاء في السلطة أو الوصول إليها، أو من أجل الانتقام من الرجال والمؤسسات، والانتقام من الشعب الذي عانى الويلات ولايزال، وقد تستمر معاناته إذا استمر الحال على ما هو عليه من الغموض والتراجع والتخلف.
جزائر الأمس مرت بمحن عديدة خرجت منها بخسائر كبيرة في الأرواح والمكاسب، وجزائر اليوم ليست على ما يرام بشهادة السلطة والمعارضة والشعب، والكل يدرك ذلك، ولكن الكل يتهرب من تحمل مسؤولياته، ويمارس سياسة الهروب إلى الأمام بسبب افتقادنا للشجاعة الكافية لمواجهة الواقع، وعدم قدرتنا على تصور الجزائر من دوننا، اعتقادًا منا بأن الوطن لا يلد غيرنا، وبأن الجيل الصاعد غير قادر على تحمل المسؤولية، وتجاوز كل الصعاب والمتاعب والمشاكل.
أما جزائر الغد فقد لا تحتاج إلى أجوبة على كثير من التساؤلات المطروحة بما فيها الأسئلة الحساسة والشائكة، ولكن الأكيد أنها تحتاج إلى تصالح مع الذات ومع الشعب، ومع التاريخ والحاضر والمستقبل، وتحتاج إلى نفس جديد بجيل جديد لا يحقد ولا يكره ولا يخون ولا ينتقم ولا يتسلط ولا ينهب، ولا يمارس الإقصاء والإعدام السياسي لكل من يختلف معه.
قد لا ينفع اليوم معرفة من كان وراء اغتيال بوضياف، لأن الحقيقة ستنكشف يوما، ولكن من الضروري الإجابة على سؤال المرحوم: الجزائر إلى أين؟ لمعرفة ما يجب فعله وإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان، لأن الأمر يتعلق بوطن هو أكبر وأهم من كل واحد منا مهما كان.