قال الحافظ أبو عمر ابن عبد البر في كتابه جامع بيان العلم وفضله : ( وأحسن ما رأيت في آداب التعلم والتفقه من النظم ما ينسب إلى اللؤلؤي من الرجز ، وبعضهم ينسبه إلى المأمون ، وقد رأيت إيراد ما ذكر من ذلك لحسنه ، ولما رجوت من النفع به لمن طالع كتابي هذا ، نفعنا الله وإياه به قال :
واعـلم بأن العلـم بالتــعلمِ *** والحفظِ والإتقانِ والتفـهـمِ
والـعلمُ قد يُـرزَقه الصغيـرُ *** في سـنه ويُحرم الكـبـيرُ
وإنـما المـرءُ بأَصـْغَريْــهِ *** ليـس برجـليْه ولا يديـْهِ
لســانُه وقـلـبُه الـمركـبُ *** في صدرِهِ وذاك خلقٌ عَجبُ
والعـلمُ بالفـهمِ وبالـمذاكـرَهْ *** والدرسِ والفكرةِ والمناظرَه
فربَّ إنسـانٍ يَـنال الـحِفـْظَا *** ويُوردُ النصَّ ويَحكي اللَّفْظاَ
وما لـه في غـيرِهِ نصـيـبُ *** مِمّا حواه العـالمُ الأديـبُ
وربّ ذي حرصٍ شديد الحـبِّ *** للعـلمِ والذُكر بلـيد القلبِ
معـجز في الحـفظِ والروايـهْ *** ليستْ له عمِّن رَوَى حِكايهْ
وآخـَرُ يُعـطى بلا اجْتـهـادِ *** حفظاً لما قد جاء في الإسنادِ
يهـذه بالقـلـب لا بـناظـرهْ *** ليس بمـضطرٍ إلى قماطرهْ
فالتمسِ العلمَ وأَجْمِل في الطلَبْ *** والعلم لا يَحسـنُ إلا بالأدبْ
والأدبُ النـافعُ حسنُ الصـمتِ *** وفي كثير القولِ بعضُ المقتِ
فكُن لحسن السـمت ما حـَيِتَا *** مـقارناً تُحـمد ما بـقيـتَ
وإنْ بدت بيـن أناسٍ مسـألهْ *** معروفةٌ في العلمِ أو مُفتـعَلهْ
فلا تكـن إلى الجـوابِ سابقاً *** حتى تَرَى غيرَك فيها ناطـقاً
فكم رأيتُ من عـجولٍ سـابقِ *** من غير فهـمٍ بالخطأ ناطـقِ
أزرى بهِ ذلـك في المجـالسِ *** عند ذوي الألـبابِ والتـنافسِ
وقُـلْ إذا أعـياكَ ذاك الأمـرُ *** مالي بمـا تسـأل عنـه خُبْرُ
فذاك شطرُ العـلمِ عند العـلما *** كذاك ما زالـتْ تقـول الحُكما
والصمت فاعلم بك حقاً أزيـن ُ *** وإنْ لم يكن عندك علمٌ مـتقنُ
إياك والعجب بفـضل رأيِكـا *** واحذر جوابَ القولِ من خطائكا
كم من جوابٍ أعقبَ الندامـهْ *** فاغتَنِمِ الصـمتَ مع السـَّلامهْ
العلـم بـحرٌ منـتهاه يبـعد *** لـيس لـه حـدٌ إليه يقصـدُ
وليس كلُّ العلـمِ قد حـويتَه *** أجَل ولا العُشر ولو أحصـيتَه
وما بَقِـي عليـكَ منه أكـثرُ *** مما علِـمتَ والجـوادُ يَعـْثُرُ
فكُنْ لمـا سمـعتَهُ مسـتفِهما *** إن أنتَ لم تفـهمْ منـه الكلِما
القول قـولانِ : فقولٌ تعـقِلُهْ *** وآخـرُ تسمـعُهُ فتـجـهَلُـهْ
وكـل قـولٍ فـلـهُ جـوابُ *** يجمعــُهُ البـاطلُ والصوابُ
ولـلـكــلامِ أولٌ وآخــرُ *** فافهمهما والذهنُ منك حـاضرُ
فربما أعـْيا ذوي الفضـائـلِ *** جواب ما يُلـقى من المسـائلِ
فيُمسكوا بالصمتِ عن جـوابهِ *** عند اعتراضِ الشكِّ في صوابهِ
ولو يكون القـولُ في القيـاسِ *** من فضَّةٍ بيضـاءَ عند النـاسِ
إذاً لكان الصمتُ من خير الذهبْ *** فافهم هداك الله آداب الطلبْ