سلامة القس
--------------------------------------------------------------------------------
ورد في اخبارها في كتاب الاغاني
كانت سلامة مولدة من مولدات المدينة وبها نشأت. وأخذت الغناء عن معبد وابن عائشة وجميلة ومالك بن أبي السمح وذويهم فمهرت. وإنما سميت سلامة القس لأن رجلاً يعرف بعبد الرحمن بن أبي عمار الجشمي من قراء أهل مكة، وكان يلقب بالقس لعبادته، شغف بها وشهر، فغلب عليها لقبه. واشتراها يزيد بن عبد الملك في خلافة سليمان، وعاشت بعده، وكانت حبابة وسلامة القس من قيان أهل المدينة، وكانتا حاذقتين ظريفتين ضاربتين وكانت سلامة أحسنهما غناءً، وحبابة أحسنهما وجهاً، وكانت سلامة تقول الشعر، وكانت حبابة تتعاطاه فلا تحسن.
و قال حدثني من رأى سلامة قال: ما رأيت من قيان المدينة فتاةً ولا عجوزاً أحسن غناءً من سلامة. وعن جميلة أخذت الغناء.
وقال: وفتن القس بسلامة، وفيها يقول:
أهابك أن أقول بذلت نفسي ولو أني أطيع القلب قالا
حياءً منك حتى سل جسمي وشق علي كتماني وطالا
والقس هو عبد الرحمن بن أبي عمار من بني جشم بن معاوية، وكان منزله بمكة. وكان من أعبد أهل مكة، وكان يشبه بعطاء بن أبي رباح، وأنه سمع غناء سلامة القس على غير تعمد منه لذلك. فبلغ غناؤها منه كل مبلغ، فرآه مولاها فقال له: هل لك أن أخرجها إليك أو تدخل فتسمع، فأبى. فقال مولاها: أنا أقعدها في موضع تسمع غناءها ولا تراها فأبى، فلم يزل به حتى دخل فأسمعه غناءها فأعجبه. فقال له: هل لك في أن أخرجها إليك؟ فأبى. فلم يزل به حتى أخرجها فأقعدها بين يديه، فتغنت فشغف بها وشغفت به، وعرف ذلك أهل مكة. فقالت له يوماً: أنا والله أحبك.
قال: وأنا والله أحبك. قالت: وأحب أن أضع فمي على فمك. قال: وأنا والله أحب ذاك. قالت: فما يمنعك، فوالله إن الموضع لخالٍ. قال: إني سمعت الله عز وجل يقول: "الأخلاء يؤمئذٍ بعضهم لبعض عدوٌّ إلا المتقين" وأنا أكره أن تكون خلة ما بيني وبينك تؤول إلى عداوة. ثم قام وانصرف وعاد إلى ما كان عليه من النسك، وقال من فوره فيها:
إن التي طرقتك بـين ركـائبٍ تمشي بمزهرها وأنت حـرام
لتصيد قلبـك أو جـزاء مـودةٍ إن الرفيق له عـلـيك ذمـام
باتت تعللنا وتحـسـب أنـنـا في ذاك أيقاظ ونـحـن نـيام
حتى إذا سطع الضياء لناظـرٍ فإذا وذلـك بـينـنـا أحـلام
قد كنت أعذل في السفاهة أهلها فاعجب لما تـأتـى بـه الأيام
فاليوم أعذرهم وأعلـم أنـمـا سبل الضلالة والهدى أقـسـام
ومن قوله فيها:
ألم ترها لا يبعـد الـلـه دارهـا إذا رجعت في صوتها كيف تصنع
تمد نظام القول ثم تعيده الى صلصل من صوتها يترجع
ومن اخبارها ايضا
لما قدم عثمان بن حيان المري المدينة والياً عليها، قال له قوم من وجوه الناس: إنك قد وليت على كثرة من الفساد، فإن كنت تريد أن تصلح فطهرها من الغناء والزنا. فصاح في ذلك وأجل أهلها ثلاثاً يخرجون فيها من المدينة. وكان ابن أبي عتيق غائباً، وكان من أهل الفضل والعفاف والصلاح. فلما كان آخر ليلة من الأجل قدم فقال: لا أدخل منزلي حتى أدخل على سلامة القس. فدخل عليها فقال: ما دخلت منزلي حتى جئتكم أسلم عليكم. قالوا: ما أغفلك عن أمرنا! وأخبروه الخبر. فقال: اصبروا علي الليلة. فقالوا: نخاف ألا يمكنك شيء وننكظ قال: إن خفتم شيئاً فاخرجوا في السحر. ثم خرج فاستأذن على عثمان بن حيان فأذن له، فسلم عليه، وذكر له غيبته وأنه جاءه ليقضي حقه، ثم جزاه خيراً على ما فعل من إخراج أهل الغناء والزنا، وقال: أرجو ألا تكون عملت عملاً هو خير لك من ذلك. قال عثمان: قد فعلت ذلك وأشار به علي أصحابك. فقال: قد أصبت، ولكن ما تقول- أمتع الله بك- في امرأة كانت هذه صناعتها وكانت تكره على ذلك ثم تركته وأقبلت على الصلاة والصيام والخير، وأتى رسولها إليك تقول: أتوجه إليك وأعوذ بك أن تخرجني من جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسجده؟ قال: فإني أدعها لك ولكلامك. قال أبن أبي عتيق: لا يدعك الناس، ولكن تأتيك وتسمع من كلامها وتنظر إليها، فإن رأيت أن مثلها ينبغي أن يترك تركتها؟ قال نعم. فجاءه بها فلما دخلت على عثمان حدثته، وإذا هي من أعلم الناس بالناس وأعجب بها، وحدثته عن آبائه وأمورهم ففكه لذلك. فقال لها أبن أبي عتيق: أقرئي للأمير فقرأت له؟ فقال لها احدي له ففعلت، فكثر تعجبه. فقال: كيف لو سمعتها في صناعتها! فلم يزل ينزله شيئاً شيئاً حتى أمرها بالغناء. فقال لها أبن أبي عتيق: غني، فغنت:
سددن خصاص الخيم لما دخلنه بكل لبان واضـح وجـبـين
فغنته؟ فقام عثمان من مجلسه فقعد بين يديها ثم قال: لا والله ما مثل هذه تخرج!. قال ابن أبي عتيق: لا يدعك الناس، يقولون: أقر سلامة وأخرج غيرها. قال: فدعوهم جميعا؟ فتركوهم جميعاً
[b]