لكل الكرام المسجلين في منتديات ليل الغربة ، نود اعلامكم بأن تفعيل حسابكم سيكون عبر ايميلاتكم الخاصة لذا يرجى العلم
برفقتكم الورد والجلنار
سأكتب لكم بحرف التاسع والعشرين .. لكل من هُجرْ ، واتخذ من الغربة وطناَ .لكل من هاجر من اجل لقمة العيش ، واتخذ من الغربة وطناً لكم جميعا بعيدا عن الطائفية والعرقية وغربة الاوطان نكتب بكل اللغات للأهل والاحبة والاصدقاء نسأل ، نستفسر عن اسماء او عناوين نفتقد لها نهدي ،نفضفض ، نقول شعرا او خاطرة او كلمة اهديكم ورودي وعطر النرجس ، يعطر صباحاتكم ومساءاتكم ، ويُسكن الراح قلوبكم .
موضوع: قصص هندية ـــ ت.هدى الكيلاني و د.إبراهيم الشهابي الإثنين نوفمبر 16, 2009 3:37 pm
قصص هندية ـــ ت.هدى الكيلاني و د.إبراهيم الشهابي
قصص ـ منشورات اتحاد الكتاب العرب دمشق - 2005
فن القصّ الهندي المقدمة
دأبت "الوطن" إحدى المجلات الأدبية الأسبوعية المشهورة باللغة المالايالامية، على إصدار عدد خاص بـ: "يوم الجمهورية" من كلّّ عام، يتضمن عدداً من القصص المترجمة من مختلف اللغات الهندية. كنت، قارئاً شاباً، أجدها ممتعة.
كانت أسماء الشخصيات والأماكن والمناظر الطبيعية المتنوعة، من قمم الجبال العالية وحتى الصحراء القاحلة، إضافة إلى العادات والأعراف التي تحدثت عن تنوع كبير في البيئات الحضارية؛ تثير مخيلتي. وتجعلني أيضاً أدرك حقيقة أن قراءة مترجمات الآداب المكتوبة باللغات الأخرى يعدّ أحد أساليب السفر الممتعة. كانت تلك القصص جزءاً من مواجهتي المبكرة مع الهند الأخرى، التي تبدو مشوشة ومعاصرة من جهة، ومتقلبة وعنيفة من جهة أخرى. ابتداءً باللغة السنسكريتية التقليدية وانتهاءً باللغة الإنجليزية الكونية. وتمثل اللغات الهندية طيفاً واسعاً من الأفكار والقيم والأصوات والرؤى.
يعلق (سيسير كومار داس)(1) على وضع القصة الهندية القصيرة المعاصرة بقولـه: (مجال الأفكار الرئيسية للقصة الهندية القصيرة اليوم واسع ومتنوع كما هي الاختلافات الجغرافية والاجتماعية في البلد.. إنَّها بمعنى ما: العالم الأكثر تكاملاً). كذلك عندما نقرأ هذه القصص باللغات المترجمة، نكتشف أيضاً شيئاً جديداً عن أنفسنا، وعن مناطقنا. ونحتاج من الآخرين أن يفهمونا.
يضم الجزء الأول من هذا المجلد نموذجاً من أجمل القصص التي كتبت باللغات الهندية في النصف الأول من هذا القرن. ويبدو واضحاً أن تقديم مقتطفات من هذا النوع لا يقصد به استهلاك مجال التجارب الأدبية الممثلة في الآداب المحلية في الهند. لقد حصرت اختياري للقصص بالعدد الكبير من المترجمات المتوفرة باللغة الإنكليزية.
وكانت هذه القصص قَدْ تركت آثاراً معينة في النصوص الأصلية التي كتبت بها.
تدون الترجمات فترة الحياة بعد الموت(2) والتي تستمر فيها حياة الأصل ولكن في إطار زمني مختلف. إن حيوية النص الأصلي ودرجة نجاحه في توضيح مفهوم بيئته من خلال بنية النص، من شأنه أن يحدد قيمة الترجمات ومدى انتشارها كونها تتحدث إلى جمهور مختلف وفي وقت مختلف. بهذا المعنى، تعدّ هذه القصص حواراً بين إطارين زمنيين تاريخيين، الأول موروث ومتضمن في الثاني. وتقوم الترجمات بكشف ماضي الحاضر وحاضر الماضي واكتشافهما. وخلال هذا القرن، مرت القصة الهندية القصيرة بمراحل تحول كثيرة. لقد تطورت من ناحية الأسلوب والجوهر لتبرز كأفضل شكل أدبي في الأدب الهندي المعاصر. وقد ساهم العديد من الكتاب أمثال: طاغور ـ بريمشاند ـ مانتو ـ عصمت شوغتاي ـ بشير ـ ثاكازي ـ ماستي ـ ماوني ـ دامكيتو ـ شالام ـ غادجيل، وكثير غيرهم بشكل كبير في إعادة تحديد النوع في البيئة الهندية. إن الثقة بالنفس التي بدت واضحة في تعامل بعض الكتاب أمثال: بريمشاند ـ ماستي وماندو مع البيئة ما هي إلا شهادة حقيقية أن الأعراف الهندية في طريقة إخبار القصة كان لـها تأثير كبير في حرفتهم كتأثير النماذج الغربية. مع ذلك كان التأثير الغربي حاسماً في إحداث تغييرات رئيسية معينة في الوعي خلال القرن. كان لقصص موباسانت ـ تشيخوف ـ غوغول ـ أناتول فرانس، وكثير غيرهم، أثر تأسيسي في تشكيل الوعي في الثلاثينيات والأربعينيات. وقد أصدر (أ. بالا كريشنا بيلاي) الناقد باللغة المالايالامية في الثلاثينيات والأربعينيات، ترجمات لقصص قصيرة من كلّّ اللغات الأوروبية تقريباً في صحفه وذلك خلال الفترة الممتدة بين عامي (1922 ـ 1935).
نجم عن مثل هذه المداخلات الوعي الجديد الذي رأيناه عند "بونكونام فاركي"، "ثاكازي سيفاسانكارابيلاي"، "لاليتا مبيكا أنثار جانام"، "ب. كيشا فاديف" و"فايكوم محمد بشير".
إن تطور القصة القصيرة كشكل أدبي يَدين بشكل كبير إلى هيمنة النثر وانتشار المنشورات الدورية بشكل شعبي. وبحلول الثلاثينات، أصبح عدد كبير من المنشورات الأدبية الدورية أمراً ثابتاً في اللغات الهندية. على سبيل المثال: مجلة هانز لـ بريمشاند باللغة الهندية، مجلة "الأخ" لـ يلاكشيمناز بيزبارو باللغة الآسامية، مجلة "موكورا" و"ساهاكارا" باللغة الأوردية، مجلة "الوطن" لـ كيسافا مينون باللغة المالايالامية، مجلة "قصة حقيقية" ل م. ج. رانجانيكارا باللغة الماراثية، ومجلة "أناندافيكاتان" لـ. س. س. فاسان باللغة التاميلية. وكلّّ هذه المجلات اهتمت حصراً بأدب القصة أمثال: مجلة "كادامفاري سامفراها" باللغة الكندية، ومجلة "ياسافانت" باللغة الماراثية. ويعلق سيسير كومارداس(3) على ذلك يقولـه (ارتبط معظم كتاب النثر عند نقطة التغيير في القرن ـ معظمهم كتب في أدب القصة أيضاً ـ مع صحيفة أو أكثر، بعضهم كانوا رؤساء التحرير أو المالكين).
إن النشوء التدريجي لطبقة شعبية تحت تأثير النضال من أجل الحرية أوجب حتمية استخدام أوسع للنثر في النضال وفي خلق مواقف فكرية وآراء شعبية. لذا يرتبط تاريخ القصة القصيرة باللغات الهندية المعاصرة. بشكل وثيق باليقظة السياسية داخل المجتمع الهندي وتطلعاته الديمقراطية ولم ينجح أي شكل آخر في عكس التعددية في الحياة الثقافية الهندية كما فعلت القصة القصيرة.
من ناحية أخرى، نجد أن بعض اللغات الهندية مثل: الدغري ـ الكونكاني ـ الميثيلي ـ الراجاثاني والكشميري قَدْ تأخرت في اكتشاف القوة الكامنة لـهذا الشكل الأدبي الشائع. ربما يعود السبب في ذلك إلى التطور البطيء للنشرات الدورية في هذه اللغات. فبينما صدرت المجموعة الأولى من القصص باللغة الدغرية عام 1947، صدرت المجموعة الأولى باللغة الكشميرية عام 1955. لـهذا السبب، لم نقم بتقديم قصص من هذه اللغات في هذه المجموعة المختارة. وعلى الرغم من أن الرواية الإنكليزية الهندية قَدْ مرت بفترة ازدهار كبير مع بروز عدد لابأس به من الروايات التي استأثرت باهتمام عالمي، إلاَّ أن القصة القصيرة باللغة الهندية الإنكليزية لم تبلغ المستوى ذاته. ويمكن أن يعزى ذلك أيضاً إلى غياب المجلات الدورية الأدبية التي تنشر أدباً قصصياً قصيراً جيداً.
يتحدث فرانك أوكنور(4) عن "فئة مغمورة من الناس" في القصة القصيرة المعاصرة، تضم أشخاصاً بلا جذور، يعيشون ضمن "مجتمع ليس لـه معالم محددة، مجتمع لا يوفر أية أهداف أو متطلبات".
وصلت القصة القصيرة إلى الهند في العقود الأخيرة من القرن الأخير ضمن بيئة اجتماعية ـ سياسية مختلفة. وفي حين تعلمت القصة الهندية القصيرة الكثير من أساليب القصة الغربية القصيرة ونماذجها، إلاَّ أنها شقت طريقاً خاصاً بها يستجيب مع القوى المحركة للتغيير الاجتماعي الذي يكتسح المجتمع الهندي. إن "الصوت المنعزل" الذي وضع كجزء لا يتجزأ داخل البنية الأساسية للقصة القصيرة وصار جزءاً لا يتجزأ منها يجعلها وسيلة مثالية لإعادة صوت المهمشين والمظلومين والمطرودين إلى الحياة. وكانت التجربة الاستعمارية تجربة عزل وتمزيق للأغلبية الساحقة من الجماهير الهندية. فقام أولئك الكتاب الذين استخدموا وسيلة القصة القصيرة ببراعة كبيرة، أمثال: طاغور ـ بريمشاند ـ بشير ـ وثاكازي، بالتأكيد على حقوق المحرومين من الحقوق الطبيعية والشرعية.
تواصلت القصة الهندية القصيرة خلال النصف الأول من القرن مع الصوت الجماعي للجماعة الذي بدأ يصحو عبر التاريخ. ولا يعني هذا أن القصص التي صدرت في هذه الفترة قَدْ أغفلت الفرد، بل تم تأكيد البعد الاجتماعي لـهوية الفرد في معظم هذه القصص. في الواقع، عُدّت عملية التشخيص بحد ذاتها عملية اجتماعية.
تعد العقود القليلة الأولى من هذا القرن، السنوات التقويمية للقصة الهندية القصيرة. وقد تزامنت مع أكثر السنوات اضطراباً في تاريخ الهند في القرن الحالي. وإن دخول المهاتما غاندي في حقل الصراع من أجل الحرية أخضع المجتمع الهندي كله إلى مستوى غير مسبوق من الفعل الاجتماعي. وإن استخدامه للاستعارات والرموز المستقاة من الحياة اليومية في الهند في صراعه ضد الاستعمار ألهب المخيلة الشعبية، وضَمِنَ مشاركة واسعة في النضال الجماهيري. وقد تحدث بلهجة الشعب واندمج مع وضعهم. كلّّ هذا ساهم في الوصول إلى فن جمالي قاد الناس والجماهير إلى صلب الأدب. وتمكنت القصة القصيرة باللغات الهندية التي كُتبت في العقود الأولى من هذا القرن، من السيطرة على نزعة الأمة وتوجهها في أثناء ثورتها.
ساهمت أفكار الثورة الروسية أيضاً في إضفاء شرعية جديدة على الاهتمام الذي أولاه كاتب القصة القصيرة لحياة المعدمين. وقد كتبت معظم قصص هذا المجلد بالأسلوب الواقعي الاجتماعي. ولذلك يمكن لـهذه القصص أن ترشح المخيلة الاجتماعية للأحوال السائدة في فترة زمنية معينة، ويعود ذلك بشكل رئيسي إلى الأسلوب الذي تخاطب فيه تلك القصص القارئ العادي. ويعلق ديفيد روبن، في مقدمته عن مجموعة من القصص المترجمة لـ بريمشاند، بقوله: إن القارئ في هذا العصر لا يمكن أن يدرك كم كانت قصص بريمشاند متطرفة في وقتها. وقد عمل أسلوب بريمشاند الاجتماعي الواقعي على إعادة خلق الواقعية الحية للفئات المظلومة من الناس وذلك عبر لـهجاتهم وأساليب حياتهم. ومهد أسلوبه الدعائي في قصصه المبكرة السبيل لوصوله في سنواته الأخيرة إلى أسلوب ناضج ينادي بالمذهب الطبيعي. وعندما نقارن بين قصصه وقصص طاغور، ندرك مساهمته في إحداث تغييرات متطرفة في القصة القصيرة في الهند. وإن الشفقة التي يصور فيها شخصيات الأمهات والبنات والزوجات والأرامل والعاهرات تسجل نقطة انحراف عن الأفكار البطريركية وعن إضفاء الصفات المثالية والرومانسية على النساء. وقد عملت بعض اللغات مثل البنغالية ـ الهندية ـ الأردية ـ الكندية ـ المالايالامية ـ الماراثية ـ التيلوغو والتاميلية على إصدار قصص قصيرة عظيمة في سياق هذا القرن. وفي اللغة البنغالية، تُعد مساهمة طاغور تأسيسية في صياغة شكل القصة القصيرة. يقول سوكومارسين(5): (يعتبر طاغور أول كاتب للقصة القصيرة الحقيقية باللغة البنغالية عام 1891، وبقي الأفضل على الدوام).
ما تزال بعض قصصه المبكرة مثل: مدير مكتب البريد ومثير المتاعب، تحتفظ بقدرتها على الإمتاع والإرشاد. وكان طاغور مدركاً لمشاكل الانقسام الريفي ـ المدني، وضرورة تعليم المرأة والطبيعة القمعية للاستعمار. لقد أوجد طاغور روح القصة الهندية القصيرة المعاصرة، ومع ذلك، فقد صدر عدد كبير من أفضل قصصه في القرن الأخير. ولما كانت أعمال طاغور منتشرة بشكل واسع بالترجمة الإنكليزية، اخترت أن أمثل اللغة البنغالية بقصة للكاتب تاراشانكار بانرجي. كما أشرنا آنفاً، وفي حين تلفت القصة القصيرة الغربية الانتباه إلى الانعزالية الجوهرية للإنسان المعاصر، تؤكد القصة الهندية القصيرة في النصف الأول من هذا القرن البحث عن هويته الاجتماعية. وكان لابد أن يظهر ذلك في البيئة القومية الهندية الناشئة. فترصد هذه القصص بطريقة ما الرحلة من الريف إلى الأمة. ويمكننا أن نتساءل ما هو الشيء المشترك بين (تاريني) في قصة "المراكبي (تاريني)" بقلم تارشانكار بانرجي، والحوذي (علي) في قصة "الرسالة" بقلم دوماكيتو، ومانغاما في قصة "مانغاما بائعة اللبن" بقلم ماستي فينكاتيشا اينغار. إنهم أفراد ضمن جماعة ريفية (ذات احتكاك مباشر، يمكن أن نجد بداخلها الجوهر الحقيقي للعلاقات الشخصية، ونقيمه)(6). وفي عالم الاحتكاك المباشر هذا، تصبح الألفة والعداوة قويتين على حد سواء.
تعاني قرية (تاريني) البنغالية من أحداث مجاعة وفيضانات مروعة في فترة محددة من العام. وفي قصة ثاكازي سفاسانكار بلاي، يكون نهر كوتاند هادئاً ورائعاً طول العام، ولكنه يكشف عن وجهه الشيطاني في أثناء الفيضانات الموسمية. خارج إطار هذا المجتمع الزراعي، لا يمكن التفكير بالروابط العميقة والمتينة. ولكن سرعان ما تغير هذا المجتمع من الداخل والخارج على حد سواء. وشمل هذا التغيير الجوانب السياسية والاجتماعية والثقافية. وتوفر هذه القصص خطة طريق لتلك التغييرات التي اجتاحت الهند في مختلف مجالات الحياة في النصف الأول من القرن.
من العوامل التي عملت أيضاً على تمزيق المجتمع: الانقسامات المأساوية بين الطوائف، الأجناس والطبقات. وفي استعادتنا للأحداث الماضية وتأملنا لـها ندرك أن الصراع من أجل الحرية السياسية حث فئات كبيرة من المجتمع على المطالبة بالحقوق الاقتصادية أيضاً. فمعظم الاضطراب الذي كان يصيب المجتمع الريفي كان مرتبطاً دائماً بملكية الأرض. وتتحدث قصة "الكفن" لـ بريمشاند عن الاختلافات الطائفية وفقدان الملكية وكذلك عن الجروح النفسية التي خلفها الحرمان الاقتصادي.
تُعد هذه القصة نادرة لأنها تبرز العنف الخفي الناجم عن الفقر بكل قسوته. فلم يحصل بطل القصة (جيسو) خلال سني حياته الستين على وجبة مشبعة. وما يزال يذكر الاحتفال الذي حضره في عرس (ثاكور) حيث أكل حتى التخمة. وشرب الأب والابن حتى الثمالة بالمال الذي أخذه من الزمندار(7) من أجل جنازة زوجة الابن، ثم أخذا يغنيان ويرقصان حتى وقعا في غيبوبة. ولم يقدم بريمشاند تعليقاً واضحاً على النظام الإقطاعي والحرمان والمعاملة اللاإنسانية التي أوقعها بضحاياه. إلا أن القصة تحدثت بفصاحة عن وضع الفقراء في الريف الهندي. وعندما قام مرينال سين بإخراج فيلم حول هذه القصة اختار بيئة قرية آندرا، مؤكداً بذلك علاقتها الوثيقة وارتباطها بالهند كلها.
في قصة "المراكبي (تاريني)" بقلم تاراشانكرا بانرجي، يقدم نهر مايوراكشي في أثناء فيضانه صورة دمار مروعة. وترمز بطولة (تاريني)، التي ذهبت سدى، إلى عالم الصراع والبقاء اليومي. وتجدر الإشارة إلى أن الكاتب بانرجي لم يحاول تمجيد الحياة الريفية. إن رؤيته لفكرة "غاناديفاتا" التي سلطت الضوء على الروابط العضوية بين أفراد الجماعة أضفى حيوية على القصة. حين يجبر القرويون على النزوح عندما تحل المجاعة، ويعودون عند أول توقع للمطر. فهم يعيشون تحت رحمة قوى خارجة عن نطاق سيطرتهم، إلا أنهم مازالوا يعيشون على الأمل.
خلف مياه نهر مايوراكشي الهادرة تقبع الإيقاعات الأكبر لفكرتي الموت والتجدد. تدور أيضاً قصة "في الطوفان" بقلم ثاكازي سفاسنكارا عن خلفية الطوفان. لكن الفرق هنا أن الخراب يرى من وجهة نظر كلب هجره صاحبه. وتعد هذه القصة تقليدية باللغة المالايالامية لقدرتها بشكل أساسي على الوصول إلى عالم ما دون البشري في كفاحها من أجل البقاء. ولكن يكمن وراء ذعر الكلب صوت أو صمت الفقير المطرود الذي أُلقي خارجاً ساعة الكارثة. لقد تحول الرابط بين المزارع صاحب الأرض والفقير الذي لا يملك أرضاً في كوتاندا إلى ما يشبه الأسطورة في المخيلة الشعبية. فعندما تخلى الفقير عن كلبه الوفي وتركه لموت محتم وحيداً فوق سقف البيت، رفع النقاب عن هذه الرابطة لتوضح الحقيقة الصارمة لقابلية الجرح التي نتجت عن الاشتراكية والاضطهاد. تعد قصة تاراشانكار دقيقة في تحليلها للعجز. حيث يقوم تاراشانكار بانرجي وثاكازي سفاسانكارا بيلاي، كلّّ بطريقته المنفصلة، بدراسة ما الذي يكوّن الإنسان في أرض المواجهة المتقدة مع اللاإنسان.
إن بعض الكُتّاب أمثال ثاكازي، جعلوا المجتمع ينتبه إلى إخفاقاته الأخلاقية وأجبروا القراء على النقد الذاتي. ويعد ماستي فينكاتيشا انغار أحد الكتاب الذين قاموا بذلك من خلال قصصه. في قصة "مانغاما بائعة اللبن" تبدو مانغاما شخصية معقدة لا تتناسب مع النظريات التي تدور حول النساء والمجتمع. إنَّها تبزّ بساطتها الريفية بنظرتها المتبصرة لطبيعة العلاقات البشرية وبخبرتها بالعالم والناس. وفي النهاية تثبت زوجة ابنها أنها تجاريها بالذكاء لأنها تنجح في التحكم بالمشاعر الإنسانية بطريقة أفضل من مانغاما نفسها. ويعرف ماستي بأنه كاتب قصة قصيرة لبراعته في مختلف أنواع الأدب. وقد كتب رامشاندرا شارما( معلقاً على شخصيات ماستي: (هناك قوة كامنة بداخلهم تمكنهم من التغلب على الصعوبات التي يواجهونها، وقبول المعاناة الناجمة عن تلك الصعوبات، دون أن يفقدوا جوهر إنسانيتهم). إن استعمال ماستي لأسلوب السرد الشفهي يضفي على قصصه صفة التحمل والتشبه بالرواية مما يجعلها تبدو حية حتى يومنا هذا.
تدور أيضاً قصة "العقار المرخص" بقلم فقير مهان سيناباتي حول امرأة قوية تتمكن من إعادة زوجها العاصي إلى جادة الصواب مثيرة بذلك دهشة المدينة بأكملها. وتعد مساهمة فقير مهان بالأدب القصصي الهندي مماثلة لمساهمات بريمشاند وطاغور. ووفقاً لـ: سيسر كومار داس يعد فقير مهان: (الهندي الأول الذي كتب قصة قصيرة بالمعنى المعاصر)(9). فتعد قصة "ريباتي" التي كتبت عام 1898، أول قصة قصيرة معاصرة باللغة الأردية، وما تزال تحافظ على نضارتها وسهولة قراءتها. تعالج القصة موضوع تعليم المرأة الذي يلامس شغاف قلوب كثير من المصلحين الاجتماعيين عند نقطة تحول هذا القرن. قبل أن يصبح الأسلوب الواقعي الاجتماعي شائعاً باللغات الهندية الأخرى بوقت طويل، وكان فقير مهان يستخدمه ببراعة في أعماله القصصية لتتبع التناقضات المعقدة داخل المجتمع الأردي.
تعد قصة "الرسالة" بقلم دامكيتو غوجارات دراسة أخرى جديرة بالملاحظة للشخصية البشرية. وفيها انتظر الحوذي أن تصله أخبار من ابنته طويلاً، واستمرت رحلته اليومية إلى مكتب البريد حتى الرمق الأخير من حياته. وبعد أن رآه رئيس مكتب البريد مصدر إزعاج وشخصاً غريب الأطوار، تنبه فجأة إلى المعاناة التي كان يتحملها الحوذي عندما اضطر هو شخصياً لانتظار رسالة من ابنته بقلق بالغ. ومن الجدير بالذكر هنا أن بعض الكلمات مثل: سكة الحديد ـ مكتب البريد ـ الصحف، بدأت تظهر في القصص الهندية القصيرة مع بداية الثلاثينيات. يبدو وكأن الريف كان يُشبك ويتشابك مع بعضه عبر خيوط غير مرئية. وقد قصد بالنظرية العصرية: القابلية على التحرك وإمكانية إجراء اتصالات أوسع بين الناس. و يمكن أن تعد "الرسالة" بحد ذاتها النموذج الأولي للقصة القصيرة نظراً لأن الدافع للمشاركة بتجارب الآخرين والتواصل معها من شأنه أن يحضّ على كتابة كليهما. ويمكن أن أضيف ضمن قوسين أن غوجارات استعمل كلمة "فارثا" للدلالة على القصة القصيرة، وهذه الكلمة تعني "أخباراً" في بعض اللغات الهندية الأخرى. وفي اللغة المعاصرة، أصبحت كلمتا: "أخبار وقصص" متلازمتين. فيشبه القارئ الضمني في القصة القصيرة المعاصرة إلى حد كبير الحوذي (علي) الذي ينتظر بفارغ الصبر أخباراً من العالم الخارجي.
إن لـهجة المودة والإلفة سمة مميزة للقصة القصيرة المعاصرة. ومما يساعد على إيجاد قارئ عصري هو التغيير في تركيز السرد القصصي نحو عالم مصغر يظهر حياً في القصة القصيرة من خلال نشر الكلمة المنطوقة. وتتميز قصة "حجر الصوان" للكاتب ب. ب. باف بالاستخدام المثير للكلمة المنطوقة. وهذه القصة بارعة لأن الحوار لم يزود بتوضيح أو تعليق ومع تقدم الأحداث في القصة نأخذ علماً بالتدريج بالفارق الضمني بين المتحدثين، وازدواجية الذكر المتمدن. فيقدم الغرور الرهيب للرجل المتكلم، الذي تركز القصة على بربريته الهمجية، بقالب سخرية واضح. يصبح الصراع بين طرق الحياة المدنية بصفات الشر والعنف والنفاق. يلجأ كاتب القصة القصيرة إلى استخدام أسلوب السخرية بشكل متزايد ليرمز إلى الجوانب السيئة للمدنية.
من جانب آخر، تكشف الصور التي قدمها الكاتب فانكاتش مادغولكار عن الأشخاص والأماكن من "ماندش" الواقع الريفي وذلك بنظرة واقعية وثائقية ما تزال تحافظ على نضارتها. فقدم بشكل تصويري المناظر الطبيعية لقرية ماندش وسكانها ضمن سلسلة من الصور الوصفية الجديرة بالذكر. ويعد مادغولكار رائد الأدب القصصي الريفي باللغة الماراثية لأنه تحدث عن الأشخاص الذين يتعلقون بالحياة بشدة حتى عندما ينعدم الأمل بأتفه معانيه. وعلى الرغم من أن غانفادار غادجيل يعد كبير مهندسي "القصة الجديدة" والتي أحدثت موجات ففي الخمسينيات، إلا أن صور مادغولكار التي لا تضاهى تتسم ببساطة أدبية. في قصة "باكاس مولاني" نجد إشارة إلى فن مادغولكار في إخبار القصة. فهو يختار تفاصيله بدقة ويجذب الانتباه إلى عزلة الأشخاص المحلين. وتمكن مادغولكار أن ينقل بشكل مقنع العنف الذي يقبع تحت السطح الهادئ للأراضي الريفية الجميلة في الهند.
تقدم أيضاً قصة "را مجاني" بقلم لاليت، باللغة الماثيلية، وقصة "مذاق سمك الهيلسا" بقلم كونجا مهان سنغ عن اللغة المانيبورية، مشاهد أخرى من الحياة الريفية.
يشعر رامجاني بالندم بعد انفجاره المفاجئ بالغضب، وبتفكير انعكاسي يبدأ بمراجعة سلوكه نحو عائلته بطريقة انتقادية. وكان قَدْ انهال على ابنه بالضرب لأن روث الفرس قَدْ لوث ملعب التنس الذي يملكه السيد. وهو يدرك أن الزمن يتغير. تختفي الطنجة(10) لتحل محلها الجنركشة(11)، فيقرر الآن أن يبيع فرسه وعربته كي يرسل ابنه إلى المدرسة. وقد كتب تلك القصة عام 1949، ولأنها لا تنتهي بنداء أمل، فإنها تلفت الانتباه للحالة النفسية لأمة حديثة الولادة تتطلع نحو المستقبل. أما قصة "مذاب سمك الهيلسا" التي كتبت عام 1934، فتذكرنا بضرورة التغيير الاجتماعي، هذا الموضوع الذي يقتحم معظم القصص التي وردت في هذا القسم. وبالنسبة لمجتمع مزقته الاختلافات الطائفية والطبقية، يمكن أن تكون الحرية السياسية ذات مغزى فقط، في حال حملت معها الضمان الاقتصادي والعدالة الاجتماعية. وفي قصة "الأخ عبد الرحمن" يؤكد الكاتب "عمر لال هينفوراني سيندي" على هذه النقطة من خلال شخصية عبد الرحمن النابضة بالحياة الذي ينتمي إلى مذهب الصوفيّة الشائع. إن الأثر الدائم الذي يتركه مثل هؤلاء الأشخاص الذين يهتمون بالعالم الآخر في حياة الجماعة، يكشف المنابع الخفية للقوة والرؤية في مجتمع يحافظ على التقاليد. وقد بدأ أسلوب السرد ذو الصوت المزدوج في القصة، الذي ينظر إلى الداخل والخارج في الوقت نفسه، ملفتاً للنظر، وذلك نظراً للنقد الذاتي الذي لا يرحم.
كتبت جميع القصص التي تم جمعها هنا قبل أن يدخل مفهوم "المساواة بين الجنسين" لغة النقد الهندي. يشعر بعض الكتاب أمثال بريمشاند ـ فقير مهان ـ بشير ـ ماستي ومانتو بوضع المرأة داخل المجتمع. وتعد قصة "باداري" بقلم "لاكشينات بيزبارو" صورة واقعية عن العلاقة بين الزوج والزوجة. عندما ينهال سيشوارام بالضرب على زوجته في نوبة غضب، ويتم توقيفه وإرساله إلى السجن. إلا أن زوجته "باداري" تبرئه من الجريمة أمام القاضي وتتوسل إليه كي يخلي سبيله. إلا أن سيشورام النادم يعترف بالحقيقة ويذهب إلى السجن.
تبدو القصة حقيقية وتنتهي بملاحظة مثالية ما هي إلاَّ السمة التي ميّزت القصص القصيرة التي كتبت في بداية القرن. أما قصة "الأرملة" التي كتبت بقلم شالام، التي صدرت للمرة الأولى عام 1925، فقد سجلت مرحلة مختلفة كلياً من العلاقة بين الرجل والمرأة. فهي تفضح العقيدة الأرثوذوكسية الصارمة للمجتمع البطريركي.
القصة القصيرة عند الكاتب "شالام" أداة لإثارة تساؤلات جوهرية تتعلق بالتمييز بين الأجناس. ففي القصة تتفكر الأرملة (إذا كان بسبب الكرما(12) يموت كثير من النساء العاقرات حزناً وكمداً، لماذا لا يعاني الرجال أيضاً من كرما مماثلة؟ وفي اللحظة التي تموت إحدى الزوجات تكون الثانية جاهزة. ألسنا جميعاً مخطئون؟ ربما هناك خطيئة محصورة بنا، الخطيئة التي تؤدي إلى الترمل، الخطيئة التي تمنعنا من الزواج ثانية. لكن بعض الأرامل لا يرتكبن هذه الخطيئة، فقط أرامل الهندوس.) يشير هذا الاستفهام، حول مبادئ المحافظين الاجتماعية، إلى إرادة التغيير. ويخبرنا "رانجاروا" في مقدمة لكتاب يضم قصص "تيلوغو" أنه بسبب الحملة العنيفة التي قام بها "شالام" ضد العقيدة الأرثوذكسية والنفاق الجنسي: (لم يرض، أي مالك، أن يؤجره بيتاً يملكه، واضطر على الأغلب أن يقطن في أطراف المدينة)(13). وكان شالام كاتباً متعدد المواهب كتب أيضاً عدداً من الروايات والمقالات والمسرحيات. وبسبب وجود أمثاله من الكتاب نما شعور متزايد بالحاجة إلى المساواة الاجتماعية والعدالة.
يعد "موني" كاتباً بحق. قام هو والكاتب "بودمابيثان" بتحديد اتجاه القصة القصيرة المعاصرة باللغة التاميلية. وصدرت معظم أجمل قصصه في المجلة الأدبية "مانيكودي" التي اقتصرت فترة صدورها ما بين عامي 1933 و1939.
بخلاف القصص الأخرى التي تم جمعها في هذا الجزء من الكتاب، تُظهر قصة "موني" جوهرية اللغة والمشاعر التي تشابه الباطنية. ونجد في قصة "اللهب الذي لا يموت" جميع المواضيع المتكررة في قصصه مثل: "الحب ـ الضياع ـ فناء كل الأشياء ـ طريق الذاكرة ـ الموت" أصبحت (صورة الشجرة التي تتلمس شيئاً لا تملكه السماوات، مثل الأيدي الممتدة والأعين المغلقة، دائمة البحث) شبحاً ملازماً ينمو في ذهن القارئ. وتعزز اللهجة التأملية للقصة الأثر السحري للتخيلات التي تكشفها طريقة السرد. وفي قصصه الأخيرة ابتعد "موني" عن موضوع الحب الرومانسي ولجأ بشكل متزايد إلى معالجة تعقيدات العلاقة بين الرجل والمرأة.
نجح الكاتب "كارتر سينغ دوغال" في البحث داخل العالم العقلي للشخصية، وهو من أكثر الكتاب المنتجين للقصة في البنجاب. ففي قصة "سائق التاكسي" نلتقي ببطل القصة "ديتو" الذي يكتسب قوته سائق تاكسي بعد أن هُجّر من منزله بعد التقسيم. وقد نسي أحد الركاب المهملين محفظة جيب في سيارته، الأمر الذي يسبب لـه قلقاً كبيراً. ولم تصغ زوجته "بانتي" إلى توسلاته بأنهم يجب ألا يمسّوا مال الآخرين. يصمم ديتو على إعادة المحفظة بينما تصر (بانتي) على الاحتفاظ بها. إنه صراع قيم بالتأكيد ولكن أخيراً لا تترك وقائع الحياة القاسية مكاناً للمثالية.
على الرغم من أن معظم هذه القصص كتبت خلال مرحلة النضال من أجل الحرية، إلا أنه لا يوجد وصف لأية مواجهة مباشرة بين الحكام المستعمرين والرعيّة الهندية في أي من هذه القصص ما عدا قصة "بقرة الحواجز" بقلم: راجاروا. يمكن قراءة القصة على أنها تعليق ساخر على نسج الأساطير الشعبية. ويمكن أيضاً قرءاتها على أنها رمز للتعبئة السياسية للجماهير. ففيها تشخص صورة البقرة بعض صفات الهند كأم شفوفة ورحيمة. وفي مرحلة الاستعمار، ارتبط الأسد ببريطانيا والبقرة بالهند. في القصة تنال البقرة الشهادة ويتوحد الناس حول ذكراها. تُؤلّه البقرة ويقام معبد لتقديس ذكراها. وعندما تتحول الفكرة إلى أثر تفقد بعضاً من حقيقتها وجزءاً كبيراً من علاقتها بالموضوع.
الطريق طويل، من قصة "بقرة الحواجز" بقلم راجا راو وحتى قصة "توبا تيك سينغ" بقلم سادات حسن مانتو، التي توجز مأساة التقسيم ورثاءه بدقة نادرة. لأن الإبادة الكاملة التي نجمت عن التقسيم تعجز عنها الكلمات، فإن سخفها ورعبها يمكن أن يشار إليه بشكل غير مباشر فقط. فمن الجملة الأولى، يتمكن مانتو من تحديد اتجاه القصة: (بعد عامين من التقسيم خطر للحكومات في باكستان وهندستان أنه بالرغم من تبادلهما السجناء العاديين، يجب عليهما ألا يتبادلا المجانين أيضاً). ويمثل نزلاء المصح الوضع السياسي بطرقهم الخاصة. ويبدو أنهم تمكنوا من فهم المعاني المتضمنة لمثل هذه الحالة بشكل غريزي. وقد كتب مانتو: (لم يكن معظم المجانين يرغبون بهذا الانتقال، لأنهم لم يستطيعوا أن يفهموا سبب انتزاعهم من جذورهم).
إن استخدام مانتو لمشفى الأمراض العقلية كاستعارة يقدم نقداً قاسياً لسياسات الضغائن التي سببت فقدان الاستقرار لشبه القارة كلها، وخلْفت تراثاً من العنف والريبة. وعلى الرغم من الاتجاه الخفي للوعي الذاتي المأساوي الذي يدفع سرد الأحداث قدماً، إلا أن القصة لم تقع في رؤية كئيبة. والسبب الرئيس في ذلك هو أن الحيوية البالغة لطريقة السرد تحقق قدرة على التفكير والتساؤل. وفي مناسبة أخرى، كتب "مانتو" (الأدب هو نبض الأمة، والجماعة ـ الأدب يقدم معلومات عن الأمة والجماعة التي تنتمي إليها، عن صحتها، وعن مرضها). وبالنسبة لمانتو يدل حمّام الدم الناجم عن التقسيم على فشل المخيلة الاجتماعية. وإن نجاحه في جعل اللاعقلانية الجماعية والجنون الجماهيري، في الأحوال السائدة في فترة زمنية معينة، في متناول الفن، ما هو إلاَّ شهادة على قوة فنه ورؤيته.
تعد القصة القصيرة إحدى الوسائل التي تساعد على تخيل الأمة. إن هذه القصص التي تمّ جمعها هنا توثق "نبض الأمة" خلال أكثر فتراتها اضطراباً. إلا أن هذه القصص لا تقدم لنا ماهية الهند أو توجزها ببعض الأفكار التجريدية المبسطة. ربما لـهذا السبب نحن بحاجة إلى أدب قصصي أكثر من حاجتنا إلى نظرية. فبينما تقوم النظريات بتخصيص التجارب لتُجانس بين الحياة والمجتمع، يوفق الأدب القصصي بين الخلافات في مختلف تناقضاتها. وما توضحه القصص التي تم جمعها هنا هو استحالة إيجاز الهند أو الواقع الهندي في أفكار مقولبة تمت صناعتها في الغرب أو الشرق.
في الجزء الأول من هذا القرن كان على الهند أن تتكيف مع التغييرات التي حصلت في مختلف أوجه الحياة ابتداء من الأوضاع السياسية والاقتصادية حتى أسلوب الحياة وتركيب الأسرة. وقد خضعت الخيارات في المجالات العامة والشخصية على الأغلب لتوجيه العوامل الثقافية والنفسية التي يمكن أن تبدو في بعض الأحيان غير عقلانية. وتظهر هذه القصص الجانب الدقيق الذي يجب مناقشته في أثناء عملية التغيير الاجتماعي. وتظهر صور الفقر الريفي التي تتكرر في هذه القصص كيف أن التسلسل الهرمي الاجتماعي يعطي الأولوية للطوائف والطبقات الاجتماعية العليا. وخلف صور مشاهد المعاناة المؤلمة تقبع إرادة التغيير. ويمكن رؤية التحديات التي قدمتها النظرية العصرية بشكل أكثر وضوحاً في النصف الثاني من هذا الكتاب الذي يضم القصص التي كتبت بين عامي 1950 ـ 2000.
يطرح تخيل مفهوم الأمة هنا في القصص المذكورة أعلاه من وجهة نظر الأشخاص المهمّشين والمقموعين، ولكنها لا تزال تستثني وجهة نظر المرأة. صحيح أن الكتاب أمثال بريمشاند ـ ماستي ـ شالام وموني يعرضون اعتناقاً من نوع نادر في تمثيلهم للنساء، ولكن ليس كما هو الحال عندما يسمع صوت المرأة نفسها. لذلك وجدت أنه من الضروري تضمين الكتاب قصتين لكاتبتين تتمتعان بجدارة استثنائية لتحقيق التوازن. وتعد (عصمت شوغتاي) و(لاليثامبيكا أنثار جانام) كاتبتين بارزتين، وما يزال يعترف حتى الآن باثرهما الرائد في خلق الأعراف الهندية لفن الكتابة عند المرأة في القرن العشرين. وتعالج قصة (اللحاف) بقلم (عصمت شوغتاي) وقصة (الاعتراف بالذنب) للكاتبة (أنثار جانام) موضوع الجنس الأنثوي في مجتمع بطريركي رفيع. وقد تورطت (عصمت شوغتاي) في مناظرة فور إصدارها لـهذه القصة لأنها عالجت موضوع علاقة السحاق. اتهمتها الحكومة البريطانية بالفحشاء إلا أنها ربحت الدعوى. وتكتشف القصة؛ التي رُويت من وجهة نظر طفلة، عالم الشهوة الجنسية، وتخفيه في الوقت نفسه. فعندما يقوم مجتمع بطريركي بتنظيم الوضع الجنسي عند النساء، يلجأ إلى التعبير بطرق "منحرفة". وتعالج القصة مشكلة الانحراف. وقد كتب (سوسي شارو) و(ك. لاليتا) يعلقان على قصص (عصمت شوغتاي): (أخذت عصمت مواضيع قصصها من حياة الطبقة المتوسطة. كانت على علم بتعقيداتها، بكآبتها وبمواقع إشراقها. فقامت بتحري الاضطهادات التي تواجه الحياة العائلية، ونشاط الوضع الجنسي في بيئة الطبقة المتوسطة، وعوامل كبحها، ومجال حريتها القليل غير المشكوك فيه، كلّّ ذلك برقة لا تضاهى حتى اليوم في الأدب القصصي للغة الأردية)(14).
بدأت (لاليثامبيكا أنثار جانام) كتابة القصص القصيرة والقصائد في الثلاثينيات عندما نالت الحركة الإصلاحية داخل مجتمع البراهما(15) قوة دافعة، وتأثرت بشكل كبير بأفكار كتاب الحركة التقدمية ومُثلها. وتعني كلمة (أنثار جانام) بشكل حرفي: (أولئك الذين يعيشون في الداخل). ويظهر نظام البردة(16) في قصة (عصمت شوغتاي)، وكذلك في قصة "الاعتراف بالذنب". حيث تخضع المرأة المتهمة بالدعارة إلى محاكمة طقسية تدعى (سمارثا فيشارام). وقد ذهب عدد كبير من نساء البراهما، (كالا)رملة الشابة في هذه القصة، ضحايا عادة قاسية تسمح فقط للابن الأكبر في عائلة البراهما أن يتزوج، وذلك منعاً من تجزيء ثروة العائلة. ولأنه يُسمح فقط لعدد قليل جداً من الرجال بالزواج، فإن عدداً كبيراً من الفتيات في مجتمع البراهما يُجبَرن على الزواج من رجل يكبرهن أحياناً بضعفي عمرهن. ويعلق سوسي سارو على ذلك: (عندما يموت الأزواج، يُحكم على الأرامل الشابات أن يعشن حياة كئيبة تنحصر بين المطبخ وغرفة الصلاة، ويتعرضن في كثير من الحلات إلى معاملة سيئة على أيدي الزوجات الأكبر سناً. تلك هي الورطة البائسة لأولئك اللواتي يعشن في الداخل التي أثارت الاحتجاجات الأولى ضد الظلم البطريركي في كيرالا).
في قصة "الاعتراف بالذنب" يتحول الرد الذاتي إلى إبداع ذاتي. عندما تتكلم المرأة عن رغباتها المقموعة والمحرمات التي تسجنها داخل المحيط العائلي، فإنها تعيد اكتشاف نفسها بشكل جازم. وتخاطب القصة المجتمع البطريركي بصوت حاسم، لتعلن أن للمرأة ذاتاً داخلية لم يُتَح لـها على الإطلاق مجال اجتماعي لتعبر عن نفسها. لقد حطّم اعترافها الرضا الذاتي لمجتمع بطريركي قاس: (مثل أي شخص آخر، (علي) أيضاً أن أعترف بالهزيمة في صراعي ضد غرائزي الطبيعية. إذا كان ذلك خطيئة، (سابي)ع نفسي من أجلها). وقد تحدثت كلّّ من عصمت شوغتاي ولاليثامبيكا أنثار جانام عن الخطط العنيفة والقمعية التي وُضعت لكبح النشاط الجنسي عند النساء وعزله، والموروثة في نظام الحجاب الهندي.
اعتمدت النساء بشكل كبير في تصنيف هذه القصص على البحث عن ذلك "الشيء" المحير في القصة القصيرة، الذي يخلق عالماً مستقلاً بذاته في مجال بضعة جمل، ويجعلك ترغب بمعرفة المزيد ومتابعة القراءة. يعد غالباً كاتب القصة القصيرة رساماً للصور المنمنمة الذي يبدع تأثيرات ساحرة بضربات خفيفة. وقد تمّ استثناء عدد كبير من القصص الجيدة وعدد قليل من القصص العظيمة لضيق المجال. وعلى سبيل المثال، تستحق قصة "بوفانبازا" بقلم كارور نيلا كانتا و قصة "عيد الميلاد" بقلم فايكوم محمد بشير أن تدرجا في أية مقتطفات تضم قصصاً هندية عظيمة. إلاَّ أنني اخترت قصة "الطوفان" بقلم ثاكازي سيفاسنكارا لأنها بشكل رئيس تنتزع القوة الأساسية للطبيعة بإيجاز كبير في الكلمات. وإن تقمصها للحيوان الذي احتُجز على سقف البيت في أثناء الطوفان يعطي صدى رناناً بإحساس مأساوي متحرر. واستثنيت أيضاً قصة "المحراث الناطق" بقلم بونكونام ثاركي، التي كانت اختياري الأول، لأنها كُتبت في بداية الخمسينيات. وإذا كنت قَدْ استبعدت ثلاث قصص كبيرة من اللغة المالايالامية فقط لأسباب مختلفة، أستطيع أن أتخيل حجم الظلم الذي ألحقته باللغات الهندية الأخرى. وتستحق قصة "ريباني" بقلم فقير موهان أن تدرج في هذه المجموعة لأنها إحدى الصورة المعقدة عن الحياة الريفية المتغيرة، إلا أنها كتبت عام 1898.
تقوم بعض القصص للكتاب أمثال: غانفادار غارحيل (اللغة الماراثية)، وبودمايبثان (باللغة التاميلية) وسارت شاندرا شاترجي (باللغة البنغالية) وبانلال باتيل (باللغة الوجاراتية) وجانندرا كومار (باللغة الهندية)، ور. ك. ناريان (باللغة الإنكليزية) وناناك سينغ (باللغة البنجابية) بعرض ثراء القصص الهندية القصيرة وتنوعها التي كتبت في النصف الأول من هذا القرن. ومع الأخذ بعين الاعتبار القصص التي تم استبعادها، لا يمكن لـهذه المتقطفات أن تدّعي تحديداًَ أي نوع.
أريد أن أشير إلى حقيقة أن الاتجاه الذي اتخذته القصة القصيرة الهندية في النصف الأول من القرن العشرين يدل على المساواة في دَقْرَطة المجال الأدبي. فتتجه الحركة نحو شمولية وانفتاح أكبر. وإذا كان الاهتمام بالحياة الريفية يتكرر في هذه القصص فذلك لأن ضغوط النزعة التمدنية ما تزال يُعتقد بها على نطاق أوسع. ويعكس إدراك التفاوت الاجتماعي، والثورة ضد الظلم والنضال ضد الاستعمار الأفكار والدوافع التي نشّطت المجال الشعبي في النصف الأول من القرن. ويجب قراءة هذه القصص أيضاً على أنها شاهد وثائقي على إرادة شعبية جماعية تعمل على تخطيط هوية أمة.
إنَّها توثق المحن والصدمات التي تلازم التعريف الذاتي لمجتمعات ناشئة ولكن يجب أن لا نقلل من أهمية أن المتعة المطلقة الناجمة عن إخبار القصص والاستماع لـها يجب أن يبقى الجائزة الأكبر لأية مجموعة قصصية. هذه قصصٌ يجب أن نقرأها مراراً وتكراراً لتذكرنا ماذا كنا، ومن أين أتينا، وبأية جهة نتجه.
ي. ف. راما كريشنان
ترجمة: هدى الكيلاني
(1) سيسير كومار داس: 1995، ص 276.
(2) عبارة استعملها والتر بينجامين.
(3) سيسيل كومارداس: 1991، ص. 259.
(4) فرانك وكنور: 1965، ص 190.
(5) ماري م. لاغو: 1976، ص 80.
(6) رايموند ويليام: 1973، ص 165.
(7) جابي الرسوم المفروضة على الأرض خلال الحكم الإسلامي للهند.
( راماشندرا شارما: 1995، ص 14.
(9) سيسير كومارداس: 1991، ص 302.
(10) الطنجة: عربة بعجلتين يجرها جواد.
(11) الجنركشة: عربة صغيرة بدولابين تتسع لشخص واحد يجرها رجل.
(12) الكرما: العاقبة الأخلاقية الكاملة لأعمال المرء في طور من أطوار الوجود بوصفها العامل الذي يقرر قدر ذلك المرء في الاعتقاد البوذي في طور تناسخي تال.
(13) رانجاراو: 1995، ص 12.
(14) سوسي شارو: 1993، ص 128.
(15) البراهما: الذات العليا في الفلسفة الهندوسية.