سميرة توفيق
--------------------------------------------------------------------------------
ولدت سميرة توفيق، واسمها الحقيقي سميرة كريمونة، في بيروت وبالتحديد في منطقة الجميزة التي كانت معروفة في الماضي بـ«الرميلة». تربت في كنف عائلة بيروتية متواضعة، اذ كانت والدتها نعيمة ربة منزل تهتم برعاية اولادها الستة: جانيت، ونوال، وسميرة، وشارل، وجورج ومانويل، وهو البكر الذي وافاه الاجل في ريعان شبابه. اما والدها غسطين، فكان يعمل في ميناء بيروت ويلقب بـ«ريس المينا شيخ الشباب».
بدأت سميرة، وهي الصغرى بين شقيقاتها، تظهر موهبتها الغنائية جلية عندما كانت في السابعة، فكانت طفلة شقية تتسلق اشجار الجميز قرب منزلها، وهي تغني لأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وغيرهما من عمالقة الغناء، وعندما اصبحت في الثالثة عشرة اخذت تحيي الحفلات الغنائية على مسارح بيروت الخاصة بالعائلات وفي مقدمها مسرح عجرم. وبعدها تنقلت في عدد من المناطق اللبنانية وبينها عاليه حيث وقفت على احد اهم مسارحها في تلك الحقبة «مسرح طانيوس» تغني لسعاد محمد وليلى مراد، فنالت اول مبلغ من المال وهو مائة ليرة لبنانية.
والدتها «الست» نعيمة كانت اكثر المشجعين لموهبة ابنتها فرافقتها منذ بداياتها، وكان جميع افراد عائلتها يتنقلون معها من حفلة الى اخرى، فعرفت بالمطربة صاحبة الاسطول السادس! بعد انطلاقتها من بيروت اوائل الستينات تبنتها اذاعة الاردن الرسمية من خلال اغنية بعنوان «بين الدوالي»، فغنت عبر اثيرها مباشرة على الهواء للشاعر جميل العاصي. وبعدها كرّت السبحة واخذت اغاني سميرة تصدح في لبنان والبلدان العربية، خصوصاً انها تميزت بلهجتها البدوية فأعطتها ثقافة خاصة بها وصارت لوناً يقتصر عليها.
تعاونت سميرة مع عدد من الملحنين والشعراء في لبنان والعالم العربي، وبينهم قريد الاطرش عفيف رضوان، وعبد الجليل وهبي، ومحمد محسن، ورفيق حبيقة، والياس الرحباني، وملحم بركات، وايلي شويري، ووسام الأمير، وفيلمون وهبي الذي ربطتها بعائلته صداقة متينة، فساهموا جميعاً في بلورة مسيرتها الفنية وانتشار اغانيها.
من أغانيها المعروفة «يا هلا بالضيف» التي صارت بمثابة نشيد يذاع في المناسبات عند استقبال شخصيات رسمية في لبنان والعالم العربي. اما «اسمر خفيف الروح»، «ضربني وبكى»، «بصارة وبراجة» «بيع الجمل يا علي»، «يا عين موليتين»، «لا باكل ولا بشرب» «رف الحمام مغرد»، «بالله تصبوا هالقهوة»، «دورولي عا حبيب»، وغيرها من الاغاني التي فاق عددها الألف، فتشكلت ارشيفاً غنائياً لا يستهان به وما زال هواة الغناء يتطلعون لأدائه حتى اليوم رغم صعوبته.
التقت سميرة كريمونة في بداياتها الملحن اللبناني توفيق البيلوني، الذي امسك بيدها وشجعها على الغناء، فاستوحت منه اسمها الفني سميرة توفيق وقالت له: «انا سميرة والتوفيق من الله». وهكذا ذاع صيتها واصبح اسمها على كل شفة ولسان، وعرفت بسمراء البادية، بعدما تربعت على عرش الغناء البدوي من دون منازع.
احيت سميرة توفيق العديد من الحفلات في ارجاء العالم، فافتتحت «اوبرا هاوس» في مدينة ملبورن الاسترالية، الى جانب وديع الصافي. وقد حضرت الحفل الذي اقيم اوائل السبعينات ملكة انكلترا اليزابيت الثانية. كما شاركت في انطلاق النادي اللبناني المكسيكي، فكانت المطربة العربية الوحيدة التي مثلت بلادها هناك بدعوة من الجالية اللبنانية فيها، وحازت المفاتيح البرونزية والذهبية لعدة بلدان بينها فنزويلا التي كرمها مجلس النواب فيها، وكانت تتمتع بقاعدة شعبية كبيرة فيها. كما أحيت حفلات في فرنسا وافريقيا ولندن، حيث تملك شقة خاصة بها.
اهتمت سميرة توفيق بأنانيتها منذ بداية مشوارها الفني في الستينات وكانت يومها تتمتع بقد ممشوق وجمال وجه تميز بخال فوق شفتيها، فقلدتها النساء ورسمن على وجوههن الخال نفسه بقلم الكحل الاسود.
كان شفيق خوري هو الخياط الذي يهتم بأناقتها في تلك المرحلة، ثم ما لبثت ان تعرفت الى المصمم العالمي وليم خوري، فنشأت بينهما صداقة متينة مستمرة حتى اليوم. ويقول خوري: «انها مطربة لن تتكرر، وفية، مخلصة وفائقة المشاعر والاحساس وحنونة الى ابعد حد. لم ترد يوماً على شائعة، ولم تتمن الأذية لأحد، حتى الذين طعونها كانت تقول سامحهم الله».
صمم لها وليم خوري حوالي 1500 رداء، غالبيتها يتألف من العباءات المطرزة التي كانت تنسجم مع لونها البدوي، واشهرها تلك التي صممت على شكل فراشة، وارتدتها في احتفال اقيم في تلفزيون لبنان الرسمي «القناة سبعة»، ومنذ ذلك الحين عرفت بنجمة هذه القناة وتصدر تصميم ثوبها افخم واجهات المحلات في باريس ولندن. ومن التصاميم التي جعلتها تتألق بصورة لافتة، تلك التي ارتدتها في مهرجان السينما العالمي في بيروت، الذي حضره حشد من نجوم الفن من العالمين العربي والغربي، وكان عبارة عن ثوب اسود طويل، تزينه ليرات ذهبية ورافقها اكسسوار مشابه على تسريحة شعرها فاثارت الضجة حولها، وهي تتقدم نجوم الاحتفال الذين اتوا الى فندق فينيسيا في وسط بيروت للمشاركة. وقبيل مغادرتها اتصل بالمصمم وليم خوري قائد الشرطة السياحية آنذاك عادل عبد الرحيم، عارضاً عليه مواكبة حماية لسميرة توفيق، خوفاً من ان يخطفها احدهم، ويسطوا على الليرات الذهبية المشكوكة على ثوبها! فوافق خوري على العرض، وعندما وصل الى منزل المطربة في الحازمية قرب بيروت، ضحكا كون الحيلة انطلت على قائد الشرطة نفسه، الذي عندما اتصل بهما للاطمئنان اخبروه بأن الليرات المؤلفة من 1800 قطعة معدنية، هي مزيفة وليست من الذهب الخالص، كما تراءى له، فهنأ خوري على تصميمه المبتكر.
اليوم ما زالت تحتفظ سميرة توفيق بمجموعة فساتينها التي ارتدتها في مناسبات عدة، والتي كانت تغيرها بين الاربع والخمس مرات في الحفلة الواحدة. اما الجزء الذي لم تجد له مكاناً في بيتها فاحتفظ به وليم خوري في منزله.
ويذكر خوري ان معظم الاميرات العربيات، كن معجبات بأناقة سميرة توفيق، فكن لا يتوانين عن طلب تصاميم مشابهة لها من وليم خوري نفسه ليرتدينها بدورهم في الحفلات والمناسبات التي يُدعين اليها، فيفتخرن بالتشبه بها حتى ان احدى السيدات المعروفات في دولة عربية، دفعت مبلغا كبيرا من المال لسميرة توفيق، مقابل ان تتنازل لها عن فستان ارتدته في حفلة غنائية، اقامتها في الاردن، فقدمته لها المطربة بكل طيبة خاطر.
تعرضت سميرة توفيق لمشكلات عدة في حياتها ومعظمها يتعلق بصحتها. فالنكسة الاولى كانت عام 1965 اثناء ادائها دور البطولة في فيلم سينمائي بعنوان «بدوية في باريس»، وعرض عليها يومها المخرج محمد سلمان ان تقوم ممثلة بديلة عنها بقفزة عن صخرة مرتفعة، فرفضت واصرت على ان تقوم بالقفزة بنفسها، فأصيب ظهرها بكسر اجبرها على التوقف عن العمل لفترة، خصوصا ان الاطباء اكتشفوا لاحقا بأن معدتها اصيبت من جراء سقوطها على الارض بارتجاج، فانقلبت رأسا على عقب واضطرت للخضوع لجراحة لاعادتها الى مكانها الطبيعي.
ورغم زيادة وزنها لاحقا، بقيت صاحبة اطلالة مميزة ينتظر المعجبون مشاهدتها بشوق عبر الشاشة الصغيرة أو على خشبة المسرح، وعندما كان يعلن عن استضافتها في برنامج تلفزيوني مثلا كانت الشوارع في بيروت تفرغ من السيارات والمارة، اذ كان الناس يتسمرون امام اجهزتهم المتلفزة لمتابعتها. الامر نفسه كان يتكرر عند عرض مسلسلاتها التلفزيونية، وهي لا تتعدى اصابع اليد الواحدة.
اما الاشخاص الذين كان العمل يفرض عليها رؤيتهم بصورة دائمة امثال عازف الطبلة محمد البرجاوي وزميله ستراك، فكانوا بمثابة افراد عائلتها يدقون بابها في ظروفهم الحرجة، ويركنون اليها اذا ما واجهوا مشكلة.
عاشت سميرة توفيق في منزلها في الحازمية تحيط بها عائلتها وابناء اشقائها الذين من خلالهم مارست دور الأمومة فأحبتهم وعطفت عليهم وواكبت تفاصيل حياتهم من الفها الى يائها. اما الفاجعة الكبرى التي تلقتها في حياتها بعد وفاة اخيها البكر مانويل، فكانت رحيل زوجة اخيها رينيه كريمونة، اثر اصابتها بشظايا انفجار قنبلة مدفعية استهدفت منزل سميرة توفيق اثناء الحرب اللبنانية. وكانت يومها رينيه تسكن عندها فأصيبت سميرة بكآبة وبحالة احباط كبيرة. واخذت منذ ذلك الوقت على عاتقها تربية اولاد رينيه وتعليمهم.
كانت سميرة توفيق من المطربات القليلات اللواتي لم تلحقهن الشائعات بكثرة، اذ كانت تبتعد عن المشاكل وتواجه الشر بفعل الخير وتصر على الظهور بثياب محتشمة وتعيش حياة محافظة.
اما المرة الوحيدة التي وجدت فيها نفسها في موقف حرج وعلني فهو عندما علمت ان الملحن ايلي شويري، اعطى نفس الاغنية التي لحنها لها «ايام اللولو» للمطربة صباح وفي وقت واحد. الا انها استدركت الامر وأعلنت أن الأغنية ستنجح بصوتها وصوت صباح على السواء، لأن لكل منهما لونه المميز، وهكذا حصل بالفعل اذ حققت الأغنية شهرة واسعة لدى المطربين.
بقيت حياة سميرة توفيق العاطفية دائما بعيدة عن الانظار الا مرتين فقط، عندما ارتبطت بقصة حب مع مدير تلفزيون لبنان الرسمي في السبعينات عز الدين الصبح، وما لبث الخطيبان ان افترقا من دون اثارة اي ضجة حول الموضوع.
وفي منتصف التسعينات تعرفت سميرة توفيق الى الشاب غابي، وهو رجل اعمال لبناني يعيش في السويد، وكانت يومها تحيي حفلة غنائية فيها، فقدم لها باقة من الزهور فكانت النظرة ثم الابتسامة ثم اللقاء الذي انتهى بالزواج، وهو الوحيد الذي حصل في حياتها. وحرصت في احدى مقابلاتها التلفزيونية انها كانت تمضي ساعات طويلة تتحدث معه عبر الهاتف، فعاشت معه قصة حب عاطفية، وما زالا حتى اليوم على اتصال دائم.
لم تطل سميرة توفيق على جمهورها منذ سنوات وسبب غيابها يعود الى اصابتها بكسر في قدمها، اثر انزلاقها امام منزلها في لندن، اغانيها ويتبارى في انشادها.
حاليا تعيش سميرة توفيق في منزلها في الحازمية، واحيانا تنتقل منه الى بلدة فيطرون الكسروانية، حيث تملك شقة ضمن مجمع سكني فيها، ويحيط بها جميع افراد عائلتها واولادهم واحفادهم، وتقول: «انتظروني قريبا في عمل جديد يتألف من ثماني اغنيات، اعمل على تحضيرها منذ فترة».
عن جريدة الشرق الاوسط 2006