تمهيد
لم ينطلق المسرح الأمازيغي فعليا في منطقة الريف من المغرب الأقصى إلا في بداية التسعينيات من القرن العشرين مع مجموعة من المخرجين الرواد النشيطين كفؤاد أزروال وفخر الدين العمراني وفاروق أزنابط ونعمان أوراغ وعبد الكريم بوتكيوت وأحمد المغنوجي وشعيب المسعودي، لينطلق المسرح الأمازيغي بعد ذلك في الألفية الثالثة في حلة جديدة مع مجموعة من المسرحيين الشباب كسعيد المرسي وعبد الواحد الزوكي ومحمد بن سعيد وعمرو خلوقي وسعيد عبيد وطارق الشامي وماجدة بناني ولويزا بوستاش.
]
هذا، وقد حقق هذا المسرح تنوعا ثريا على مستوى المضامين والأشكال والاتجاهات الفنية، إذ يمكن الحديث عن المسرح الكلاسيكي والمسرح التجريبي والمسرح الفطري، كما يمكن الحديث عن المسرح الحواري الجماعي، والمسرح الفردي مع فؤاد أزروال وفاروق أزنابط وماجدة بناني ، ومسرح "وان مان شاو One man show " مع طارق الشامي.
وقد تناول هذا المسرح عدة تيمات ومواضيع وقضايا دلالية نجملها في المواضيع الاجتماعية والثقافية والسياسية والتاريخية، ومواضيع الهوية الأمازيغية والتشبث بالأرض والتنديد بالهجرة الشرعية وغير الشرعية، والإشادة بأبطال المقاومة الوطنية كعبد الكريم الخطابي والشريف أمزيان، واسترجاع الذاكرة الأمازيغية القديمة والوسيطة والحديثة .
]
وعلى الرغم من نضج بعض النصوص والعروض المسرحية الأمازيغية بمنطقة الريف بالمقارنة مع المسرح الأمازيغي في سوس والأطلس المتوسط، إلا أن هذا المسرح يعرف عدة عراقيل وتعثرات تؤثر على نموه وتطوره في الحاضر والمستقبل. إذاً، ماهو واقع المسرح الأمازيغي بالريف؟ و ماهي آفاقه المستقبلية؟
]
1- واقــع المسرح الأمازيغي:
من المعروف أن المسرح الأمازيغي قد انطلق منذ أواسط السبعينيات مع فخر الدين العمراني وفاروق أزنابط وعبد الكريم بوتكيوت ورشيد لعبدي ومصطفى بنعلال وآخرين، بيد أن هذا المسرح سيعرف صمتا كبيرا في سنوات الثمانين لأسباب ذاتية وموضوعية، إلا أن الأسباب السياسية والإيديولوجية هي التي كانت وراء هذا الركود المسرحي الذي أثر سلبا على الحركة الثقافية في منطقة الريف. لكن انتعاش المسرح الريفي وانبثاقه حركيا لن يتحقق فعلا وتنشيطا إلا مع سنوات التسعين وسنوات الألفية الثالثة مع ظهور الكثير من الجمعيات الثقافية المدنية والجمعيات المنضوية تحت الأحزاب السياسية.
]
وعلى الرغم من هذه الانتعاشة الفنية والثقافية التي حققها المسرح الأمازيغي في منطقة الريف في العقود الأخيرة ، إلا أنه مازال يواجه عدة مثبطات مانعة، وبالتالي، يعرف الكثير من العوائق والنواقص التي تحول دون تقدمه وازدهاره؛ وتؤثر سلبا على جودته الفنية وعطائه الجماهيري وصيرورته الإبداعية.
]
ومن بين المآخذ التي نأخذها على هذا المسرح الأمازيغي ظاهرة التكرار والاجترار من خلال تناول نفس المواضيع والتيمات إلى يومنا هذا كرصد موضوع الهجرة والدفاع عن الهوية والدعوة إلى التشبث بالأرض والإشادة بأبطال المقاومة الأمازيغية واستنكار البطالة و الثورة على الفوارق الاجتماعية و رفض التفاوت الطبقي والسخرية من المفارقات السياسية والحزبية التي يعج بها الوطن بصفة عامة ومنطقة الريف بصفة خاصة.
]
ويلاحظ كذلك ضحالة الريبرتوار المسرحي الأمازيغي لقلة النصوص المسرحية وقلة المبدعين الذين يكتبون للمسرح الأمازيغي وهم يعدون على الأصابع نذكر منهم: فؤاد أزروال وعبد الخالق كاربيلا وأحمد زاهد وعمر بومزوغ ومحمد بوزكو وجميل حمداوي وماجدة بناني.
كما أن منطقة الريف لا تتوفر إلا على مخرجين معدودين، مازالت تنقصهم الخبرة المعرفية والنظرية حول المسرح بصفة عامة والمسرح الأمازيغي بصفة خاصة، ويحتاجون إلى معرفة شاملة بالنظريات والتصورات الإخراجية الغربية والعربية ، واستيعاب التقنيات التطبيقية السينوغرافية للاستعانة بها في مجال الإخراج وإعداد السينوغرافيا الدرامية، ويمكن أن نستثني من هذا الطرح كل من فخر الدين العمراني الذي يملك موهبة متميزة في مجال التدريب وتأطير الممثلين ، وفاروق أزنابط الذي له خبرة متمرسة في مجال الإخراج وإعداد السينوغرافيا الركحية، وسعيد المرسي الذي يملك زادا معرفيا عن طرائق الإخراج والاستفادة من تصورات بيتر بروك ومسرح اللامعقول، وشعيب المسعودي الذي يعرف بتكوينه المتميز في المسرح التجريبي العالمي واستفادته من المسرح الغربي بصفة عامة والمسرح الهولندي بصفة خاصة .
]
أما باقي المخرجين فهم في حاجة ماسة إلى تكوين نظري وتطبيقي في معاهد ومؤسسات التكوين المسرحي والتنشيط الفني.
هذا، وقد ساهم افتقار المنطقة إلى دور الشباب ومعاهد التكوين المسرحي إلى ضعف مستوى المخرجين والممثلين على حد سواء. ولكننا نستثني من هؤلاء الممثلين: فاروق أزنابط وسعيد المرسي ومصطفى بنعلال و نسيم الماحي والطيب المعاش والحسن العباس، والممثلات القديرات كوفاء مراس ولويزا بوستاش وسميرة المصلوحي.
]
وما يلاحظ على المسرح الأمازيغي أيضا انعدام الإمكانيات المادية والمالية ؛ مما يجعل هذا المسرح دائما فقيرا ليس بمفهوم گروتوفسكي، بل بالمعنى السلبي للمسرح الفقير الذي يؤثر على تأثيث الخشبة ديكورا وسينوغرافيا. وهذا الخصاص التأثيثي هو الذي يحط من قيمة المسرح الأمازيغي بمقايسته مع المسارح الأخرى. وبالتالي، فهذا المسرح من الناحية الفنية والتقنية والإخراجية والتشخيصية أقل قيمة وجودة بالمقارنة مع المسرح العربي والمسرح المغربي .
]
فإذا قارناه مثلا بمسرحيات المخرج المغربي محمد البلهيسي أو مسرحيات المخرج عمر درويش أو مسرحيات الطيب الصديقي أو مسرحيات عبد الحق الزروالي أو إذا قارناه بالمسرح التجاري والاحترافي المغربي ، فإننا سنجد تفاوتا كبيرا على مستوى التقني والسينوغرافي وتأثيث الديكور وعلى مستوى التمثيل والتشخيص الركحي.
وعلى الرغم من الدعم الذي يقدمه المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية للجمعيات التي تسهر على تنشيط الفعل المسرحي الأمازيغي، فإن هذا الدعم غير كاف ولا يتناسب مع تكلفة العروض المسرحية، ولا يستطيع أن يساهم في بلورة عمل مسرحي ناضج ،خاصة أن هذا الدعم يخضع لعدة عوائق بيروقراطية ويتسم ببطء الإجراءات في صرف إعانات الجمعيات . لذلك، تيأس هذه الجمعيات التي تسهر على التنشيط المسرحي من هذا الدعم الذي قد يأتي ولا يأتي، و بذلك تتخلى بعد أن تتحلى بصبر أيوب عن دورها التثقيفي والتنويري والإشعاعي داخل منطقة الريف.
]
ومن جهة أخرى، يغدق المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية على بعض الجمعيات الثقافية المقربة أموالا طائلة بكل كرم و سخاء من أجل دعم مسرحياتها الضعيفة ، وهي في الحقيقة لاتستحق أن تدعم أو تمول لهزالة العروض وتفاهة مواضيعها وتردي قوالبها الفنية والسينوغرافية، والسبب في كل هذا يعود إلى انعدام المراقبة الفنية والتقنية الصارمة على العروض المسرحية، وكثرة التدخلات التي يلتجئ إليها المخرجون وأصحاب الجمعيات والوسطاء عند المسؤولين عن إدارة المعهد ، لذلك تستفيد بعض المسرحيات وتقصى الأخرى كما وقع لمسرحية" محاكمة يوغرطة" لمحمد العوفي ، وهي مسرحية شعرية رائعة من حيث المعنى والمبنى.
]
ويشكو المسرح الأمازيغي في منطقة الريف من انعدام قاعة نموذجية للعروض المسرحية تتوفر فيها كل الشروط الفنية المناسبة لإلقاء العروض الدرامية. كما يفتقر هذا المسرح إلى جمهور متذوق واع بدور المسرح وعارف بنظريات الدراما وتقنيات بناء اللعبة الركحية. وغالبا ما نجد القاعات في منطقة الريف خالية من المتفرجين والمشاهدين المتتبعين، وهذا راجع إلى انعدام تقليد ثقافي مسرحي يحافظ عليه بواسطة تنظيم المهرجانات والتظاهرات والندوات واللقاءات المسرحية.
]
وتثير قضية اللغة في المسرح الأمازيغي صعوبة كبرى على مستوى الفهم والتلقي والتقبل، فأغلب المسرحيات تستعمل لغة مسرحية أمازيغية قدحية سطحية تخلو من الشاعرية والرمزية الإبداعية، ويعني هذا أن المسرح الأمازيغي يغلب عليه التقرير والأسلوب الواقعي المباشر وتنقصه الشاعرية الانزياحية الموحية التي لانجدها إلا في نصوص محمد العوفي ومحمد بوزكو وأحمد زاهد.
]