Fati المديــــر العــام
اسم الدولة : فرنسا
| موضوع: ألفونس دي لامارتين الأربعاء يوليو 09, 2008 2:28 am | |
|
من روائع الشعر العالمي .. قصيدة / البحيرة ( بحيرة لامارتين)
--------------------------------------------------------------------------------
البحيرة
ترجمها شعرياً : د.نقولا فيّاض
المناسبة :
هذه القصيدة كتبها الشاعر الفرنسي " الفونس لامارتين " في حبيبته التي صادفها عندما كان في رحلة علاج وهو في السادسة والعشرين من العمر ولمح وهو يتمشى على شاطئ (بحيرة بورجيه) امرأة تدعى جوليا شارل (في الثانية والثلاثين من العمر .. ) وهي تحاول أن تضع حداً لحياتها بعد أن أتعبها المرض وبدأ اليأس يتسلل إلى نفسها .. في تلك اللحظة التي شارفت فيها على الغرق خرجت لها يد "لامارتين" المنقذة .. فتعلقت بمنقذها وأحبته وأحبها , وعندما كان يتنزه وإياها على ضفاف البحيرة , اتفقا على أن يكون حباً روحياً سامياً عن الرغبات الجسدية , ثم غادرها, واتفق معها على اللقاء في العام القادم في مدينة اكس ليبان , وطلبت منه إن هي ماتت قبل أن تراه أن يرثيها بقصيدة من قصائده .. وهذا ماحصل , لقد ماتت قبل أن يراها في العام التالي بسبب المرض ، فأوفى بطلبها وخلد اسمها فرثاها بهذه القصيدة التي كانت ومازالت من روائع الشعر العالمي . كما رمز لها بـ(الفيرا) في الرواية التي كتبها باسم (روفائيل) , وفي تلك الرواية تخيل صديقاً له اسمه روفائيل بدلاً من أن يذكر أنه المعني بهذا , وأطلق على جوليا "ألفيرا " حتى لا يعلم أحد بعلاقة الحب التي جمعتهما .. بل إنه سمى ابنته على اسم جوليا شارل , وفي رواية روفائيل يذكر أن هذا الصديق مات وترك مخطوطاً ذكر فيه كيفية تعرفه على ألفيرا وكيف قام بإنقاذها من الغرق .. ووقوعه في حبها .. ويصف الصراع بين الرغبة الجسدية والوصال وبين الطهارة التي تتسامى على تلك الرغبات ..
القصيدة :
ترجمت هذه القصيدة عدة مرات الى العربية من قبل أساتذة متضلعين في الترجمة , ومن أبرز تلك الترجمات وأشهرها هذه الترجمة التي أنقلها لكم والتي ترجمها الدكتور (نقولا فياض) عن اللغة الفرنسية الأم , وترجمة (فياض) في نظري مفعمة بالرقة والعذوبة , وإن كان البعض يرى أنه اضطر بسبب القافية او الضرورة الشعرية الى استخدام المفردة غير الشعرية في عدة مواطن , ومعلوم أن الشعر عندما ينقل من لغة إلى أخرى فلابد أن يفقد بعض ألقه وتوهجه وروحه الخالصة التي نسجت باللغة الأم . والآن أدعكم مع هذا النص الذي يصور فيه الشاعر ذكرى حبه القصير الذي لم يجد بعده سوى الوحدة التي راحت تفترسه بلا رحمة، فراح يستذكر أيامه الخوالي ويرثي حبيبته الأثيرة .
أهكـذا أبــداً تمـضـي أمانيـنـا
نطوي الحياةَ وليلُ المـوت يطوينـا
تجري بنا سُفُـنُ الأعمـارِ ماخـرةً
بحرَ الوجـودِ ولا نُلقـي مراسينـا؟
بحيرةَ الحـبِّ حيّـاكِ الحيـا فَلَكَـمْ
كانـت مياهُـكِ بالنجـوى تُحيّينـا
قد كنتُ أرجو ختامَ العـامِ يجمعنـا
واليـومَ للدهـر لا يُرجـى تلاقينـا
فجئتُ أجلس وحدي حيثمـا أخـذتْ
عنـي الحبيبـةُ آيَ الحـبّ تَلْقينـا
هـذا أنينُـكِ مـا بدّلـتِ نغمـتَـهُ
وطـال مـا حُمّلـتْ فيـه أغانينـا
وفوق شاطئكِ الأمواجُ مـا برحـتْ
تُلاطم الصخرَ حينـاً والهـوا حينـا
وتحت أقدامها يا طالَ مـا طرحـتْ
من رغوة الماءِ كفُّ الريـحِ تأمينـا
هل تذكرين مسـاءً فـوق مائـكِ إذ
يجري ونحن سكوتٌ في تصابينـا؟
والبرُّ والبحـر والأفـلاكُ مصغيـةٌ
مَعْنا فـلا شـيءَ يُلهيهـا ويُلهينـا
***
عدل سابقا من قبل Fati في الأربعاء يوليو 09, 2008 2:34 am عدل 1 مرات | |
|
Fati المديــــر العــام
اسم الدولة : فرنسا
| موضوع: رد: ألفونس دي لامارتين الأربعاء يوليو 09, 2008 2:31 am | |
|
إلا المجاذيـفُ بالأمـواجِ ضاربـةً
يخـالُ إيقاعَهـا العشّـاقُ تلحينـا
إذا برنّـة أنغـامٍ سُـحـرتُ بـهـا
فخِلـتُ أن المـلا الأعلـى يُناجينـا
والموجُ أصغى لمن أهوى، وقد تركتْ
بهـذه الكلمـاتِ المـوجَ مفتونـا :
يا دهرُ قفْ، فحـرامٌ أن تطيـرَ بنـا
من قبـل أن نتملّـى مـن أمانينـا
ويا زمانَ الصِّبا دعنـا علـى مَهَـلٍ
نلتـذُّ بالحـبِّ فـي أحلـى ليالينـا
أجبْ دعاءَ بني البؤسى بأرضـكَ ذي
وطرْ بهم فهمُ في العيـش يشقونـا
خُذِ الشقـيَّ وخـذْ مَعْـه تعاستَـهُ
وخلّنـا فهنـاءُ الـحـبِّ يكفيـنـا
هيهات هيهات أن الدهرَ يسمع لـي
فالوقتُ يفلـت والساعـاتُ تُفنينـا
أقولُ للّيـل قـفْ، والفجـرُ يطـردُهُ
مُمزِّقاً منـه سِتـراً بـات يُخفينـا
فلنغنمِ الحبَّ مـا دام الزمـانُ بنـا
يجـري ولا وقفـةٌ فيـه تُعزّيـنـا
ما دام في البؤس والنُعمى تصرّفُـهُ
إلى الـزوال، فيَبْلـى وهـو يُبلينـا
تاللهِ يا ظلمةَ الماضي، ويـا عَدَمـاً
في ليلـه الأبـديّ الدهـرُ يرمينـا
مـا زال لجُّـكِ لـلأيـام مبتلِـعـاً
فما الـذي أنـتِ بالأيـام تُجرينـا؟
ناشدتُكِ اللهَ قُولي وارحمـي وَلَهـي
أتُرجعيـن لنـا أحـلامَ ماضيـنـا؟
فيـا بحيـرةَ أيـامِ الصِّبـا أبــداً
تبقيـن بالدهـر والأيـامُ تُزريـنـا
تذكارُ عهدِ التصابي فاحفظيـه لنـا
ففيكِ عهدُ التصابـي بـات مدفونـا
على مياهكِ في صفـوٍ وفـي كـدرٍ
فليبـقَ ذا الذكـرُ تُحييـه فيُحيينـا
وفـي صخـوركِ جـرداءً معلّـقـةً
عليكِ، والشـوحِ مُسْـوَدُِّ الأفانينـا
وفي ضفافـكِ والأصـواتُ راجعـةٌ
منهـا إليهـا كترجيـع الشجيّينـا
وليبقَ في القمر السـاري، مُبيِّضـةً
أنوارُه سطحَكِ الزاهـي بهـا حينـا
وكلَّما صافحتْكِ الريـحُ فـي سَحَـرٍ
أو حرّكـتْ قَصَبـاتٌ عِطفَهـا لينـا
أو فاح في الروض عطرٌ فليكنْ لكِ ذا
صوتاً يُردّد عنـا مـا جـرى فينـا
أحبَّهـا وأحبَّتـه، ومــا سلـمـا
مـن الـردى، رحـمَ اللهُ المحبّينـا
1- كتاب: (حياة محمد) للشاعر الفرنسي لامارتين عن معهد الآداب والفنون العربية في باريس بالتعاون مع دار لارماتان الفرنسية للنشر والطباعة والمجلس الأعلى للثقافة في مصر.
2- رحلة الى الدرعية
3- the life of lamartine : للناقد h. ramsen whiteh house وهو كتاب باللغة الانجليزية والناقد هو متخصص في الادب الفرنسي
( مؤلف هذا الكتاب هو الناقد «ه.ريمسين وايت هاوس» المختص بتاريخ الأدب الفرنسي عموماً وشعر لامارتين والمرحلة الرومانطيقية على وجه الخصوص وفي هذا الكتاب الضخم المؤلف من جزأين والذي يتجاوز الألف صفحة. يقدم الناقد المذكور لمحة تاريخية مفصلة وسيرة دقيقة ومتكاملة عن حياة أول الشعراء الرومانطيقيين الفرنسيين.
ومعلوم أنه سبق فيكتور هيغو بفترة قصيرة إلى تبني الفلسفة الرومانطيقية الآتية من بلاد الشمال الالماني. والانجليزي ولكن فيكتور هيغو غطى عليه فيما بعد عندما تبنى النظرية الشعرية ـ الفلسفية نفسها، بل واصبح زعيمها غير المنازع في فرنسا بفضل غزارة انتاجه وقوة عبقريته وضخامة موهبته الشعرية. ولد «الفونس دولامارتين» عام 1790، أي قبل فيكتور هيغو باثني عشر عاماً، ومات عام 1869، أي قبل فيكتور هيغو بخمسة عشر عاماً على الأقل.
| |
|
Fati المديــــر العــام
اسم الدولة : فرنسا
| موضوع: رد: ألفونس دي لامارتين الأربعاء يوليو 09, 2008 2:36 am | |
| ولكن على عكس هيغو البورجوازي الأصل فإن لامارتين كان ينتمي إلى طبقة النبلاء الفرنسيين، وهي أعلى طبقة في ذلك الزمان. ولذلك نشأ وترعرع في قصر «ميلي» تحت إشراف أمه الحنون التي لم تكن تطلب منه أكثر من أن يكون انساناً حقيقياً وطيباً، لما يقول هو حرفياً.
وبعد أن أكمل دراساته في احد المعاهد اليسوعية، أي التابعة للاخوان المسيحيين، راح يسافر في البلدان لكي يروّح عن نفسه كما يفعل معظم أولاد الأغنياء.وهكذا سافر إلى ايطاليا عام (1811) وبقي فيها حتى عام 1814: أي حتى سقوط النظام الامبراطوري بقيادة نابليون بونابرت وعودة الملك لويس الثامن عشر إلى الحكم ثم راح يهتم بالأدب والشعر وينشر أولى مجموعاته الشعرية عام 1820 تحت عنوان: «تأملات شعرية». وكان عمره آنذاك واحداً وثلاثين عاماً.
والشيء العجيب الغريب هو ان هذا الديوان الأول جعل منه بين عشية وضحاها شاعراً مشهوراً يشار إليه بالبنان. وبعد ثلاث سنوات من ذلك التاريخ اصدر لامارتين مجموعة شعرية ثانية تحت عنوان: تأملات شعرية جديدة. ثم نشر بعدئذ عدة كتب من بينها: موت سقراط، واخر انشودة جحيم للطفل هارولد.
وبعد ان سافر إلى الشرق وتعرف على القدس في فلسطين حيث يوجد مهد المسيح ومقدسات المسيحية عاد إلى أوروبا وأصبح موظفاً في السفارة الفرنسية بمدينة فلورنسا الايطالية. ثم تزوج من فتاة انجليزية بعد عدة قصص حب فاشلة من بينها تلك القصة التي ألهمته قصيدة «البحيرةَ» الشهيرة.
وهي من أشهر القصائد الرومانطيقية في الشعر الفرنسي. وقد ترجمت إلى العربية شعراً عن طريق أحد الأدباء المصريين الكبار. ثم يردف المؤلف قائلاً: وبعدئذ انخرط لامارتين في الحياة السياسية وأصبح نائباً في البرلمان. وقد سحر زملاءه بخطاباته الشاعرية الفياضة المليئة بالعواطف النبيلة تجاه الشعب الفقير. وكان لامارتين خطيباً في الدرجة الأولى.
ثم نشر لامارتين بعد ذلك عدة كتب مهمة نذكر من بينها: رحلة إلى الشرق (1835)، جوسلين (1836)، سقوط ملاك (1838)، خشوع شعري (1839)، الخ. كما نشر كتاباً جميلاً عن تاريخ الثورة الفرنسية التي كانت لا تزال حديثة العهد. والغريب في الأمر أن لامارتين ذا الأصل النبيل والارستقراطي أصبح من كبار مؤيدي الثورة الفرنسية التي اطاحت بطبقة النبلاء الارستقراطيين وامتيازاتهم الضخمة! وقد عارض بشدة الحكم الرجعي للملك لويس فيليب وكان أحد قادة الثورة الشعبية الشهيرة عام 1848.
ثم أصبح عضواً في الحكومة المؤقتة لفرنسا بل وزيراً لخارجيتها، ولكن لفترة قصيرة. وكان من أكبر الداعين إلى إلغاء قانون الرقّ أو العبودية الذي يصيب السود.
ولكن صعود نابليون الثالث على سدة الحكم عام 1852عن طريق انقلاب عسكري وضع حداً لحياته السياسية. فبعد أن أصبح اليمين الرجعي الكاثوليكي في السلطة لم يعد له محل.
وهكذا انطوى على نفسه وراح يكرِّس جل وقته للأدب والكتابة، ولكنه لم يواجه السلطة الديكتاتورية مباشرة كما فعل فيكتور هيغو لأن ذلك كان سيؤدي به إلى القتل أو إلى السجن أو إلى النفي، ولذلك فضّل الصمت والمعارضة السرية غير الناشطة. وقد عاش السنوات الأخيرة من حياته بشكل تعيس وحزين، فقد كان مضطراً للعمل ليلاً نهاراً لكي يستطيع أن يعيش ويأكل الخبز.
وذلك لأنه لم يستغل مواقعه السلطوية لكي يغتني كما فعل الكثيرون، وقد اشتكى في إحدى الرسائل إلى فيكتور هيغو بأنه يخشى أن يصادروا بيته ومكتبه والأثاث لأنه لا يستطيع أن يدفع الفواتير. ثم اضطر تحت ضغط الحاجة الماسة إلى قبول هبة من الدولة عام 1867، وقد عاب عليه المثقفون «اليساريون» ذلك واتهموه بالتواطؤ مع الديكتاتور المستبد نابليون الثالث، ولكن هل كان أمامه خيار آخر؟ وهل يريدون له أن يموت في الشارع وهو أحد أشهر شخصيات فرنسا في ذلك الوقت؟
مهما يكن من أمر، فإنه مات مغموماً ومهموماً بعد ذلك بسنتين فقط، ورفضت عائلته تنظيم جنازة وطنية له خوفاً من أن تستغلها السلطة لمصلحتها. هذا هو باختصار شديد ملخص حياة لامارتين. والآن ماذا عن أعماله ومنجزاته الشعرية والفكرية؟
يمكن القول إن مجموعته الشعرية الأولى «تأملات شعرية» دشّنت الشعر الرومانطيقي في فرنسا وأغلقت المرحلة الكلاسيكية، فقد بدت وكأنها صادرة عن الأعماق، أعماق القلب الحساس.
وهنا نجد تأثر لامارتين واضحاً بجان جاك روسو، ولكن من هو الأديب الفرنسي الذي لم يتأثر بروسو؟ ومعلوم أن غوته كان قد قال عنه هذه العبارة: فولتير أغلق عصره، وروسو دشن عصراً جديداً. فولتير ينتمي إلى الماضي وروسو ينتمي إلى المستقبل.
وبالتالي، فالرومانطيقية خرجت من معطف روسو وحساسيته الإنسانية والعاطفية الزائدة عن الحد.
ومعروف مدى حب روسو للطبيعة وتغنّيه بجمالها. وهنا نلاحظ وجه شبه كبير مع لامارتين، فهذا الأخير تغنّى بالطبيعة وفصولها كما لم يفعل أي شيء آخر. ويكفي أن نفتح دواوينه لكي نرى كيف يتحدث عن الربيع أو الصيف أو الخريف في قصائد شجية ورائعة، والخريف هو أحد موضوعاته المفضلة.
ثم يردف المؤلف قائلاً: «ولكن الطبيعة لم تكن مستهدفة بذاتها أو لذاتها في شعر لامارتين. وإنما كان يستخدمها الشاعر كمرآة لروحه. فإذا كان حزيناً فإنه يتعزّى عن حزنه بالتحدث عن فصل الخريف وسقوط أوراق الشجر.
وإذا كان فرحاً يتحدث عن فصل الربيع وانعكاساته عليه، وعندما كانت تؤرقه قصة حب كان يختلي بنفسه في حضن الطبيعة، أو على شاطئ بحيرة. ومعلوم أن الفتاة التي أحبها في مطلع شبابه كان يلتقي بها هناك في أحضان الطبيعة.
ثم ماتت بمرض السل ولم يتحقق حلمه بالزواج منها. وقد حفر ذلك في أعماقه جرحاً لا يندمل. وعن هذا الجرح نتجت قصيدة «البحيرة» الشهيرة، فقد كانا يلتقيان على ضفافها قبل أن تموت وعندما كان الحب في أوله». ثم يردف المؤلف قائلاً: «ومن خلال الطبيعة يتحدث لامارتين عن الحب ويتحدث عن هروب الزمن وتفرق العشاق وخيانة الأقدار. فالحياة لا ترحم وكثيراً ما تهدم اللذات وتفرق الجماعات وتفصل بين المحبين.
والواقع أن لامارتين كان يعتبر الشعر بمثابة العزاء في عالم لا عزاء فيه، إنه عزاء للقلوب الجريحة، للمحب الذي فقد حبيبته لسبب أو لآخر، للإنسان الذي تراكمت عليه الهموم. ولهذا السبب فقد كان لامارتين يترك العاصمة باريس ويخرج إلى الأرياف والوديان والجبال لكي يلقي بنفسه في أحضان الطبيعة لعلها تعزّيه وتواسيه، بهذا المعنى فقد كان يمثل النموذج الأعلى للشاعر الرومانطيقي.
فكلما أصيب بمصيبة أو أطبقت على روحه الآفاق المظلمة، لجأ إلى الطبيعة، أمنا الحنون، وهناك كان يرى إلى أوراق الشجر وهي تتساقط في الخريف وكأن عمره هو الذي يتساقط قطعة، قطعة، وورقة ورقة من خلالها أو معها». يُضاف إلى ذلك أن لامارتين ينتمي إلى ذلك الجيل الفرنسي الذي عاش أكبر زلزلة وأكبر تمزق في التاريخ، قصدت بذلك الثورة الفرنسية،
وبالتالي فقد كان ذلك الجيل مهزوزاً لأنه شهد موت عالم بأسره ونهوض عالم جديد على أنقاضه، ولكن المشكلة هي أن القديم لم يكن قد مات فعلاً بعد، والجديد لم يكن قد وُلد فعلاً بعد. وبالتالي فهو عصر مترجرج، قلق، مليء بالآلام والنزيف الداخلي الحاد.
وقد عبّر عن ذلك كل أدباء القرن الكبار من شاتوبريان، إلى الفريد دوموسيه، إلى جورج صاند، إلى آخرين عديدين.
كلهم كانوا مصابين بمرض العصر، مرض عظيم يتجاوزهم جميعاً ولا حيلة لهم به. وبالتالي فقد حاولوا التعبير عنه بأشكال شتى لكي يستطيعوا التخلص منه أو الترويح عن أنفسهم على الأقل. ضمن هذه الظروف التاريخية والسياسية ازدهرت الحركة الرومانطيقية في فرنسا وبقية أنحاء أوروبا، وبالتالي فقد كانت تعبّر عن مزاج تاريخي وحساسية معينة.
لقد كانت تعبر عن مجتمع معدوم في أعماقه ومجروح في روحه بسبب كل الانقلابات والهزات التي تعرض لها. لقد عبر لامارتين عن كل ذلك من خلال شعر غنائي مؤثر وصل أحياناً إلى حدود الفلسفة أو تخومها. فالشعراء الفرنسيون آنذاك كانوا شعراء فقط، وإنما كانوا سياسيين أيضاً ومفكرين وفلاسفة وكل شيء.
وهذا ما ينطبق على فيكتور هيغو أيضاً الذي كتب الرواية والشعر والمسرحية والمؤلفات الفلسفية والسياسية. كان الشاعر آنذاك مسؤولاً عن العصر، عن مرض العصر، عن حل مشكلة المجتمع والعصر.
الكتاب : حياة لامارتين
الناشر: كيسنغر بوبليشنغ نيويورك 2005
الصفحات: 1052 صفحة من القطع المتوسط
The Life Of Lamartine
H. Remsen White House
Kessinger Publishing - New York 2005 | |
|