المال وأثره على النساء والرجال ((سيكولوجية المال)) - حميد لفته
البخل والبخلاء.........(3)
البخل /
((هي صفة تنطلق على من يملك المال ولا ينفق منه حين يستوجب الإنفاق
نفسه أو أسرته أو أصدقائه وأقربائه ، وصفت البخل انطلقت على الأغنياء لامتلاكهم المال ولا تنفق على الفقراء ، وصفة البخل الرجال والنساء على حد سواء ، وتمتد ظاهرة البخل لتجاوز البخل بالمال إلى البخل بالانفعالات العاطفية والوجدانية وقد عرف ادم زيدان البخيل ( هو من يملك المال وسيلة قدرة على الإنفاق لكنه يعطل عن عمد وقصد تلك القدرة يمتنع عن الإنفاق )) (24).
وفي مقولة للإمام علي (ع) في وصف البخل (( عجبت للبخيل يستعجل الفقراء الذي منه هرب ، ويفوته الغنى الذي أباه طلب ، فيعيش في الدنيا عيش الفقراء ، ويحاسب في الآخرة حساب الأغنياء ))(25)
حيث يصبح الحصول على المال واحتباسه الهم الأول الذي لا يعلوه هم أخر فيغرق في هوس الثراء ، فيصبح المال غاية وليست وسيلة ، وبذلك يتحكم فيه المال ويستعبده وليس العكس .
وقد أشار الدكتور أكرم زيدان إلى أنواع عديدة من البخل والبخلاء فهناك بخل الحرص والتدبير _ والذي غالبا ما غير سلوك صاحبه بالحرص الفريد على المال خارج أسرته فيما هو ينفقه بشكل جيد على أسرته .
بخل الوهم والخداع ، وهذا البخيل هو من لا يشعر الفرد به ويظنه تصرف طبيعي ولا يخرج عن المألوف .
بخل الحسد:-
***********
وهذايعتمد الظهور بمظهر البائس الفقير بعدم امتلاكه للمال تحاشيا لحسد الآخرين ، نظرا لإيمانه بالحسد والخوف من ترصد الآخرين له ولثروته وحجبها عن العيون ، فهو لا يثق بالناس مهما كانت علاقته بهم ولا يرى فيهم غير متربصين به وبثروته .
بخل المحافظة :-
وهذا النوع من البخل من ينظر إلى مشروعيته امتلاك الآخرين لمال وثروة تزيد على ثروته فمن يمتلك أكثر منه إنما هو حق مغتصب من حقوقه لابد من استرجاعه فهم والتفوق على الجميع من حيث امتلاك الثروة والمال (( أن نمتلك شيئا فهذا حقك ، إما أن يكون أكثر مني فذاك حقي ))(26) ويمتاز هذا النوع في الدقة في المواعيد والالتزام بالاتفاقات وخصوصا المالية ، ومن خواصه الطريفة شغفه بامتلاك وتخزين المواد والسلع التافهة التي يزهد بها الآخرون ويكدسها ظنا منه إنها تخزن في ذاتها قيمة كبيرة ستعود إليها في يوم من الأيام القادمة .
ويعزي هذا السلوك لهذا النوع من البخلاء كنتيجة لحرمانهم ما يتمنوه في طفولتهم لأي سبب من الأسباب ، فيرون في هذا الاكتناز تعويضا لما فات.
البخيل الانفعالي :
***************
ويرى علماء النفس والاجتماع إن ظاهرة البخل لا تتوقف عند البخل بالمال وإنما ما هو اخطر من ذلك امتدادا إلى حيز المشاعر والعاطفة والوجدانية حيث يقول الدكتور أكرم زيدان (( قلما نجد بخيلا انفعاليا يتألم مع المتألمين أو يبكي مع الباكين أو حتى يبتهج مع المبتهجين ، فالبخل الانفعالي أناني الطبع ،نرجسي الشخصية ولاستطيع أن يشارك الآخرين كذاتهم ونادرا ما يشعر بالشفقة نحو الآخرين ... وبذلك تكون الشفقة المرغوبة من قبل البخيل انفعاليا هي ضرب من ضروب الإذلال والمهانة للأخر، لأنه لا يتعاطف مع الآخرين إلا لكي يتوهم بأنه الأقوى وهم الأضعف والأدنى والأقل )(27).
وكم تبدوا العلاقات بين الناس جافة وباردة وكريهة حينما يكثر هذا النوع من البخلاء في المجتمع ، أو يبتلى شخص بهذا النوع من الناس في علاقاته ومحيطه الاجتماعي ، حيث يضاعف تصرفهم هم المهموم ومصيبة المصاب وألم المتألم بدل أن يهبوا لنصرته وتخفيف آلامه وجزعه ومصابه .
هذه النماذج لا تحسن غير توجيه اللوم والتقصير وقلة التدبير و خطل التفكير لمن يتعرض لكارثة أو أذى وخسارة مالية ضاربين المثل بأنفسهم وكيف يملكون من القدرة والحنكة ومن التدبير ما يحصنهم ويجنبهم التعرض إلى المصائب والمحن والكوارث . وهم يجيدون لغة المؤانسة والمجالسة الا فيما يعلي من شانهم ويحط من قيمته وكرامة غيرهم فهم بخلاء في الكلمة الطيبة ناهيك عن الفعل الخير ، بخلاء في المعلومة والنصيحة فلكل ذلك عندهم ثمن لا يمكن التفريط به دون استلام المقابل المالي له ففراقهم نعمة وجفائهم رحمة ومعرفتهم نقمة.
الخصائص النفسية للبخلاء :
************************
يوصف البخلاء بأنهم (( شديدو الذكاء والمكر والخداع والكتمان ، يتظاهرون بالفقر والحاجة حاقدون حاسدون ) ) أكرم زيدان.
وقد يصف البعض البخلاء إنهم من يتناولون الطعام بشراهة وبكثرة في الولائم والعزائم وعندما يقدم إليهم بينما يشحون به ويكفون عن تقديمه للآخرين ويوصفون بذي الوجوه الصفراء القبيحة والملابس الرثة والسكن الوضيع لا زهدا وتواضعا ولكن حرصا على المال ، فهو يعد على منخريه أنفاسها وبعد على عينه نظراتها وبعد على قدميه خطواتها إن لم تكن جالبة للمال والمنفعة المادية ، لإمكان عنده للجمال والكمال وأي فعل ذو شان ووصف معنوي فلا معنى لديه للتضامن والتعاون ناهيك عن التضحية والإيثار .
ومما يجذب الالتفات إليه هو محاولة الثقافة الرأسمالية في عصر العولمة غرس هذه القيم والسلوكيات عند الأفراد تحت دعاوي البراغماتية الفجة وعزل الفرد بمجتمعه ومحيطه غير تبذير الذات الانسانية ونذير المجتمعات والكيانات في العالم مضطرب تهيمن عليه النفعية واللهاث وراء المال والمال فقط .
ولنا من مثال ( الموبايل ) الهاتف المحمول مثلا إذ أصبح يعد عليك الثواني والدقائق وأنت تتحدث أو تستمع ليعطيك فاتورة وثمن استفسارك عن صديق أو الاطمئنان على حال أو تلقي جواب السؤال فكل شئ ثمن _ مال _ وبدون المال يتعطل كل شيء ، فمهما بلغت رفعتك وعلا شانك العلمي والمعرفي والاجتماعي لايستجيب لك((الموبايل)) حتى وان كان حديثك سينقذ الكرة الأرضية من الهلاك دون إن تعبئه برصيد مالي يغطي ثمنا لمكالمة مما أشاع ظاهرة((الترميش)) كعلاقة تواصل بين الناس بعضهم بعض عندما لاتكون ذات مردود مالي عوضا عن الحديث الحميم.
وفي هذا المجال يذكر أبو عبد الرحمن الثوري (إنما صار تأويل الدرهم((دار الهم)) ،وتأويل الدينار ((يدني إلى النار)) إن الدرهم إن خرج إلى غير خلف والى غير بدل صار دارا للهم،وكذلك الدينار فانه إذا انفق من غير خلف فانه يكون اقرب إلى النار)) (29)
خامسا:- يتميز البخيل بعدم تحمل المسؤولية في أي شان من شؤون الحياة العامة والخاصة ما عدى مايو فر له المال والكسب المالي ،فهو يهرب ويتهرب من أية مسؤولية قد ينتج عنها تبعات مالية.
وعلينا إن ندرك مدى خطورة الأمر لو شاع هذا السلوك بين أفراد المجتمع الذي يتطلب من أفراده العفة والتضحية والإيثار دفعا لعدوان خارجي أو استبداد داخلي قد يصل حد التضحية بالمال والملك والنفس ومن إفرازات الواقع نرى ضعف وعدم جماهيرية الحركات السياسية والاجتماعية في عراق اليوم التي تترفع على الهبات والمكارم والعطايا المشروطة من دول وحكومات تحاول إن تفرض سيادتها على الشعب وتنهب ثرواته وخيراته وتكريس هيمنتها وسيادتها عليه، ومن الأمثلة المؤلمة في هذا المجال إن تحول منظمات المجتمع المدني الذي يفترض إن تكون منظمات ينتمي إليها الإفراد بشكل طوعي ويساهمون في ماليتها ونفقاتها من دخلهم الخاص لخدمة هدف عام ومبادئ يؤمنون بها، تحولت إلى منظمات نفعية ووسائل كسب وارتزاق تحت يافطة هدف أنساني عام. وهذا أشاع قيم الفساد والرشوة والأنانية على القيم الاجتماعية الايجابية .
سادسا؛- السلوك ألاجتنابي:- وهو بالتأكيد احد نتائج البخل وحب المال وتجنب كل مايؤدي إلى إنفاقه؟،وبالتالي تدفع الفرد إلى تجنب والابتعاد عن إقامة العلاقات الاجتماعية العامة ويؤدي إلى الشك والريبة والاجتناب والى العدوانية أحيانا تجنبا لأي اثر مالي وان كان ثمن ذلك قطيعة مع الأخر((فأصبح اللاشعور لديهم هو حديث المال والرغبة هي اجتناب الأخر))(30).
وكما يقول ماركس(للاحتفاظ بالمعدن الثمين، وحفظه في حالة النقد،وبالتالي حفظه للتكنيز لايجب منعه من الرواج أومن ينحل ،كوسيلة للشراء،إلى وسائل للمتعة،فالكنز –يضحي-إذن- لهذا الوثن الفيتشي، بجميع ميول جسده) (31).
ولو فتشنا عن الأسباب الكامنة وراء البخل لوجدنا إن سلوك احد الوالدين أو كليهما واتصافه بأحد صنوف البخل والتقتير سينعكس بشكل سلبي على عموم الأسرة وخصوصا الأبناء ويطبعهم بطابع البخل والتقتير ويورثهم هذا السلوك المذموم الذي قد يؤدي في حالات كثيرة إلى تفكك الأسرة وفتور العلاقات الأسرية بين أفرادها لأنها ستكون مبنية على النفع والكسب المادي والمشاعر والأحاسيس والعواطف الانسانية التي تبنى عليها الأسرة،وقد يؤدي هذا السلوك إلى انحرافات خطيرة من قبل احد الوالدين أو كليهما وخصوصا زوجة الرجل البخيل وأولاده وبناته ولم يتطبعوا بطباعه ويقف بخل رب الأسرة دون تحقيق طلباتهم وحاجاتهم الضرورية .
من كل ماتقدم نستطيع أن نخلص إلى إن البخل ينعكس سلبا على نفسية البخلاء وأسرهم ومجتمعهم ويتنافى مع قيم ومفاهيم المجتمع السليم.
إما البخلاء أنفسهم فيبررون نهجهم وبخلهم بمبررات وادعاءات زائفة لا تصمد أمام المناقشة وقوة البرهان الذي يثبت خطلها وزيفها ومن تصورات البخلاء:-
*أنهم يرون في المال القوة القاهرة التي يمكن إن تصنع المستحيلات مما يبرر البخل والتقتير.
*ومنهم من يرى انه إنما يسلك سلوك "الزهاد والأتقياء"وتمثل خصائصهم وهو ادعاء باطل شكلا ومضمونا فالزهاد والأتقياء لا يمسكون على مال ولا يحزنون على مال ولا يخزنون ذهبا ولا غلال كما هو حال البخلاء-حيث تمكنوا من السيطرة على غرائزهم في حب المال والملبس والمسكن والأكل خدمة للصالح العام وزهدا في المال لأجمعه وكنزه.وكما يقول عمر بن عبد العزيز (إن هذه الأمة لم تختلف في ربها ولا في نبيها ولا في كتابها وإنما اختلفت في الدينار والدرهم) (32).
*ويبرر البعض فعل البخل من اجل أبناءه ومستقبلهم في الوقت الذي حرمهم من ابسط الحقوق والاحتياجات الضرورية؟؟!! ويتساوى في هذا الفعل والسلوك من له أبناء ومن ليس له أبناء مما يبطل ويدحض هذه الحجة.
وقد يسوقون لك العشرات من الذرائع والحجج لإقناع أنفسهم المريضة وإقناع منتقديهم بصواب تصرفاتهم وسلوكياتهم.
من طرائف البخل والبخلاء:-
هناك مثل اطمع من أشعب وحكايته
( رأى سلالا يصنع سلة فقال له:-
أوسعها.
قال:-مالك وذاك؟
قال:- لعل صاحبها يهدي لي فيها شيئاً!!!)(33)
ويروى إن بخيلا سئل الناس هل يوجد من هو أكثر منه بخلا فأجابه الناس بنعم وأدلوه على اسم وسكن هذا البخيل.
فقصده ووقف عند بابه وعندما طرق الباب خرج إليه الشخص المقصود بعد إن أغلق الباب خلفه وقد كانت إحدى عينيه معصوبة وعندما سأله متأسفا على ما حصل لعينه من الأذى رد عليه:-
إن عينه معافاة ولكنه اثر أن لا يستخدم كلتا عينيه إلا في عد المال وجمع الغلال والتهام طعام الولائم؟؟!!
عندها ه قفل الرجل عائدا إلى داره معترفا بعلو منزلة زميله متوجا على رؤوس البخلاء؟؟؟
وهناك الكثير من القصص والحكايات والطرائف عن البخل والبخلاء حفل بها كتاب الجاحظ وغيره