النص الأول.. الفخ الأخير - الخير شوار
ما يعاب على الكثير من الأعمال الفنية الدرامية، تلك النمطية والتشابه في الأجواء والبناء، وكأنها عمل واحد.
فقد يصاب المتلقي بدهشة عندما يرى عملا فنيا من هذا النوع أو ذاك لأول مرة، لكنه سرعان ما يشعر بالملل عندما يداوم على متابعة النوع الفني نفسه.
وتعدى هذا المرض الذي تعاني منه الدراما التلفزيونية ويعاني منه المسرح والسينما وبعض الفنون الأخرى، إلى الكتابة الأدبية، فالكاتب يجد نفسه بعد تجربة طويلة أو قصيرة "يكافح" في سبيل الخروج من القوقعة التي يدخله فيها العمل الأول.
ورغم وعي الكثير من الكتّاب بهذه المشكلة، إلا أن التخلص منها قد يحتاج إلى معجزة، فلا عجب أن اعتبر البعض إنتاج ذلك الشاعر في مجمله قصيدة واحدة متعددة الأشكال، طالما أن القاموس واحد والنظرة واحدة والأجواء واحدة. ولا عجب أن رأينا مثلا كتابات إبراهيم الكوني الروائية من "التبر" إلى "المجوس" و"نزيف الحجر"، إلى أعمال سردية أخرى وكأنها رواية واحدة، تمتد في مجلدات، تدور في فلك واحد هو عالم الصحراء الخرافية. ولا عجب أن اختلطت الأمور على قارئ رشيد بوجدرة، وهو يقرأ مجمل أعماله، اللهم إلا إذا استثنينا بعض الأعمال مثل "الحلزون العنيد" و"ضربة جزاء" التي كانت تجارب خاصة وختلفة في سياقه السردي، وخارجة عموما عن السياق العام الذي كتبت فيه مجمل أعماله.
يقال أن الكاتب يؤلف قصة واحدة، ويعيد صياغتها في المرات التالية، ويستوي في ذلك المكثرون والمقلّون، بعضهم يدور في فلك الدهشة وبعضهم في فلك العدم والآخر في الغربة وهكذا. وفي هذا السياق سئل الكاتب الأمريكو لاتيني غابريال غارسيا ماركيز عن الموضوع الذي يسيطر عليه ويتواتر في كتاباته، فقال بصراحة أنه منذ النص الأول، كان يكرر الكتابة في موضوع واحد هو "العزلة"، وتظهر العزلة في كتابات ماركيز ابتداء من العناوين المتشابهة"الكولونيل لا يراسله أحد"، "مائة عام من العزلة"، "خريف البطريرك". كل أبطال رواياته كانوا في عزلة، فهل كتب ماركيز في الحقيقة رواية واحدة؟، وإن كان الأمر كذلك، لماذا يتعب نفسه في كل مرة ويبقى في "عزلة" قد تدوم سنوات ليخرج لنا تنويعة جديدة لروايته الأبدية؟
أعتقد أن الذين يتناولون الموضوع بهذه الطريقة يقولون "كلمة حق يراد بها باطل"، فالكاتب الحقيقي يستحيل عليه أن يحدث قطيعة راديكالية بين كل عمل وآخر، لكنه يجتهد قدر المستطاع من أجل ألا يعيد نفسه، وهذا هو وجه الصعوبة في العملية الإبداعية التي تجعل الفنان الحقيقي يصنع المعجزات وهو محصور في تلك الزاوية الضيقة.