حقائب - د.حنان فاروق
أخيراً حصلت عليه..مفرش السرير المطرز الذى كدت أجن به منذ أكثر من عشرين يوماً..كنت أمر من أمام نافذة عرضه يومياً وأنا أمني نفسي
براتب الشهر الجديد لأقتنص هذا الكنز الثمين قبل أن يختطفه غيري..حملته إلى منزلى وما أن انفردت به فى غرفتي حتى احتضنته وبسطته فوق فراشي..وقفت أتأمله مسحورة أتخيله محتضناً سريري هناك..يالجماله.. أمتعت عيني ثم طويته فى حافظته ووضعته بعناية فى حقيبة السفر..تنهدت تنهيدة طويلة..مضى من هذه السنة ستة أشهر ومازال أمامي أربعة أخر قبل إجازتي السنوية..الأيام تزحف فوق الأشواك لتأخذني إليها لا أدرى لم؟ الغريب أنها هناك تقذف بي في دوامة لاتنتهي إلا وأنا مصلوبة على شجرة غربتى الذابلة من جديد …أنظر في ساعتي..موعد درس ابني الخصوصي …أسمعه يتحرك فى غرفته..يبدو أنه يرتدي ملابسه..(أتريدين شيئاً ياأمي؟)..( لا حرمنى الله مـ…..ماهذا؟لماذا ترتدى هذه السترة؟ أما قلنا أنها ليست لهنا بل لهناك..ادخل بدلها بسرعة وضع هذه فى حقيبة الملابس)..ينظر إلىّ متبرماً ثم يدخل غرفته..أتابعه بعيني..يخلع السترة بعصبية ويلقي بها على السرير ..ينتزع القديمة من فوق شماعتها ويرتديها…(أما قلت ضعها فى الحقيبة؟)..يختطفها كأنه فى معركة..يطويها غيظاً ثم يلقي بها فى الحقيبة ويخرج صافعاً وجه الأرض ..أهز كتفي..أسمع مفتاح الباب يدور..اتجه إليه..يدخل زوجي تزدحم الأكياس بين يديه..أخفف عنه أحماله..يناولنى أحد الأكياس قائلاً: (ماكينة القهوة التى كنا نريدها..وجدت عليها عرضاً رائعاً اليوم فاقتنصتها)..يتهلل وجهي ..أفتح العلبة لأتأكد من مكان الصنع..نعم هي..(ضعيها فى حقيبة الأجهزة)..الحمد لله أنهينا أجهزة المطبخ ولم يعد ينقصه شيء..أغلق العلبة وأضعها بعناية فى الحقيبة..من الغرفة المجاورة يرتفع صوت زوجي (لاتنسي زيارة المساء لصديقنا وأسرته فقد خرج من المشفى اليوم)..هززت رأسي..(أتسمعيننى؟)..(نعم نعم..إن شاء الله) لم يكن بي رغبة للخروج لكن ما باليد حيلة..تكومنا فى السيارة وانطلق زوجي مسرعاً..فجأة..دوى صوت ارتطام هائل و……………………..
فى أحد الصباحات فتحت عيني..نظرت حولي فوجدتني فى بيتى الذى هناك..(متى عدت؟)..آه..الارتطام..فقدت الذاكرة وعادت لتوها على مايبدو..الجريدة الملقاة بجانبي على الفراش تراود فضولي عن نفسه..مددت يدي..سحبتها..حاولت أن اقرأ تاريخها لكن عينيً خانتانى..تركتها بلامبالاة..انفتح باب الغرفة..دخلت أختى بهدوء وأغلقت الباب خلفها..لأول مرة ابتسم منذ فتحت عيني..أردت القفز من الفراش لأعانقها لكني لم أستطع..لم تلتفت هي إلي كأنها لاتراني..فتحت خزانة الملابس..(لماذا تعبث بأشيائي؟) لابد أنها تريد أن تبدل لى ملابسي..أخرجت صفاً من الأكياس وضعتها فوق بعضها البعض..ثم خرجت..فى الخارج سمعت أصواتاً محتدة..أرهفت السمع لأفهم مايقال: (لماذا أخذت ِ هذا المفرش؟ألم يكفك ما أخذت؟.. إنه ليس من حقك..أتعرفين قيمته؟)..(سآخذه بلا جدال)…
ماهذا الجنون..فقط لو أستطيع النهوض من هذا السرير اللعين ..هل يقتسمون أشيائى أمام عينى..ينفتح باب الغرفة بعنف..تدخل أخت زوجي..تبحث فوق المكتب وفى خزانة الأوراق وفوق التسريحة وفى الأدراج..(لا أجد الورق يايحيى)….يدخل زوجها بعصبية…ماهذا أغرفة نومي هذه أم الشارع..(ألم أقل لك أنها على الرف الأعلى فى الخزانة؟)..قالها بضيق..وضع نظارته الطبية على عينيه وأعاد فحص الأوراق..حتى النطق لا أستطيعه..لو أستطيع فقط أن أئن..أن أنبههم لوجودي …
(لماذا لم يأت الباقون حتى الآن؟؟ أمتفرغ أنا لهذا الإعلام أم ستنتظرنا المحاكم حتى المساء؟)
ربتت على كتفه تهدىء من غضبه:
(بالتأكيد هم فى الطريق……
هل أعد لك بعض القهوة….بالمرة نجرب الماكينة ..ولو أنى لا أحب إلا القهوة التركية)..
د.حنان فاروق