الختم - هيثم محسن الجاسم
( 1 )
كان للملك اورنمو ختمان ، الأول مستطيل متوسط الحجم مستعمل لختم الألواح الطينية الخاصة بالقوانين والعقود .
والأخر أسطواني صغير الحجم ، يستعمل لختم الرسائل والكتب الرسمية بينه وبين الأمراء أو بينه وبين ملوك الإمارات السومرية مثل لكش واوما والوركاء .
أعتاد الملك السومري أورنمو حفظ الأختام في المعبد ( الزقورة حالياً ) ويتعهد الأختام بالحفظ الكاهن الأكبر. عندما تعرضت أمارة لكش لهجوم من العيلاميين . كتب الملك رسالة إلى أميرها وحتى يذيل الرسالة بأسمه، طلب الختم الأسطواني .
تأخر الكاهن في الحضور . أرسل الملك بطلبه ، كان الكاهن مشغولاً بالبحث عن الختم الأسطواني ، لما عجز عن العثور عليه ، ارتعدت فرائصه وأصفر وجهه وتقلصت أطراف يديه من الخوف وأزداد خوفاً عندما شاهد خادم الملك واقفاً عند باب المعبد يستعجله بالقدوم .
لما يأس من العثور على ختم الملك الأسطواني . سار بخطوات راجفة خلف الخادم الذي يستحثه على الإسراع بينما الكاهن يتمتم داعياً الالهه أن تقف إلى جانبه وتنقذه من المأزق .
كان الملك يمسك بالصولجان ويحركه بين قبضتيه ونظراته مصوبة نحو باب القصر ، فارق الخادم كاهن المعبد عند الباب . تقدم الكاهن نحو الملك ضاماً يديه فوق صدره وأنفاسه الساخنة تلهب شفتيه الجافتين المصفرتين كورق الخريف .
وقبل أن يسأل الملك عن الختم . جثم الكاهن على ركبتيه أمام الملك متوسلاً مترجياً .
ذهل الملك من تصرف الكاهن الغريب . وقال الملك باستغراب : ماذا هناك ؟ ..
أين الختم الأسطواني ؟
قال الكاهن بصوت كالصفير : سأعثر عليه يا مولاي .. لن تغرب الشمس إلا والختم موجود .
دخل العيلاميون لكش ولم يعثر الكاهن على الختم .
( 2 )
استعان مالوان ببعض اللصوص في البحث والتنقيب عن الكنوز السومرية في أور .
كان أحد اللصوص يدعى جاك روبرتسون يقلب الرقم الطينية ويبعثرها خارج المعبد . وبينما هو يفعل ذلك عثر على مجموعة من الأختام الأسطوانية والمربعة والمستطيلة الشكل . التقط ختماً أسطوانياً أسود مصنوعاً من الحجر الجيري وكان يحمل أسم الملك أورنمو . دسه في جيبه ولم يخرجه أبداً .
( 3 )
كنت جالساً مع صديق لي متخصص في الآثار في أحد المزادات في لندن . عرفنا من الإعلان الخاص بالمزاد أن بعض القطع الأثرية الثمينة التي تعود إلى سلالة أور الثالثة ستباع في المزاد عرفنا أيضا ان القطع الأثرية المعروضة في المزاد تعود إلى عائلة روبرتسون الذي توفاه الأجل وقررت عائلته بيع التركة لتقسيم أثمانها بين الوارثين .
حضرنا إلى المزاد في الوقت المحدد . كان صديقي على اطلاع تام بالحضارة السومرية وحتى أطروحته للتخرج كانت عن النظم والقوانين السومرية في سلالة أور الثالثة .
أبتدأ المزاد ، كان الرجل الواقف يعلن عن القطع واحدة واحدة. كان صديقي يصغي بصمت . عندما أعلن الرجل ذو المطرقة عن بيع القطعة الأخيرة من القطع السومرية وكانت ختماً أسطوانياً أسود يعود للمـلك أورنمو مؤسس سلالة أور الثالثة ، أنتفض صديقي كأنه صعق بتيار كهربائي ، راح يزايد بحماس وأمام ذهولي ، رسا المزاد عليه . قرر دفع الثمن وأستلم الختم .
لم يكلمني طوال الفترة حتى اطمأن على الختم في حوزته ، تبدد خوفه وقلقه وعادت الابتسامة ترتسم على وجهه . استدار اليَّ وقبلني وقال : الآن أسأل ؟.. كان يقرأ وجهي . كنت في حاجة إلى أجابة عن سؤال واحد فقط . ما هو سر هذا الختم الأسطواني الذي صعق صديقي الإعلان عن بيعه ؟
قلت باستغراب : ما حكاية هذا الختم ؟
قال صديقي الطويل : سنعيده إلى الملك أورنمو ليختم الرسالة الخاصة بأمير لكش المتأخرة منذ آلاف السنين. إنها الرسالة الوحيدة الموجودة في المكتبة السومرية بدون ختم تعود لسلالة اور الثالثة .
( 4 )
شعرت بعطش شديد وبالذباب يلتصق بجسدي العاري المعرض لتيارات الصيف اللافحة وأنا ممدد كالأسير على حصيرة على باب غرفتي ، يأست من عودة التيار الكهربائي في وقته المقرر ضمن القطع المبرمج الذي أعلن عنه في التلفاز بعد عطب محطة توليد الطاقة الكهربائية بصواريخ الأمريكان في عامنا هذا .
نهضت من الفراش ، سكبت بعض الماء على جسدي الساخن وأحتسيت كأساً من الماء المثلج ثم ارتديت لباساً خفيفاً وخرجت من البيت لأكمل البحث مع صديقي حول إحصاء التلال والإيشانات الأثرية السومرية في مدينة الناصرية . وتحديد الأماكن التي نقبت من قبل الاثاريين العراقيين والأماكن الأثرية التي نهبت من قبل الأجانب أبان فترة الاحتلال البريطاني للعراق . ليتسنى لنا رفع دعوى قضائية عظيمة إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي موقعه من قبل ملايين العراقيين المطالبين بإعادة ممتلكاتهم وكنوزهم الأثرية .