قصة قصيرة - اسماك ملونة - سعدي عوض الزيدي
• يختزل نور القاعة عتمة مساء بيت وطوفان السد ...
• كانت الزهرة نافرة بلونها وهي تحتل مساحة المستطيل من بطاقة الدعوة.
• هل تسع القاعة لكلام ينبش حجر العمارة المنهارة ويهب السمك الطافي عند الجرف دموع ود ...
000000
أية اسئلة محيرة تقذف بها هذه البطاقة الصغيرة الانيقة .. ؟ (( يا سيد مناف تشرفاً بكم .. )) يقرأ وينظر الى صورته في المرآة الكبيرة ، يحدق ملياً في وجهه وقامته ، تختفي من هذه القامة خدوش المباضع على صدر والظهر ويضمحل تماماً شكل ذلك الطرف المعدني طي ملابسه التي هي علامة للتناسي .
كانت مقاسات القاعة والهندام على شيء كبير من القبول .. ها هو يقف والمرآة تقول له : لا بأس يا سيد مناف و ( تشرفاً بكم ) … بحث عن مفردات السلامة .. اقترب من اللوح الزجاجي الصقيل حيث تجثو البطاقة .
اذن تخلو من اسئلة السلامة … تشيخ العبادات وقد تتهاوى مع كلمات العزاء .. تتناثر ، تتفرقع ، تعبث بشاعره ببلاهة ودون عناء غير مبالية باشراقة شمس يوم جديد …
الأصوات تأتي اليه هديراً ، ملعوناً وخرباً ، امتثل لتلك الاصوات المداهمة ، الغازية، الخائفة .. قد تكون عاصفة لا يستطيع معها محو الخوف والارتباك واذا ما استطاع ذلك فالإمساك بالأشياء حوله وهي تهتز ، تتدحرج من اماكنها ، ترقص رقصتها الهستيرية امر محال .. نعم .. امر محال الامساك بذاك الجنون من الاندفاع..
لا احد يدفع او يركل الاشياء لكنها تتحرك يراها امامه كما في ذلك المساء . فقد كانت الاشياء الكبيرة : براد الماء ، التلفزيون .. ارائك الغرفة ، كل شيء لا يملك الاتزان . ومضات او لحظات ويستقر كل شيء ركاماً .. نثاراً . انه العصف .. !!
( اسقط من اوراقك كلمات النفور … )
و ( عدل من مقاسات العبارة .. احذف .. اشطب ، سوي الكلمات جداراً واشهر سؤالك : هل للعمارة رغيف تأكله .. ؟ )
بين امتثاله لتلك الاصوات الماضية والورقة المستطيلة الملونة اقصاء جديد لرغبة الكلام …
البطاقة في بياضها ، حفر الحروف توخز صمته ، أحس إن لهذه الكلمات المحفورة على مستطيل الورقة ومع سياط على جسده .. فلماذا يصمت ؟ يستهدج صوت غيره – لا ريب – عبر مكبرات الصوت : ايها السادة ! لربما ينتفخ اخرون بالكلام الفائز يصهرون حجر السد المنهار … غير انه لا يشيء بكلام … !!
من المؤكد في ان البطاقة الملونة – تمنحه فسحة كلام – اي كلام يوقظ العمارة من خدرها الابدي ويرجم النسيان بحجارة منها او قد يلم ماء السد الصافي عبر المزارع والاحراش ..
المزارع والاحراش قال احدهم : انه رأى الكروز يخرق الافق واحدهم انفلت من أكثر من واحد لربما عشر سقطن قبل الوصول إلى الهدف ... نعم كان السد هدفاً .. قال أخر : رأى في السماء تقاطعات النار ، خطوط نار تمر سهماً في السماء وراى التقاطع من الارض .. وبكيت فرحاً – له القول هذا الأخر – هو حزين بقد انفلت هذا الوحيد الجحيمي ...
قالت واحدة .. إن زوجها حطم واحداً من تلك القدمات إلى السد ولكن ...
شاهد رأى الطوفان وزوغان كائنات الماء اليابسة .. هكذا تصفه بطاقات الدعوة .. التي تنام على زجاج ذات القوائم المعدنية يرمقها بشيء من الحزن : الخوف ، يقترب منها ، ينحني عليها ماداً يده .. لكنه ما يلبث إن شعر بقصورها ازاء البطاقة منذ إن جاء بها الساعي قبل اسبوع وهي تجثو على صفحة الزجاج بل إن غباراً أحاط بها ...
ظل محدقاً بها عن بعد ... الخدر يدب في أصابعه ، ينساب شيئاً فشيئاً في جميع أوصال جسده التخدر أو التورم لم يبق لع الرغبة من ملامسة البطاقة ، تراجع إلى الخلف يقتعد الأريكة الاسنفجية لمح في المرآة لا يشبه الاستلقاء الباهت على صفحة التراب في عراء زحف اليه خرير السد ...
( ليس هناك بكاء .. ) هذا ما توده البطاقة .. ابتهاج أو تهنئة لمن سالمه ركام أو طوفان السد ، لكنه مدعو ، سيقول كلاماً مختصراً أو مطولاً ، شجياً أو منغماً ، غير (ما قالته الصحف وتحدثت به الناس .. ) . المهم في الأمر طلاق الخرس الذي لف لسانه : حبلاً : انشوطة افقدته سحر عبارته القديمة وتلاشي الفكرة الحبلى بـ (الانفجار ... ) .
مرة تحدث الناس عنه .. كان جحيماً فرز هدوء الماء ...
تنهد بحرقة : حقيقياً هو احد اعدائي .
سأطلق صوتي بجملة واحدة المدعو " كروز " احد الأعداء ... تلاشت الفكرة الموجزة لهذا الشحوب والخفقان وفقدان الذاكرة ...
أتخاف مثول العمارة ثانية ... ! ؟ .
أتخشى اكتساح السد من جديد ... ! ؟ .
أسئلة تباركها الوحشة يا سيد مناف .. كان الصوت يهدر في الغرفة ، يوخزه ، يفرز فيه ألامان عند لحظات ذاق فيها طعماً للطمأنينة وترسخ اعتقاده بالنجاة ...
والسيد مناف واحد ... شاهد يختزل الحادثة بعبارة – تناقلوا عنه ... – والناجي على نقالة إسعاف غير الناجي مقذوفاً وسط تيار المياه ...
ها .. تحدث .. اسقط من أوراقك كلمات النفور ...
ها ... سيد مناف ، لا تنكمش .. لا تخذل .. تدبر عبارات السلامة .. يلوذ مبتعداً عن المساحة التي تجثو فوقها المساحات الخضراء في الغرفة التي تحولت إلى مسرح أو مدرج .. من ذلك المسرح رأى سمكات ملونة تتطاير : تتزاحم حول مكبر الصوت : نحن الزوارق التي تقل السيد مناف إلى الضفة الأخرى ...