1الأغنية المغربية
شكل انعقاد مؤتمر الموسيقى العربية الأول سنة 1932 بالقاهرة الذي شارك فيه المغرب بوفد موسيقي غلب عليه الطابع الأندلسي مناسبة هامة للتعرف عن كثب على التقدم الذي أخذت تنجزه الأغنية الشرقية العربية والمصرية بالخصوص. على يد روادها الكبار أمثل محمد عبد الوهاب والقصبجي والشيخ زكريا أحمد وأم كلثوم .. استمرارا للريادة الأولى وخاصة انجازات محمد أبو العلا وسيد درويش .. مما أذكى الوعي الفني لدى الموسيقيين المغاربة بضرورة تطوير الأغنية المغربية لتواكب العصر. ومن أسماء الجيل الأول للأغنية المغربية العصرية. إضافة إلى أحمد البيضاوي والأخوين عباس الخياطي والغالي الخياطي. وعبد الوهاب أﯖومي وعبد النبي الجراري. نذكر ﯕنون. محمد تويزي. محمد الكغاط. بوشعيب ولد المؤذن. قاسم العلوي. محمد كحزيزي. محمد القزوي. حماد برادة. والتوأم الحسن والحسين والتهامي بن عمر. الحسين بلمكي. أحمد بناني. محمد بن عبد الله. محمد زنيبر. المعطي البيضاوي. عبد القادر راشدي وإدريس القانونجي. ويعتبر الموسيقار الراحل عبد الوهاب أﯕومي أول موسيقي مغربي أحرز على أعلى تكوين موسيقي في ذلك الوقت من ضمن الموسيقيين المغاربة. إذ بعد دراسته في كلية فؤاد الأول للموسيقى بالقاهرة بين سنة 1945و1953 اتجه نحو فرنسا ليستكمل تكوينه بمدرسة “نورمان” العليا للموسيقى. فحصل منها على شهادة التأليف العالمي للموسيقى. وعاد إلى المغرب سنة 1955 ليشتغل بالتعليم الموسيقي. ثم أسند إليه منصب مدير المعهد الوطني للموسيقى والرقص والفن المسرحي بالرباط بين 1958 و 1974 ليشغل بعد ذلك منصب المستشار الفني بوزارة الشؤون الثقافية. وخلال إقامته بالقاهرة سجل عبد الوهاب أﯕومي للإذاعة المصرية والإذاعة البريطانية ومحطة الشرق الأدنى وراديو دلهي. ألوانا من التراث الموسيقي المغربي وظهر في شريط “المنتقم” مع أحمد سالم. ونور الهدى. ثم شارك مع يوسف وهبي في أوبرا “العباسة أخت هارون الرشيد”. وإلى جانب نشاطه الفني ساهم في التعريف بالقضية المغربية في دار المجاهد الراحل محمد بن عبد الكريم الخطابي بالقاهرة. وفي باريس ألقى عدة محاضرات عن الموسيقى العربية. وغنى في مسارحها. عبد الوهاب أﯕومي هو أول من انشأ أركسترا سمفونياً بالمغرب شكلها من طلبة المعهد الوطني للموسيقى ودار الأيتام بالرباط. وقام بوضع توزيع بوليفوني لبعض صنعات الموسيقى الأندلسية. ومن أهم قصائده الغنائية “التائه” “قالت لخلها ثريا” “بري” وأغاني أوبريت “المجلد الخالد” وأغاني فيلم “عنترة العبسي” من بطولة سراج منير وأمينة رزق ملحمة “لن تقف المسيرة”. في الموسيقى البحتة والتصويرية “قافلة الصحراء” و”دمعة في الليل” و”رقصة الغزلان” “موكب الربيع” و”رقصة الحبايب” و”رقصة العيد” ومقدمة أوبريت “موكب الوطن” التي شارك في تلحينها أحمد البيضاوي والعربي الكواكبي وعبد القادر راشدي وعبد الوهاب الدكالي. وقد أورد عبد الله رمضون سيرة عبد الوهاب أﯕومي وأحمد البيضاوي وسعيد الشرايبي وعبد السلام عامر ومحمد بلخياط وآخرين من رواد الموسيقى المغربية وخاصة في آلة العود بالمغرب في كتابه القيم “آلة العود في المغرب”. واجه الرواد المؤسسون للأغنية المغربية العصرية معارضة الإتجاه المحافظ الذي رأى في هذا التجديد خروجا عن الأصالة المغربية وضربا من التغريب. كما واجهوا قمع السلطات الاستعمارية التي توجست من انبعاث فن غنائي رفيع في المغرب. قد يجيش له الوجدان الجمعي. فيكون عاملاً محركاً يساهم في إذكاء الوعي الوطني لدى الشعب. وفي ظروف صعبة تشكلت بعض الأنوية الموسيقية من عدد من الفنانين في بعض المدن. على رأسٍ كل منها علم من أعلام الموسيقى المغربية العصرية الناشئة في تلك الفترة. وهكذا تأسست في الدار البيضاء نواة محمد زنيبر والمعطي البيضاوي وفي الرباط نواة عبد النبي الجراري الذي يرجع إليه الفضل في اكتشاف العديد من الأصوات الغنائية الجيدة. من أبرزها صوت المطرب المقتدر عبد الهادي بلخياط. وفي فاس تأسست نواة محمد فويتح. واتجهت كل نواة إلى تشكيل فرقتها الموسيقية. فظهرت الأجواق التالية: - جوق الميتم برئاسة محمد زنيبر – جوق الاتحاد الرباطي برئاسة عبد النبي الجراري - جوق الشعاع برئاسة محمد فويتح، ومن العروض الإذاعية التي كان لها وقعها حينئذ: الحفل الذي أحياه جوق الاتحاد الرباطي سنة 1947. وبثته الإذاعة الوطنية على أمواجها. وتلى نجاح هذه الفرق. ظهور فرق موسيقية أخرى كفرقة “الكواكب” التي تشكلت في الدار البيضاء من طرف المعطي البيضاوي والمختار المذكوري. “وفرقة التقدم الرباطي” برئاسة عبد القادر راشدي. وهو عازف من أقدم أعضاء فرقة الاتحاد الرباطي. تولى رئاسة الجوق الوطني. وله عدد من الألحان من أشهرها معزوفة “الأطلسية”. وكان شقيقه محمد الراشدي الذي توفي في شهر أبريل 2004 ممن التحقوا للعمل بالقصر الملكي منذ فجر الاستقلال إلى آخر أيام حياته. وهذا التعدد في الأجواق. خلق نوعا من المنافسة البناءة بين الفرق الموسيقية وبين المطربين. وحفز على الإبداع والرقي بالموسيقى المغربية العصرية. فكثرت التظاهرات الفنية. وبرزت فيها العديد من الأصوات الغنائية الجيدة. مما أزعج السلطات الاستعمارية التي كانت تسعى بكل ما أوتيت إلى دحر النهضة الموسيقية في المغرب. فأمرت بمنع العروض الموسيقية التي بدأت في تنظيمها تلك الأجواق في عدد من المدن كالرباط والدار البيضاء وفاس. مخافة تأجيج الحماس الوطني لأن الاستعمار كان يدرك جيدا الخطر الذي يشكله عليه الفن الرفيع إذا ما انتشر بين أفراد الجماهير. لأنه يرقي الذائقة الجمالية. وينمي نشدان الحرية والعزة. ويقوي الإحساس بالذات الفردية والجماعية فيصير طاقة هائلة لاستنهاض الهمم وتقوية العزائم من أجل التحرر والإنعتاق من ربقة الحجر والوصاية والسيطرة. اجتهد الموسيقيون المغاربة للتخفيف من الطابع الشرقي للأغنية المغربية العصرية الناشئة. وتغليب الطابع المحلي الخالص عليها. فهم إن ولعوا بالنغم العربي المشرقي الرفيع فإنما كان ولعهم به لأصالته الإبداعية. فأرادوا أن يكون إبداعهم العصري أصيلا أيضا يعكس الروح المغربية. وفي سنة 1952 تأسس أول جوق إذاعي عصري يحمل اسم “جوق راديو المغرب للطرب العصري التابع لدار الإذاعة المغربية”. برئاسة الموسيقار الراحل أحمد البيضاوي. وهو من الفنانين الذين تشبثوا بالقوالب الموسيقية المشرقية الموروثة. كما ساهم في تطوير الموسيقى المغربية وارتبط اسمه بتلحين قصائد الشعر القديم. خصوصا قصائد الشاعر الأندلسي ابن زيدون. ومن ألحانه “أضحى الثنائي”. و”قل لمن صد وخان” و”يا صاحب الصولة والصولجان” و”حبيبي تعال” و”البردة”… بالإضافة إلى عدد هائل من الألحان الغنائية. أوبرتات وملحمات وأناشيد وطنية. ناهيك عن مجموعة من السماعيات التي تعتبر مرجعاً لطلبة المعاهد الموسيقية. وقد توفي سنة 1989. ويعتبر الجوق الوطني حاليا الامتداد الطبيعي لـ”جوق راديو المغرب للطرب العصري”. وقد توالى على رئاسته بعد أحمد البيضاوي كل من عمر طنطاوي وعبد القادر راشدي وحاليا عبد العاطي أمنا. وتمثلت الانطلاقة الفعلية للمرحلة الثانية من تطور الأغنية العصرية المغربية في تنظيم الإذاعة الوطنية للحفل الموسيقي الأسبوعي. فوجدت بعض الفرق الموسيقية طريقها إلى الجمهور من خلال الإذاعة. وكانت تنتمي إلى الرباط وسلا والدار البيضاء وفاس ومراكش. فاشتدت المنافسة بينها في تقديم الجيد من الأعمال الغنائية التي أسهمت بقوة في الدفع بالأغنية المغربية إلى آفاق رحبة. وهكذا كان للإذاعة دور مهم في جمع الفنانين المغاربة. وبفضل الاحتكاك المباشر. والعمل اليومي في هذا الفضاء الإعلامي الجديد ظهرت طاقات باهرة وعطاءات فنية صادرة عن كفايات عالية. خاصة وأن كل البرامج الإذاعية كانت تنقل مباشرة على الهواء. مما انعكس إيجابيا على تطوير الأغنية المغربية واستفادت الفرق الجديدة من تجربة الجوق الملكي في الحرص على الإبداع وتطوير الأداء وتكوين الفنانين الشباب. وكانت فرقة أحمد البيضاوي بالإذاعة تضم رواداً تركوا بصماتهم واضحة على الموسيقى المغربية أبرزهم: عبد القادر راشدي، عبد الرحيم السقاط، المعطي بلقاسم، أحمد شجعي والمعطي البيضاوي.. بالإضافة إلى عدد من السوليست البارعين منهم:
في آلة القانون: صالح الشرقي ويعد أبرز عازف مغربي على هذه الآلة يشارك بالعزف في العديد من بلدان العالم ويتسم أسلوبه بالنفحة الروحية، وفي آلة الكمان برز محمد بن هاشمي، محمد سميرس وعباس سميرس. وفي آلة الفيولونسيل: المكي الرايسي وفي الإيقاع عبد الكريم بو هلال. وظهرت أربعة اتجاهات تتجاذب الطرب المغربي: اتجاه أول نهل بالدرجة الأولى من التراث الشعبي، واتجاه ثان انطلق من الموسيقى الأندلسية، وثالث بقي وفياً للطابع الشرقي، وآخر رابع انفتح على التراث المغربي والروح الشرقية معا. وقد خط لنفسه منحىً حداثياً فنجح في اكتساح الساحة الفنية بإبراز الطابع المغربي من خلال الزجل والإيقاعات المحلية وأساليب الصياغة اللحنية المتسمة بالخصوصية دون إغفال المقامات والإيقاعات العربية وتوظيفها بشكل خاص في قالب القصيدة الذي يتطلب الإبداع فيه مستوى عال من الكفاية الموسيقية واللغوية والأدبية؛ فبدأت الأغنية المغربية تتطور وتتألق بفضل جهود مبدعيها. ومن الأسماء التي صنعت مسار هذا الغناء المغربي العصري من تلك الاتجاهات: الحسين السلاوي وهو فنان من الرواد الأوائل نهل من الموسيقى الشعبية ونظم بنفسه كلمات أغانيه وصاغها في قالب لحني جميل ومعبر وأعطاها من صوته ما حببها إلى نفوس الجماهير الشعبية ويعتبر أطول باعاً وأثراً. وقد امتد به العمر حتى بداية العقد السادس من القرن الماضي وما تزال أغانيه المسجلة تذاع بين الفينة والأخرى على موجات الإذاعة المغربية، وبعض الإذاعات الأجنبية. وكان الحسين السلاوي صاحب روح متفتحة يؤمن بالاختلاف ويتجاوب مع الأصناف الموسيقية على تعدد مشاربها. استقى موضوعاته من صميم الواقع المغربي وصلب الأحداث المستجدة في البلاد، فغنى عن الأمريكان في الحرب العالمية الثانية عندما نزلت جيوشهم بشواطئ الدار البيضاء، وتحدث عن دهاء البدوي في أغنية “العروبية مطورين”، وهو إلى جانب ذلك عبر عن جمال الطبيعة المغربية والمدن التي عزلها الاستعمار بحدود وهمية فغنى لطنجة عروس الشمال المغربي أغنية “طنجة يا العالية”. أيضاً عبد السلام عامر: وهو فنان عصامي موهوب تشرب الموسيقى الشرقية فأثرت بقوة في إسهامه البارز في مسار الأغنية المغربية. اشتغل بالإذاعة المغربية بين 1959 و 1979. وكانت أعماله وراء نجاح العديد من الأصوات الغنائية المغربية مثل عبد الوهاب الدكالي، عبد الهادي بلخياط، عبد الحي الصقلي، إسماعيل أحمد، رذاذ الوكيلي وليلى الشنا. وتركزت أهم ألحانه في القصيدة ومنها: آخر آه، حبيبي، ميعاد، القمر الأحمر، واحة العمر، الشاطئ، تعالي، راحلة، قصة الأشواق، حديث عينيك، موكب الخالدين، مواكب النصر، سبحان الإله، وطني يا قلعة الأسود، النخيل، وغنت لنا الدنيا … توفي يوم 14 أيار (ماي) 1979 بعد معاناة مريرة من المرض