- والرواة يختلفون في السبب الذي دعا الخليل إلى التفكير في علم العروض ووضع قواعده. فمن قائل: إنه دعا بمكة أن يرزقهالله علماً لم يسبقه إليه أحد ولا يؤخذ إلا عنه, وحين رجع من حجته فتح الله عليه. ومن قائل: إنه مجد نفسه بمكة يعيش في بيئة يشيع فيها الغناء فدفعه ذلك إلى الوزن الشعري. ومن قائل: إن الدافع هو إشفاقه من اتجاه بعض شعراء في النظم على أوزان لم تعرفها العرب ولم تسمع عنهم, وعندي أن هذا السبب هو الأرجح.
- الحاجة إلى علم العروض : إذا عرفنا أن العروض هو علم على ميزان الشعر أو موسيقى الشعر وهذا العلم له قواعده ونظرياته التي تكتسب بالتعلم, وإذا كان الشعر من الناحية العملية هو الجانب التطبيقي لقواعد العروض. فإنه قبل ذلك كله فن بعصور كسائر الفنون مصدره الموهبة والاستعداد, إلا أن الشاعر الموهوب بما له من أذنٍ موسيقية وذوقٍ مرهف يستطيع أن يقول الشعر دون علم العروض ولكنه في رأيي يظل بحاجة إليه لأن أذنه الموسيقية مهما كانت منزلتها ودرجتها فقد تخذله أحياناً في التمييز بين الأوزان المتقاربة أو بين قافية سليمة وأخرى معيبة, هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن جهل الشاعر الموهوب بأوزان الشعر وبحوره المختلفة من تامة ومجزوءة ومشطورة ومنهوكة قد يحصر – في نظري – تجربته الشعرية في أوزان خاصته وبذلك يحرم فنه من العزف على أوتار شتى تجعل شعره منوع الأنغام والألحان.
وإذا كان العروض لازماً للشاعر الملهم الموهوب, فإنه يكون أشد لزوماً لغيره من الدارسين والمتخصصين في دراسة اللغة العربية فهو أداتهم لفهم الشعر وقراءته قراءة صحيحة, والتمييز بين السليم منه والمختل الوزن, ومن أجل ذلك جاء منهج الثانوية في الكتب الجديدة مشتملاً على هذا الفن تحقيقاً لتلك الغاية.
- ويرى بعض الباحثين المحدثين المتخصصين في هذا العلم أن هناك صلة وثيقة بين العروض – وهو علم موسيقى الشعر- وبين الموسيقى, هذه الصلة تتمثل في الجانب الصوتي, فالموسيقى تقوم على تقسيم الجمل إلى مقاطع صوتية تختلف طولاً وقصراً أو إلى وحدات صوتية تعرف بالتفاصيل, ويستلزم هذا التقسيم أو التقطيع أن يكتب الشعر كتابه عروضية.
الكتابة العروضية:
تقوم الكتابة العروضية على أمرين أساسيين هما:-
1- ما ينطق يكتب. 2- وما لا ينطق لا يكتب.
وتحقيق هذين الأمرين عند الكتابة العروضية يستلزم زيادة بعض أحرف لا تكتب إملائياً, وحذف بعض أحرف تكتب إملائياً.
- الحروف التي تزاد بيانها فيما يلي:-
1- إذا كان الحرف مشدوداً فُك التشديد وكتب الحرف مرتين مرة ساكناً ومرة متحركاً.
2- إذا كان الحرف منوناً كُتب التنوين نوناً ساكنة.
3- تزاد ألف في بعض أسماء الإشارة.
4- إذا أُشبعت حركة الضمير للمفرد الغائب كتبت حرفاً مجانساً للحرمة. فالضمة التي على الهاء في " له" إذا أشبعت كتبت عروضياً هكذا " لهو", وكسر الهاء في "به" إذا أشبعت كتبت عروضياً هكذا "بهي" وقس على ذلك.
- همزة الوصل في درج الكلام.
2- تحذف الواو في عمرو رفعاً وجراً.
3- الياء والألف في آواخر حروف الجر المعتلة: في , إلى , على وذلك عندما يليها ساكن مثل: في المنزل – إلى المسجد.
4- تحذف ياء المنقوص وألف المقصور غير المنون عندما يليها ساكن نحو: القاضي العادل : الفتى المجتهد. وهكذا ...
نموذج للكتابة العروضية
المثال الأول من بحر الوافر. يقول المتنبي:
إذا غامرت في شرف مروم فلا تقنع بما دون النجوم
يكتب البيت عروضياً هكذا:
إذا غامر/ تفي شرفن/ مروم // فلا تقنع/ بما دون / نجومي
مفاعلتن / مفاعلتن / فعولن مفاعلتن / مفاعلتن / فعولن
ب--- ب-ب ب- ب-- ب--- ب--- ب—
المثال الثاني من بحر الكامل: يقول شوقي في رثاء عمر المختار
وأتى الأسير يجر ثقل حديده أسدٌ يجرِّ رحـيةً رقطاء
يكتب البيت عروضياً هكذا:
وأتل أسي / ريجرثق / لحديد هي // أسد يُجَرْ / رِرُحيتنْ / رقطاءا
متفاعِلُن / متفاعلن / متفاعلن // متفاعلن / متفاعلن / متفاعلْ
ب ب-ب- ب ب-ب- ب ب-ب- ب ب-ب- ب ب-ب- ---