الشفعاء يوم القيامة:
الشفاعة العظمى، التي تكون في المحشر حتى يفصل الله بين الخلائق (هي من خصائص المصطفى صلى الله عليه وسلم)، أما باقي الشفاعات فيشترك فيها الأنبياء والملائكة والمؤمنون والعلماء والشهداء وغيرهم.
ومن الدلائل على شفاعة هؤلاء جميعاً قوله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم: "يقول الله عز وجل: شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوماً لم يعملوا خيراً قط قد عادوا حمماً، فيلقيهم في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل، ألا ترونها تكون إلى الحَجَر أو إلى الشجر ما يكون إلى الشمس أصيفر وأخيضر، وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض، فقالوا: يا رسول الله كأنك كنت ترعى بالبادية، قال: فيخرجون كاللؤلؤ، في رقابهم الخواتم، يعرفهم أهل الجنة هؤلاء عتقاء الله، الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه، ولا خير قدموه، ثم يقول:
ادخلوا الجنة فما رأيتموه فهو لكم، فيقولون: ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحداً من العالمين، فيقول: لكم عندي أفضل من هذا، فيقولون: يا ربنا أي شيء أفضل من هذا؟ فيقول: رضاي، فلا أسخط عليكم بعده أبداً".
فهذا الحديث يؤكد شفاعة الملائكة والأنبياء والمؤمنين، ويبين رحمة الله التي تتدارك من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، فهؤلاء الذين فقدوا العمل الصالح ودخلوا النار جزاء معصيتهم وانحرافهم وطال به الأمد في العذاب حتى صاروا كقطع الفحم (تتداركهم في النهاية رحمة الله بعد أن تخطتهم كل الشفاعات.. ).
فيعاد تنشئتهم تنشئة أخرى، يصيرون إثرها كاللؤلؤ بياضاً ونقاء وصفاء ويحلون بكل ما هو جميل، ويعرفهم أهل الجنة، الذين سبقوهم بأن هؤلاء عتقاء الله..
ومن الآيات القرآنية الدالة على شفاعة الملائكة قوله تعالى:
"يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون" (سورة الأنبياء آية 2 .
ومن الآيات الدالة على شفاعة الآباء لأبنائهم أو العكس، طالما جمعهم الإيمان، قوله تعالى:
"والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء" (سورة الطور).
فالثواب فضل والعقاب عدل، وجاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: إن الله ليرفع ذرية المؤمن في درجته وإن كانوا دونه في العمل لتقر بهم أعينهم.
فهذا فضل الله على الأبناء، أما فضل الله على الآباء بدعاء الأبناء فواضح في قوله صلى الله عليه وسلم (كما رواه أحمد بإسناد صحيح) إن الله ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة فيقول: يا رب أنى لي هذه؟ فيقول باستغفار ولدك لك".
وفي صحيح مسلم قال عليه الصلاة والسلام: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له".
هذا في الثواب، فإن كان هناك عقاب لأحد ما فلا يحمل ذنب إنسان على آخر والداً كان أو ولداً، قريباً كان أو بعيداً، رجلاً كان أو امرأة ..
"كل امرئ بما كسب رهين" (سورة الطور آية 21).
وجاءت أحاديث كثيرة تثبت شفاعات لفئات خاصة من المؤمنين، كالشهداء، وقراء القرآن والعلماء.
فروى أبو داود وابن حبان بسندهما عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الشهيد يشفع في سبعين من أهل بيته".
وخرج أحمد بإسناد حسن عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن للشهيد عند الله سبع خصال: أن يغفر له في أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويحلى حلة الإيمان، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوته منه خير من الدنيا وما فيها، ويزوج ثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقاربه" كما روى الترمذي نفس هذا المعنى عن المقدام بن معدي كرب في حديث حسن صحيح..
ولقارئ القرآن العامل به شفاعة في عشرة من أهله، استحقوا النار لكثرة أعمالهم السيئة، فقد خرج الترمذي وابن ماجة بإسنادهما عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ القرآن فاستظهره، فأحل حلاله وحرم حرامه أدخله الله به الجنة وشفعه في عشرة من أهل بيته كلهم وجبت لهم النار".
شفاعة الأعمال:
من قدرة الله تعالى وحكمته أن جعل لبعض الأعمال الصالحة شفاعة يوم القيامة أو سبباً للشفاعة.
فالقرآن قراءة وعملاً، والصيام أداء وأدباً يجعلهما الله تعالى شفيعين للقارئ والصائم، وفي حديث رواه مسلم عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه".
وفي حديث رواه أحمد والطبراني والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الصيام والقرآن يشفعان للعبد، يقول الصيام رب إني منعته الطعام والشراب بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن رب إني منعته النوم بالليل فشفعني فيه، فيشفعان".
وهناك سور خصها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذكر وأخبر أنها تشفع لصاحبها، مثل سورة البقرة، وسورة آل عمران..
ففي صحيح مسلم عن أبي أمامة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اقرأوا الزهرواين، البقرة وآل عمران فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما".
وهذه الشفاعة القرآنية ليست لمجرد القراءة الجوفاء الخالية عن الوعي والسلوك وإنما هي مرتبطة بالتلاوة الدافعة إلى حسن العمل والولاء.. وقد جاء ذلك صريحاً في حديث رواه مسلم عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا، تقدمه سورة البقرة وآل عمران تحاجان عن صاحبهما".
ومن الأعمال الصالحة التي يترتب عليها الشفاعة لصاحبها فيحظى باهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم. الأذان والدعاء عقبه لسيدنا رسول الله.
فالأذان إعلام بدخول وقت الصلاة، وإظهار لشعائر الإسلام عقيدة وشريعة وقد امتن الله تعالى على المؤذنين، فجعل كل من يسمعهم شفيعاً لهم يوم القيامة، وفي صحيح البخاري بسنده عن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، أن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه قال له: إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك وباديتك فأذنت للصلاة فارفع صوتك بالنداء فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة، قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وشهادة غير الجن والإنس إنما تفهم في إطار قدرة الله الذي أنطق كل شيء، وفي إطار قوله تعالى:
"حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون. وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون".
فإذا شهدت الأسماع والأبصار والجلود على الإنسان بقدرة الله عز وجل فإنها ومثلها تشهد للإنسان كما شهدت عليه..
ومن السنة ترديد كلمات الأذان عقب سماعها جملة جملة إلا حي على الصلاة وحي على الفلاح، فيقول المستمع: لا حول ولا قوة إلا بالله.
وبعد انتهاء الأذان نقول: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته.
حينئذ تتحقق بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقائل ذلك بشفاعة الحبيب المصطفى..
وقد روى البخاري بسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته. حلت له شفاعتي يوم القيامة".
***********