العزف على وتر واحد
ادونيس
في محاضرته(معوقات الحداثة في الثقافة العربية بعامة والشعر العربي بخاصة) التي جاءت جريدة –صوت الاحرار في عددها 2359 الصادر بتاريخ 30/11/2005 –بملخص مقتضب لها نقلا عن –رويتر يجد القاريء ان ادونيس لا زال على نهجه في (الثابت والمتحول) اذ يخلص في محاضرته الى ((ان الفرد العربي المسلم يعيش رهين محبسين هما التاويل الوجداني والتاويل السلفي للنص الديني...هذا يؤدي الى انمحاء الذاتية في الجماعة-الامة- ولن تقوم لامة ثقافة عظيمة دون اختراق هذين المحبسين مثل ما قام به المتصوفة)) اما اليوم يتابع ادونيس لا يزال الفرد المسلم وانا اكلمكم يعيش انعدام التجارب الكبرى في العالم في جميع الميادين..المسلمون يشكلون خمس سكان العالم ولا يوجد فيهم من يقرا النص الديني قراءة متفردة)
وواضح ان –ادونيس –لا ينظر الى النص الديني في ذاته بل في تاويله ليخلص قائلا:
((ان النص الديني تم تأويله تأويلا سياسيا سلطويا نتجت عنه ثقافة النفي والالغاء والتكفير بصورة تؤدي الى انفصال العرب عن العالم وعن انفسهم وعن الحياة,,فعندما انفي انسانا هذا يعني انني انفي نفسي...ان نظام التأويل الوجداني يحول الانسان الى الة تنقل الكلام..يعلمنا الموروث الاسلامي ان القائل برأيه مخطيء وان اصاب..لا معرفة في الدين الا بالنقل..النقل الة حاضرة بلا حضور...)))ثم يشير الى ان انعدام الذاتية في المجتمع العربي الاسلامي تكمن في النص واللغة مما يؤدي الى اتباعية لا تعرف عذاب الاسئلة وليس امامها غير طمانينة اليقين..لا نجد في هذه الثقافة الدينية مجالا للفردية فهي ذائبة في الجماعة أي الامة..
وذلك ديدن –ادونيس- منذ الثابت والمتحول اذ انه يدرس الثقافة العربية كظاهرة قائمة بذاتها مجردة من عواملها واليات العلاقة بينها وبين القاعدة المادية, في حين ان الدراسات الواقعية تؤكد انه ليس هناك ظاهرة قائمة بذاتها وان اسلوب الحياة المادية يشترط التطور الحياتي الاجتماعي والسياسي فالفكري بصورة عامة..وان كافة العلاقات الاجتماعية السياسية الدينية وسائر وجهات النظر التي تنبثق في التاريخ لا تدرك الا حين تفهم شروط الحياة المادية للعصور المرافقة لها..
وهذا المنهج الذي يتبناه ادونيس كان منطقيا ان يفرز مثل هذه الاحكام وينبت لنا هذه الخصائص المطلقة للعقلية العربية ليوصله كما وصل الى المعطيات التالية:
1-اللاهوتية:ان الذهن العربي ذهن الفردية التجريدية والغيبية المطلقة وان البعد اللاهوتي انعكس علىالحياة الاجتماعية والفكرية مما ادى الى تنشئتها في الامةاو الجماعة او النظام ومن هنا صارت الامة اسقاطا لاهوتيا
ويظهر انه حتى هذا المفهوم لا يضبطه ادونيس فهو يعترف لها بالفردية التي هي اساس الابداع وينفي من جهة اخرى قوانين تطور المجتمعات ليخلص الى ان الدين هو محدد اشكال المجتمعات وليس العكس أي ان البنية الاقتصادية –المادية- هي التي تنهض عليها بنيات فوقية حقوقية وسياسية والذي تقابلها اشكال محددة من الوعي الاجتماعي (ماركس)
2-الماضوية: ويعني بها ادونيس (التعلق بالماضي المعلوم ورفض المجهول بل والخوف منه –أي طمانينة اليقين وسيادة النقل على العقل وبذلك يتجاهل صراع الافكار داخل المجتمع –أي الصراع الطبقي- وذلك انه حينما تبدا قوى الانتاج المتنامية في تناقض مع علاقات الانتاج القائمة في المجتمع. والا كيف نفسر الصراعات الحاصلة في المجتمعات العربية منذ ظهور رواد النهضة.؟؟؟
3-الفصل بين الشكل والمضمون: ((ان انعدام الذاتية في المجتمع العربي الاسلامي يكمن في النص واللغة)) وهذا ما يؤكده في الثابت والمتحول في قوله: مع ان وظيفة الشعر في المجتمع العربي تغيرت في الاسلام عما كانت عليه في الجاهلية فان شكله لم يتغير..))
وهو بذلك يحكم بان العلاقة بين الشكل والمضمون علاقة ميكانيكية فكلما تغير المضمون تغير الشكل وهذا ما لا يثبته الواقع فالعلاقة بين الشكل والمضمون علاقة جدلية –اذ ان تغير المضمون لا يتبعه بالضرورة تغير الشكل-فالشكل يتمتع باستقلالية نسبية تمنعه من ان يكون رد فعل الي لحركة المضمون وهو لا يتغير بقرار وليس محددا بزمان او مكان وليس صحيحا انه لم يحدث تغير في القصيدة العربية على مستوى الشكل بل حدث وترجعه معظم الدراسات الى التغيرات الحادثة في بنية المجتمع وليس الى بنيته الذهنية
فالفصل النسبي بين المضمون والشكل على صعيد اللغة والتعبير كامن في طبيعة الفنون وليس خاصية من خواص الذهن العربي
4-التناقض مع الحداثة(لا معرفة في الدين الا بالنقل)) فالعربي حسب ادونيس يتعلق بالماضي ويرفض الحداثة أي –الشك- التجريب والمغامرة في اكتشاف المجهول وقبوله,, وبذلك يضرب ادونيس عرض الحائط كل تاريخ الفلسفة العربية؟
خلاصة لما قدم يظهر ان ادونيس لا زال:
1-انتقائيا: يفصل بين الثقافة واساسها الاجتماعي الاقتصادي ممتطيا الفلسفة المثالية التي اثبتت المعطيات زيفها.
2-يقدم احكاما قطعية: غير علمية فهو يقدم الفكر العربي على انه فكر تام ونهائي.اي ان الذهنية العربية هي نتاج نفسها او نتاج قوة عليا بعيدة عن الواقع المادي والمتغير والمتميز بالتحول والصيرورة المستمرة وينظر الى الى الدين على انه علة الاحداث ومحرك التاريخ العربي ومصدر كل الاثام الواقعة مما يستدعي ضرورة تجاوزه بل وتهديمه
ان ادونيس كما اشارت دراسات عديدة –في تنظيره للواقع الفكر العربي- ومنذ الثابت والمتحول لم ينزل الارض ولا زال محلقا في السماء متجاهلا الواقع المادي للمجتمعات وصراع الطبقات الذي هو اساس كل التغيرات الحاصلة..التي حصلت وستحصل وتحرر المجتمع العربي ليس مرتبطا بالدين بقدر ماهو مرتبط بتهديم بنية العلاقات الانتاجية السائدة لتداعي كل الاشكال السياسية والدينية السائدة
زيتوني 06/02/2006