((فصوص التيه))
وجماليات الحكي والتنبيه ل: ع الوهاب بن منصور
الكاتب: زيتوني ع القادر
هو ا لحيرة..... القلق .........التيه
ثم انطلاقة في البحث والتنقيب في المروث الثقافي -الديني والفكري-انطلاقا من اجواء محلية-ندرومية-ظل ابن منصور امينا لها وممتدا فيه بدءا من -في ضيافة ابليس-مرورا ب-قضاة الشرف -وصولا الى بداية التيه
* * *
فصوص التيه
هي فن الحكي والقول ورشاقة البوح والصدع عن المكنون والمستور سواء في العرف او الدستور..
الان
الان ها انا ادخل هذه المدينة القديمة
فعل رغم مضارعته فهو صارم في بساطته
لا احتمال يتضمن ولا مجال يدع للتاويل.
لقد دخل
ها هو ابن منصور في طريق التيه الذي يجب ان يقوده من اقصى العتمة الى غاية النصاعة.
يلج ابن منصور كهوف المقدس ليواجه لججا من الامواج المتلاطمة في روحانياتنا المبجلة والمشوشة فيحملنا معه في سفره في رحلة بحث وتنقيب عما بين الحقيقة والتزييف.
ما اللغز الذي حول الاب من ولي فقيه الى قوال يتعاطى الاشعار ويتغزل بالنساء؟؟
ما الجرم ان تفنى في روعة الخالق بدل الخالق؟
يغوص ابن منصور في -ما يبدو-روحي عبر امتداد قصة اب ولد بنذر لم يكن له فيه يد ورسمت له طريق لم يكن من مريديها ولا كانت له فيها ارادة .مع ان القوم يعرفون ان
((الارادة لوعة في الفؤاد, لذعة في القلب , غرام في الضمير,,انزعاج في الباطن..))
والارادة: ترك العادة.
والاب ولد بنذر والنذر هنا عادة ليست كالعادة
ورسمت له طريق لم تكن له فيها ارادة كالارادة
لذا كان منطقييا ان يحيد عن الطريق وبدل ان يتاصل في امتداد-سيدي احمد البجاي-اتحد في جسد امراة وامتد في روحها.
فكان الخبل وكانت الاشعار فاختلفت الاقوال وتنوعت الاحكام وان كان الامر جليا لا يتطلب تفسير ولا تاويل.
* * *
يختلط الحابل بالنابل وتكون بداية التيه اي بداية الحركة..فيتحرك بنا ابن منصور عبر حكايايات -كالف ليلة وليلة-الحبل يشد بالحبل...نتيه معه في مدينة يوتوبية عابرين مشاهد اثنوغرافية رائعة منحدرين في ميثولوجية رائقة
الحيز المكاني: يدخلنا الكاتب مدينة معمارها دال على اجوائها ,فهي فضاء مغلق بسبعة ابواب, لكل باب حكاية مختلفة الروي والرواية..مدينة متخمة بالقباب والزوي ,السراديب والمسارب والازقة الملتوية ..مدينة تتيه في الوصول الى مركزها فضلا عن فهم كنهها.
الحيز الزماني: نغور في تاريخنا القريب والبعيد من الاميير ع القادر الصوفي والمناضل الى عبد المؤمن الخليفة الموحد وصراعه المرير مع الملاحدة من المرابطين في خدمة الملة والدين. فنلمس التاريخ وصراع رجالاته وما فيه من دسائس و وساوس فنحار بين حقيقه وخياله..فنحث على معرفة سر المروي منه ونتطلع لاكتشاف ما اخفي عنا منه..ثم نغوص متجدرين في مسيرة الفكر الاسلامي وصراع السني والمعتزلي .الفقهي والعلمي وظهور الصوفي المتبني للتجلي والاتحاد فالكشف ..والذي ترجم فلسفته بعض اتباع جلا الدين الرومي برياضات روحية -فيها اثنية- تمثلت في رقصات قناوة وطقوس اهل الحضرة وما فيها من هدرة تحت دقات الطبول وقرقعات القرقابو في اجواء روائح الجاوي وبخور العود القماري..
((انضم اليه وسط الحضرة رجال ونساء فتراقصوا..))
((اطلقت النساء شعورهن فكان اتجاه حركة الشعر يعاكس حركة الراس , امتزج صوت الحجحوج بصوتي الطبل والقرقابو وتعالت الاصوات فكت الالسن قيدها وانشدت: اله حي ...اله حي ...حي الله ...حي الله))
* * *
ان الرواية تستفز الذاكرة وتوخز القاريء بلمسها لما اعتبر حقائق وظواهر ثابتة وحيادية على انها ليست كذلك فالحلم يكتنف الواقع والواقع مسكون بالخيال والقرار الصاحي مشبع بضلال الل شعور والذاكرة الارادية موجهة بذاكرة غير ارادية...وهو في ذلك يستغور دواخلنا ويستفز ذاكرتنا راسما جغرافيتنا داخلا وخارجا ..عزلة والتحاما...صراخا وهمسا..كلاما وما قبل الكلام...جغرافية تلحق بنا في تشظينا في خرابنا في نزواتنا في غزواتنا في وجود التجربة وتجربة الوجود..ضمن لغة تتشظى هي الاخرى في تعدده وتلونها..
ان اللغة اروع ما في الرواية واقدر عناصرها اندهاشا ..حيرة وايثارة..اذ تنفجر بنيتها عبر مفاصل الرواية في كل خلية في كل مقطع في كل صورة محدثة فضيانا مكتسحا ..منسابا باندفاق لا يهدا..
اللغة في الرواية لجة هادرة..مضطربة..تتقافز ومضات الى اعماق التاريخ احداثا وفكرا ,,تنير بومضات خاطفة احداث الحاضر -الروائي-وتوميء بتوهجات برقية الى الاتي..انها لغة سيلانية تعدم الروابط حيث ينبغي ان تكون وتخلقها حبث لا يتصور ان تكون..
في لغة ابن منصور يتحد السرد بالتركيز بالايحاء..يتعادل الشكل والمضمون مما يرفعها درجة عالية في سلم الفن..انها لغة متسامقة ..متعرجة ,مخضبة بحناء الصوفية والقدسية ..حيث تتحول الافعال الى معادلات صوتية ونوتات روحية تملك سهولة الانسياب وخدرية الهمس والوخز ..لغة طافحة بضروب التبين والبيان والاقتباس من القران.
ففي حوار مع الامير نقرا:
((وستجدني ان شاء الله من الصادقين))
وفي سفره الطويل كتب يقول:
((..اذا قضيت الصلاة انتبذت مكانا قصيا))
وعن حكاية بناء اول مسجد بالمدينة :
((..هلك الكثير وقليل هم الصامدون))
وفي زهد الجدة:
((..الجسد الفاني المملوء بالغواية والذي ياكله الدود فيصير نسيا منسيا))
انها لغة متوترة هادئة سامية واطئة تتحول فيها الافعال الى شفرات روحية وفكرية متماشية مع مضمون الطرح -الصوفي- حبث يصير فعل: قال -كشف و-سأل-حار-صمت-سكن وتنهمر عبر الجمل والفقرات افعال: دهش-ارتجف-وجد-اراد- عشق-تطهر وغيرها من افعال الكمد والوجد في تعابير اسرة موحية خافقة في العلو والالق حيث:
((يسكن صوت الحجحوج صافيا السكون))
وحيث الاصابع بداية التوحد:
((بدات الاصابع تفتح الازرار واحدا واحدا في هدوء متعب ومغر..وعينايا تتبع فتح الصدر نزولا حتى اذا برز النهد الايسر تملكتني دهشة المنظر ورجفة الجسد))
وهكذا دواليك تطوع اللغة للارتقاء بجوهر الانسان الى ذراه العاطفية والفكرية لتكشف عن الترابط بين اعماقه ومعضلاته الروحية ,الفكرية والاجتماعية...
* * *
لقد حاو ل ابن منصور في (فصوص التيه) الخروج عن المالوف والنمطي ليشق طريق التفرد والتميز:
فدخل
حار
خلخل
وجرب
فاحدث تشققات في المتن والمعيار الروائي الجزائري ليترك مسربا -عله عريضا-لنور تجارب تاتي...
في اهائه الرقيق والجميل كتب ابن منصور:
((العزيز ع القادر اهديك هذا العمل ولك ان تتيه في فصوصه))
وفعلا تهت وتسائلت:
هل كان ابن منصور في عمله هذا : حائرا ام سائرا؟؟
راضيا ام ثائرا؟؟
فقد انهى روايته بشيء من الدهشة:
((وكان ما كان كان شيئا لم يكن))
زيتوني ع القادر