Fati المديــــر العــام
اسم الدولة : فرنسا
| موضوع: حول مفهوم الحجاج في الفلسفة الثلاثاء أغسطس 05, 2008 2:34 pm | |
| حول مفهوم الحجاج في الفلسفة - رويض محمد
وفي الختام ماذا عسانا أن نقول، سنقول ما قاله Paul Ricoeur إن الكتابة تسجيل مباشر لقصدية القول ونيته. هل سجلت هذه الكتابة نية ما أرادت أن تقوله كتابة؟ لكن شيئا هاما يحدث حينما تحل الكتابة محل الكلام، إنها تستدعي قارئا، ليصير المعنى الذي تحمله من إنتاج الكاتب والقارئ معا.إن الكتابة تقبل الانفصال عن قصد مؤلفها، فأن نقرأ معناه أن نسير في الطريق الفكري الذي تفتحه الكتابة أمامنا، أن نسلك الطريق صوب مشرق الكتابة. فالكتابة انفتاح، إنها تفتح المجال أمام ذات القارئ لتفعل فعلها، فعل تملك المكتوب.
يعتبر البحث في موضوع الحجاج عامة والحجاج الفلسفي على الخصوص ضربا من المغامرة الفكرية والمعرفية.
المغامرة لأن البحث فيه بحث في أسئلة ذات أبعاد فلسفية وأخرى لسانية وديداكتيكية. لهذا فلا يمكن أن يتأتى لنا البحث في هذا الموضوع إلا عندما نعمل على إدماج واستدخال تلك الأسئلة الفلسفية واللسانية والديداكتيكية المتعلقة به والبحث في اللحظة ذاتها عن سبل تجاوزها. فلنتصور على سبيل المثال أن Frédéric Cossuta وGaston Granger وAristot وPerleman وO.Ducrat وPina Ruiz وDominique Folscheid وMichel Le Doeuf وM.Tozzi وآخرون قد اختاروا موقف التوقف عند بروز بعض الإشكالات، كان هذا لو حدث، سيؤدي إلى عدم قيام هذه الاجتهادات والمواقف. وليس المهم أن نتفق مع هؤلاء ولا يهم أن يكون فكرهم على صواب أو نقيض ذلك بل المهم أن اجتهاداتهم قادت إلى بناء مواقف منحتنا الفرصة للتفكير معهم فيما فكروا فيه وفيما سكتوا عنه أو أبعدوه عن منطقة تفكيرهم. بهؤلاء، ولهؤلاء، ومع هؤلاء سيستمر تفكيرنا في موضوع الحجاج فلسفيا ولسانيا وديداكتيكيا لكن لا يمكن تحقيق استمرارية التفكير دون وجود مشكلات حقيقية تواجهه.
ولنأخذ أمثلة على ذلك نتبين بفضلها أنواعا من المشكلات التي ستطرح على مائدة البحث عندما نتأمل موضوع الحجاج وهذه بعضها:
ما هو بالتحديد الحجاج عامة والحجاج الفلسفي خاصة؟
ما الذي يميز الحجاج الفلسفي عن غيره؟ ومع من تتعارض الحجة الفلسفية: هل مع برهنة رياضية أم مع تحقيق تجريبي أم مع حجاج قانوني أو إشهاري؟
وما هي موجهات الحجاج الفلسفي واستراتيجيته؟
وكيف نسعف القراء على اكتشاف الحجاج الفلسفي؟ إن طرح هذا الجمهور من المشكلات جاء كاستجابة لعدة دواعي نذكر من بينها:
*أن التطورات النظرية واللسانية والديداكتيكية التي أحاطت بموضوع الحجاج تحثنا وتدعونا لتدقيق مفهومه واستراتيجيته وطرق تعلمه وتعليمه.
*ليس هذا فحسب بل وكذلك من أجل تحسيس آخر بوظيفة أساسية أخرى للغة لا تقل أهمية عن وظيفتها في تبليغ التفكير وإنتاجه، وعن وظيفتها في بناء المفاهيم الفلسفية: إنها الوظيفة الحجاجية. فاللسان البشري كما يقول O.Ducrot ذو وظيفة حجاجية، كما أن من يتكلم يسود ويسيطر كما يضيف R.Barthes.
*"فلا تواصل باللسان من غير حجاج، ولا حجاج بغير تواصل باللسان" يقول طه عبد الرحمان: فمثلا لو قال القائل "إن سوس موطن العلم" فإن السامع الذي لا يعلم بمضمون هذا القول لا يسلم له ذلك. بل يطالبه بأن يثبت صدق قوله، وللإجابة على هذا الاعتراض قد يقول هذا القائل "لقد ضمت سوس أقدم مراكز العلم وأكثرها عددا". فيعد جوابه هذا إثباتا للقول الأول، وكل إثبات هو حجة القائل.
*إن كل فلسفة تسعى إلى الإقناع، ولذا فإن مشكل المتلقين والقراء مطروح، أي مشكل الجمهور الذي يتوجه إليه الفيلسوف. وبما أن الفلسفة تريد أن تكون إقناعية فلا تستطيع أن تتجاهل ما يعتقده المتلقي أو القارئ في البداية. إنه عندما نبحث في البنية المنطقية للمتن الفلسفي ندخل في صميم العمل الفلسفي وطريقة بنائه لقضاياه وآلياته التعبيرية والاستدلالية وأساليبه المنطقية والبلاغية من قياس وبرهان بالخلف ومثال ومماثلة وأمثولة واستعارات. "ونحن إذ نفعل ذلك ننخرط كقراء مع الفيلسوف في تضاعيف ممارسته لفعل التفكير. لكن الفيلسوف وهو يمارس فعل التفكير يصدر عن قناعة مؤداها أن الفلسفة خطاب موجه إلى مخاطب كوني… ولذلك فإذا كانت الفلسفة بحثا مستمرا عن الحقيقية –وهي التي تقدم نفسها كمحبة للحكمة- فإنها كذلك سعي إلى تحويل تلك الحقيقة إلى قناعة عامة". ولتحقيق ذلك الطابع الكوني للخطاب الفلسفي يستنجد الفلاسفة بأشكال وأساليب متنوعة ومتباينة - ذلك أن الفلاسفة أحرار في أن يستعملوا من أجل البحث عن الحقيقة أي طريق يرونه نافذا إلى إقناع المتلقي بما يعتقدون أنه حق. فإذا كانت الفلسفة تستثمر وتوظف أدوات البرهان المنطقي من أجل البحث، فإنها سرعان ما تتخلى عن الصرامة المنطقية لصالح أدوات التبليغ، كما تصطنع مناهج بلاغية وجدلية تستهدف ليس فقط الإقناع بل الاستقطاب والتأثير واستفزاز الخيال. إنها بذلك تستنهض كل الملكات بقصد جعل الآخر ينخرط في حركتها الفكرية. وهذا ما يجعل النصوص الفلسفية طرفا في مناظرة تفترض وجود سائل فعلي أو مفترض ينبغي مجادلته ومحاورته وإقناعه. والرد المسبق والقبلي عن الاعتراضات التي يمكن أن تواجه بها تلك النصوص. ولذلك فإن النصوص الفلسفية أثناء تحضيرها وأبنائها تستحضر ذلك المتلقي أو القارئ المفترض".
*إنه إذا كان من غير الممكن القول بأنه لا تفكير فلسفي بدون تناول مفهومي، ولا تناول مفهومي دون تناول إشكالي، فإنه من الجائز بل من الضرورة القول كذلك بأنه لا تفكير فلسفي بدون عرض حجاجي. فالمضمون لا قيمة له داخل نسق فلسفي إلا إذا كان عليه برهان.
هل يمكن إذن بعد كل هذا أن نحتاج إلى التأكيد على أهمية وضرورة هذا العمل النظري الذي يكتسي طابع المغامرة الجريئة؟
إن التحكم في واقع الحجاج وممارسته بطريقة واعية يقتضي هذا البحث ويستلزمه، لجعل الحجاج في متناول المتلقي الذي يعاني من السذاجة والسطحية في التفكير، ويشكو من آفة العفوية في بناء الموقف والخطاب كما يمارس الإكراه والعنف كأسلوب للإقناع.
ويمكننا تدشين مقاربة وتناول مفهوم الحجاج الفلسفي بالوقوف في البدء على الدلالة اللغوية العامة لمفهوم الحجاج.
1 ـ في الدلالة اللغوية العامة لمفهوم الحجاج.
الحجة في اللغة تفيد الدليل. يقول الجرجاني في هذا الشأن: "الحجة ما دل به على صحة الدعوى وقيل الحجة والدليل واحد" ومن حيث المقتضيات كشروط لإمكان الحجاج، يقتضي الأمر وجود طرفين بينهما سجال أو جدال. يقول ابن منظور في لسان العرب: "الحجة ما دوفع به الخصم، وهو رجل محجاج أي جدل، والتحاج: التخاصم، وحاجه محاجة وحجاجا، نازعه الحجة" والحجاج جملة من الحجج التي يؤتى بها للبرهان على رأي أو إبطال، أو هو طريقة تقديم الحجج والاستفادة منها. "والمحاجة هي إنتاج مجموعة حجج مرتبة بطريقة ما قصد إثبات أو تفنيد قضية من القضايا. وقد تعني المحاجة بتوسيع دلالتها كل وسائل الإقناع باستثناء العنف والإكراه". ومن حيث البناء فالحجاج ينبني على منطلقات غير يقينية، فميدانه هو الاحتمال وليس ميدان الحقائق البديهية المطلقة، فهناك دائما قسط من الشك مما يدفعنا دائما إلى البحث عن حجج من أجل تحقيق درجة أعلى من الإقناع. أما من حيث الوظيفة والدور فالحجاج أداة تسعى إلى إقحام الخصم وإقناعه بمشروعية وصلاحية الموقف.
| |
|
Fati المديــــر العــام
اسم الدولة : فرنسا
| موضوع: رد: حول مفهوم الحجاج في الفلسفة الثلاثاء أغسطس 05, 2008 2:35 pm | |
| ويمكننا أن نستنتج من هذا التحديد الدلالي اللغوي الخلاصات التالية:
ـ أن الحجاج يهدف إلى تأسيس موقف ما ومن هنا فهو يتوجه إلى متلقي، إنه يبحث دائما لأخذ قبول وموافقة ذلك المتلقي.
ـ أن الحجاج يعتمد على تقديم عدد كبير من الحجج مختارة اختيارا حسنا ومرتبة ترتيبا محكما لتترك أثرها في المتلقي، وهذه الخاصية تجعله يتميز عن البرهنة.
ـ أن الحجاج يتعلق بالخطاب الطبيعي من جهتي الاستعمال والمضمون، فهو ذو فعالية تداولية جدلية.
ـ أن الحجاج يهدف إلى جعل العقول التي يتوجه إليها تنخرط في الأطروحة أو الدعوى.
ـ أن مجال الحجاج هو مجال الاحتمال وليس مجال الحقائق البديهية المطلقة.
وفي هذا المستوى بالذات يلتقي التحديد اللغوي العام لمفهوم الحجاج بالتحديد الفلسفي لهذا الأخير حيث أن ذلك المفهوم لا يهدف في دلالته الفلسفية إلى البرهنة بالمعنى العلمي لأن للبرهان:
*خاصية لا شخصية Caractère impersonnel
*أنه ضمنظري intrathéorique
*أنه عملية استدلالية في شكل متوالية من الرموز التي لا دلالة لها بذاتها، إنه نص اقتراني استدلالي حسابي "ويلزم عن هذه الخاصية الحسابية للبرهان، أنه في الإمكان إقصاء المستدل إقصاء كليا… إن طبيعته آلية صورية لاهتمامه بالعلاقات دون المضمون المادي للقضايا".
*أنه أحادي المعنى Univoque لأنه يرتبط باللغة الاصطناعية لا اللغة الطبيعية ومن هنا استقلاليته عن كل فعل تداولي.
*إنه لا يتوجه إلا لذاته.
إن مفهوم الحجاج في دلالته الفلسفية يسعى إلى الوصف والإظهار والكشف عن المنطق الداخلي للخطاب لمعرفة مدى تماسك وانسجام عناصره، ومدى صحة حججه وأدلته، وهي النتيجة التي ينتهي إليها Gaston Granger في تحليله ودراسته لطبيعة الحجاج الفلسفي.
2 ـ "الدلالة الفلسفية لمفهوم الحجاج" نموذج غرانجي:
إذا كانت الفلسفة نمطا من المعرفة فلا مناص من أن تكون مفاهيمية، إلا أن مفاهيمها لا تصف موضوعات، فهي مفاهيم بدون موضوعات، إنها فوق المفاهيم لأنها لا تعني أي واقع ولا تدل عليه، ولكن مهما يكن ابتعاد مفاهيم الفلسفة عن التجربة فإنها تحيل على الواقع المعيش من حيث هو نسق كلي من الدلالات.
لم يكن القول الفلسفي قولا مباشرا حول المعيش الإنساني، بل كان دائما قولا غير مباشر، فلم يحضر ذلك المباشر داخل الخطاب الفلسفي إلا بواسطة خطابات أخرى. فما تعرضه إذن المعرفة الفلسفة لا يتعلق بصور الموضوع بل بتنظيم المعيش. ولهذا يتعين فحص طبيعة قوة وتماسك نسيج المفاهيم الذي تعده المعرفة الفلسفية، وتوضيح بأي شكل تنتمي إلى نسق منطقي دون أن تختزل إليه، وذلك ما لا يتأتى إلا عبر التأمل في طبيعة الممارسة البرهانية الخاصة بالفلسفة. لا يخلو مفهوم البرهنة يقول Granger من التباس وغموض، ذلك أن المجال المفاهيمي الذي تشير إليه كلمة "برهن" démontrer تنتمي إليه أشكال ومتغيرات "صلبة". هناك بالتأكيد درجات من الصلابة بدءا بالاستنباط المنطقي وصولا إلى إرجاءات إثبات القوانين التجريبية، درجات يكون هدفها هو إقامة خصائص الموضوعات، وهذا ليس هو حال الفلسفة، لأن الفلسفة لا تنظم وقائع وإنما دلالات.
إن الفعل الفلسفي فعل تأملي وليس موضوعيا أي ضربا من العلم السامي، لكن هذا لا يفيد أنه فعل ذاتي أي تعبير شعري وعاطفي عن حالات نفسية. إن الفلسفة تشكل معرفة حقيقية لا يمكن إرجاعها إلى المعرفة العلمية ولا يمكن أن تنوب عنها بأي حال، إنها معرفة قادرة على أن تتسم بالدقة وإن لم تكن برهانية، ومعرفةبدونموضوع مهما يكن في ذلك من مفارقة.
يتعلق الأمر إذن في "البرهنة" الفلسفية بنوع من تسلسل مقنن للمفاهيم الواصفة Métaconcept، إن التبرير في الفلسفة يختلف عن تدبير الحجة في مجالات المعرفة الموضوعية، ذلك أنه إذا كان باستطاعتنا الفصل بصدد المعرفة الموضوعية بين الجهاز الخطابي L’appareil Rhétorique والجهاز التحليلي l’appareil analytique، فإنه في مجال الفلسفة لا يمكن تعويض اللقاء المباشر بنصوص الفلاسفة لأنه يصعب الفصل بين جهاز بناء الخطاب وجهاز تحليله في حين أننا بإمكاننا الاستغناء عن قراءة المذكرات الأصيلة للعلماء للاطلاع على إنتاجهم العلمي.
ولكي يتم تبين خصوصية "البرهنة" في المعرفة الفلسفية يدعونا غرانجي Granger إلى التفكير في مفهومين أساسيين تمارس البرهنة الفلسفية من خلالهما وهما الخطابة La rhétorique والتحليلية l’anlytique.
1-الخطابة الفلسفية La rhétorique philosophique:
يتحدد مفهوم "الخطابة" من منظور غرانجي من حيث إنه يهدف إلى تحقيق أثر ما وإحداث تأثير، ويمكن أن نميز هنا بين نمطين لتحقيق التأثير:
الأول مباشر حيث يقصد المرسل من المتلقي فهم معنى الخطاب في حقيقته وإدراك مصداقيته.
أما الثاني فهو غير مباشر حيث يكون القصد هو خلق الاستعداد لدى المتلقي لتسهيل التأثير من الدرجة الثانية، أي التأثير الذي يبحث عنه المرسل بالذات. ويمكن أن يكون هذا التأثير من طبيعة وجدانية أو من طبيعة معرفية.
ليست الخطابة الفلسفية من النمط المباشر لأن الأمر لا يتعلق بوضع حقيقة ملزمة أمام نظر المتلقي، ولهذا فهي –أي الخطابة الفلسفية- من النمط غير المباشر الذي يقصد خلق حالة قابلية الانفعال اتجاه العمل الفلسفي. هناك بالفعل فلاسفة استعملوا الخطابة كتأثير مباشر وعاطفي لكن هذا النوع من الخطابة يجازى بأن يترك القارئ في وسط الطريق مأخوذا بلعبة الصور. إن الخطابة الفلسفية إذن تبحث عن التأثير غير المباشر دون اللجوء إلى تأثيرات أولية من النمط العاطفي. إن غايتها هي خلق حركات التفكير عبر المفهوم وبه. وفي هذا الإطار يحدد Granger ثلاثة أنماط/مظاهر لتجلي الخطابة الفلسفية.
*تتمظهر الخطابة الفلسفية من خلال استعمال الحوار والتساؤل لشد انتباه القارئ وقيادته نحو الحقيقة.
*تتمظهر –ثانيا- في استعمال الفليلسوف للغة الطبيعية لتوجيه المحتويات ولما تقدمه من إمكانات استدلالية وحجاجية وبلاغية.
لكن تنظيم هذه المحتويات يرافقه خلق معنى "منحرف" Oblique، ولعل اللجوء إلى الاستعارة أبرز تجسيد لهذا المظهر الخطابي، إنها من أهم الخصائص الجوهرية للغات الطبيعية.
*وتظهر –ثالثا- من خلال استحالة استغناء الفيلسوف عن اللغة المشتركة، ومعطيات النسق اللساني، لكنه لا يتوقف عن تحويل قواعده وتغيير إيقاعاته الاستعمالية والمتداولة، بل يكسبها قيما تكون أحيانا جديدة وتأخذ أحيانا أخرى شكل تعميق وتوسيع وإغناء بعض وظائف اللغة وذلك محاولة منه بناء مفاهيم بدون موضوعات. لا تمارس "البرهنة" الفلسفية من خلال الخطابة فقط. فهذا وجهها الأول أما وجهها الثاني فإنه يتمثل في التحليلية.
2-المنهج الفلسفي التحليلي L’Analytique philosophique
"والمقصود بالتحليل هنا معناه عند أرسطو، أي تسلسل القضايا من أجل الوصول إلى معرفة "برهانية" وأنه ما من فلسفة إلا وتتسلسل فيها القضايا والمفاهيم. ونرفض أن نعتبر فلسفيا كل خطاب ينحصر في وضع هذه القضايا والمفاهيم جنبا إلى جنب. ولكننا لا نستطيع أن ننظر إلى الاستدلال الفلسفي على غرار ما في الخطاب العلمي. وقد عبر كثير من الفلاسفة عن ذلك بقولهم إن الاستدلال الفلسفي لا يبرهن، وإنما يبين أو ربما يصف".
يستخدم غرانجي Granger التحليلية L’analytique بالمعنى الأرسطي من أجل تحصيل معرفة مبرهن عليها. تفترض البرهنة –بمعناها المنطقي- نسقا صوريا حيث تكون اللغة المستعملة قابلة لاختزالها في نسق من الرموز يمكن تكرارها، لكن السؤال الأساسي هنا هو:
كيف يمكن اختزال الخطاب الفلسفي إلى مثل هذه الشروط "المتواضعة"؟ وهل يمكن إخضاع المعرفة الفلسفية لنموذج صوري؟
بدون شك لا يمكن للمنطوقات الفلسفية أن تماثل صياغات رمزية أحادية المعنى Univoque، وأن تختزل إلى صيغ تخضع للقواعد العادية للمنطق متخلية بذلك عن محتوياتها. إن إخضاع الفلسفة لنموذج يعني إفراغ المفاهيم من مضامينها، بينما تعبر المفاهيم الفلسفية عن واقع في وحدانيته وليس في تمفصله إلى موضوعات. وإذا كنا نستطيع تناول الاستدلال الفلسفي كما نتناول الاستدلال العلمي، فإن ما يميز الأول عن الثاني هو قيامه على فعل الإظهار Montrer وليس على فعل البرهنة Démontrer. لا يكفي إذن في الحجاج الفلسفي الوقوف عند الصياغات والمعايير العامة، ذلك أن الحجة داخل النصوص الفلسفية تأخذ ألوانا متعددة حسب رهان هذه الفلسفة أو تلك.
| |
|
Fati المديــــر العــام
اسم الدولة : فرنسا
| موضوع: رد: حول مفهوم الحجاج في الفلسفة الثلاثاء أغسطس 05, 2008 2:36 pm | |
| وإذا حاولنا أن نستجمع في نهاية هذه المقاربة الفلسفية للحجاج الفلسفي كل العناصر والمعطيات والمحددات السابقة أمكننا أن نستنتج ما يلي:
1 – يأخذ الحجاج الفلسفي مظهر "خطابة" تتوخى التأثير غير المباشر، فهو لا يخضع –أي الحجاج الفلسفي- لتحليلية مبنية على قواعد صورية منطقية تفقر مضمونه، ولا للصدق الذي تفرضه التجربة الأمبريقية. فلمحتوى المفاهيم دور أساسي فلا نقتصر على العلاقات الصورية بينها.
2 – أن الخطاب الفلسفي جزء أو قطعة من اللغة الطبيعية فهو مضطر إلى أن يشتغل عليها لأنها اللغة التي تضمن له شموليته، لكنه مضطر في اللحظة ذاتها إلى أن يعيد بناءها لتلائم وتوافق طابعه المفاهيمي التجريدي. إن هذا الاشتغال على اللغة الطبيعية هو الذي يجعل النصوص الفلسفية تنهل من أدوات الاستدلال المنطقي وجمالية الأساليب البلاغية.
3 – إن الفلسفة وإن كانت تتخذ البرهان كأساس للاستدلال فهي لا تتماهى معه بكل ما يحمله من دقة وصورنة لأنها –أي الفلسفة- تريد أن تكون إقناعية فلا تستطيع أن تتجاهل ما يعتقده المتلقي في البداية. فالفيلسوف لا يستطيع أن يقنع أحدا إلا إذا انطلق من معتقدات الآخر/المتلقي وعواطفه.
إن الفيلسوف وإن قلنا بضرورة البرهان عنده يكون ملزما بعد البرهان على دعواه أن يقنع بها المتلقي.
4 – ينتج عن ذلك أن البنية المنطقية للنص الفلسفي تشير إلى كل الآليات والعمليات التي يتوسل ويتدرع بها الفيلسوف لإثبات دعواه سواء أكانت تلك الآليات برهانا أو أمثلة أو استعارات ومجازات، أو حجاجا.
إن إبراز هذه الأساليب المنطقية والبلاغية أثناء تفكيكنا للبنية المنطقية للنصوص الفلسفية هو الذي يساهم في تحديد وضع المخاطب أو المتلقي ويضمن إيجابية القراءة ويقظتها.
ومن أجل التمكن من إبراز هذه البنية يمكن أن نستعين بمثل هذه الأسئلة:
ـ ما هي مكونات البنية المنطقية لهذا النص؟
ـ ما هو الأسلوب المهيمن عليه: البرهاني أم البلاغي؟
ـ لماذا اختار أسلوبا معينا ضمن أساليب متعددة؟
ـ كيف يقدم دعواه أو أطروحته ويمارس عملية الإقناع؟
ـ ما هي استراتيجية حجاجه ورهاناته؟
لكن هل الحجاج تقنيات بلاغية وتقنيات منطقية فقط أم أنه إلى جانب ذلك آليات لغوية؟
3 – "من المقاربة الفلسفية للحجاج إلى المقاربة اللغوية" نموذج ديكرو
فالحجاج باعتباره آليات لغوية محضة هو ما يشكل موضوع "نظرية الحجاج في اللغة".
فالحجاج داخل هذه النظرية ظاهرة لغوية نجدها في كل قول وفي كل خطاب، كما نجده في الأسماء والأفعال والظروف والحروف، نجده باختصار في كل ظواهر اللغة.
قد يكون إذن من المفيد استلهام نموذج O.Ducrot وبالخصوص كتاب السلميات الحجاجية. فما هي مبادئ ومنطلقات هذه النظرية؟ وما هي قواعد السلم الحجاجي؟
تنطلق نظرية O.Ducrot اللسانية من ثلاثة مبادئ أساسية هي:
ـ المبدأ الأول أن الوظيفة الأساسية للغة هي الحجاج؛
ـ المبدأ الثاني أن المكون الحجاجي في المعنى أساسي، والمكون الإخباري ثانوي؛
ـ المبدأ الثالث عدم الفصل بين الدلالات والتداوليات.
وينبغي الإشارة في هذا الإطار إلى أن الظواهر الحجاجية اللغوية التي تم التركيز عليها واسترعت اهتمام Ducrot هي الروابط الحجاجية النحوية مثل الواو –الفاء- ثم. والروابط التداولية الحجاجية نحو : بل –لكن – حتى – لا سيما. فمثلا إذا كان الواو داخل نص ما يحقق الانسجام النحوي فإن "لكن" يحقق الانسجام التداولي والحجاجي، كما أن الدليل الذي يرد بعد "لكن" يكون أقوى من الدليل الذي يرد قلبها وتكون له الغلبة بحيث يتمكن من توجيه القول بمجمله. وهكذا فالروابط الحجاجية التداولية تسمح لنا في كل مرة بإنشاء علاقات حجاجية جديدة كما تسمح لنا بالربط بين متغيرات حجاجية (بين حجة ونتيجة أو بين مجموعة حجج).
إن التركيز على هذه الظواهر الحجاجية اللغوية يدعونا إلى التعاطي مع الحجاج ودراسته على مستويين:
أ ـ مستوى خارجي حيث يشكل النص في كليته حجة
ب ـ ومستوى داخلي حيث يتجسد الحجاج في المعجم والروابط الحجاجية والاستعارات والأفعال اللغوية.
وفي هذا المستوى من العمق نفهم أن المؤلف لا يهدف إلى إخبار المتلقي، ولا يقصد تقديم المعلومات بل يسعى إلى التأثير في المتلقي ودفعه إلى اتخاذ موقف ما من القضية التي تشكل موضوع التفكير، وعندما نستعمل لفظة التأثير، نستعمله من المنظور الحديث الذي يعتبر اللغة فعلا وحجاجا وليست نقلا للمعلومات وإخبارا عنها. وأما قواعد السلم الحجاجي فتنبني على مفهوم السلم الحجاجي وقوانينه.
"وتعريف "السلم" أنه مجموعة غير فارغة من الأقوال مزودة بعلاقة ترتيبية ومستوفية للشرطين التاليين:
*أن كل قول يقع في مرتبة ما من السلم يلزم عنه مايقع تحته، بحيث تلزم عن القول الموجود في الطرف الأعلى جميع الأقوال الأخرى.
*وأن كل قول في السلم كان دليلا على مدلول معين كان ما يعلوه مرتبة دليلا أقوى.
فمثلا الجمل: "حصل زيد على الشهادة الابتدائية" و"حصل على الشهادة الثانية" و"حصل على شهادة الإجازة" تشكل سلما مدلوله كفاءة زيد العلمية.
وهكذا فإن القول الأخير (حصل زيد على شهادة الإجازة) هو الذي سيرد في أعلى درجات السلم الحجاجي، فحصول زيد على الإجازة هو أقوى دليل على كفاءة زيد وقيمته العلمية. فالحجج تكون إذن متفاوتة في قوتها الحجاجية. فالأقوال الاستعارية مثلا تبدو أعلى حجاجيا من الأقوال العادية وتقوم الاستعارة بدور مماثل لدور بعض الروابط الحجاجية المشار إليها كـ: لكن – بل – حتى. فالحجة التي ترد عادة بعد هذه الروابط تكون أقوى حجاجيا.
ويمكننا في نهاية هاتين المقاربتين –الفلسفية واللسانية- أن نستخلص مجموعة من القواعد كخطوات تصلح لتحديد مراحل المقاربة الحجاجية فيما يلي:
ـ القاعدة الأولى: موضعة النص بتحديد موقعه داخل تاريخ الفلسفة ووضعه بالنسبة للفيلسوف ولمؤلفاته.
ـ القاعدة الثانية: تحديد النص داخل نمط حجاجي خاص بالجواب عن السؤال التالي: إلى أي نمط حجاجي ينتمي هذا النص، هل إلى النمط الجدلي، أم النمط البرهاني، أم النمط التكويني، أم النمط الأمري….
ـ القاعدة الثالثة: تحديد الجهاز التلفظي في النص بالإجابة عن سؤالين: من يتكلم ؟ qui parle وإلى من يتكلم ؟ à qui وبعد ذلك تحديد وظائف هذا الجهاز التلفظي.
ـ القاعدة الرابعة: تحديد البنية المنطقية والخطابية للنص وذلك بالوقوف على الروابط المنطقية (ثم – فـ – و – إذ أن – لأن – إذا – بناء عليه – والحالة هذه – لو أن – لو – إن كان – إن – أم – إلا – هناك – هنالك – مثلما) والروابط الحجاجية (حتى– لا سيما–بل–لكن).
ـ القاعدة الخامسة: تحديد أهداف المحاجة بالوقوف على نظام الحجاج، وعلى الأطروحة المعبر عنها وعلى موجهاته (هل تتوجه المحاجة إلى العقل؟ في هذه الحالة الجهاز التلفظي يتحول من ضمير الأنا إلى ضمير الجمع (Le Je devient Nous)؛ أو تتوجه إلى القلب أو الجانب الخيالي؟)
ـ القاعدة السادسة: تحديد في النهاية استراتيجية المحاجة بالإجابة عن التساؤلات التالية:
هل أهداف المحاجة تحققت أم لا؟ هل تحقق انخراط المتلقين في الأطروحة؟ وما هو الجمهور المعني بالأمر؟ وهل الحجج المقدمة من طبيعة حديثة أو تقليدية؟
لكن هذا الوضع الذي يجعل الوعي بالحجاج الفلسفي، مميزاته، وظائفه وموجهاته واستراتيجيته أمرا ضروريا وجوهريا يطرح علينا عدة إشكالات على صعيد تنفيذه وتحويله إجرائيا. وتطرح المشكلة على الصعيد الديداكتيكي بصيغة السؤال، ما هي العوائق التي تعوق المتلقي للوصول إلى الحجاج الفلسفي؟ وكيف يمكننا التغلب عليها؟
4 – "المقاربة الديداكتيكية للحجاج الفلسفي" نموذج Tozzi وCarré وBenoit أو (مجموعة مونبوليي):
تعتبر القدرة على المحاجة Argumentation أداة هامة من أدوات التفكير الفلسفي إلى جانب القدرة على المفهمة Conceptualisation، والقدرة على الأشكلة Problématisation. إنها اللحظة التي يصل ويبلغ فيها فعل التفلسف إلى أبعد مداه وهذا يعني أهمية المحاجة كهدف نواتي مركزي في تعلم التفلسف. وإذا كان الأمر على هذا القدر من الأهمية فما هو نموذج الحجاج الفلسفي؟ إن توضيح ذلك يتطلب طرح أسئلة أساسية مثل: ماذا يعني الحجاج الخاص بالفلسفة؟ وما هو وضع الحجة في الفلسفة؟
ليس هناك نموذج واحد للحجاج في الفلسفة، وهكذا يمكن لكل مدرس أن يبني ويختار مفهومه للحجاج الفلسفي ويصرح به للمتلقين أو يجعلهم يكتشفونه. إن المهم والأساسي هو أن نجيب على السؤال: ما هو المطلوب من المتلقين فيما يخص الحجاج الفلسفي؟
| |
|
Fati المديــــر العــام
اسم الدولة : فرنسا
| موضوع: رد: حول مفهوم الحجاج في الفلسفة الثلاثاء أغسطس 05, 2008 2:37 pm | |
| وفي هذا الإطار –تقول مجموعة البحث الفرنسية: توزي وكاري وبونوا- يمكن تقديم الحد الأدنى الذي يجب أن تكون عليه الحجة على مستوى المعايير الصورية للحجاج:
ـ ألا تناقض الحجة نفسها
ـ أن تكون الحجة منسجمة مع الأطروحة المدافع عنها
ـ أن تكون الحجة منسجمة مع حجج أخرى تدافع عن نفس الأطروحة.
في الحجاج الفلسفي يتعين أن نعي العوائق التي تعترض المتلقين، وهكذا ينبغي العمل على:
*إخراج المتلقي من وجهة نظره الخاصة بإزاحة خصوصيته الأمبريقية في اتجاه العقل الكوني.
*جعل هذا المتلقي يعي أننا في الحجاج الفلسفي ننخرط في فضاء محبة الحكمة.
*مساعدة ذلك المتلقي على إدراك وضع المثال في الفلسفة من حيث إن هذا الأخير لا قيمة له في الفلسفة إلا إذا كان موضوعا لتحليل نظري "فقد كان الإمبريقي عنصرا خارج الفكر الفلسفي على الدوام. لنأخذ كمثال على ذلك سقراط Socrate. لقد كان سقراط موضوع تفكير العديد من الفلاسفة، لكن سقراط في تفكير هؤلاء الفلاسفة ليس هو ما يدخل في تصور الإنسان بالرغم من كونه إنسانا، بل يمثل تجربة فلسفية فريدة داخل تاريخ الفلسفة. وما كان يهم أولئك الفلاسفة هو سقراط الفيلسوف الذي ارتبط في تجربة التفلسف بالموت، وهذا ما لا ينطبق على كل إنسان. سقراط ليس مجرد مثال داخل خطابات هؤلاء بل هو المثال بامتياز". ليس المثال إذن هو الواقع بل هو جزء من سلسلة برهانية داخل القول الفلسفي. فاستخدام المثال واستعماله يدخل ضمن عمليات العرض والإثبات والبرهنة (لنستحضر هنا مثال الشمع عند ديكارت، أو مثال الطفل وهو يلقي أحجارا داخل النهر ويتأمل حركتها عند هيجل Hegel وهو يتحدث عن الحاجة إلى الفن.
*مساعدة المتلقي كذلك على إدراك كون:
ـ التجربة الشخصية لا تأخذ معناها في الفلسفة إلا في شروط معينة من الكونية.
ـ الإحالات والاستشهادات مثال لفكر فعلي.
لكن كيف نجعل المتلقي يكتشف الحجاج الفلسفي؟ تقترح مجموعة البحث الفرنسية بعض المقتضيات نشير إلى بعضها:
*إقامة الحجة فلسفيا: يتعلق الأمر هنا بجعل المتلقي يكتشف من خلال التناقضات بين الحجج الفلسفية والحجج غير الفلسفية في علاقتها مع النموذج الحجاجي للأستاذ، خصائص الحجاج الفلسفي ثم جعل هذا المفهوم –أي خصائص مفهوم الحجاج الفلسفي- إجرائيا بدفع المتلقي إلى تمييز ما إذا كانت هذه الحجة أو تلك فلسفية أم لا وعلى أن ينتج هو نفسه حججا فلسفية وغير فلسفية (قانونية أو إشهارية).
*إقامة الحجة على الشك أو الشك في إثباتات ما بالانطلاق من رأي وإقامة الحجة على رفضه كأطروحة بهدف وضعه موضع سؤال، ولتوضيح ذلك نأخذ المثال التالي:
إثبات البحث عن اعتراضات عقلية صياغة تساؤل
على الأطروحة
أعرف الواقع لكن الحواس تخدعنا هل معرفة الواقع
بواسطة الحواس أحيانا بواسطة الحواس ممكنة؟
*الاشتغال على الحجج كمعارضة حجة بحجة من نفس الطبيعة أو من طبيعة مخالفة، كمعارضة حجة تقنية بحجة من طبيعة أخلاقية.
في الحجاج الفلسفي –ترى مجموعة البحث الفرنسية- إنه من المفيد التفريق بين عمليتين مختلفتين:
أ ـ بناء لحظة من الحجاج في مرحلة معينة من التفكير
ب ـ القدرة على إدراك التفمصلات المنطقية والبنيات التي تعبر عنها: علة/تأثير، مبدأ/نتيجة، وكذا الروابط اللغوية المناسبة، لكن – إذن – غير أن – بل – أي – حتى…
ضرورة الوعي بأهمية القياس، باعتباره يؤدي إلى صرامة الفكر: إذا كان… فإنه، وباعتباره يبين الضرورة في الاستنتاج.
إن هدف الحجاج الفلسفي –إضافة إلى ما ذكر- هو المساهمة في تأسيس فكر مستقل انطلاقا من الوعي بكون:
*الإحالة أو الاستشهاد تبقى توضيحا وليست أبدا حجة.
*السيرورة الحوارية أساسية لأن التركيب ينبني على حجج متناقضة.
لكن إذا كان الخطاب الفلسفي بضعة من اللغة الطبيعية يجري عليه ما يجري عليها، فلا مضامينه بمعزل عن تأثير محتويات هذه اللغة، وإذا كانت حقيقة الاستدلال في الخطاب الطبيعي أن يكون حجاجيا لا برهانيا صناعيا، إذا كان هذا هكذا فينبغي:
ـ التخلص من الفكرة المتداولة عن الخطاب الفلسفي التي تعتبره خطابا منطقيا فقط وإعادة الاعتبار للبلاغة كمكون طبيعي ضمن ذلك الخطاب.
والتخلص من كل تصور يضع فاصلا صوريا بين الفلسفة بوصفها خطابا مفاهيميا ومنطقيا وبين الفن والدين بوصفهما مجال سيادة التشخيص والاستعارات. لقد كان الفكر قبل نيتشه يقيم تناقضا بين الخطاب الفلسفي والخطاب الديني، لكن نيتشه نبش البنية المشتركة بينهما كاشفا بذلك عما يوظفه كل منهما من التراكمات الدلالية والألاعيب المجازية. فالنصوص سواء، لا يهم الفرق بينها من حيث المضامين وإنما المهم كيفية انبناء الخطاب وطريقة تشكله وآليات اشتغاله، هنا يمكن الجمع بين النص الفلسفي والنص النبوي إذ كلاهما يشكل نصا لغويا وكلاهما يتألف من وقائع خطابية.
وفي الختام ماذا عسانا أن نقول، سنقول ما قاله Paul Ricoeur إن الكتابة تسجيل مباشر لقصدية القول ونيته. هل سجلت هذه الكتابة نية ما أرادت أن تقوله كتابة؟ لكن شيئا هاما يحدث حينما تحل الكتابة محل الكلام، إنها تستدعي قارئا، ليصير المعنى الذي تحمله من إنتاج الكاتب والقارئ معا.
إن الكتابة تقبل الانفصال عن قصد مؤلفها، فأن نقرأ معناه أن نسير في الطريق الفكري الذي تفتحه الكتابة أمامنا، أن نسلك الطريق صوب مشرق الكتابة. فالكتابة انفتاح، إنها تفتح المجال أمام ذات القارئ لتفعل فعلها، فعل تملك المكتوب . ----------------
المراجع:
1 بالفرنسية:
F.Cossuta : Eléments pour la lecture de textes philosophiques. Bordas, Paris, 1989. Henri Djian – J.François Rousseau : Le texte argumentatif, E.Hachette, Education. M.Meyer : Logique, langue et argumentation, E.Hachette, Universitaire. I.N.R.P. La lecture philosophique. La dissertation sur texte. E.Hachette, Education. J.Claude Anscombre / Oswold Ducrot : L’argumentation dans la langue. E.Bruxelles 1983. I.N.R.P. La dissertation philosophique, la didactique à l’oeuvre, E.Hachette, Education. M.Tozzi : Etude d’une nation, E.Hachette, Education. Henri Pena. Ruiz : La dissertation. Bordas 1986. Jacqueline Rues : Les méthodes en philosophie, E.Armand Colin. M.Tozzo – Patrick Ba– Claude Vincent – M.Benoit : Apprendre à philosopher dans les lycées d’aujourd’hui, E.Hachette, Education. Dominique Folscheid –J.J-Wunenburger : Méthodologie philosophique, PUF, 1992. Michel Tozzi : Apprendre à raisonner. D.Maingueneau : L’analyse du Discours. Introduction aux lecteurs de l’archive, E.Hachette. G.Gaston Granger : Pour une connaissance philosophique. Ed. Aubel Jacob 1988. 2 – بالعربية:
د.الطاهر وعزيز، المناهج الفلسفية، المركز الثقافي العربي، الطبعة 1، 1990.
طه عبد الرحمان، في أصول الحوار وتجديد علم الكلام، المؤسسة الحديثة للنشر والتوزيع، الطبعة 1، 1987.
3 – المجلات والوثائق التربوية:
م المناظرة،العدد 4، السنة 1991.
م دراسات سيميائية أدبية لسانية، العدد 7، السنة 1992.
م الفكر العربي المعاصر، العدد 100-101، السنة 1993.
و.تربوية حول تداريب استكمال تكوين أساتذة الفكر الإسلامي والفلسفة بالتعليم الثانوي.
التيجانية فرتات، فؤاد الصفا، الحسين سحبان: عناصر الكتابة الفلسفية، الطبعة 1، 1987.
طه عبد الرحمان، (التواصل والحجاج)، منشور بمجلة كلية الآداب بأكادير.
4 – القواميس والمعاجم بالعربية والفرنسية:
معجم علوم التربية، مصطلحات البيداغوجيا والديداكتيك، سلسلة علوم التربية، 9-10، الطبعة 1، 1994.
محمد عزيز لحبابي، المعين في مصطلحات الفلسفة والعلوم الإنسانية، الجزء 1، الطبعة 1، 1977، دار الكتاب البيضاء.
جميل صليبا، المعجم الفلسفي، دار الكتاب اللبناني، بيروت-لبنان.
ابن منظور، لسان العرب، المجلد الثاني، ص570.
A.Lalande : Vocabulaire technique et critique de la philosophie.
Jacqueline Russ : Dictionnaire philosophie | |
|