ستيفين هوكنج (ولد 1942)
ولد ستيفن هوكنج (Stephen Hawking) في اكسفورد في المملكة المتحدة أثناء الحرب العالمية الثانية وكان والداه يعيشان في لندن، غير أن اتفاقا كان قد ابرم بين ألمانيا النازية وبريطانيا حول عدم قصف اكسفورد وكيمبردج، ولهذا السبب ذهبت والدته إلى اكسفورد لتضعه في أمان. وعاش طفولته أثناء وبعد الحرب في إحدى ضواحي لندن، حيث كان يقيم العلماء والأكاديميون الإنجليز. وكانت المدرسة التي درس فيها تتبنى منهجا تعليميا خاصا تمخض عنه أن ستيفين لم يتعلم القراءة قبل الثامنة من العمر.
ويقول هوكنج انه كان منذ الطفولة شغفا بالألعاب التي كانت تمكنه من التحكم بالأشياء. فكان لا يأبه لشكل الطائرات والقارب التي يصنعها كلعب طالما أنها كانت تعمل! وعند انتقاله لكتابة أطروحة الدكتوراه في الفلكيات اعتقد أن في ذلك تجسيدا لطموحه القديم: "إذا استطعت أن تفهم كيف يعمل الكون، فستتمكن من السيطرة عليه بطريقة ما!
أمضى دراسته الجامعية في اكسفورد ومن ثم في كيمبردج. وقد أصابه مرض (motor neurone disease) في بداية التحاقه ببرنامج الدكتوراه في كمبردج. وكاد أن يتوقف عن البحث بسبب المرض وعدم ودود أمل في الشفاء والتحسن، أو حتى في وقف التدهور حيث صارت قدرته على التحكم بأعضائه تقل تدريجيا. بيد أن علاقة نشأت بينه وبين فتاة أراد أن يتزوجها دفعته إلى الاستمرار في البحث لكي يستطيع الحصول على عمل لكسب العيش. وقد تزوجها فعلا في عام 1965.
استمر في أبحاثه في مجال النظرية النسبية حتى العام 1970. وفي الأعوام 1970-1974 بحث في مجال الثقوب السوداء. وانتقل بعد ذلك إلى البحث في مجال المقاربة بين النظريتين النسبية والكوانتية.
وأصبح هوكنج منذ حين، من اشهر الفيزيائيين في العالم المعاصر. حتى يقال أنه الأكثر شهرة بعد اينشتين. وهو يتحرك على كرسي ذي عجلات، ويستخدم الحاسوب في الكتابة والمحادثة مع الآخرين، حيث تم تطوير نظام حاسوب خصيصا له يحوّل ما يطبعه إلى كلمات ينطق بها جهاز محوسب، وقد قام بإلقاء محاضرات عامة باستخدام الجهاز.
النص الذي نقرأه هو الفصل الأول من أحد كتابين للمؤلف "تاريخ مقتضب للزمن - من الانفجار العظيم إلى الثقوب السوداء" (A Brief History of Time - From the Big Bang to Black Holes)، يشرح فيه هوكنج كيف يرى علم الفيزياء الكون.
هوكنج: مختارات من كتاب "تاريخ مقتضب للزمن"
تصورنا عن الكون
في محاضرة عامة عن علم الفلك ألقاها أحد العلماء المشهورين (البعض يقول إنه برتراند راسل) وصف هذا العالم كيف أن الأرض تدور حول الشمس. وكيف أن الشمس بدورها تدور حول محور مجموعة كبيرة من النجوم المسماة مجرتنا. في نهاية المحاضرة نهضت سيدة عجوز في آخر القاعة وقالت: " ليس ما قلته لنا سوى هراء. العالم في حقيقته هو صفيحة مسطحة مرتكزة على ظهر سلحفاة عملاقة". ابتسم العالم ابتسامة كبيرة وسألها: "وعلى ماذا تقف السلحفاة؟" أجابته العجوز: "أنت ذكي جدا أيها الشاب، لكنها سلاحف تتلاحق حتى تصل إلى الأسفل!".
قد يجد معظم الناس ان من السخف تصور الكون وكأنه برج غير متناه من السلاحف، ولكن لماذا نعتقد أن معرفتنا أفضل؟ ما الذي نعرفه عن الكون وكيف؟ من أين جاء الكون والى أين هو ذاهب؟ هل كان للكون بداية، وإن كان كذلك، ما الذي كان قبل تلك البداية؟ ما هي طبيعة الزمن؟ هل له نهاية؟ إن آخر مكتشفات الفيزياء، والتي أصبحت ممكنة بفضل التكنولوجيا الحديثة، تقترح إجابات لبعض من هذه الأسئلة، ويوماً ما ستصبح هذه الإجابات بديهية لنا مثل حقيقة دوران الأرض حول الشمس، أو ربما سخيفة مثل فكرة برج السلاحف. فقط إنه الزمن (بغض النظر عن ماهيته) الذي يستطيع التحديد.
في كتابه "عن السماوات" (On the Heavens) استطاع الفيلسوف اليوناني أرسطو (340 ق.م.) أن يقدم اثنتين من المحاججات الداعمة لحقيقة أن الأرض هي كرة مستديرة أكثر منها سطحاً منبسطاً. فقد أدرك أولاً أن كسوف القمر هو عبارة عن وضعية وجود الأرض أرض بين الشمس والقمر. إن خيال الأرض المنطبع على سطح القمر كان دائماً مستديراً، الأمر الذي لا يمكنه أن يكون صحيحاً إلا إذا كانت الأرض كروية. فلو كانت الأرض مسطحة لكان خيالها مطولا واهليلجياً[1]، إلا إذا كان الكسوف يحدث دائماً في الوقت الذي تكون فيه الشمس عمودية على مركز الأرض.
ثانياً، لقد عرف اليونان من خلال رحلاتهم أن النجم الشمالي يظهر، حين النظر إليه من الجنوب، أقرب (أقل ارتفاعاً) منه حين النظر إليه من المناطق الشمالية. (بما أن موقع النجم الشمالي هو فوق القطب الشمالي، فهو يظهر وكأنه تماماً فوق الناظر إليه في القطب الشمالي، لكن بالنسبة لناظر إليه من خط الاستواء، فيظهر وكأنه عند الأفق). ومن الاختلاف بين الموقعين المرئيين للنجم الشمالي من مصر ومن اليونان، فقد قدر أرسطو المسافة المحيطة بالأرض بــ 400 ألف ستاديا[2]. ورغم انه لم يكن معروفاً على وجه الدقة ما هو طول الستاديا، إلا انه يمكن تقديره بحوالي 200 ياردةً، الأمر الذي يجعل حساب أرسطو حوالي ضعف الحساب المتعارف عليه حالياً. إضافة إلى ذلك، فقد قدم اليونان محاججة ثالثة تدعم فكرة كروية الأرض: فالأرض لا بد لها أن تكون مستديرة، وإلا فلماذا نرى أولاً شراع السفينة الآتية من الأفق، ونرى هيكلها فقط بعد ذلك؟
اعتقد أرسطو أن الأرض ساكنة وأن الشمس، القمر، الكواكب والنجوم تتحرك في مسارات دائرية حول الأرض. لقد اعتقد ذلك لأنه أحس، لأسباب غامضة، أن الأرض هي مركز الكون وأن الحركة الدائرية هي الحركة المثالية. هذه الفكرة طورها بطليموس في القرن الثاني لتصبح نموذجاً كونياً كاملاً. فالأرض تقع في المركز محاطة بثمانية مسارات دائرية للقمر، الشمس، النجوم، والخمسة كواكب التي كانت معروفة في حينه: عطارد، الزهرة، المريخ، المشتري، زحل (الشكل 1). وتتحرك هذه الكواكب على دوائر أصغر تتصل بمساراتها الخاصة وذلك حتى يتم حساب حركتها المعقدة في السماء. والدوائر الخارجية تحمل ما يسمى النجوم الثابتة، والتي تبقى في أماكنها بالنسبة لبعضها البعض ولكنها تدور معاً عبر السماء. ماذا كان يوجد خلف آخر دائرة؟ أبداً لم يكن واضحاً لكنه حتماً لم يكن جزءاً من كون الإنسان المدرَك.
شكل 1
لقد وفرَّ نموذج بطليموس نظاماً دقيقاً للتنبؤ بمواقع الأجسام السماوية في السماء. ولكن لغرض التنبؤ الصحيح بهذه المواقع، كان على بطليموس أن يفترض أن القمر يتبع مساراً يجعله أحياناً أقرب إلى الأرض ضعف المرات الأخرى، مما يجعل القمر يبدو في بعض الأحيان أكبر من حجمه بمقدار الضعف! ورغم أن بطليموس أدرك هذا الخلل، إلا أن نموذجه كان بصفة عامة، وإن لم يكن دائماً، مقبولاً. وقد تم تبنيه من قبل الكنيسة الكاثوليكية على انه صورة للكون تتوافق مع الكتاب المقدس حيث ان لديه الامتياز الكبير في انه ترك مساحة كبيرة خارج دائرة النجوم الثابتة للجنة والنار.
وفي عام 1514 تم تقديم نموذج أبسط من قبل الكاهن البولندي نيكولاس كوبرنيكوس (Nicholas Copernicus). (في البداية، وربما بسبب الخوف من أن يوسم بالهرطقة من قبل الكنيسة، نشر كوبرنيكوس نموذجه دون تعريف باسمه). فكرته كانت أن الشمس ساكنة في المركز وأن الأرض والكواكب تتحرك حولها بمسارات دائرية. ومرّ ما يقارب القرن قبل أن أُخذت فكرته بجدية . ثم جاء بعد ذلك عالما الفلك: الألماني يوهانز كبلر (Johannes Kepler)، والإيطالي جاليليو جاليلي (Galilio Galilei)، وبدءا علناً بتأييد النظرية الكوبيرنيكية، رغم حقيقة أن المدارات التي تنبأ بها لا تطابق تلك المرصودة. وجاءت الضربة القاضية للنظرية الأرسطية-البطليمية في عام 1609. في تلك السنة بدأ جاليليو بمراقبة السماء ليلاً بتلسكوب تم اختراعه حديثاً. وعندما شاهد جاليليو كوكب المشتري وجد أن عدة توابع أو أقمار ترافقه وتدور حوله. هذا يتضمن أن الأشياء ليس ضرورة أن تدور حول الأرض كما اعتقد ارسطو وبطليموس. (بالطبع، كان ما زال بالإمكان الاعتقاد بأن الأرض هي في مركز الكون وأن أقمار المشتري تتحرك في مسارات معقدة حول الأرض بحيث تظهر وكأنها تدور حول المشتري. لكن نظرية كوبيرنيكوس كانت أكثر سهولة). وفي نفس الوقت عدل كبلر نظرية كوبيرنيكوس حين اقترح أن الكواكب تتحرك ليس بشكل دوائر وإنما بشكل اهليلجي والآن أصبحت التنبؤات تطابق ما تم رصده.