بالقدر الذي كان كبلر مساهماً، كانت المدارات الاهليلجية مجرد نظرية منشأة لغرض خاص، وحتى إنها كانت غير محببة لأنه كان من الواضح ان الاهليلجات أقل كمالاً من الدوائر. فعند اكتشافه، عن طريق الصدفة تقريباً، ان المدارات الاهليلجية تتوافق وملاحظاته، لم يستطع أن يوفق بين هذا الاكتشاف وبين فكرته القائلة إن الكواكب موجودة لتدور حول الشمس بقوى مغناطيسية، وقد جاء التفسير لهذه الظاهرة بعد ذلك بفترة طويلة في عام 1687، حين أصدر السير اسحق نيوتن كتابه عن فلسفة الرياضيات الطبيعية ومبادئها (Philosophiae Naturalis Principia Mathematica) والذي ربما يكون أهم عمل فردي أصدر في العلوم الفيزيائية. لم يقدم نيوتن في كتابه هذا نظرية يشرح فيها حركة الأجسام في المكان والزمان فحسب، ولكنه أيضاً طور المعادلات اللازمة لتحليل هذه التحركات. إضافة لذلك فقد أوجد نيوتن قانون الجاذبية العام الذي يكون بموجبه كل جسم في الكون منجذباً لكل جسم آخر بقوة تزداد بازدياد كتل الأجسام وبازدياد اقترابها من بعضها البعض. هذه القوى هي نفسها التي تسبب سقوط الأجسام على الأرض. (والقصة التي تقول إن نيوتن قد ألهم من تفاحة سقطت على رأسه مشكوك في صحتها، فكل ما قاله نيوتن هو إن "فكرة الجاذبية جاءت إليه وهو جالس يتأمل وتزامن ذلك مع سقوط تفاحة"). وتابع نيوتن بحثه ليثبت، حسب قانونه، إن الجاذبية هي التي تجعل القمر يتحرك في مدار اهليلجي حول الأرض، وتسبب أيضاً دوران الأرض والكواكب حول الشمس في مدار اهليلجي.
لقد استطاع النموذج الكوبيرنيكي ان يتخلص من فكرة الدوائر السماوية البطليموسية ومعها فكرة أن للكون حدوده الطبيعية. ولأنه لم يظهر أن "النجوم الثابتة" تغير مواقعها، باستثناء دورتها عبر السماء والتي تنبع عن دوران الأرض حول محورها، فقد أصبح من الطبيعي الافتراض بأن النجوم الثابتة هي أجسام تشبه الشمس لكنها أبعد بكثير.
تبين لنيوتن، حسب نظريته للجاذبية، أنه لا بد للنجوم من أن تتجاذب مع بعضها البعض، ولذا لا يمكنها أن تبقى بدون حركة. ألن تسقط جميعها في لحظة ما؟ وفي رسالة بعثها نيوتن إلى ريتشارد بنتلي (Richard Bentley)، أحد رواد الفكر في عصره، عام 1691، جادل نيوتن أن ذلك لن يحدث إلا إذا كان هناك عدد منتهي من النجوم موزعة على منطقة محدودة في الفضاء. إلا أنه تبعاً للمنطق من ناحية أخرى، فبوجود عدد غير منتهي من النجوم الموزعة بانتظام في فضاء لا متناه، لن يسقط أي نجم، وذلك لعدم وجود أية نقطة مركزية لسقوط النجوم فيها.
يعتبر هذا الجدال مثالاً للشراك التي من الممكن ان يواجهها الشخص عند حديثه عن اللامنتهي، ففي كونٍ لا نهائي يمكن اعتبار أية نقطةٍ نقطةً مركزية لأن كل نقطة لها عدد غير منتهي من النجوم على جوانبها. وفقط بعد مرور الكثير من الوقت، تبين أن التوجه الصحيح يكمن في اعتبار وضع نهائي حيث تصطف النجوم فوق بعضها البعض. ومن ثم الإجابة على السؤال: كيف يمكن للأمور أن تتغير في حالة إضافة مفاجئة لنجوم موزعة بشكل منتظم خارج تلك المنطقة؟ حسب قانون نيوتن، فإن النجوم الإضافية لن تؤثر بشكل عام على النجوم الأصلية وإنما ستتساقط بنفس السرعة. فنحن نستطيع إضافة أي عدد من النجوم نريده ولكنها جميعاً ستنهار وستضمحل. ونعلم الآن انه من المستحيل الحصول على نموذج ساكن ولا نهائي لكونٍ تقوم فيه الجاذبية دائماً بجذب ما حولها.
انه انعكاس شيق للأجواء العامة للتفكير السائد قبل القرن العشرين كيف ان أحداً لم يقترح أن الكون يتوسع أو يتقلص. لقد كان مقبولاً وصف الكون بإحدى صفتين؛ إما انه موجود للأبد على حالة دون أن يطرأ عليه أي تغيير أو أنه خلق في وقت محدد في الماضي على حال يشبه ما هو عليه الآن. ويعزى هذا إلى ميل الناس إلى الإيمان بالحقائق المطلقة وإلى احتياجهم لفكرة انه رغم حقيقة تقدمهم في السن وفنائهم، فإن الكون ابدي وغير متغير.
حتى هؤلاء الذين أدركوا أن نظرية نيوتن في الجاذبية تظهر أن الكون لا يمكنه أن يكون ساكناً، لم يفكروا في اقتراح إمكانية توسع الكون. بالمقابل فقد حاولوا تعديل النظرية بحيث تتحول قوى الجذب إلى قوى تنافر في المسافات البعيدة. ولم يؤثر ذلك بشكل ملحوظ على تنبؤاتهم حول حركة الكواكب، لكنه سمح بتوزيع لا نهائي للنجوم بحيث تبقى في حالة توازن، توازن قوى الجذب من النجوم القريبة مع قوى التنافر من النجوم البعيدة. لكننا الآن نعرف أن مثل هذا التوازن غير مستقر؛ ففي حال اقتراب النجوم قليلاً من بعضها البعض، فان قوى الجذب ستصبح أقوى وتهيمن على قوى التنافر بحيث تستمر النجوم في السقوط باتجاه بعضها البعض. ومن الناحية الأخرى، فلو ابتعدت النجوم عن بعضها البعض قليلاً، فعندها ستطغى قوى التنافر وستبعدها أكثر وأكثر.
اعتراض آخر ضد سكون ولا نهائية الكون ينسب إلى الفيلسوف الألماني هينريخ أولبرس (Heinrich Olbers) الذي كتب حول هذه النظرية عام 1823. في الحقيقة، إن عدداً من معاصري نيوتن قد أثاروا المشكلة ولم تكن مقالة اولبرس هي الأولى التي احتوت على جدالات معارضة معقولة، لكنها كانت الأولى التي أحرزت اهتماماً واسعاً. إن الصعوبة في سكون ولا نهائية الكون هو أن كل خط رؤية تقريبا سينتهي على سطح أحد النجوم، وبالتالي يتوقع الفرد أن تكون السماء جميعها مضيئة كالشمس حتى في الليل. أما فكرة اولبرس المقابلة، فكانت تقول إن الضوء المنبعث من النجوم البعيدة يخفت نتيجة امتصاصه من قبل مواد عازلة. ولكن إذا حدث هذا فإن هذه المواد العازلة ستسخن حتى تتوهج وتضيء كالنجوم. إن الطريقة الوحيدة لتجنب الاستنتاج أن كل سماء الليل يجب أن تكون مضيئة هي الافتراض بأن النجوم لم تكن مشعة منذ الأزل بل إنها بدأت تضيء في وقت محدد في الماضي. وفي هذه الحالة فإن المواد الممتصة إما أنها لم تسخن بعد أو أن ضوء النجوم البعيدة لم يصلنا بعد. هذا يوصلنا إلى السؤال حول الأسباب التي أدت إلى إضاءة النجوم في المقام الأول.
بالطبع، إن بداية الكون قد تم نقاشها قبل ذلك بوقت طويل. فحسب آراء عدد من الفلكيين السابقين، والتقاليد اليهودية والمسيحية والإسلامية، فإن الكون بدا في زمان محدد ليس بالبعيد. إحدى الحجج لمثل هذه البداية هي الشعور بأهمية وجود "السبب الأول" لتفسير وجود الكون. (ضمن نطاق الكون، فإننا نفسر الحدث كمسبب من حدث سابق. إلا أن وجود الكون نفسه يمكن تفسيره بهذه الطريقة فقط إذا كانت له بدايات). حجة أخرى وضعها القديس اغسطين (St. Augustine) في كتابه "مدنية الله" حيث أشار إلى أن الحضارة هي تطور، ونحن نتذكر من أنجز عملاً ما أو من طور آلية ما، ولذا فقد يكون ان الإنسان وربما أيضاً الكون لم يوجدا من فترة طويلة. وقد قبل القديس اغسطين بـــ 5000 سنة تقريباً قبل الميلاد كتاريخ لخلق الكون وذلك حسب "سفر التكوين". (من الجدير ذكره أن هذا التقدير ليس بعيداً جداً عن نهاية العصر الجليدي حوالي 10.000 سنة ق.م.، وهو التاريخ الذي يحدده الجيولوجيون كبداية فعلية لحضارتنا.)
أما بالنسبة إلى أرسطو وإلى معظم الفلاسفة الإغريق، فلم تعجبهم كثيراً فكرة الخلق التي يميزها كثير من التدخل الإلهي. فهم يؤمنون بأن الجنس البشري والعالم من حوله وجدا ويستمران في الوجود إلى الأبد. فقد درس القدماء فكرة التطور المذكورة سابقاً وكانت إجاباتهم تتلخص بالإشارة إلى الفيضانات المتكررة أو الكوارث المتعددة والتي تعيد باستمرار الجنس البشري إلى بدايات الحضارة.
لقد عالج الفيلسوف عمانوئيل كانط (Immanuel Kant) بإسهاب الأسئلة حول بدايات الكون في زمن معين، وما إذا كان الكون محدوداً في مساحته. وذلك في كتابه الهام (والغامض أيضاً) "نقد العقل الخالص" الذي نشر عام 1781. وقد سمى كانط هذه الأسئلة بتناقضات (antinomies) العقل الخالص لأنه شعر بأنه يوجد قدر متساوٍ من الحجج لدعم نظرية أن للكون بداية والنظرية المعاكسة القائلة بأن الكون قد وجد منذ الأزل. حجته الداعمة للنظرية هي أنه لو لم يكن للكون بداية فسيكون هناك فترة لا نهائية من الزمن قبل أي حدث، وهذا اعتبره أمرا سخيفا. أما حجته الداعمة للنظرية المعاكسة فهي أنه إن لم يكن للكون بداية فيتطلب ذلك فترة زمنية لا نهائية قبل بداية الكون. فلماذا إذا يجب أن يبدأ الكون في زمن محدد؟ في الحقيقة، إن ما يقوله كانط كدعم للنظرية وللنظرية المعاكسة إنما هو حجة واحدة. فكلاهما يعتمدان على افتراض لم يفصح عنه مفاده أن الزمن مستمر في المسير خلفاً إلى الأبد سواء وجد الكون من الأزل أو لم يوجد. وكما سنرى فإن مفهوم الزمن ليس له معنى قبل بداية الكون. هذا ما وضحه القديس اغسطين عندما سئل: ماذا كان يفعل الله قبل خلق الكون؟ لم يجب القديس اغسطين: انه كان يجهز جهنم لمن يسأل مثل هذه الأسئلة، وإنما أجاب بأن الزمن هو ميزة من ميزات الكون الذي خلقه الله وأن الزمن لم يوجد قبل بداية الكون.
عندما كان معظم الناس يؤمنون بأن الكون ساكن وغير متغير، وكان السؤال حول بداية الكون سؤالاً ميتافيزيقياً أو لاهوتياً. ونستطيع تفسير ما نراه بشكل جيد سواء اعتقدنا بنظرية وجود الكون منذ الأزل أو بنظرية أن الكون قد بدأ في زمن محدد ويبدو كأنه وجد منذ الأزل. لكن في عام 1929 لاحظ إدوين هابل (Edwin Hubble) أن المجرات البعيدة، كيفما تنظر إليها تجدها تبتعد بسرعة عن كوكبنا. وبكلمات أخرى: إن الكون يتوسع. وهذا يعني أنه في أوقات سابقة كانت جميع الأجسام مركزة في مكان واحد. وفي الحقيقة، يبدو أنه في وقت ما، قبل عشرة أو عشرين ألف مليون سنة، كانت جميع الأجسام في نفس المكان، وبالتالي كانت كثافة الكون لا نهائية. إن هذا الاكتشاف أدى إلى انتقال السؤال حول بداية الكون إلى حقل العلوم.
إن مشاهدات هابل أدت إلى اقتراح وجود زمن اسمه "الانفجار الكبير" (Big Bang) الذي كان فيه الكون لا متناهياً في الصغر وكثافته عالية إلى ما لا نهاية. في هذه الظروف تنهار جميع قوانين العلوم، وتنهار بالتالي جميع الإمكانيات للتنبؤ بالمستقبل. وإذا كان هناك أحداث قبل ذلك الوقت، فإنها لا تستطيع أن تؤثر على ما يحدث في الوقت الحاضر. ويمكن إهمال وجودها لأنه لا يوجد له تبعات يمكن ملاحظتها. ويمكننا القول بأن الزمن بدأ عند الانفجار الكبير، بمعنى أن الزمن السابق لذلك لا يمكن تعريفه. ويجب التشديد هنا على أن هذه البداية في الزمن تختلف كثيراً عن تلك التي درست سابقاً. ففي كونٍ لا يتغير، البداية في الزمن هي أمر يجب فرضه من قبل أحد أو شيء خارج نطاق هذا الكون لأنه لا يوجد للبداية ضرورة فيزيائية ونستطيع تخيل أن الله خلق الكون في أي زمن في الماضي. من جهة أخرى، إذا كان الكون يتسع، فيمكن وجود أسباب فيزيائية لضرورة وجود بداية. ويستطيع المرء أن يتخيل أن الله خلق الكون في نفس لحظة الانفجار الكبير، أو حتى بعد ذلك الانفجار بحيث يجعله يبدو كأنه كان هناك انفجار كبير. أما افتراض بدء الكون قبل هذا الانفجار فهو أمر لا معنى له. إن حقيقة أن الكون يتوسع لا تلغي وجود خالق، إلا أنها تحدد الوقت الذي يمكن ان يكون قد بدأ مهمته فيه!
من أجل التحدث عن طبيعة الكون ومناقشة أسئلة حول بدايته أو نهايته، يجب أولاً توضيح معنى النظرية العلمية. سأتبنى الرؤية البسيطة القائلة ان النظرية هي عبارة عن نموذج للكون أو لجزء محدد منه، ومجموعة من القوانين التي تربط كميات معينة في النموذج مع ملاحظاتنا حول الكون. والنظرية العلمية توجد فقط في عقولنا وليس لها أي وجود حقيقي آخر(مهما كان ذلك يعني). والنظرية تعتبر نظرية جيدة إذا أوفت بشرطين: يجب أن تصف وصفاً دقيقاً مجموعة كبيرة من الملاحظات على أساس نموذج يحتوي عددا قليلا من العناصر الاعتباطية (arbitrary) [3]؛ ويجب أيضا أن تتنبأ بشكل دقيق بنتائج الملاحظات المستقبلية. على سبيل المثال، إن نظرية ارسطو التي تفترض أن جميع الأشياء مكونة من أربعة عناصر هي التراب والهواء والماء والنار كانت بسيطة لدرجة تؤهلها لتكون نظرية جيدة، لكنها لم تخرج باستنتاجات محددة. من جهة أخرى، فإن نظرية نيوتن في الجاذبية اعتمدت على نموذج أبسط وهو أن الأجسام تتجاذب مع بعضها البعض بقوى تتناسب طردياً مع الكتلة وتتناسب عكسياً مع مربع المسافة بينها. ومع ذلك فإن نظريته تنبأت بحركة الشمس والقمر والكواكب بدرجة عالية من الدقة.