وفي الإنتخابات التشريعية التي جرت في آذار 1964 أجمعت الأحزاب الثلاثة (جامعة الشبيبة الصومالية والحزب الوطني الصومالي بزعامة إبراهيم عقال وحزب الاتحاد الديمقراطي الصومالي) على النضال من أجل تحقيق الصومال الكبير.
وبعد تشكيل حكومة جديدة برئاسة عبد الرزاق حجي حسين أمين عام حزب وحدة (جامعة) الشباب الصومالي جرت سلسلة من التسويات والمساومات، وصاحب ذلك تدهور في الوضع البرلماني عامة.
اقترع المجلس التشريعي ضد حكومة حسين في عام 1967، وعين أحد قادة جامعة الشبيبة الصومالية (ابراهيم عقال) على رأس الحكومة وقد اتسم عهده بتوقيع اتفاق مع كينيا نتيجة وساطة زامبيا. وبإعادة العلاقات مع لندن. وفي الإنتخابات التشريعية لعام 1969 خرج حزب جامعة الشبيبة الصومالية منتصراً ولكن بدرجة أقل من السابق، وكفل إبراهيم عقال بقاءه على رأس الحكومة.
الإنقلاب الأول والإستقرار:
في 15 تشرين الأول 1969 م شعبان 1389 هـ أي بعد بضعة أشهر على الإنتخابات اغتال أحد رجال الشرطة رئيس الجمهورية الدكتور عبد الرشيد علي شرمايكة وبعد عدة أيام قام انقلاب عسكري وانتقلت السلطة إلى الجيش واستلم زمام الأمور قائد الجيش والقوات المسلحة محمد زياد بري فعلق دستور عام (1960) وحل المجلس الوطني وألغى الأحزاب الوطنية. وعين الجنرال رئيس الأركان محمد عنيشه نائباً له.
وما لبث النظام الجديد أن أعلن أن الصومال دولة اشتراكية وراح يطبق مفاهيم ماركس ولينين وأمم الشركات الخاصة وأقام علاقات جيدة مع الدول الاشتراكية وفي مقدمتها الاتحاد السوفياتي. وقد استطاع الرئيس بري في عام 1971 جمع دول وسط أفريقيا وتوقيعهم «بيان مقديشو» الذيدعا إلى مواصلة الكفاح المسلح في أفريقيا الجنوبية ومعارضتها الشديدة لإجراء أي حوار مع الدولة العنصرية أما في الداخل فقد واجه النظام عدة محاولات انقلابية.
ففي عام 1970 اعتقل علي كورشل قائد الشرطة السابق، واتهم بالتآمر لمصلحة إبراهيم عقال. وفي عام 1971 اعتقل نائب الرئيس عنيشة بتهمة تدبير انقلاب عسكري فخوكم ونفذ به حكم الإعدام في عام 1972. وفي عام 1973 أطلقت الحكومة سبيل 18 من القادة السابقين، بينهم الرئيس السابق عثمان ورئيس الوزراء السابق حسين.
وعلى صعيد السياسة الإنمائية، باشر محمد زياد بري بتنفيذ برنامج اصلاحي وإنمائي ومثل بذلك تجربة اشتراكية لم تعهد القارة السوداء مثيلاً لها، ومع ذلك فإن الصومال بقي أفقر الدول بالعالم، وبالرغم من كل هذا فقد حققت السلطات نجاحات في شتى القطاعات الاقتصادية فاستطعت أن تقضي على عجز الموازنة ابتداء من العام 1971، كما أنها نجحت في التخفيف من حدة كارثة الجفاف التي أصابت البلاد بين عامي 73 و75 باتخاذها إجراءات حولت آلاف البدو إلى فلاحين. كما عملت الدولة على محو الإمية على نطاق واسع، إلا أنها قد ألغت الحرف العربي من أحرفها واعتمدت الحرف اللاتيني وذلك بعدما دخلت في جامعة الدول العربية (21 تشرين الأول 1972 ـ 1392 هـ).
وفي كانون الثاني 1975 وعلى أثر خطاب ألقاه بري وأعلن فيه عن ضرورة إعادة النظر في التشريع الصومالي بحيث تتكرس حقوق المرأة وهاجم بعض العادات والأعراف الإسلامية، قام بعض العلماء ورجال الذين بحملة مركزه في المساجد تستهدف النظام القائم وتعدياته، فتحركت السلطات وجابهت العلماء بعنف وقسوة فألقت القبض عليهم ونفذت بهم حكم الإعدام.
وفي عام 1978 م ـ 1398 هـ جرت محاولة انقلاب فاشلة قام بها بعض رجال القوات المسلحة، قتل فيها مئات الأشخاص، وألقي القبض على 17 ضابطاً وحكم عليهم بالاعدام، وهرب ضباط آخرون نحو الحبشة حيث شكلوا هناك جبهة العمل الديمقراطي الصومالي، ومنهم عبد الله يوسف.
وفي كانون الأول 1979 ـ 1400 هـ أجريت الإنتخابات العامة لمجلس الشعب وفق الدستور الجديد للبلاد، وقد أنتخب الرئيس بري رئيساً للبلاد.
في أيار 1986 م تعرض الرئيس الصومالي لحادث سيارة أجبره على الغياب عن بلاده مدة خمسة أسابيع للمعالجة في السعودية، وتولى تسيير أمور الدولة في غيابه نائبه وزير الدفاع اللواء محمد على سماتر.
وأجريت الإنتخابات الرئاسية في ربيع الثاني 1407 هـ كانون الأول 1986م. وكان محمد زياد بري هو المرشح الوحيد فحصل على 99,93% من أصوات الناخبين وأعيد تشكيل الحكومة من جديد برئاسة اللواء محمدعلى سماتر. وكان هذا المركز من مراكز بري سابقا
وفي شعبان 1408 هـ نيسان 1988 وقع الصومال معاهدة سلام مع الحبشة. وقد جاءت هذه المعاهدة بعد حرب طويلة كانت تشنها حكومة الصومال عبر دعمها لجبهة تحرير الصومال الغربية التي كانت تقوم بعمليات عسكرية كبيرة ضد الجيش الحبشي وذلك بداية من عام 1397 هـ ـ 1977م. وقد أدى هذا الدعم الصومالي إلى توتر الأجواء بين الصومال والاتحاد السوفياتي الذي أصبح الحليف الأول للحبشة في أفريقيا.
التوتر الداخلي... والحرب الأهلية:
إن الحرب التي دارت بين الصومال والحبشة في إقليم أوغادين استنزفت القوات الصومالية وكذلك الاقتصاد الصومالي وذلك بعد تخلي الاتحاد السوفياتي وحلفاؤه الشيوعيين عن مواصلة الدعم المادي الذي كانوا يقدمونه للصوماليين. وقد حاول الرئيس الصومالي محمد زيًاد بري إعادة العلاقات إلى ما كانت عليه، إلا أن المساعدات لم تعد تتدفق على الصومال. هذا الأمر أدى إلى تفاقم كبير للأزمة الاقتصادية تحت لجوء أعداد كبيرة من الصوماليين من إقليم أوغادين إلى الصومال.
وكانت حركة المعارضة الصومالية في ازدياد وتطور على رأسها العقيد عبد الله يوسف الذي أعلن في أذار 81 أن جبهة الإنقاذ الصومالية دخلت مرحلة تفجير الثورة المسلحة ضد النظام القائم، وأن مجموعات كبيرة من الجيش الصومالي قد تدفقت إلى الجبهة والتحقت بها.
روبعد حصول زياد بري في انتخابات 86 على 99,93% من الأصوات بأقل من شهر واحد بدأت سلسلة أحداث أمنية في العاصمة مقديشو وغيرها، وبدأ الآلاف من الشعب الصومالي بالتدفق نحو الحبشة وخاصة في شهر آب 1988. حاول الرئيس بري معالجة الموضوع، ولكن بعد فوات الأوان فسمح بتعدد الأحزاب (24 كانون الأول 1990) وعين رئيساً جديداً للحكومة، لكن بعد شهر واحد أي 27 كانون الثاني 1991 استولى المتمردون الثوار على قصره، وفر هارباً إلى الجنوب حيث قبيلته، وتسلم رئاسة البلاد على مهدي محمد وسقطت بربرة وكيسما وبيد المتمردين ورافق كل هذا أحداث دموية أودت بحياة الآلاف من الصوماليين. وكانت القوات الصومالية المعارضة التي دخلت العاصمة مقديشو برئاسة الجنرال محمد فارح عديد (من أفراد قبيلة الهوبة).
وفي أول أيار 1991 أعلنت «جمهورية أرض الصومال» في الشمال (صوماليليند) بعد ذلك دبت الخلافات داخل تنظيمات المعارضة المسلحة، فقبيلة الهوبة والتي ينتمي إليها كل من (عيديد ومهدي محمد ورئيس الحكومة الجديدة عمر عرتة) قد تسلمت مقاليد الحكم وهذا ما أثار حفيظة باقي القبائل في المعارضة والتي ساهمت في الثورة. وخاصة قبيلة المجرتين وتنظيمها الجبهة الديمقراطية لانقاذ الصومال بقيادة عبد الله يوسف وقبائل الإسحاق وتنظيمها «الحركة الوطنية الصومالية» برئاسة عبد الرحمن أحمد علي تور.
وقد اشتد هذا الخلاف عندما قام عمر عرتة بتسريح الجيش وسحب الأسلحة منه حيث حصرت الأسلحة بيد أفراد قبيلة الهوبة الذي يتزعمهم محمد فارح عيديد، فوقع الخلاف بين أفراد القبيلة الواحدة، فعشيرة الأبغال تؤيد علي مهدي محمد والذي يتزعم الجناح السياسي ويؤيده أحمد جيلو، وعشيرة الهيرجدر تؤيد محمد فارح عيديد الذي يتزعم الجناح العسكري ويعد عثمان أحمد حسن آتو مستشاره السياسي.
واشتد الصراع بين الفصائل الصومالية ووقع آلاف الضحايا البؤساء وفي تشرين الثاني 1991 أطيح بالرئيس علي مهدي محمد وتصعدت عمليات الحرب الأهلية التي طالت أرجاء البلاد، وزادت من مآسيها مجاعة ضربت نحو 1,5 مليون صومالي فتنادت الدول الغربية لوقف ما يحصل في الصومال ومساعده الشعب.
مفاوضات انهاء الحرب الأهلية:
في أول شباط 1997 أنهت الفصائل الصومالية (26 فصيلاً) اجتماعات أسفرت عن اتفاق زعماء الفصائل باستثناء فصيل حسين عيديد والاتحاد الإسلامي وجمهورية أرض الصومال على تشكيل مجلس وطني للانقاذ تنبثق عنه هيئة أساسية جماعية. وقد أطلق على هذه الاجتماعات التي عقدت في أديس أبابا «مؤتمر سودري». وقد برر عيديد عدم مشاركته أن هذه اللقاءات يجب أن تتم على أرض الصومال. ولهذا فقد وافق على المشاركة في مؤتمر بوصاصو (على الساحل الشمالي للصومال) الذي دعت إليه الفصائل الصومالية في 10 حزيران 1997. وكان مؤتمر سودري نقطة البداية الجادة في إنهاء المنازعات واستكمل ذلك اللقاءات اللاحقة بين حسين عيديد وعلي مهدي (في صنعاء والقاهرة).
وفي كانون الأول 1997 رعت القاهرة محادثات بين مختلف الفصائل الصومالية وأسفرت عن توقيع «اتفاق القاهرة» 22 كانون أول 1997 الذي نص على تبني نظام فدرالي وتشكيل حكومة انتقالية وطنية موحدة وعقد مؤتمر شامل للوفاق الوطني في بيداوة وقد رحبت الأوساط الدولية بهذا الاتفاق المهم. إلا إنه يبقى غياب ممثلين مهمين عن هذا الاتفاق أهمهم عن «جمهورية أرض الصومال» فرغم أن الاتفاق دعا إلى التفاوض مع المسؤولين في هذه الجمهورية إلا أن رئيسها إبراهيم عقال شدد على رفضه الدخول في أي حكومة موحدة للصومال وطالب بالاعتراف بدولته المستقلة.
وفي 15 شباط 1998 كان مؤتمر بيداوة الصومالية التي تقرر فيه اعلان القاهرة لتشكيل أول حكومة مركزية في البلاد منذ انهيار نظام زياد بري في عام 1991. إلا أن هذا اللقاء قد ألغي لأسباب لوجستية (بسبب حالة الطرق والجسور التي تضررت بالفيضانات الأخيرة، ولعدم توفر المال الكافي لتغطية تكاليف هذا المؤتمر).
انتخب السيد عبد القاسم صلات رئيساً للجمهورية الصومالية في مؤتمر عقد بمدينة عرته بدولة جيبوتي حضرته كافة القوى السياسية والقبلية في الصومال وقد حصل على اعتراف دولي به.