تصدى السباعيون إذن ضمن المجاهدين من مختلف القبائل المغربية للتسللات الأجنبية التي لم تنحصر في مناطق دكالة وعبدة والحوز بل امتدت إلى أعماق الصحراء وعلى امتداد السواحل الصحراوية. ففي إطار مقاومة الغزاة البرتغاليين، وفي إطار الحركة الجهادية المنظمة التي قادها الشرفاء السعديون وجه السلطان أبو العباس أحمد الأعرج (918هـ) حملة عسكرية مهمة من مراكش إلى الساقية الحمراء عبر ميناء آسفي كان جل مقاتليها من أبناء أبي السباع لما عرف فيهم من قوة الشكيمة والتفاني في الذود عن حوزة البلاد، فتمكنوا من إجلاء البرتغاليين عن الشواطئ الجنوبية وفتحوا حصن أكادير، ثم سار الجيش على بركة الله إلى أن التقى بالحامية النصرانية بوادي الساقية الحمراء، وهناك التقى الجمعان، وحمى وطيس المعركة واشتد النزال وانتهى بانهزام العدو وخروجه من الساقية الحمراء إلى غير رجعة.
وكان من بين شهداء المعركة أولاد أبي السباع السبعة شهداء الطويحيلات (إحدى روافد وادي الساقية الحمراء يبعد عن مدينة السمارة بحوالي 30 كلم نحو الشمال الغربي)، مسجلين ملامح بطولية كتبها التاريخ بمداد الفخر والاعتزاز.
وقد أشار القاضي طوير الجنة الإدوالحاجي في حكمه الشهير حول النزاع بين قبيلتي الشرفاء أولاد أبي السباع وأولاد تيدرارين على منطقة إمريكلي الزراعية إلى دور السباعيين في الجهاد وطرد النصارى من الساقية الحمراء، وكذا ملكيتهم لأراضي شاسعة تمتد من الساقية الحمراء إلى النخيلة، وذلك بالاستناد إلى إفادات عدد كبير من الشهود العدول الذين صرحوا بـ «أن أولاد أبي السباع ملكهم من الساقية الحمراء إلى النخيلة من قبل أن يملكه أحد ولا ينزله غيرهم إلا بقية من كندوز لأنهم هم الذين النصارى من الساقية الحمراء، فسكنها سيدي عمارة وبنى فيها الديار، وغرس النخيل، ومات فيها أبناء عمه مجاهدين في سبيل الله والدليل على ذلك قصة ولي الله في مدحه لهم حين قتلهم الكافر الشمسعي».
كما يؤكد الباحث الفرنسي دلاشابيل (De la Chapelle) في مقاله حول «تاريخ الصحراء الغربية» المنشور سنة 1930 أن طرد البرتغاليين عن الشواطئ الصحراوية راجع إلى السباعيين.
وقد خلد الشعراء في قصائدهم وأشعارهم الملاحم والبطولات التي سجلها السباعيون بمداد الفخر والاعتزاز، ومن هؤلاء الشعراء نذكر على سبيل المثال لا الحصر الشاعر والأديب الكبير محمد الأمين بن خطري العلوي الذي نوه بجهاد أولاد أبي السباع ونضالاتهم ضد البرتغاليين على وجه الخصوص، يقول الشاعر:
أولاد أبي السبـاع لكم لباس*** من المجـد مـدى الليـالـي
ومن العلـوم جمعتـم علمـا ***أجل من اليواقيـت واللئالـي
جهاد البرتغـال له خرجتـم*** على الخيل المسومة الطـوال
عليهـا كالأسود ذو سـلاح*** تقــال بالسيـوف وبالنبـال
مغـارب من دياركم خرجتم ***لإرهـاب العـدو وللنضـال
تصولوا بالعـداة بكل سهـم*** يــروع الأسد آكلـة الرجال
قتـال الشمسعي بـه قتلتـم*** كذلك الديـــن ينصر بالقتال
والشمسعي المذكور في هذه القصيدة هو قائد برتغالي تطلق عليه الوثائق المحلية اسم ”الشمسعي“، في حين تطلق عليه الكتابات الغربية اسم ”Somida“. ويرى الأستاذ الباحث صالح بن بكار السباعي أن الشمسعي كان قائدا محاربا متعاونا مع البرتغاليين وعميلا من أكبر عملائمهم، ويذكر التاريخ أنه قاد فرقة كبيرة من الجيش البرتغالي إلى منطقة ”الطويحلات“ في غياب أغلب الرجال المقاتلين في تجارة لهم، فارتكب مجزرة كبيرة راح ضحيتها ما وجد من مقاتلين ومن بينهم السباعيون السبعة شهداء الساقية الحمراء.
وتلعب المزارات العظيمة كأضرحة أولاد أبي السباع السبعة دورا هاما في تفجير المشاعر الوطنية وإحياء ذكريات المفاخر والأمجاد في النفوس لما تمثله في ذاكرة المجتمع من رموز ودلالات، كما تشكل أداة للتواصل والتعارف، ووسيلة للتراحم والتآلف ليس فقط بين مكونات القبيلة السباعية على اختلاف مواطنهم وإقامات سكناهم، ولكن بين المغاربة وجيرانهم من مختلف الدول والشعوب.
ونأمل مستقبلا أن يلتئم في هذا المكان الطاهر شمل السباعيين من جميع أقطار المغرب العربي ومن جميع الدول التي توجد بها الجاليات السباعية لإحياء صلة الرحم ولتمتين أواصر وجسور التواصل والتآزر عن طريق تنظيم موسم سنوي بأضرحة الشهداء السبعة لإحياء ذكرى هؤلاء الرجال المخلصين لدينهم ووطنهم، وذكرى جارهم الأغر الولي الصالح الشيخ سيدي أحمد العروسي الأشهر، موسم يلتقي فيه الشرفاء السباعيون وأبناء عمومتهم العروسيين وغيرهم من القبائل من داخل المغرب وخارجه، وتمارس على هامشه أنشطة تجارية وثقافية، وهو مطلب ليس صعب المنال ولا مستحيل التحقيق خصوصا بعد أن أضحت جماعة سيدي أحمد العروسي تتوفر على المرافق الضرورية والبنية التحتية المناسبة لإقامة مثل هذا التجمع الكبير الذي من بين أهدافه السامية تعزيز روابط القرابة والنسب وحسن الجوار بين مختلف القبائل المتواجدة بالصحراء المغربية وإخوانهم بشمال المملكة وخارجها.
كما نغتنم هذه الفرصة السعيدة لدعوة كافة الشرفاء السباعيين إلى تكثيف جهودهم المادية والمعنوية، وذلك من أجل ترميم أضرحة هؤلاء الشهداء وإعادة الاعتبار إليها عن طريق تشييد قبة كبيرة على أضرحتهم وفتح باب خاص بزوارهم في الجهة الجنوبية الشرقية الموالية لهم من سور المقبرة وكتابة لافتة أو لوحة رخامية تبين أسماءهم وتخلد لذكرى جهادهم ودفاعهم عن حمى الدين وحوزة الوطن، وما ذلك بعزيز على الشرفاء السباعيين المعروفين بالإباء والشهامة والمروءة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصـادر والمراجـع:
ـ صالح بن بكار السباعي، الأنس والإمتاع في أعلام الأشراف أولاد أبي السباع، دار وليلي للطباعة والنشر، مراكش، 2000؛
ـ صالح بن بكار السباعي، ”شهداء الطويحيل“ مقال مرقون بحوزتنا نسخة منه؛ ـ مولاي أحمد بن المأمون لشقر السباعي، الإبداع والإتباع في تزكية شرف أبناء أبي السباع، مطبعة الجنوب، الدار البيضاء، 1994؛
ـ محمذن بن الزرقاني، تشنيف الأسماع من كتاب اللؤلؤ المشاع في مآثر أبناء أبي السباع، مرقون، أنواكشوط، موريتانيا، 2000؛
ـ الشيخ ماء العينين بن الشيخ أحمد السباعي، الأنساب في صالح الأنساب، مرقون، أنواكشوط، موريتانيا، بدون تاريخ؛
ـ اطوير الجنة الإدوالحاجي، حكم قضائي حول النزاع على بلد إمريكلي بين قبيلتي أولاد أبي السباع وأولاد تيدرارين، نسخة بتاريخ 1004هـ،
ـ محمد دحمان، الترحال والاستقرار من خلال دراسة سوسيو ـ تاريخية لقبيلة أولاد أبي السباع (حالة المغرب وموريتانيا)، أطروحة لنيل درجة الدكتوراه في علم الاجتماع، كلية الآداب، الرباط، الموسم الجامعي 2003/2004؛
- De la Chapelle (F), «Esquisse d’une histoire du sahara occidental», acte du 7eme congrès de L’IHEM, Rabat, 1930