ليـــــــــــــل الغربــــــــــــــــــــــــــة
جون كيتس وظاهرة الخمول John Keats and Indolence phenomenon Ououoo10
ليـــــــــــــل الغربــــــــــــــــــــــــــة
جون كيتس وظاهرة الخمول John Keats and Indolence phenomenon Ououoo10
ليـــــــــــــل الغربــــــــــــــــــــــــــة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ليـــــــــــــل الغربــــــــــــــــــــــــــة

منتــــــــــــــــــــدى منـــــــــــــــوع موسوعــي
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
لكل الكرام المسجلين في منتديات ليل الغربة ، نود اعلامكم بأن تفعيل حسابكم سيكون عبر ايميلاتكم الخاصة لذا يرجى العلم برفقتكم الورد والجلنار
جون كيتس وظاهرة الخمول John Keats and Indolence phenomenon Colomb10
جون كيتس وظاهرة الخمول John Keats and Indolence phenomenon Yourto10سأكتب لكم بحرف التاسع والعشرين ..جون كيتس وظاهرة الخمول John Keats and Indolence phenomenon Yourto10 جون كيتس وظاهرة الخمول John Keats and Indolence phenomenon Yourto10لكل من هُجرْ ، واتخذ من الغربة وطناَ .جون كيتس وظاهرة الخمول John Keats and Indolence phenomenon Yourto10لكل من هاجر من اجل لقمة العيش ، واتخذ من الغربة وطناً جون كيتس وظاهرة الخمول John Keats and Indolence phenomenon Yourto10لكم جميعا بعيدا عن الطائفية والعرقية وغربة الاوطان جون كيتس وظاهرة الخمول John Keats and Indolence phenomenon Yourto10نكتب بكل اللغات جون كيتس وظاهرة الخمول John Keats and Indolence phenomenon Yourto10للأهل والاحبة والاصدقاء جون كيتس وظاهرة الخمول John Keats and Indolence phenomenon Yourto10نسأل ، نستفسر عن اسماء او عناوين نفتقد لها جون كيتس وظاهرة الخمول John Keats and Indolence phenomenon Yourto10نهدي ،جون كيتس وظاهرة الخمول John Keats and Indolence phenomenon Yourto10نفضفض ، جون كيتس وظاهرة الخمول John Keats and Indolence phenomenon Yourto10 جون كيتس وظاهرة الخمول John Keats and Indolence phenomenon Yourto10نقول شعرا او خاطرة او كلمة جون كيتس وظاهرة الخمول John Keats and Indolence phenomenon Yourto10اهديكم ورودي وعطر النرجس ، يعطر صباحاتكم ومساءاتكم ، ويُسكن الراح قلوبكم .
جون كيتس وظاهرة الخمول John Keats and Indolence phenomenon Colomb10احتراماتي للجميع

 

 جون كيتس وظاهرة الخمول John Keats and Indolence phenomenon

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Fati
المديــــر العــام
المديــــر العــام
Fati


اسم الدولة : فرنسا

جون كيتس وظاهرة الخمول John Keats and Indolence phenomenon Empty
مُساهمةموضوع: جون كيتس وظاهرة الخمول John Keats and Indolence phenomenon   جون كيتس وظاهرة الخمول John Keats and Indolence phenomenon Icon_minitimeالثلاثاء يونيو 09, 2009 8:45 pm

جون كيتس وظاهرة الخمول John Keats and Indolence phenomenon

جون كيتس وظاهرة الخمول John Keats and Indolence phenomenon ـــ د.غالب سمعان

إذا كان الشاعر الرومانتيكي الإنكليزي جون كيتس(1795ـ John Keats (1821 قد تغنى بالجمال الفيزيائي المحسوس، وأضفى عليه بعداً متعالياً، فإنه لم يقدّم بالمثل، إبداعاً يركز على القيم الأخلاقية العرفية، ويتمحور حولها، ويعيد إنتاجها، ومع ذلك فإنه نموذج رومانتيكي آمن بالتقدم الأخلاقي، وإمكانية ارتقاء الإنسان، وإنجازه لكماله، مع الانتباه إلى أن معاني التقدم الأخلاقي والارتقاء والكمال، تأخذ في أشعاره صورة أخرى غير مألوفة، وأنها أدعى للاهتمام بالنظر إلى امتداحها الأحاسيس البشرية، وعدم تنكرها لها، واستبعاد أية إمكانية للنفاق تنشأ داخل ملكوت النظام المعرفي الحسي الروحي، الذي يرى في الانسياق وراء الأحاسيس البشرية، عيوباً أخلاقية، وفي الوقت نفسه لا يستطيع إنكارها، لكونها قائمة في النفس البشرية كأهواء وغرائز، ولكونه يرتكز إلى معطياتها، في بناء الصرح الروحي، الذي يدافع عن مضامينه. ولربما أمكن اعتبار جون كيتس سيكولوجية جماليّة أكثر من كونه سيكولوجية أخلاقيّة، وبطريقة أو بأخرى، انتقل من التركيز على الطبيعة والفن إلى التركيز على العواطف البشرية التي أضفى عليها القداسة، وأثنى بإصرار عظيم على عاطفة الشفقة والحنو تحديداً، ويبدو أنه اختبر في بداية مشواره الحياتي السعادة المتأتية عن الاستمتاع بالمظاهر الطبيعية، والتعلق بالفن، والإغراء الحسي، عندما يتعلق الأمر بالعلاقة بين الرجل والمرأة، وانتقل إلى إدراك حقيقة الشقاء والمعاناة في العالم، ففي قصيدته الأخيرة «هيبريون Hyperion» يحاول الانطلاق من تلك الحقيقة باتجاه الدعوة إلى التعاطف والشفقة، ويتقدّم أكثر على سبيلٍ يتخلى فيه عن الفردية Individualism ويعتبر آلام الآخرين آلامه الخاصة به. والواقع أن الجمال لعب دوراً هاماً في حياته، فقد كان قادراً على إمتاعه، وعلى إثارة عواطفه وتسكينها في آن معا، إضافة إلى تقديم عزاء حقيقي له، في عالم يبعث اضطرابه الأسى في النفوس، وبكلمة واحدة لعب الجمال دوراً هاماً في تخفيف المعاناة التي ألمّت به، إلى درجة كبيرة، وهي المعاناة الناجمة ليس فقط عن الطبائع البشرية التي تفتقر إلى النبل والخلق القويم؛ بل وعن الآلام الجسدية الناجمة عن المرض الوبيل الذي أطاح بحياته في نهاية المطاف، وعن العاطفة المتقدة التي امتلأ بها قلبه تجاه الحسناء فاني براون Fanny Brawne التي أحبها حبّاً جارفاً، وكآلية دفاعية للخلاص من هذه المعاناة، ما كان بإمكان الجمال وحده، عبر تأثيره الملطّف والمعزّي، أن يحقق له خلاصه الذاتي، وهكذا فإنه لجأ إلى التخيل Fancy وإلى التراخي والتكاسل الإرادي.

ومن المعروف أن الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور (1860 ـ 1788) Arthur Schopenhauer اعتبر الإرادة البشرية وإملاءاتها، الباعث الأصلي على المعاناة لدى الإنسان، ومن أجل الخلاص منها، ومما يتأتى عنها من آلام لا سبيل إلى توقفها، اقترح الاعتماد في البداية على الفن الذي يجعل الإنسان غير واقع تحت تأثير الإرادة، لفترات متقطّعة، فالجمال الذي ينطوي عليه الفن، يلعب دوراً مهدّئاً ومسكّناً للنفس البشرية، والتعلق في مرحلة تالية، بالأخلاق الزاهدة التي تتبنى عاطفة الشفقة والحنو تجاه المآل الإنساني، في هذا العالم، والواقع أن جون كيتس آمن هو الآخر بأهمية هذه العواطف البشرية، غير أنه مع ذلك لم يقدّم خطاباً أخلاقياً زاهداً Ascetic بشكل مباشر، وبدا أنه انتقل من الاهتمام بالجماليّات، إلى الإشادة بالتكاسل والتراخي والنوم، وما ينطوي عليه هذا كله، من قطع للإرادة، وخلاص نهائي وشامل من المعاناة، وهذا المسعى الهادف إلى كبح الإرادة ورغباتها، كبحاً شاملاً، بدا جليّاً في قصيدته أغنية إلى الخمول Ode on Indolence؛ حيث يكون في حال من الاسترخاء، أقرب إلى السبات والنوم منها إلى اليقظة التامة، المصحوبة بعواطف فاعلة، ولها قدرة على قلقلة النفس التي أنهكها التعب. وفي تلك الحال تتراءى له أطياف ثلاثة، تمثل في الواقع الإرادة أكثر مما يمثلها أي شيء آخر، فالطيف الأول يمثل «الحب Love»، والثاني «الطموح Ambition» الذي يعني على الأرجح، رغبة في الارتقاء والتعالي الذاتي، أو وجود نوع من الطمع الهادف إلى تحقيق مكاسب فردية، أما الطيف الثالث فيمثل «شيطانة الشعر Demon Poesy» التي يشعر جون كيتس أنها الأكثر قوة وحضوراً في قرارة نفسه، من الطيفين الأوّلين. وبالطبع فإن رؤيته هذه صائبة تماماً، فالمرء يستطيع أن يتخلى عن الحب، وعن الطموح، قبل أن تتشكل لديه القدرة على التخلي عن الحافز الأكثر جوهرية في الإرادة البشرية، وهو ما يمثله لدى الشاعر شيطانة الشعر، وهذه الحقيقة تقدم دليلاً على أنه شاعر حقيقي وأصيل، وأنه اقترب أكثر فأكثر من الكيان الباطني الذي استشعره في داخل نفسه؛ أي من الإرادة الجوهرية، وهو ما يجعل ارتقاءه السيكولوجي الأخلاقي، من الجماليّات باتجاه الأخلاق الحانية أو الزاهدة، أقرب إلى النوعية التي اقترحها الفيلسوف آرثر شوبنهاور منها إلى تلك النوعية التي دافع عنها الفيلسوف الدنماركي الوجودي سورين كيركغارد (1855 ـ 1813) Soren Kierkegaard لدى انتقاله من الطور الجمالي إلى الطور الأخلاقي فالديني، فالشاعر يندفع تلقائياً، ودون عناء ذي قيمة، نحو الخمول، أي نحو إفقار الإرادة، وإطفائها. وفي بداية القصيدة يتمنى لو كان بإمكانه اللحاق بالأطياف الثلاثة، وهو ما يقدّم انطباعاً بأنه ما يزال على صلة قوية بإرادته، مع إدراكه لما ينطوي عليه تخليه عنها، من انحدار باتجاه لجة العدم Nothingness، ومع ذلك فإن العدم هو هدفه الأسمى الذي يسعى إليه، وهكذا فإنه يقبل التخلي عن الأطياف الثلاثة، وأكثر من هذا فإنه يطالبها بأن تذهب عنه، ولا تعود مرة أخرى إليه، وهذا الاندفاع يعني أنه في طريقه إلى تحقيق قطع تام للإرادة، وإملاءاتها؛ أي أنه في طريقه إلى تحقيق الخلاص النهائي، وفق تقديراته، التي يمكن اعتبارها سيكولوجية أكثر من اعتبارها فكرية:

ذات صباح مرت أمامي أطياف ثلاثة،

رؤوسهم محنية، وأيديهم متشابكة، يبدون من جانب،

يخطون الواحد خلف الآخر في هدوء،

يخطون خطو مطمئن، تزينهم أردية بيضاء.

مروا، كأشكال مرسومة على وعاء من رخام،

إذا ما أدير لنرى جانبه الآخر:

ثم عادوا مرة أخرى مثلما تعود الأشكال التي ظهرت في البداية

حينما يدار الوعاء ثانية.

لم أعرف من يكونون كما قد يحدث لامرئ

يعرف الكثير عن فن فيدياس، حينما ينظر إلى إناء للزهور.

كيف أيتها الأشباح، كيف لم أعرفك؟

ولماذا أتيت مرتدية هذا القناع الساكن؟

أهي حيلة صامتة، خفية عميقة،

كي تهربي متسللة، تاركة أيامي الكسلى

بلا عمل؟ لقد نضجت الساعة الناعسة وأينعت،

وخدرت عني سحابة هنيئة من خمول الصيف،

وراحت دقات قلبي تخفت وتخفت،

لم تعد للألم من لذعة، أو لإكليل اللذة من أزهار:

آه، لماذا لم تتلاشوا، وتتركوا حواسي

لا يطوف بها غير العدم؟

مرة ثالثة مروا بي، وأثناء مرورهم

أدار كل منهم وجهه إلي لحظة، ثم غاب عن ناظري.

احترقت شوقا متألما إلى أجنحة

كي ألحق بهم لأني عرفت ثلاثتهم:

أولاهم كانت فتاة جميلة، اسمها الحب،

وكانت ثانيتهم الطموح، وجنتاها شاحبتان

وعيناها دائمتا الترقب، مجهدتان،

وكانت الأخيرة التي استأثرت بمعظم حبي،

والتي يقع عليها أكثر اللوم صبية جامحة.

لقد عرفتها، إنها شيطانة شعري.

غابت الأطياف عن ناظري، وكنت حقاً في حاجة إلى أجنحة،

آه يا للحمق ما الحب! وأين هو؟

أما ذلك الطموح المسكين فهو ينبع

من نوبة حمى قصيرة تعتري قلب المرء.

أما شيطانة الشعر فكلا؛ إذ هي لا تمنح الفرح

لي أنا على الأقل فرحاً عذباً مثل ساعات الظهيرة الناعسة،

والأمسيات الغارقة في التراخي المعسول،

آه، من لي بعمر آمن من الضيق،

كي لا أعرف أبداً كيف يتغير القمر،

ولا أسمع صوت العقل الدؤوب.

مرة أخرى مروا بي، لماذا؟ وا أسفاه!

نومي كان موشى بأحلام معتمة،

وكانت روحي مرجاً سندسياً، تتناثر فوقه

أزهار وظلال متماوجة، وأشعة مختلطة:

لم يسقط مطر، مع أن الصباح كان غائماً،

وكانت دموع أيار الرقيقة عالقة بأجفانه.

وحينما فتحت الشرفة ضغطت على كرمة أورقت حديثاً،

وانساب منها الدفء المزدهر، وأنشودة الطير،

أيتها الأطياف! لقد حان عندئذ وقت الوداع!

ولم أذرف دمعة واحدة على أذيالكم.

وداعا إذن، أيتها الأطياف الثلاثة! فأنتم لا تستطيعون

رفع رأسي عن وسادتها الرطيبة في الحشائش المزهرة،

لأني لا أريد أن أتغذى بالمديح،

كحمل أليف في مهزلة عاطفية!

اختفي في هدوء عن عيني، ولتصبحي مرة أخرى

أشكالاً تشبه الأقنعة المرسومة على وعاء الأحلام،

وداعاً، لا تزال لدي رؤى لليل،

وثروة من الرؤى الخافتة للنهار،

اختفي أيتها الأطياف! عن روحي الخاملة،

اختفي في السحاب، ولا ترجعي أبدا!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
Fati
المديــــر العــام
المديــــر العــام
Fati


اسم الدولة : فرنسا

جون كيتس وظاهرة الخمول John Keats and Indolence phenomenon Empty
مُساهمةموضوع: رد: جون كيتس وظاهرة الخمول John Keats and Indolence phenomenon   جون كيتس وظاهرة الخمول John Keats and Indolence phenomenon Icon_minitimeالثلاثاء يونيو 09, 2009 8:45 pm


وإذا كان الشاعر الرومانتيكي العربي التونسي أبو القاسم الشابي (1909 ـ1934) قد حذّر في مطلع قصيدته «إرادة الحياة» من إمكانية اندفاع الذات البشرية باتجاه لجّة العدم، في الحال التي لا تستجيب فيها للبواعث الجوانية، الدافعة لها للارتقاء الوجداني الذاتي نحو المثل الأعلى، فإنه انتمى إلى منظومة رومانتيكية، تدفع المرء في نهاية المطاف إلى التراخي والتكاسل، وفق بعض الدارسين. وبالرغم من تشاؤم الشاعر والمفكر الإيطالي جاكومو ليوباردي (1798ـ 1837) Giacomo Leopardi ويأسه التام من إمكانية إدراك السعادة في هذا العالم، واندفاعه باتجاه العدم، الذي عنى له الفناء والاندثار، فإن اعتقاداته بقيت بعيدة عن الاعتقادات المألوفة في أديان الخلاص، وإن أبدى إصراراً على العطف والود، فإن مسعاه الإرادي لم يكن هادفاً من الناحية المبدئية، إلى تسكين الإرادة وإطفاء مكوّناتها. وربما كان بالإمكان التحدث هنا عن وجود نوع من الوهن، يدفع الشاعر جون كيتس باتجاه الخمول التام، كمنهج وقائي وعلاجي، يدفع عنه غوائل المعاناة، لكن الاندفاع على هذه الطريق لا يمكن إنجازه، دون وجود قدر من القوة السيكولوجية، فالتخلص من الرغبات والحوافز البشرية، والسعي الدؤوب باتجاه قطع الإرادة، دون أدنى قدر من التردّد أو التحفظ، لدى الفيلسوف الهندي غوتاما بوذا (563 ـ 483 (Gautama Buddhaالذي أسس الديانة البوذية، علامة دالة على القوة النفسية. أما تخبّط شاعر كأبي العتاهية (748ـ 825م) بين الانطلاق وراء الرغبات الحسية، والمحاولات المتكررة للتزهّد، والتنكر لتلك الرغبات، فهو علامة على وجود نوع من الضعف النفسي، الذي ينظر له البعض على أنه ضعف في الإيمان الذي امتلكه في فؤاده. وبالمقارنة مع غوتاما بوذا فإنه ما من وجود للبعد الأخلاقي في الأداء الهادف لتحقيق حالة الخمول لدى الشاعر جون كيتس؛ أي أن الخمول أقرب إلى محو الذات والتنويم الذاتي، أكثر من كونه تطهّراً على ما يمكن للمرء ملاحظته لدى مؤسس الديانة البوذية، وغيره من المفكرين الذين دعوا إلى تبليد العقل، ومن ثم إلى تبليد الكيان الإنساني كله، كالمفكر والعالم الفرنسي بليز باسكال (1623ـ 1662) Blaise Pascal الذي امتلك تكوينا سيكولوجيا أخلاقيا قوياً، واعتقاداً بالإثم الذي يستبطن كيانه من الداخل، ورغبة حارة في التحرر من إساره، والتطهر الذي يعني ظفره بالسلام والطمأنينة، وربما أمكن اعتبار «التميمة» التي خلفها لدى وفاته، شأناً مشابهاً من الناحية الصورية للرؤى البديعة التي ذكرها جون كيتس في قصيدته التي تغنّى فيها بالخمول الذي أدناه كثيراً جداً من الانطفاء التام، أي من العدم. والمعروف أن بليز باسكال اندفع في بداية حياته، وراء العلم، وابتكر اختراعات دالة على ذكائه، وقوة خياله، وجموح عبقريته، وفيما بعد انخرط في تيار الحياة الاجتماعية اللاهية، واعتبر نفسه ممن تلوّثوا بالإثم، ووجب عليهم أن يتطهروا منه. وفي تلك «التميمة» يذكر عدداً من الأنبياء، ويرجو بتحرّق عارم السلام والخلاص، ويعبّر عن ظفره بالنشوة والغبطة، وربما أمكن اعتبار الطور الذي أنجز فيه كشوفه العلمية. التي استعان فيها، ليس بذكائه فقط؛ بل وبطاقة الخيال التي امتلكها، شبيها بالطور الذي بدت فيه فاعلية جون كيتس الرومانتيكية على أشدّها، وهي الفاعلية الحيوية التي تغنى بها أبو القاسم الشابي في قصيدته «إرادة الحياة».

وهكذا فإن الخطاب في حالتي غوتاما بوذا وبليز باسكال يبدو أخلاقياً تماماً، وثمة ربط بين أفعال الإرادة والإثم، وما يترتب على ذلك من عقاب أو ثواب، ومن احتياج إلى التطهر، لا يمكن القفز فوق متطلباته على الإطلاق. وإذا كان الخلاص الناجم عن قطع الإرادة لدى غوتاما بوذا يدعى السعادة القصوى، والاستنارة التامة أو النيرفانا Nirvana فإنه لدى جون كيتس يعني الخمول، والتلاشي في العدم. ومما يقال لدى التطرق إلى الإنجاز الذي حققه الفيلسوف الهندي، أنه بقي جامداً دون حراك، وأباد في ذاته أدنى الرغبات وأبسطها، وأن الخفافيش ابتنت أعشاشا لها على راحتي يديه الممدودتين، فقد ظنته صخرة جاثمة على الأرض، وعندما هجرته أخيرا، طفرت الدموع من عينيه، في إشارة إلى أن شطب الإرادة كلية، غير واقع في حدود الإمكان، وأن عواطف القلب البشري، التي تتربع الشفقة على قمتها، في هذه المنظومة المعرفية، تظل باقية ومعبّرة عن أفضل ما في الكائن البشري من مشاعر إنسانية، أما جون كيتس في قصيدته «أغنية إلى الخمول» فإنه يكون في حالة أقرب إلى العدم الكلي، وعندما تحاول الإرادة التعبير عن مكنوناتها في ذاته، من خلال الحب والطموح وشيطانة الشعر، فإنه يتمنى اللحاق بها في البداية، وأخيراً يتخلى عنها، ويطالبها بأن تتلاشى ولا تعاود الظهور ثانية؛ أي أنه يودّ الالتصاق بالعدم، ويرفض العودة إلى الحياة، وبالطبع فإنه لا يعترض بهذا النهج الذي لا يكترث بما في داخل الذات أو خارجها، على عاطفة الشفقة والحنو، التي حيّاها في مواضع أخرى من أشعاره.

وفي فرنسا تعاطف الأسقف فينلون (1651ـ 1715) Fenelon مع مدام جويون Madame Guyon التي جاهرت باعتقادها بالصوفية المسماة «السكينة Quietism» أو «التسليم» والتي أنشأها الراهب الصوفي الإسباني مولينوس Molinos ودعا فيها إلى العبادة والتأمل في الله، والتلاشي فيه، وتجاوز الأحاسيس البشرية المعروفة، إلى الدرجة التي تصبح فيها النفس غير مسؤولة عن أفعال الجسم. ومدام جويون تنقلت في حياتها كأبي العتاهية، بين مطالب الأحاسيس ونزعات العبادة والتصوف، وفي النهاية انطلقت بإصرار عظيم، وراء الاتحاد الصوفي بالله، دون أن تكون دوافعها قائمة على خوف العقاب، أو رجاء الثواب؛ أي أنها أقرب ما تكون إلى الشاعرة الصوفية رابعة العدوية (713ـ 801) التي أجبرت في البداية على احتراف الغناء، ومالت إلى الحياة الزهدية، دون أن تعبأ بأي نوع من الإغراءات أو العراقيل، والمعلوم أن فينلون اشتهر بكتابه «تيليماك Telemachus» الذي اعتمد فيه على الأساطير اليونانية، بهدف إعلان المبادئ الأخلاقية الدينية، وإظهار ما تنطوي عليه من حكمة، لولي العهد لويس دوق بورجونيو Louis, Duc de Bourgogne الذي أشرف على تعليمه وتربيته، والكتاب يتضمّن وصفا للمغامرات التي قام بها البطل، والتي تحفل بالقتال والمعارك والأحداث الدرامية، إلى أن يلتقي والده أوليس، ويعاونه في قهر خصومه الذين حاولوا التقرب من زوجته بينيلوب، وبالرغم من هذا كله فإن اتجاه الإرادة لدى الكاتب، ولدى تيليماك، يذهب باتجاه «السكينة» أو «التسليم» وهو ما دعاه إلى الدفاع عن مدام جويون، وبالطبع فإن هذه الحالة تقابل حالة «الخمول» التي دافع عنها جون كيتس. ومن ناحية أخرى فإن عودة هذا الشاعر الرومانتيكي إلى الأساطير اليونانية، ترافقت مع استغنائه عن الأخلاقيات العرفية، وليس مع اتخاذها وسيلة برانية للدفاع عن تلك الأخلاقيات. ويبقى أن أهم ما في نظام معرفي ما، إنما هو اتجاه الإرادة التي تميّزه، فالأفراد الذين ينتمون إليه، نادراً ما يمثلون كل ما فيه، وهو أكثر اتساعاً بما ينطوي عليه من إمكانيات جزئية، مما ينطوي عليه أي ممن يؤمنون به. ولدى الحكم على الأفراد، وما إذا كانوا أخياراً أم أشراراً، فإنه لمن الضروري التعرف إلى طبيعة اتجاه الإرادة في ذواتهم، فإن كان ذاهباً باتجاه الحياة الزاهدة، فهم أخيار في النهاية. وهكذا فإن أدباء كأبي نواس وأوسكار وايلد هم أفراد أخيار، بالرغم من أدائهم الذي ينتمي إلى حيّز الرذيلة، ما دام اتجاه إرادتهم الهادف إلى التخلي عن الدنيويات، قد أوصلهم إلى الحياة الزاهدة، وهو ما يعني أنهم كانوا أخياراً، في أثناء ظهورهم كأشرار، وأن رذائلهم أوهى من أن تنال من بنيانهم الأخلاقي الفاضل، وأكثر من هذا فإنها ضرورية لمن يحاول إبراز حقائق ذلك البنيان الذي يتصف به.

أما الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشة (1844ـ 1900) Friedrich Nietzsche فقد اعتبر أن تعبيرات الاتحاد بالحقيقة الكونية، والنيرفانا، لا تعني شيئاً آخر غير العدم، ووفق هذا الرأي فإن تعبير جون كيتس يبدو الأكثر مباشرة وصدقاً، وتعبيراً عن الحال السيكولوجية القائمة في داخله، وفي مقابل الأنوار الداخلية والغبطة الشاملة، يذكر في قصيدته، إحساسه بأن روحه أشبه ما تكون بالمرج السندسي، الذي تتماوج عليه الظلال، وفي نهاية القصيدة يفخر بامتلاكه لكم وافر من الرؤى، تكفيه ليلاً نهاراً, وهو لا يتجاوز هذه الحدود، أي أنه لا يتحدث عن انطلاق النفس خارج الجسد، وما إلى ذلك من اختبارات روحية تقدّم المسوغات الهامة التي يحتاج إليها مشروع الانطلاق باتجاه النيرفانا، أو الاتحاد الصوفي بالله. وبالرغم من أن الفيلسوف اليوناني أبيقور (270 ـ 341 ق.م Epicurus) قد أشاد باللذة، واعتبرها الخير الأسمى، فإن أداءه العام الذي يمتدح اللذة العقلية، وغياب الألم، أكثر من انقطاعه، والأسلوب البسيط في الحياة الذي يعني تراجعاً متصلاً في الإرادة وإملاءاتها، يقرّبه من الناحية السيكولوجية إلى حدّ كبير من تلك النماذج التي آمنت بمبدأ متعال على الواقع المحسوس. والمعلوم أن جون كيتس قد سعى إلى تحقيق حالة الخدر والسكون، قبل أن يسعى باتجاه الخمول التام، وقبل حالتي الخدر والخمول، سعى إلى إراحة الجسم والنفس، عبر اجتناء اللذة اللطيفة المعتدلة، وكان غرامه المترافق مع عواطف جامحة تجاه فاني براون، قد ملأ قلبه بالمعاناة، ودفعه إلى التحرّر من اتقاد عواطفه باجتهاد واطراد، والتنكر لثنائية الألم واللذة Pain and Pleasure عبر الخمول واللااكتراث التام، وهو شأن يذكّر بتلك الدعوة التي أطلقها الشاعر الروماني لوكريتيوس (55 ـ 96 Lucretius الذي سار على خطا الفيلسوف أبيقور، والتي دعا فيها إلى اجتناب عاطفة الحب، وعدم التعلق بالمحبوب، والاكتفاء بالشهوة، التي لا تترافق مع الحب كعاطفة، والنتيجة التي سيكون بالإمكان اكتشافها، تتمثل في وجود طائفة من البشر، تتبنى مناهج متفاوتة في كيفياتها، وإن كانت كلها تسعى إلى كف المعاناة، والبقاء في حالة من الخدر والسكون، وثمة ربط بين السعادة وحالة التراخي والخمول؛ أما فريدريك نيتشة فإنه يربط بينها وبين النزوع الأرستقراطي الإرادي، وبالفعل فإن الشاعر الإرادي أبا الطيب المتنبي (965 ـ 915) يشعر بالسعادة أكثر ما يشعر، لدى إقدامه على الأداء الذي يمثل النقيض الجذري لتلك الحالة الساكنة والخاملة، وهو ما يبدو بوضوح كبير في قصيدته التي كتبها في مصر، لدى إصابته بالحمّى، واضطراره للبقاء في الفراش:

ملومكما يجلّ عن الكلام



ووقع فعاله فوق الكلام







ذراني والفلاة بلا دليل



ووجهي والهجير بلا لثام





فإني أستريح بذي وهذا



وأتعب بالإناخة والمقام



عيون رواحلي إن حرت عيني



وكل بغام رازحة بغامي



فقد أرد المياه بغير هاد



سوى عدّي لها برق الغمام


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
Fati
المديــــر العــام
المديــــر العــام
Fati


اسم الدولة : فرنسا

جون كيتس وظاهرة الخمول John Keats and Indolence phenomenon Empty
مُساهمةموضوع: رد: جون كيتس وظاهرة الخمول John Keats and Indolence phenomenon   جون كيتس وظاهرة الخمول John Keats and Indolence phenomenon Icon_minitimeالثلاثاء يونيو 09, 2009 8:45 pm



والواقع أن فريدريك نيتشة يوازن بين السعادة لدى العاجزين المقهورين، وتلك التي يمكن رصدها لدى النبلاء الأقوياء، وفي كتابه «هكذا تكلم زرادشت» وتحت عنوان «المسافر» يتهجّم على حالة الخمول، ويعتبر أن لا راحة إلا حيث لا توجد الراحة. وفي كل الأحوال يظل اندفاع جون كيتس باتجاه الخمول والعدم، لافتاً إلى درجة كبيرة، لأنه يقرّبه من مشروع القداسة، دون أن تكون القداسة من الناحية الأخلاقية، الهدف الذي يرمي إليه، الأمر الذي يعني فيما يعني، تحكم السيكولوجية بالأخلاق، وكونها في الواقع سيكولوجية أخلاقية قبليّة، قادرة على إبراز مكنوناتها الأخلاقية وإعلانها، أو على التعبير عن ذاتها تعبيراً سيكولوجياً، صوفياً زاهداً، غافلاً تماماً، عن الأخلاق الصوفية الزاهدة.

من ناحية أخرى، يمتدح جون كيتس طاقة الخيال أكثر من امتداحه أية طاقة بشرية أخرى، كالعقل أو الإرادة، حتى أن امتداحه إياها يتم على حسابهما، فهو يحاول التقليل من شأن العقل، ويتغنى بالكسل، وما يؤدي إليه من استرخاء، وتنبيه للحواس، من المتوقع أن ينقلب إلى تخميد لها، والإشكالية الجوهرية التي واجهته تمثلت في ظاهرة «التغيّر» وفي استمرارية الوعي، وفاعلية العقل الدؤوب التي حاول تجاوزها تارة عن طريق التخيل، وتارة أخرى عن طريق الخمول. وبشكل عام حدّد هدف الشعر في قصيدته «الشعر والنوم» Sleep and Poetry بأنه يلطّف الهموم ويهدّئ القلق، ويرقي أفكار الإنسان. وبالطبع فإن الانطلاق وراء التخيل أو الخمول، يعني في هذه الحالة تحقيق الرقي الفكري، الذي أشار إليه. وفي غنائية أخرى حملت عنوان إلى النوم To Sleep يعاود الإصرار على الاسترخاء والخدر، والفرار من الوعي الفضولي، ويبدو كمن يطلب الفناء والزوال من العالم. وإذا كان في بداية حياته الأدبية قد امتدح في قصيدته الطويلة الأولى «إنديميون» المتع الحسية بإصرار كبير، ودافع عن الاسترخاء والنوم والشباب الدائم، فإنه في نهايتها، تخلى عن تلك المتع التي ترافق النوم الهادئ؛ أي أنه تخلى عن الإرادة أكثر فأكثر، ومثل هذا النزوع يجعل من جون كيتس، وفق تقديرات القراء، شاعراً إغريقي الروح، ليس فقط لأنه استوعب الأسطورة اليونانية، المتعلقة بالأمير الراعي إنديميون، وإلهة القمر التي وقعت في حبّه؛ بل لأنه اهتم بالحواس والمتع المتأتية عنها، وهو ما أعلنه صديقه بيرسي شيلي (1792ـ 1822) Percy ****ley في مقولة له عن الشاعر، وبالطبع فإن تعبير «إغريقي الروح» ليس دقيقاً، وهو يدل مبدئياً على الميل إلى اجتناء الملذات الدنيوية، بالنظر إلى أن المثال الزهدي كما تمّ فهمه، يحاول عرقلة الحواس، والمتع المتأتية عنها.

وفي سيرة حياة الكاتب المسرحي الأيرلندي أوسكار وايلد (1854ـ 1900) Oscar Wilde أشياء مماثلة، وهو الذي مال إلى حياة التراخي والكسل، ويقال إن جون راسكين (1819ـ 1900) John Ruskin أخرجه من كسله المعهود، عندما أشركه في ترميم بعض الطرق، وهذا الأداء الحياتي يؤدي فعلاً إلى إيقاظ الحواس في مرحلة أولى، وإلى تخميدها في مرحلة تالية، ونحن دائماً في حيّز الحواس، وعندما يتم استخدام العقل، فإنه يظلّ ناطقا باسم الإرادة الملتصقة بالحواس، وبالطبع فإن التنبيه العقلي، والقدرة على إظهار المكنونات الذاتية، يرافق التنبيه الحسي، في كل الأحوال، وفي مثل هذه الحال السيكولوجية، كتب أوسكار وايلد أربع مسرحيات خلال فترة وجيزة، وأثناء مروره في إيطاليا، ألقى حفنة من الورود على قبر جون كيتس، تكريماً له، وأشاد بحقيقة كونه شاعر الحواس. وكان جبران خليل جبران (1883ـ 1931) الذي أنهى قصيدته «المواكب» بعبارة يقرر فيها أن الناس سطور كتبت بالماء، قد امتدح هو الآخر، جون كيتس الذي كتب على شاهدة قبره «هنا يرقد رجل كتب اسمه بالماء» وذلك في كتابه «دمعة وابتسامة» وتحت عنوان «الحروف النارية»، وبالرغم من أنه الكاتب الصوفي الذي قطع أشواطاً روحية بعيدة المدى، في ميدان الثيوصوفية الرومانتيكية، فإنه الكاتب الذي ينتمي إلى حيّز الرغبات والحواس؛ وكمثله فإن الشاعر الإنكليزي الرومانتيكي الآخر بيرسي بيش شيلي أثنى على جون كيتس، بقصيدة هامة أسماها «أدونيس»، وثمة إشارة فيها إلى الفنائية، وبطلان الحياة وما فيها، غير أن الكاتب اللبناني الأكثر اعتدالاً ميخائيل نعيمة (1988 ـ 1889) استغرب ما أورده جبران خليل جبران في نهاية قصيدته «المواكب»، بالرغم من كونه ممن يؤمنون بالروح البشرية وخلودها. والواقع أن اعتقاد هؤلاء الكتاب بأهمية إنجازهم الأدبي، وشكوكهم حياله، وحيال أدائهم الحياتي، يقدم إشارة قوية إلى أن المضامين الإبداعية التي دافعوا عنها، والتي انتموا إلى الحيّز الذي تشغله، من الناحية السيكولوجية الأخلاقية، نعاني من أوجه النقص التي أحسّوا بها، ولم يمتلكوا القدرة على إدراكها، والنأي بأنفسهم عنها.

وثمة مفارقات تظل قائمة، وجديرة بالتوقف عندها، فالكاتب الصوفي جبران خليل جبران يتعلق بكتاب الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشة «هكذا تكلم زرادشت»، ويعتبره كتاباً قيّماً لدى اطلاعه عليه، على ما فيه من نزعة أرستقراطية إرادية، وفي الوقت نفسه يتهجّم على أبي الطيب المتنبي ذي النزعة الحياتية المماثلة، ويضع الشاعر الصوفي ابن الفارض (1181ـ 1234) الذي مال إلى التزهّد، وعاش في وادي المستضعفين، في مكانة أعلى من المكانة التي له، والمأثور عن جون كيتس تلك النغمة المقهورة في أشعاره، والميل إلى العوالم الخيالية المسحورة، التي استبدل بها ابن الفارض بالعوالم الصوفية المتعالية؛ فالمثال الزهدي الذي يفترض إشكالية متعلقة بالحواس، يتعامل معها بأداء معيّن من الناحية الواقعية، وهو ما يعني أن الكائن الأخلاقي الزهدي إما أن يندفع وراء المتع، أو وراء التبتل، وإن عدم وجود صراع داخلي لدى شاعر كعمر أبي ريشة (1990 ـ 1910) وهو ناظم قصيدة «معبد كاجوراو» التي يحيّي فيها المتع الجنسية، بجميع أشكالها، وأخرى كقصيدة «خالد بن الوليد»، التي يمجّد فيهما النبوّة والروحانيّة، وإرادة القتال الجهادية المقدّسة، دال على أن التناقض شأن سيكولوجي ذاتي، وليس شأناً متعلقاً بالمنظومة المعرفية التي يتم خطأ شطرها إلى منظومتين معرفيتين، أولاهما تدافع عن المتع، وثانيتهما تناهض المتع، وتناصر فكرة تخميد الحواس، وليس إيقاظها. والواقع أن التوجه الوجداني لدى الشاعر الإنكليزي، إلى الأساطير اليونانية والأجواء المسحورة الباعثة على النشوة، قد عنى أنه نموذج بشري تحرّري في نزعاته المختلفة، ووثني في أدائه الفكري الوجودي، فقد حيّا الرغبات والأهواء البشرية، وبدا أنه يشد من أزرها، ويدافع عنها، ومع ذلك فإنه ما من تناقض بين الفكر الأخلاقي الماورائي، وبين تلك الانطلاقة باتجاه المتع الحياتية، وذلك إذا ما تم النظر إلى المنظومة المعرفية، التي يمثلها، نظرة موضوعية من الخارج، بحيث تبدو تلك المنظومة المعرفية مكونة من المعرفتين الحسية والروحية. أما النموذج البشري الحسي الروحي، الذي ينتمي بتكوينه السيكولوجي الأخلاقي إلى الفكر الأخلاقي الماورائي، فإن انتقاله من المعرفة الحسية الدنيوية، إلى المعرفة الروحية، سوف يترافق مع إدراكه لنوع من التناقض التام بين نوعي المعرفتين، إلى الحد الذي يجعله يتنكر للمعرفة الحسية، ويتهمها بالبطلان، حال اتصاله بالمعرفة الروحية الأرفع والأسمى في المنزلة.

وفي ذلك السياق الذي يعترف بالمعرفة الحسية، وظاهرة الإغراء الدنيوي، دون اعتراف منه بظاهرة الخطيئة، التي تستوجب العقاب، كتب جون كيتس قصيدة «ليلة القديسة أجنس» Eve of St. Agnes التي لا تخلو من إشارة إلى الإغراء الدنيوي، وإلى العلاقة الغرامية التي ربطته بالحسناء فاني براون التي لم يتمكن من الزواج بها، نتيجة جملة من الأحوال الطارئة التي اعترضت حياته القصيرة بحساب السنين. وبشكل عام ما من دليل على وجود تناقض ذي بال، بين المادة التي تعرضها الأساطير، وبين الأفكار الأخلاقية الزهدية التي تلتها في الظهور، إذا ما اقتصر التركيز على المضمون العام الذي يعترف بالمعرفتين الحسية والروحية. ومن الرموز الشعرية القديمة التي أبدى اهتمامه بها، تبرز شخصية الشاعر اليوناني هوميروس (8 ق.م) صاحب ملحمتي «الإلياذة The Iliad» و«الأوديسة The Odyssey» المعروفتين على نطاق واسع في العالم، وإذا كان أدباء ومفكرون من كل العصور، قد أثنوا على هذا الشاعر، فإن بعضهم انتقد المضمون الذي تغنّى به في هاتين الملحمتين، واعتبره ممثلاً للشعر الهمجي، كالمفكر الإيطالي جامباتيستا ڤيكو (1668 ـ 1744) Giambattista Vico الذي حاول التوفيق في أبحاثه، بين النظرة الفلسفية وأحداث التاريخ، وتوصل إلى نتيجة مؤداها انتقال المجتمعات البشرية من حقبة دينية إلى عصر بطولي فإلى عصر البشر، الذي تعمّ المساواة فيه فيما بينهم. وبالرغم من أنه اعتقد بأن الإنسان هو خالق الأحداث التاريخية، فإنه اعترف بوجود العناية الإلهية المبثوثة في الكون، ومن جملة آرائه اعتقاده بانتماء هوميروس إلى عصر الأبطال، وما يحفل به من أخبار القتال والوحشية، وتقليله من شأن هذا الشاعر، واتهامه بالهمجية، فالأبطال الذين يصفهم في ملحمتيه يتصفون بالقسوة والوحشية، والغرور والعناد والغطرسة، وما من فضائل لديهم كتلك التي تحدث عنها فلاسفة اليونان الأخلاقيون، وفيكو يرى أن الشعر الأصيل اعتمد على نمو ملكة الخيال، أما التأمل والتفكير الفلسفي فقد ظهرا في عصر البشر، الذي شهد تراجع قوة الخيال ونمو العقل، وأهم ما في آرائه اعتقاده بالدورية أو الرجعى في التاريخ؛ أي أن تلك الحقب الثلاث تعاود الظهور بأشكال مختلفة، نتيجة الظروف والأحوال الجديدة القائمة في المجتمعات، وهكذا يمكن اعتبار عودة جون كيتس إلى الأساطير اليونانية، وامتداحه الخيال ونفوره من العقل، عودة إلى البدائية القديمة، ومع ذلك فإن العقل يظل له حضوره بالرغم من ذلك النفور، على خلاف ما هو متوقع لدى شاعر يسيطر على مقدراته الخيال، ويكون العقل غير ذي أهمية في تكوينه الوجداني أو إبداعه الشعري.

واللافت أنه امتدح هوميروس في بعض من قصائده، بالرغم من إصراره على العواطف الإنسانية الرقيقة من مثل الحنو والشفقة، ويبقى أنه ذلك النموذج الذي لم يتفهم بالضبط أبعاد الشعر الذي ألفه هوميروس ذو النزعة الأرستقراطية القتالية، أو أنه ينطوي في قراراته على مثل تلك الطبيعة الأرستقراطية، ويحنّ إليها باعتبارها تمثل القوة، وفيها تبدو إرادة القوة فاعلة دون أية تقييدات أخلاقية تقليدية أو عرفية. وفي كل الأحوال يبقى هناك نوع من سوء الفهم الذي يتكرر كثيراً؛ فالكاتب اللبناني الرومانتيكي الصوفي جبران خليل جبران يتأثر بالفيلسوف الألماني فريدريك نيتشة، الذي امتدح البنيان الأرستقراطي الإرادي، وهاجم الرومانتيكية التي أدت إلى تخميد الحوافز البشرية، وفق اعتقاداته الفكرية. وفي هذا السياق امتدح الشاعر الرومانتيكي العربي السوري عمر أبو ريشة، الشاعر الإرادي أبا الطيب المتنبي، في قصيدته «شاعر وشاعر»، بطريقة تنكرت لميزاته الحقيقية، وأعلنته شاعراً رومانتيكياً، وبالمثل فإن الشاعر الرومانتيكي وليم بليك (1757ـ 1827) William Blakeالذي تغنى بالحمل في «أغاني البراءة»، عاد ليتغنى بالنمر في «أغاني الخبرة»، وبقوته وجماله المتناسق، وأبقى على الفكرة القائلة بأن الله الذي أوجد العالم والخليقة، هو من خلقه، بالرغم من أنه يجعل الله حملاً. ودائماً يبدو النموذج الرومانتيكي قابلاً للتأثر بالنموذج الإرادي، وإضفاء الرومانتيكية عليه بتأثير النظرة الذاتية، التي لا يستطيع تجاوزها إلى نظرة أكثر رحابة وموضوعية، أما العكس فغير صحيح أبداً؛ فأبو الطيب المتنبي الذي يعترف بالمتع والمظاهر الجميلة، يهتم أكثر بالجلال وبالقوة، وينأى عن المتع الحسية، وهكذا فإن المتع الأهم في حياته الوجدانية هي تلك الناجمة عن قيامه بأداء إرادي قتالي. وفريدريك نيتشة يلتقي في مستهل كتابه «هكذا تكلم زرادشت» القديس الحكيم في الغاب، ويبدو من حوارهما القصير سوء التفاهم بينهما، وعدم إمكانية التلاقي، فالقديس يفترض أن الإمكانية التي يمثلها، هي الإمكانية السامية الوحيدة الموجودة في العالم، وأنه ما من إمكانية أخرى تفوقها في الأهمية واليقينية، أو يمكنها أن تتواجد فيه، بصرف النظر عن مدى أهميتها، ومن ثم فإنه يكون غير قادر على رؤية زرادشت، أو توقع وجوده كإمكانية، وزرادشت يراه، ويرى نفسه، ويعلم أن القديس غير قادر على رؤيته، فيغادره وينخرط كل منهما بالضحك، اعتقاداً منه بأن الآخر قد ضلّ سواء السبيل، وربما كان بالإمكان اعتبار القادر على رؤية الإمكانية الأخرى، مالكاً ليس لأفق أكثر اتساعاً، بل ولإمكانية أعظم وأشمل، ومن ثم يصح القول بأن آفاق أبي الطيب المتنبي أكثر اتساعاً من الأفق الذي لشعراء آخرين كأبي نواس (762ـ 813) وأبي العتاهية، وآفاق مفكرين فلاسفة كفريدريك نيتشة أكثر اتساعاً هي الأخرى، من التي لشعراء وفلاسفة كوليم بليك وجبران خليل جبران. وبشكل عام انتقل جون كيتس إلى طلب الخمول، لدى إدراكه أن الإبقاء على المتعة الحسية أبدية، على ما أعلنه في قصيدته «إنديميون»، غير واقع في حدود الإمكان، ومما هو مأثور عن غوتاما بوذا أنه طلب من والده الذي دعاه إلى البقاء في قصره، وعدم هجرانه إلى البرية، بغية الشروع في تدريباته التأملية على الحياة التقشفية، الهادفة إلى التحرر من الإرادة وإملاءاتها، إبقاءه في حالة من الشباب الدائم، الذي لا يتغير ولا يشيخ أبداً، وأمام عجز والده عن تحقيق طلبه، أصر على موقفه، وانطلق إلى غايته القصوى، وهذا كله إنما يدل لدى كل من جون كيتس والفيلسوف الهندي على أن تعلقهما بالحياة الدنيا والشباب، والمتع الدنيوية، أكثر قوة في قرارة نفسيهما، من تعلقهما بحالتي النيرفانا أو الخمول.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
جون كيتس وظاهرة الخمول John Keats and Indolence phenomenon
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» ديوان الشاعر : جون كيتس / John Keats
» John Williams - Rodrigo Concerto De Aranjuez (2nd Movement)
» John Williams - Isaac Albeniz - Asturias (Leyenda) (1975)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ليـــــــــــــل الغربــــــــــــــــــــــــــة :: المنتديات الثقافية :: منتدى القصص والروايات :: الأدب العالمي-
انتقل الى: