قصيدة الحب المجنون للشاعر الكوبي خوسيه آنخل بويسا
-1-
لا, لا شيء يصل متأخّراً, لأنّ للأشياء كلّها
وقتها الصحيح, مثل القمح والورود؛
بيد أنّه, خلافاً للسنبلة والزهرة,
كلّ وقت هو وقت وصول الحبّ.
لا, الحبّ لا يصل متأخّراً. فقلبك وقلبي
يعرفان خفيةً أنّ ما من حبّ متأخّر.
فالحبّ, في أيّة ساعة يقرع فيها باباً
يقرعه من الداخل, فقد كان مفتوحاً.
وثمّة حبّ شجاع وثمّة حبّ جبان,
لكنّ أيّاً منهما, بأيّ الأحوال, لا يصل متأخراً.
-2-
الحبّ, الطفل المجنون للابتسامة المجنونة,
يأتي بخطا وئيدة مثلما يأتي سريعاً؛
لكنّ لا أحد يسلم, لا أحد, إذا ما رمى
الطفل المجنون سهمه, مصادفة, ليتسلّى.
هكذا, يحدث أن يتسلّى طفل شقي,
ويصاب رجل, رجل حزين, بجراح قاتلة.
وأيضاً, حين يلهب السهم جرحه,
لأنّه يحمل سمّ وهمٍ ممنوعٍ.
ويتحرّق الرجل في لهيب عشقه, ويتحرّق, ويتحرّق
ولا حتّى عندها, يصل الحبّ متأخّراً.
-3-
لا, لن أقول أبداً في أيّة ليلة صيف
هزّتني حمّى يدكِ في يدي.
لن أقول ما أقوله لكِ وحدكِ عن أنّ ما حلمت به معك
في تلك الليلة قد ألهب دمي.
لا, لن أقول تلك الأشياء, وأيضاً لن أحكي
عن لذة تأمّل نهديك الآثمة.
ولن أحكي أيضاً عمّا رأيته في نظرتكِ,
عمّا كان كمفتاح باب موصد.
لن أقول المزيد. لم يكن وقت السنبلة والزهرة,
ولا حتّى عندها, وصل الحبّ متأخّراً.
* ـ شبيهة الريح
شعرت بكِ، مثل الريح، حين كنت تمرّين؛
كالريح تجهل ما إذا كانت تصل أم ترحل...
كنتِ مثل نبع انبثق قريباً مني.
وأنا، طبيعياً، عطشت وشربت.
وصلتِ كما الريح، غريقة المصادفة،
بعينيكِ، المرحتين اللتين تُحزنان البحر.
وكي يستطيع المساء أن يُمسي،
رحلتِ كما الريح، التي لا تعرف كيف تعود.
* ـ قصيدة الحبّ السيء
كم هو مؤسف يا صبيّة
ألاّ أستطيع أن أحبّك!
فأنا شجرة يابسة لا تنتظر سوى الفأس،
وأنتِ جدولٌ مرحٌ يحلم بالبحر.
رميتُ شباكي في النهر ....
فتقطّعت شباكي..
فلا تجمعي كأسك المترعة مع كأسي الفارغة،
لأنّني إن شربت من كأسك فسوف أزداد عطشاً.
بالقبلة نقبّل،
وبالحبّ نحبّ..
ذاك هو حبّك الآن، لكن ليس الحبّ هكذا،
فالثمرة لا تولد إلاّ بموت الزهرة.
الحبّ بسيط جداً،
من غير أن نعرف لماذا...
لكن هكذا، مثلما تفقد العملة بريقها،
تفقد الروح، شيئاً فشيئاً، إيمانها.
كم هو مؤسف يا صبيّة
ألاّ أستطيع أن أحبّك!
ثمّة أشرعة تتمزّق مع أوّل هبّة ريح
وكم هي كثيرة الأشرعة الممزقة في عرض البحر!
لكن، وإن كانت لكلّ
جرح ندبة،
فلا يهمّ الورقة الجافة في غصن مزهر،
إن كان ألم تلك الورقة لا يصل إلى الجذر.
الحياة، ناراً كانت أم ثلجاً،
هي طاحون
تطحن أجنحتُها الهواءَ الذي يحرّكها،
ساحقة ذكرى ما مضى...
إنّ ما هو لي كان لي
والآن أمضي على غير هدى...
وإن كانت الوردة أجمل إذ يبلّلها الندى،
فإنّ لضرب المطر أن ينزع أوراقها...
كان لي حبّ جبان.
كان لي وأضعته..
لقد تأخر الوقت كثيراً على حبّك المبكر،
لأنّ ما يشرق فيكِ يمسي فيّ.
تنفخ الريح الشراع، لكنّها تنسل خيوطه،
وتصير مياه الأنهار مُرّة في البحر...
كم هو مؤسف يا صبيّة
ألاّ أستطيع أن أحبّك!
* ـ أغنية البحث
ما أزال أبحث عنكِ يا امرأة أبحث عنها بلا جدوى،
يا امرأة اعترضتِ طريقي مرّات كثيرة،
من غير أن أبلغكِ أبداً حين مددت يدي
ومن غير أن تسمعيني حين قلت: «أحبّك...»
ومع ذلك، أنتظر، ويمضي الوقت ويمضي.
ويأتي الخريف، وأنتظر أيضاً:
مما كان ناراً متأجّجة لم يبقَ سوى جمرة فقط،
لكنّني ما زلت أحلم بأنّه لابدّ من أن ألقاكِ يوماً.
وربّما، في ظلّ أملي الأعمى،
إن انتهيت بأن ألقاكِ ذات يوم، فسأشعر أنّني جبان،
إذ أدرك، فجأة، أنّ ما لا يصل أبداً
يحزننا أقلّ مما يحزننا ما يصل متأخراً.
وسأشعر في عمق يديّ الخاويتين،
أبعد من ضباب عينيّ الجلفتين،
بجزع الساعات إذ تتحوّل إلى أيّام
وهلع الأيّام إذ تتحوّل إلى سنين...
وربّما يكون جبينكِ الحالم ذاوياً
ولا حرارة للهب، ولا بريق للنجم...
وإذ لا أقول: «هذه هي!» ـ كما كنت لأقولها الآن ـ،
سأواصل طريقي، متمتماً: «كانت هي.....»