شــــعرية المركــــز فــي تشــكلات المحيــط - قراءة في مجموعةالشاعر مهدي القريشي( انا واحد وانت تتكرر) - باقر صاحب
لا زال الشعر الحديث يحفل بالتجارب المتمحورة حول جدل (الذات الشاعرة)
قراءة في مجموعةالشاعر مهدي القريشي( انا واحد وانت تتكرر)
باقر صاحب
لا زال الشعر الحديث يحفل بالتجارب المتمحورة حول جدل (الذات الشاعرة) مركزيتها وواحديتها بازاء (الاخر) هامشية وتعددية مع توافر القدرة على ابتكار تنويعات اسلوبية جديدة تفعل الطرح الجمالي لهذه الموضوعة القديمة الجديدة ان ثنائيات متوالدة باستمرار كـ( القدم/ الجدة)، المركز الهامش) (الانا/ الاخر) بوسعها ان ترحل افق الاشتغال عليها الى مديات شعرية غير مأهولة.
عنوان مجموعة الشاعر مهدي القريشي (انا واحد.. وانت تتكرر) يمثل الفضاء الاوسع لاشتغالات مدونة الشاعر على ثنائية متجددة في المتون الفكرية والنقدية والنصية.
الصيغة التركيبية للعنوان جملة كاملة المعنى، تتكون من جملتين فرعيتين؟ الاولى (انا واحد) تبث مركزية راسخة للـ (انا) توثقها بثوتية الجملة الاسمية، والثانية فعلية داحضة لثبوتية (الاخر) وان كان محتوى دحض الثبات (التكرار) (وانت تتكرر) توسط (الواو) الجملتين يشير الى قدر من التواصل له ابعاده الفكرية والاجتماعية والجمالية، نافيا القطيعة الثابتة بين الانا والاخر.
ان نصوص المجموعة - في الغالب منها - صانعة لبنى شعرية محيطية تدور حول بؤرة المركز/ بنية العنوان.
وتتباين الاواصر التي يقامر الشاعر في استعادة تشكلها مع الاخرين بحسب هوية الاخر ، التي قد تمتلك حدودها الاجتماعية كما هو بائن في قصيدة (شجرة الخواء) اذ ان الشاعر ينشئ اصرة رثائية مع (اخيه حسين، وابنه علي) فتغدو شجرة الخواء شجرة للرثاء عبر علاقة متخيلة قطباها الميت (الشاعر/ الراثي) لكن الافق الجديد لهذه العلاقة الملتبسة تشكله ايحاءات (شجرة الخواء) الفجر، الجدب، الكسل. وقد يخترق المسار الدلالي للقصيدة دائرة الرثاء مرتسما دوائر او ثيمات اخر لكنها تعود الى نثر الوحدات الشعرية الماسكة للثيمة ذاتها ، الذات الشاعرة والاخر في جدل الحضور والغياب:
الشجرة انت
والظل
والثمر المنسي ... ص6
تعتمد بعض قصائد المجموعة (مرايا غير قابلة للتشويه، قصائد قصار، صدع) شعرية المفارقة في تخليق الاتصال الجمالي بالاخر/ المتكرر تقنيات المفارقة بدورها تختلف من نص لاخر، فقد توظف شعرية الحذف:
انت
شهقة الذهب
والم الماس
وهدوء العاصفة
وانا... ص4
فمدونة الـ(انت) ومتعدداتها عبارة عن تشكيل شعري متقاطع الدلالات مع التشكيل المحذوف (الفراغي) والمبدوء بـ(انا) كما ان المتلقي يسهم في انتاج الوحدات الشعرية المسكوت عنها مما يحقق للذات الشعرية تساميها وندرتها.
عناصر البناء الشعري في (صدع) تنبعث منها شعرية انزياح الكل بدلالة الجزء (الذي هو صدع يشير الى خلل ما) تبدو تمظهرات التنوع والتكرار عبر مقاطع النص محيطة دلاليا لبؤرة المركز (الصدع):
الصدع
حدائق تبغ تتنزه في رأسي
وحقول خيانة
اينعت صدفة .. ص28
تبدو الوحدات الشعرية تعريفات متوالية للـ (صدع) يستهلها التشكيل الحسي (حدائق تبغ تتنزه في راسي) فالصدع معرفا بـ(حدائق التبغ) يتجسد في خاصية مكانية ذات سعة نسبية وهي اصغر من ناحية السعة والتحصيل المادي من حقول المضافة الى مفردة (خيانة) فيتحول (الصدع) من جانبه الحسي اللصيق بجسد الشاعر الى حادثة دلالية مفاجئة (حقول خيانة أيعنت صدفة)
هناك توظيف محسوس لانهمام الشاعر بـ(الاخر ــ الصديق فاستثمر المفارقة الهجائية وهي خلاصة قراءة حياتية مؤلمة للصديق (المعرف بالنسبة الشاعر):
قرأت صديقي
حتى العظم
فلم اجد غير انقاض...( 55)
وفي قصيدة اخرى (الليل عاطل ص13) تتسع البؤرة الاستعادية للعلاقة بين (الذات الشاعر) مع (الاخر/ الاصدقاء) مسندة بالاهداء الى (اصدقاء) تألف وحدتي العنوان والاهداء ليسهم في بث ترابط دلالي واضح بين (افتقاد الليل لبعديه الزمني والجمالي بالنسبة للشاعر وغربة الاصدقاء خاصة الشعراء منهم فيحاورهم مفعلاً عنصر التضاد بين الغربة (جغرافيا) والغربة ذاتيا واجتماعيا.
يمكن القول ان عناوين بعض القصائد تتحايث مع تفريعات البؤرة الرئيسية في المجموعة (الانا ـــ المركز/ الاخر الهامش) وهي تعد موجهات قرائية لها فعلى سبيل المثال عنوان احدى القصائد(هو يرسم خطا لعملية قلب تشكيلات الضمائر في القصيدة ( هم.. انت في ذاكرة الجمع) ص73 فنلحظ التقديم والتأخير في الصيغة الجدلية فـ(انت) هو ذاته الـ(انا واحد) والـ(هم) بديل ثان لـ(انت تتكرر) ويمكن عد الاستنتاج صائبا، اذ يتكرر الضمير (هم) على رأس اربع وحدات شعرية:
هم اودعوك القلق
هم اقلقوا سريرك بالاسئلة
هم منحوا المجانين بوصلة القبلة
هم رمموا جسدك بتقاويم تنزف شعرا.. (73)
يضع الشاعر تشكيلات من حلول مقترحة لمعضلات الواقع واساءاته فيقيم علاقة مواجهة بين الخراب بوصفه دلالة سلبية لها تشظياتها في متن القصيدة وبين (السخرية) بوصفها اسلوبية كتابية يؤشرها الشاعر في مفتتح نصه (اغازل الخراب بالسخرية بالفعل الكتابي (ادون) ص80 مهيمنات الواقع (المخرب) تتفعل في القصيدة تصيب (الانا) والاشياء معا، فتبدو فاعلية (التدوين الشعري) غير ذات جدوى ويمكن عد التبرم بادوات التعبير الفني والادبي وانكسار فاعليته بازاء عذابات الشاعر والاخرين مسارا محيطيا يتبلور بحدة حول الرؤيا /المركز فتصبح هي (خلاصة القول) او (خلاصة الاوجاع) هذه خلاصة اوجاعنا ذاتها الجروح
ذاتها طفولة اسمائنا .. ص32
فالثوابت الاسمية (الجروح، طفولة اسمائنا) تتمظهر بتشكلات مختلفة دالة على النزوع الى الافلات من النمطية والثبات ومذيبة لبنية العنوان (أنهزام الموشــــيقى) في نسيجها بازاء ذلك بفعل الشاعر جماليا تقنيات استبدال ما هو معلن بما هو خفي خلاصة القول ايضا؛ ان التنويعات الدلالية على البؤرة الاولى (الانا الواحدة/ الاخر المتكرر) تتشظى مع اتساع دائرة تأثير الذات الشعرية ومع اضطراد الميل الى نزعة تعقيد العلاقة الحقيقية بين الذات والاخرين لذا يبدو الغموض في تجربة الشاعر معادلا موضوعيا لتدرجات الغموض في اشكالية العلاقة بين الذات والعالم واقعيا. (انا واحد.. وانت تتكرر) شعر مهدي القريشي ، دار الشؤون الثقافية بغداد 2005.
سأكتب لكم بحرف التاسع والعشرين ..
موضوع: شــــعرية المركــــز فــي تشــكلات المحيــط - قراءة في مجموعةالشاعر مهدي القريشي( انا واحد وانت تتكرر) - باقر صاحب 
الأحد يونيو 07, 2009 1:34 pm
