"كتاب الإبن" وسيرة الطرد في المكان - عبدالرزاق الربيعي
عندما يتوحد التاريخ الشخصي للإنسان مع تاريخ المكان يكون من السهل الحديث عن الثاني من خلال الأول
والعكس صحيح ولهذا نجد إجابة مناسبة لسؤال يدور حول السبب الذي جعل الشاعر الفلسطيني محمد القيسي يكتب سيرته وسيرة الطرد فهو ابن للمكان وسيرة المكان طبعت آثارها على سيرته الشخصية لأنه عرف الطرد أول مرة في سنته الرابعة ولهذا باشر كتابة هذه السيرة حين أتمت الإنتفاضة الفلسطينية عامها الثاني كما يقول في خاتمة الجزء إذ أراد بهذه التسمية الإشارة إلى أن سيرة الطرد لم تكتمل وإن بدأ خطبته بقوله "يظل كلامي عنك كاملا....ليلي اكتمل وأما مركبة الضوء فلا عجلات لها"
هل أراد محمد القيسي من خلال هذا الكتاب (كتاب الإبن سيرة الطرد والمكان الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت) أن يوهمنا فيكتب رواية خصصا انه أخبرني ذات لقاء جمعنا (عمّان) إنه قرر التوقف عن كتابة الشعر والإتجاه لكتابة الرواية بل إنه كما قال لي كتب رواية أسماها "كليم الأشياء"لا أعرفها مصيرها بعد رحيله المفاجيء!
وهل يمكن أن نصنف ما كتب في السيرة ضمن خانة الرواية؟
عندما وجهت له هذا السؤال أجابني حينها إنها خليط من كل شيء :الرواية والشعر والربورتاج والسيرة ويوميات شخصية.
ولو تصفحنا (كتاب الابن) الذي سبق للقيسي نشره على شكل حلقات في جريدة "القدس" اللندنية – لرأينا كتابا يحتوي على الكثير من عناصر الفن الروائي كالسرد والشخوص والحوار والمنولوج الداخلي للراوي مع الإستفادة من التكنيك الحديث في كتابة الرواية الجديدة (التداعي , الكولوجات ,الاستفادة من تقارير المنظمات, أحاديثه المسجلة مع شقيقته )و-قد ذكر لي إنه لم يتدخل في تلك الأحاديث الا بما يقتضيه تحويلها من الشفاهية إلى الكتابة - وهذا يبدو واضحا من خلال عفوية ربط الجمل ولنأخذ حديثه معها الوارد في صفحة 54 "حين وصلنا بئر زيت مع خمس عائلات أخرى بينها دار خالتي مريم كان المؤذن يدعو لصلاة المغرب , فقال الله يرحمه موسى الحاوي غير معقول أن تصل اليهود هذه لدينا ,ومن هذا المكان مافي رواح إلا الى كفرعانه ,رأسا قعدنا تحت الزيتون ,كانت الدنيا صيفا وظلينا –هكذا وردت -حتى صارت النقطة بدها تنزل، يعني لما الصيف استوى ..".
لكن طغيان صوت الشاعر وتشظي السيرة إلى اجزاء وكسر ومقاطع شعرية واحالات إلى مصادر وهوامش كالهامش المذكور في صفحة 96 والذي يوضح ميل الرواي- الذي هو محمد القيسي نفسه - إلى فرويد تعبيرا عن انجذابه لمناخاته العلمية أولا ورغبة في الإشارة والتنبيه ثانيا إلى تحليلات هذا العالم، كما يقول واستخلاصاته وهو اليهودي خاصة في كتابته عن (موسى) وجذور ديانته التوحيدية التي أثارت حفيظة اليهود في حينه كما اثارت كتابات الفيلسوف – اسبينوزا- وهو اليهودي أيضا – أقول مثل هذه الهوامش والإستطرادات تجعل (كتاب الإبن) يخرج من دائرة الرواية خصوصا عندما يطرح الكاتب أفكاره في الوجود والكون والأشياء, أما المقاطع الشعرية فإنها غالبا ما تتغلغل بين فصول الكتاب الذي يراه الكاتب ما هو الا "ترميم لما تكسر فيّ حيث عالجني في الذهاب الى البعيد ملما ما استطعت بزكية – شقيقته الراحلة -مجروحا بما ينفرط بين يدي من رمان ومسرات قليلة)
والشعر هو جزء من هذه المسرات القليلة التي يقف إزاءها متسائلا:
"أين غار الخيط من أصابعي
والطفل فيّ يطرق الفضاء، باحثا عن المكان
في المكان
أراه شائحا غني ، كأني مابي ، لا يخصه
ولائبا، يدور
كأنني غريبة ، لا نجده ينجدني
ولا أحزانه أحزاني
كأننا ضدان"
إن إعادة ترتيب الأحداث التي مر بها محمد القيسي من خلال استحضار الماضي بكل آلامه وأحزانه وكبواته وعثراته التي هي عثرات جيل ومكان تعرض لهزات سياسية عنيفة ودماء وأحذية جند غربية المنشأ أملت عليه نمطا كتابيا جعل (كتاب الإبن) نصا مفتوحا على جميع الأجناس وقارئ الكتاب عندما يفرغ من قراءته يشعر بالغنى والإمتلاء اذ يكون قد جاس فضاء "محمد القيسي بعد هجرته الأولى أمام جارحات الأيام قبل أن ينشف ريقه ويقعده الحزن، وهو يدرج نحو الخمسين).
سأكتب لكم بحرف التاسع والعشرين ..
موضوع: "كتاب الإبن" وسيرة الطرد في المكان - عبدالرزاق الربيعي 
الأحد يونيو 07, 2009 1:20 pm
