سيغموند فرويد (1858 - 1939)
ولد سيغموند فرويد (Sigmund Freud) في فرايبرغ (Freibberg) وهاجرت عائلته إلى فينا (Vienna). عاش هناك حتى سنة 1938، وعندما ضم هتلر النمسا إلى ألمانيا اضطر فرويد إلى تركها بسبب كونه يهودياً وعاش في لندن حتى وفاته بعد ذلك بقليل.
درس سيغموند فرويد الطب في فينيا أولاً، ومارس هذه المهنة لسنوات عديدة. ولاحظ صلة وثيقة بين بعض الأمراض وأنماط سلوك مرضاه. سافر إلى باريس في 1885 للتخصص هناك لدراسة ظاهرة الهستيريا والعلاج بالتنويم المغناطيسي. ثم انتقل إلى مدينة نانسبي ليتتلمذ على أيدي العالمين الفرنسيين بيررنهام وليبو في مجال التنويم المغناطيسي. وعاد فرويد بعد ذلك إلى فيينا لاستخدام ما درسه في علاج مرضاه.
ألف فرويد كتبا عديدة دار معظمها حول ظواهر "الهستيريا" و"الأحلام"، و "التحليل النفسي". وعرض فرويد نظريته في التحليل النفسي في جامعة كلارك في الولايات المتحدة في عام 1909. وأسس جمعية التحليل النفسي في 1910 في فينا وعمل منذ 1919 أستاذا في جامعة فينا. وعانى من مرض عضال منذ 1923 وحتى موته في 1939.
يمكن إجمال موقف فرويد من الإنسان كما يلي: الإنسان هو كائن نفسي بجانب كونه كائناً عضوياً. ورغم ما يبدو من ازدواجية في هذا التحديد، إلاّ أن كلا "الكائنين"، العضوي والنفسي، يؤثر ويتأثر بالآخر، ومن الخطأ الاعتقاد أنهما منفصلان انفصالاً كاملاً، فبعض الأمراض العضوية ترجع في أصولها إلى عناصر نفسية. وقسم فــرويد الجهاز الــنفسي إلى ثلاثة: الـ (Id)، والـ (Ego)، والـ (Super Ego). ويشمل الـ (id) كافة الغرائز الموروثة والتي توجد في الإنسان منذ الولادة. واعتبر فرويد أن الـ (ego) بمثابة صمام يسمح أو يمنع هذه الغرائز من تحقيق ذاتها. أما الـ (super ego) فتتضمن مجمل السلوكيات التي تقننت شخصياً بسبب التربية البيتية أو اكتسبت شرعية اجتماعية وأصبحت أنماط سلوك اجتماعية كالعرف والعادة وأشكال الحضارة، المادية منها والروحية. وذهب فرويد إلى أن الجهاز النفسي يحدد السلوك بأشكاله وأبعاده المختلفة سواء أخذ شكل الفعل الخارجي أو استبطن داخلياً.
كرس فرويد جزءاً من وقته في أواخر حياته لكتابة بعض الأبحاث التي تعدت مجال علم النفس المحض. و"قلق في الحضارة" هو إحداها. ويطرح فرويد في هذا الكتاب الصلة المركبة بين ظهور الحضارة وتقدمها وبين الجهاز النفسي وتأثير التقدم الحضاري فيه.
فرويد: مختارات من "مختصر التحليل النفسي"
توطئة
الهدف من هذا المؤلف المقتضب جمع مذاهب التحليل النفسي لعرضها عرضا تقريريا ان جاز القول، في أوضح شكل ممكن وأكثره تركيزا. ولم نرم فقط، بعملنا هذا، إلى كسب ثقة أو انتزاع اقتناع.
إن تعاليم التحليل النفسي تنهض على عدد لا يقع تحت حصر من المشاهدات والتجارب، ومن لم يتحقق، في نفسه أو لدى الآخرين، من هذه المشاهدات لا يملك أن يصدر عليها حكما مستقلا.
القسم الأول: طبيعة النفسية
الفصل الأول: الجهاز النفسي
ينهض التحليل النفسي على مسلمة أساسية يقع على عاتق الفلسفة نقاشها، وإن تكن نتائجها تبرز قيمتها. فما نسميه بالنفسية (أو الحياة النفسية) نعرف عنه شيئين: أولاً العضو البدني لهذه النفسية، مسرح عملها، أي المخ (أو الجهاز العصبي)، وثانياً أفعالنا الشعورية التي لنا بها معرفة مباشرة والتي ليس لأي وصف أن يزيدنا بها علماً. أما كل ما يقع بين هذين القطبين فيبقى مجهولا لنا، وإن يكن بينهما ارتباط ما فليس من شأنه أن يمدنا بأكثر من تحديد دقيق لموضع السيرورات الشعورية، من غير أن يتيح لنا فهمها.
وتتصل فرضيتانا بهذين الحدين أو هاتين البدايتين لمعرفتنا. والفرضية الأولى ذات صلة بتحديد الموضع. فنحن نسلم بأن الحياة النفسية وظيفة لجهاز نعزو إليه امتدادا في المكان ونفرض أنه مؤلف من أقسام عدة. ومن ثم فإننا نتصوره ضربا من مقراب أو مجهر أو شيئا من هذا القبيل. وبناء هذا التصور واستكماله حدث علمي جديد، وإن كانت محاولات مماثلة قد جرت في هذا السبيل.
إن دراسة تطور الأفراد هي التي أتاحت لنا أن نعرف هذا الجهاز النفسي. ونحن نطلق على أقدم هذه المناطق أو الهيئات النفسية اسم الهذا[1]؛ ويشمل مضمونه كل ما يحمله الكائن الإنساني معه عند ولادته، كل ما هو متعين في الجبلة، أي في المقام الأول الدوافع الغريزة الصادرة عن التنظيم البدني والتي تجد في الهذا، من خلال أشكال مجهولة لنا، أول نمط من أنماط التعبير النفسي[2].
وتحت تأثير العالم الخارجي الواقعي المحيط بنا، يطرأ على شطر من الهذا تطور خاص. فبدءا من الطبقة اللحائية الأصلية المزودة بأعضاء قادرة على تلقي التنبيهات، وكذلك على اتقائها، قام تنظيم خاص وما لبث ان صار وسيطا بين الهذا والخارج. وإنما على هذا الشطر من نفسيتنا نطلق اسم الأنا[3].