(1)
حدثتني جدتي ذات حكمة بصوت خفيض أكله الزمن أكلاً
[ ليس السكر وحده يذوب .. ملحنا أيضاً في كأس العمر يذوب ]
أكانت تعني أن الزمن لم يأكل منها الصوت وحده بل أكل حتى ذكراها المؤلمة ...
هل كانت تعني أن عمرها أكبر من أن يبقي لها ألماً كان !!
أم أنها تعني أن الذكرى جعلت أيامها بطعم المر !! ، وما عليها إلا أن تجرع مرارة ما بقي من الأيام ....
(2)
في طفولتنا نتشبث بـ أشياءنا الصغيرة ...
لعبة .. قلم أو حتى قصاصة ورق ولأنها تُشَكـِّل عالمنا الصغير ..
أشياؤنا الصغيرة نهتم بها بقدر براءتنا ...
أشياؤنا الصغيرة نراها كبيرة ربما لأنها بـ حجم قلوبنا الصغيرة تملأ كفوفنا الناعمة بهجة وحياة
يباغتنا الصبا ، فـ نزهد أشياءنا التي كانت ذات طفولة جزءاً منا !
تنمو أحلامنا وننمو ....
وننمو ...
حتى نعاود اهتمامنا بـ تلك الأشياء الصغيرة التي أهملناها في صبانا
نهتم بها بـ قدر همومنا الكبيرة ... ربما هرباً منها !
.. أو تشبثاً بـ البراءة التي كانت صِبغة طفولتنا ..
براءة الطفولة ومحاولة فاشلة لإحياءها !!
نكرر عاداتنا ، لأسباب مختلفة عن تلك التي كانت !!
نكرر عاداتنا ، عســـى ...
نكرر عاداتنا ، وأبداً لا نشعرها كما مضى !!!
(3)
خطى الطفولة كأحاديثها متلعثمة لكنها مفعمة بالأمل توحي بـ أن القادم أفضل
توحي بـ أن الخطوات ستصبح رويداً رويداً أكثر ارتكازاً وثباتاً
لذا نضحك كثيراً في تعثرهم ...
تمتد إلينا أيديهم ، وننفضها عنهم ثقةً في خطواتهم كلما تقدم بهم عمر طفولتهم
عكس نضجنا ، يصبح الفشل دليله [ خطانا المتعثرة ]
في نضجنا تتخلى عنا أيديهم ليس لـ ثقة بأنا يمكننا المضي وحدنا !
، تتخلى عنا أيديهم دعماً للسقوط ....
تتخلى عنا أيديهم لأنها فرصة لهم لـ ينتشوا بـ لحظة سقوط !
(4)
سكون الطفولة عارض ...
سكون يجعلنا نشعر بوخزة قلق عليهم ، قلق يجعلنا نحاول إخراجهم من سكونهم الغير معتاد لـ صخب الطفولة
وما إن ترحل عنا طفولتنا نعتاد الصمت ومنا يعتاده الآخرون !!
نعتاد الصمت ...
ونحتاج عصا الضجيج لـ يشق بحر السكون .. !! لـ نمضي إلى وجهتنا
لكن ..
عصا موسى لم يعد لها وجود لـ تشق بحر اصماتناً ،
عصا موسى لم يعد لها وجود لـ تشق بحراً بات قعره لنا وطناً !!
(5)
بـ يومٍ ما سـ يسبقني إليه حنيني ، سـ يشعر بنبضي قبل أن يلتقيه ، سـ يضمه داخلي قبل أن تفعل يداي
سـ أسميه عشرة أسماء ، وسـ أرسم له في الخيال عشرة صور ، سـ أعترف له في أحلامي أنه حبي الأول من نوعه ، وسـ أحلم به أكثر من عشرة ....
بـ يومٍ ما سـ يصبح جنيني طفلاً في المهد ، ويملأ الدنيا بكاءاً وأغني له أغاني الربيع الذي سـ أشعر حتى في فصل الخريف
سـ أغني له ، وأنا أخشى عليه [ آتيه الذي أتاني ... ]
سـ أخشى عليه هموماً كـ همومي وعثرات كـ عثراتي وصمتاً كـ صمتي
سـ أخشى عليه تلكـ الحياة حد الرعب ، ورغم ارتعابي سـ أتمنى له أن يحياها كما هي ، وأن يشعرها كما هي
رغم ارتعابي سـ أدعو الله ألا يُكسَر له كأس عمر ، ومن الكأس ألا يجرع مرارة الأيام .....