عبد الغني السيد
--------------------------------------------------------------------------------
في (9-12-1962)، رحل عنا في وقت مبكر أحد أبرز نجوم الغناء العربي في القرن العشرين، عبدالغني السيد، بعد عقد كامل من انسحابه الفني المتدرج أمام نجم الحقبة الجديدة عبدالحليم حافظ.
كانت نهاية الربع الأول من القرن العشرين، اللحظة التاريخية التي تربع فيها كل من عبدالوهاب وأم كلثوم على عرش الغناء العربي الكلاسيكي المعاصر، عبدالوهاب على عرش الغناء الرجالي، وأم كلثوم على عرش الغناء النسائي.
لكن من الظلم لتاريخ الغناء العربي المعاصر، أن نعتقد ونعمم أن الساحة من حول هذين العرشين الراسخي الاركان كانت خالية من عبقريات غنائية حقيقية لدى الرجال والنساء.
في البداية، كان يدور حول عرش عبدالوهاب نفر من المطربين المخضرمين، الذين كان اسلوبهم الغنائي أشد ميلا الى مدرسة القرن التاسع عشر، خاصة عند صالح عبدالحي، وبدرجة أكثر حداثة عند عباس البليدي وإبراهيم حمودة.
ثم ظهر حول عرش عبدالوهاب نفر من المطربين الملحنين، الذين ازدادت شهرتهم بسبب احترافهم التلحين من جهة، وكثرة ظهورهم في الافلام الغنائية السينمائية، ومن ابرز هؤلاء الملحنين المطربين فريد الاطرش ومحمد فوزي وعبدالعزيز محمود.
غير ان مرحلة الثلاثينات والأربعينات، أطلقت الى جانب هؤلاء وأولئك مجموعة من الاصوات الرجالية الممتازة، التي كان لها ظهور غنائي قوي ومحبب لدى الجماهير، لعل من ابرزهم محمد عبدالمطلب وعبدالغني السيد وكارم محمود.
ومع ان عبدالغني السيد اشتهر بأنه من أكثر اصدقاء عبدالوهاب حظوة شخصية لديه، إلا أن أجمل أغنياته لم تكن بين تلك التي لحنها له عبدالوهاب، الذي كان في هذا المجال مقلا وكسولا، بمعنى أنه لم يبذل جهدا حقيقيا في الالحان التي وضعها لعبدالغني السيد، ربما لأن اسلوب هذا الأخير الغنائي، لم يكن يدخل في الاطار العام للاسلوب الوهابي التجديدي.
ابتدأت شهرة عبدالغني السيد، مثل محمد عبدالمطلب في مطلع الثلاثينات، وكانت اشهر وأجمل اغنياته في تلك الفترة من الحان الموسيقار رياض السنباطي مثل “لا دمعي كفى وطفى النار” و”شفت الأمل والهنا”.
بعد ذلك، دخل عبدالغني السيد خلال عقد الاربعينات في تنافس محموم مع عبدالمطلب من جهة وكارم محمود من جهة ثانية، على الحان عبقري الموسيقى العربية محمود الشريف، ربما لأن الاساليب الغنائية لهؤلاء المطربين الثلاثة، كانت تدخل تماما في اطار الاسلوب اللحني المبدع لمحمود الشريف، الذي يغرس جذورا راسخة في النفس الشعبي المصري، لكنه ايضا مفتوح النوافذ على التجديدات الموسيقية والغنائية التي اطلقها محمد عبدالوهاب، وسيطر بها على الجو العام للأغنية العربية.
من ثمار هذا التنافس الجميل والخلاق على سبيل المثال، ان لحن محمود الشريف الرائع “أنا وانت في الهوى”، له تسجيلان، واحد بصوت محمد عبدالمطلب والثاني بصوت عبدالغني السيد. كما ان لحن الشريف الشهير الشعبي الجميل “يا بو العيون السود”، له تسجيلان بصوت عبدالمطلب وكارم محمود.
ظل نجم عبدالغني السيد ساطعا في سماء الغناء العربي، خاصة أنه دخل كغيره من نجوم الطرب عصر السينما الغنائية، حتى مطلع الخمسينات، حيث كان من المع نجوم الصف الثاني من المطربين، خلف عبدالوهاب. الى ان كانت الحفلة الغنائية الشهيرة، التي اقيمت بمناسبة اعلان قيام الجمهورية في مصر، بعد أشهر من قيام ثورة يوليو، والتي ظهر فيها لأول مرة عبدالحليم حافظ في اغنية صافيني مرة، كواحد من المطربين الناشئين المبتدئين. وهي الحفلة التي كان عبدالغني السيد من المع نجومها.