عبد السلام النابلسي
--------------------------------------------------------------------------------
من ذا الذي لا يعرف عبد السلام النابلسي.. هذا الفنان الذي دخل قلوب الملايين من المشاهدين، بفنه الكوميدي الراقي. فهو صاحب أداء فريد ومتميز عن غيره من فناني الكوميديا في تاريخ السينما المصرية. وما زالت أدواره تشد بل وتجبر مشاهدي التليفزيون على متابعة أي فيلم يعرض له، وتضحك من القلب مع أدائه الأخاذ وطريقته في التعبير التي لا ينافسه فيها أحد.
ولد عبد السلام النابلسي عام 1899 في بلدة عكار اللبنانية في شمال طرابلس. وقد نشأ في وسط عائلة متدينة، وكان قد رحل في صباه مع والده رجل الدين إلى مدينة نابلس عندما عين قاضياً هناك. وعندما بلغ عبد السلام العشرين من عمره أرسله والده إلى القاهرة ليلتحق بالأزهر الشريف، فحفظ القرآن الكريم وبرع في اللغة العربية، هذا إضافة إلى إتقانه للفرنسية والإنجليزية اللتين تعلمهما في بيروت.
في تلك الفترة، اندلعت ثورة 1919 في مصر، وكان عبد السلام من بين الذين اشتركوا في مظاهراتها. وقد كان لهذه الثورة الأثر الكبير في تغيير مسار حياته، حيث تابع عبد السلام عن كثب ذلك الدور الذي لعبه الفنانون المصريون أمثال حسن فايق وإسماعيل ياسين وحسين رياض ويوسف وهبي ونجيب الريحاني، وذلك من خلال الإسكتشات والمونولوجات الوطنية والسياسية التي قدموها عن هذه الثورة. من هنا بدأت ميوله واهتماماته تتجه نحو الفن، حيث جذبته أضواء المسرح، وساعدته الظروف في أن يلتحق بفرقة جورج أبيض وعزيز عيد المسرحية، وأسندت إليه أدواراً صغيرة.
عندها وصل إلى مسامع والده، بأن عبد السلام قد عشق الفن وأهمل دروسه في الأزهر، فما كان منه إلا أن منع عنه المال الذي كان يرسله إليه. ولم يكن هذا التصرف من والد عبد السلام إلا سبباً مباشراً في اتخاذ التمثيل حرفة يواجه بها متطلبات الحياة. ففي عام 1923 انضم عبد السلام إلى فرقة رمسيس، إلا أن يوسف وهبي قد طرده من الفرقة لعدم استطاعته حفظ حوار أدواره المسرحية. فقد كان عبد السلام النابلسي، منذ أن بدأ وحتى نهاية مشواره الفني، لا يعترف بما يسمونه الحوار في السينما، وإنما كان يستمع إلى ما يجيء في السيناريو حتى يلم بالجو العام للموقف، وعندما تدور الكاميرا ويبدأ تصوير المشهد يفيض بما يريده ويقول كلماته، وكان الفنان الوحيد الذي لا يلتزم بالحوار، وقد أصبح هذا التقليد الفريد طريقته في العمل السينمائي.
بعد ذلك، اشتغل عبد السلام النابلسي في مجال الصحافة، وتنقل من بين المجلات، مثل مجلة "مصر الجديدة"، ومجلة "اللطائف المصورة"، ومجلة "الصباح" و"آخر ساعة" وجريدة "الأهرام". وعمل مترجماً في دار الهلال بواسطة صديقه أحمد جلال، والذي كان وقتها يقوم بمساعدة إستيفان روستي في الإعداد لإخراج أول فيلم مصري (ليلى)، لذا أسند دوراً صغيراً فيه إلى عبد السلام النابلسي، الذي نجح ـ عن طريق مقالاته المترجمة في "الأهرام" ـ في أن يلفت أنظار كل المهتمين بصناعة السينما. وكان ذلك سبباً قد جعل عزيزة أمير من إرسال عبد السلام على نفقتها إلى باريس لدراسة الإخراج السينمائي. إلا أن عبد السلام النابلسي عاد إلى القاهرة بعد إفلاس عزيزة أمير، ليستأنف عمله الصحفي مرة أخرى، ليجد صديقه أحمد جلال وقد اتجه للعمل في مجال السينما كمؤلف ومخرج، فسارع إليه، حيث أشركه معه في فيلم (وخز الضمير) وقد أدى فيه دوراً شريراً، ونجح في أداء هذه الشخصية، مما جعل الأخوين لاما يستعينان به أكثر من مرة في تقديم مثل هذه الشخصية الشريرة في أفلامهما. إلى أن واتته الفرصة، وعمل كمساعد مخرج لفيلم (البحر بيضحك ليه). بعد ذلك عمل مساعداً للإخراج مع مخرجين كبار أمثال يوسف وهبي و توجو مزراحي و ولي الدين سامح، وبالتالي بدأ الثراء يحيط به فعمل في مجال الإنتاج، ليجد منه ثغرة ينتج منها أفلاماً خاصة به. فاشتغل مساعد مدير إنتاج في البداية، ثم مدير إنتاج للفيلم الإيطالي المصري المشترك (أمينة)، مع المخرج الإيطالي "السندريني".
وبالرغم من انشغال عبد السلام النابلسي في مجالات الإخراج والإنتاج، إلا أن التمثيل كان يطارده في كل خطواته تلك. فبعد مرور أكثر من عشر سنوات على اشتراكه في أول فيلم مصري، جاءته الفرصة الأهم في السينما، حيث أعاد اكتشافه المخرج كمال سليم في دور الشاب المستهتر في فيلم (العزيمة). وقد نجح عبد السلام النابلسي في هذا الدور، مما جعل المخرجين يطلبونه باستمرار لتقديم مثل هذه الشخصية في أفلامهما.
ومع بداية الأربعينات، بدأت في الساحة الفنية موجة الأفلام الغنائية الاستعراضية، فاشترك فيها عبد السلام النابلسي وقدم فيها دور الشاب الخفيف الظل، مقدماً من خلالها كوميديا راقية اشتهر بها النابلسي فيما بعد. وكانت أدواره في هذه الأفلام هي ميلاده الفني الحقيقي كممثل ونجم كوميدي له لون وطابع كوميدي يتميز به عن الآخرين الموجودين في الساحة السينمائية آنذاك. وأصبح عبد السلام النابلسي مثل الماء والهواء بالنسبة لأغلب المخرجين حيث أشركوه في جميع أفلامهم، بعد أن نجح في تقديم شخصية الشاب الأرستقراطي، أو مدعي الأرستقراطية، أو المتعالي على الطبقة الكادحة بشكل ظريف وجميل جداً. ولأنه كان صديقاً للفنان فريد الأطرش فقد أشركه معه في معظم أفلامه. كما حدث الشيء نفسه، عندما لمع نجم عبد الحليم حافظ وحرص على إشراك النابلسي في أفلامه، وقدم دور الصديق الساذج، أو المتحذلق.
في عام 1956 قام عبد السلام النابلسي بأول أدواره كممثل أول في فيلم (حب وإنسانية) أمام برلنتي عبد الحميد، وقد قدمه المخرج حسين فوزي. وفي عام 1959 قدمه المخرج الكبير صلاح أبو سيف في دور بطولة مشتركة في فيلم (بين السماء والأرض). كما قام بدور البطولة في فيلم (بنات بحري) عام 1960 للمخرج حسن الصيفي. أما باكورة إنتاج السينمائي، فقد كان فيلم (حلاق السيدات) عام 1960، وقد قام ببطولته أيضاً أمام الممثلة كريمة وإسماعيل ياسين وزينات صدقي. بعد هذا الفيلم بدأت مشاكل عبد السلام النابلسي مع مصلحة الضرائب، والتي قدرت عليه 12 ألف جنيه بطريقة جزافية، واضطر في أن يدخل في مصالحة مع مصلحة الضرائب، وذلك لرغبته في السفر إلى لبنان وأوروبا في الصيف، فوصل المبلغ إلى تسعة آلاف جنيه، ووقع إقراراً بذلك. وبعدها حصلت الكثير من المشاكل في نفس الموضوع ولم تنتهي إلا قبيل وفاته بقليل. حيث استطاع السفر إلى لبنان، ولم يستطيع العودة إلى القاهرة. وقد واجه مشاكل مالية كثيرة، اضطرته لأن يعرض أثاث بيته في المزاد العلني، هذا البيت الذي كان مفتوحاً على مصراعيه لكل الأهل والأصدقاء. وقد أوصى النابلسي أن يتوسط القريبين منه من الفنانين بينه وبين مصلحة الضرائب. كما أنه تحدث إلى أم كلثوم لتتوسط له لتسوية مشاكله مع الضرائب، وكان يمني نفسه بالعودة إلى مصر. وعندما حلت مشاكله مع الضرائب، ووصلته دعوة من وزارة الإرشاد القومي ليعود إلى مصر، كان القدر قد اختطفه في يوليو 1968، ولم يعش ليحقق أمنية العمر في العودة إلى البلد التي أحب.