في زمن "تفكـّك البلدان"
للشاعر البريطاني توماس هاردي
ترجمة وتقديم: عادل صالح الزبيدي
ولد الشاعر والروائي البريطاني الكبير توماس هاردي (1840-1928) في مدينة دورتشيستر بمقاطعة دورست الواقعة جنوب غربي انكلترة على ساحل القنال الانكليزي لأب يعمل بناء وأم مثقفة وطموحة زودت ابنها بالتعليم الذي يحتاجه حتى سن السادسة عشر حينما تولى تعليمه وتدريبه بعدها المعماري المحلي جون هكس لكي يصبح معماريا قبل انتقاله الى لندن عام 1862. في لندن التحق بالدراسة الجامعية وفاز بجوائز من المعهد الملكي للمعمارين البريطانيين ومن الجمعية المعمارية، الا انه لم تطب الاقامة له في لندن فعاد بعد خمس سنوات الى دورست حيث قرر التفرغ للكتابة.
يشغل توماس هاردي حيزا كبيرا من المشهد الأدبي البريطاني ممتدا من الفترة النابليونية الى الحرب العالمية الأولى ليشهد عصرين أدبيين الفكتوري والحديث. على الرغم من انه بدأ النشر كروائي وقاص وواصل نشر رواياته خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، الا انه كان يكتب الشعر خلال هذه الفترة دون أن ينشره، ولم يبدأ بنشر قصائده الا بعد أن قرر العزوف عن كتابة الرواية أثر هجوم شرس شنه النقاد المحافظون على آخر روياته ((جود الغامض)) التي نشرها عام 1895.
نشر هاردي أولى مجاميعه الشعرية عام 1898 بعنوان ((قصائد ويسكس)) ثم مجموعته ((قصائد عن الماضي والحاضر)) عام 1902 بعد ذلك شرع بنشر مطولته ((السلالات)) وهي دراما شعرية ملحمية بانورامية عن الحروب النابليونية في 19 فصلا و 130 مشهدا نشرت بثلاثة أجزاء في الأعوام 1903 و 1905 و 1908 ، تعبر عن فلسفته ونظرته الى الحياة والتاريخ والقوى التي تحركهما. تظهر جميع شخوص الدراما بما فيها نابليون نفسه مجرد دمى تحركها وتدفعها نحو القيام بأفعالها وتقرر مصيرها قوة كونية عمياء غامضة يسميها هاردي ((الارادة الحلولية)) The Immanent Will. في أثناء ذلك واصل هاردي كتابة القصائد الغنائية القصيرة فنشر عام 1909 مجموعة بعنوان ((أضحوكات الزمن)) ثم ((هجائيات الظروف)) عام 1914 تلتها بعد ذلك ((قصائد مختارة)) في 1916 ، ((لحظات رؤية)) في 1917، و ((قصائد غنائية متأخرة ومبكرة)) في 1922 .
القصيدة التي نترجمها هنا كتبها الشاعر، كما يخبرنا هو في سيرته الذاتية، عام 1914 أي خلال الحرب العالمية الأولى، الا ان فكرتها الأصلية كانت قد أثارتها الحرب الفرنسية البروسية عام 1870وبقيت تختمر في ذهنه وتعتمل مشاعره حولها طوال أربعة عقود. وهي قصيدة يعلق فيها هاردي على انشاغالات الانسان العادية البسيطة الا انها بالغة الأهمية كالحب والعمل أزاء ما تفعله أحداث كبرى الا انها طارئة مثل الحروب.[تجدر الاشارة الى ان مقتبس "تفكك البلدان" في عنوان القصيدة يتضمن احالة الى العهد القديم، سفر ارميا: ((انت لي فاس معركة و أسلحة حرب: فبك سأفكك البلدان، 20:51))]
في زمن " تفكــّك البلدان"
ليس سوى مزارعٍ يحرث بالفدّان
يمشي وئيدا صامتا تعبان
يصحبه في حقله حصان
كهلٌ ينوء في مشيته نعسان
ليس سوى خيطٍ من الدخان
يصعد من بيادر القش بلا نيران
لكن ذا باق مع الأزمان
رغم ذهاب المـُلك والسلطان
وفي المدى تَرى فتىً ولهان
مغازلا فتاتــَـــــــه يهمس في الآذان
عشقُهما باق مع الأزمان
لكنما وقائع الحروب سوف تنطوي في عُتمة النسيان