زيتوني ع القادر مدير منتدى شاعر وقاص
اسم الدولة : الجزائر
| موضوع: فضيلة السبت يوليو 31, 2010 3:01 pm | |
| عمار بلحسن
إليها: فضيلة المهاجرة السمراء
التي لم تجد وطنها بعد...
(1)
جالسة تحت عيني...
حزينة تأتي منها روائح الوطن...
تأملتها سمراء، قمحية بلون سنابل السهول التي أخذني منها البابور ذاك الصباح المضبب، و في شرايينها حكايا الشوق و النار و النوثة.
و عيونها تسلبني كل طفولتي..صافية كسماء قريتي !
جزائرية ...بنت البلد...
عرفتها في عز الغربة..في شوارع المدن العاطرة حيث اللهاث خلف الخبزة و البحث عن الوطن.
تلك البلاد بعيدة...
يسمع عنها الأحباب فيتخيلونها نبعا من الأوراق المالية ثم يبكون لأنهم يتذكرون مرارة البعد و الغربة !
لكم ودعوا أخا أو أبا مهاجرا إليها يرحل قبل الفجر حاملا حقيبته الجزائرية...مضمخا بالأحلام...
العمل، الشهرية، السكن، الأضواء، البنات، الزهو!
مرفوقا بالأدعية و الوصايا:
" فرنسا غولة يا وليدي..عينك على نفسك!"
" لا تنس الأحباب..إخوتك..تذكر دائما..تلقى الخير".
في بوابة القرية يأخذ بيضتين..فأل خير، و يحتضن الأهل ثم يأكله الأفق..نقطة متوترة مرسومة على كل القلوب...
اقتربت منها...أمسكت خصلة من شعرها...قالت:
ـ جئت زائرا أم مهاجرا؟
داعبت كفها...
ـ أرى مدن الغربة..و أعود..
ابتسمت...
ـ جميل ..رائع...ستعود أما نحن...
لم تتمم...في عينيها...بعيدا في الأغوار...دمعات حزينة..لا ريب أنها تهرب من ماض مظلم..ليس ماضيها على الإطلاق..
فضيلة..لا تخجلي..سنبحث أنا و أنتِ عن شكل الوطن، نعمره أشجارا و أطفالا يكركرون على مطلع كل شمس !
(2)
تسألني:
ـ متى تعود؟
ـ حين أشتاق لطفولتي و أحبائي...ربما يأخذني البابور غدا.
غدا ..آه فضيلة!قولي لي هل أعود بكل هذا الحزن؟ هذه المدن التي تنشر أضواءها مظلمة..أ كل هذه الأضواء غير كافية؟.
أعود..تأخذني الموانئ منك.., تبقين وحيدة..حزينة في دوائر الغربة المؤبدة..
سأسكر..لأجتاز كل الأميال البحرية التي تفصلني عنك...لكن أتستطيع حانات الجزائر إطفاء حرائقك؟
أهمس لها:
ـ فضيلة...في مدن الغربة...نصبح ككلاب الصيد..نتشمم روائح الوطن عبر كل الأزقة و الرؤوس و الثياب و الكلمات..
ـ إنك تؤلمني...لا أستطيع العودة!
ـ العفو ..لم أقصد ذلك..
تسأل بلهفة:
ـ الجزائر جميلة...
ـ جميلة و لكن عمرنا لا يكفي...
آه.. فضيلة..وجدت فيك الوطن..فحين تصبح الحبيبة صدرا نهاجر إليه...تزهر كل أحلامنا و حكاياتنا الصغيرة..نتذكر طفولتنا و نغني كالحصادين...
(3)
تحكي ألمها...
في سنين الهلع و الإعدام بالجملة...هاجرنا ...حملتنا مدمرة حربية، كتا رضيعة..لم أشرب حليب الوطن بعد...
أبي ..يحكي لنا دائما ...تدمع عيناه...يتذكر قريته و أحباءه...آه إني حزينة...
في حلقها غصة.., خجل كبير...
أبي..أبي..كان حركيا...
آه...هذا الذل الذي نحمله تاريخا أسود فوق أوراقنا...
ذاك الصباح كنت ذاهبة..ما زلت أدرس..أتعلم حرفة..،حن بين نارين..لا الوطن يقبلنا و لا هذه البلاد تحبنا...
كانت المدرسة تسأل...
ـ جاكلين ..جورجيت..مارلين...كلهن فرنسيات و أنت فضيلة؟ مت من الخجل..تحديتها بكل الألم الذي أحمله:
ـ جزائرية..أحمل جنسية استعمارية...
" الفرنسيين المسلمين"
آه ...صعب أن تجد نفسك بلا وطن...تحمل هوية أخرى..لا تعرف شكل بلادك..من القرية إلى هنا...أ تعرف كثافة الحزن حين تودع جبال الوطن؟ تبتعد...فيتكثف الأحباب و التراب و الميناء في نقاط سوداء سرعان ما يبتلعها البحر!
(4)
حركي!
و ما معنى حركي؟
" أن تبيع وطنك بكسرة خبز و شهرية استعمارية!
أن نبحث عن أحبابك الذين حملوا البندقية و صعدوا إلى الجبل"
لكن ليس كل من لبس الكاكي باع وطنه!
أبي: كان فلاحا..يحرث قطعته..يقهره القايد صباح مساء.
الثورة. العسكر. الجنود. الذبح. البيعات. و الناس كالكرة. في الليل. الفدائيون. و في النهارالعسكر. و مع من تذهب؟
لم يكن مناضلا. كان فلاحا. لم يعرف الوكن إلا خبزا و قطعة أرض.
أعطوه أكثر. فهرب من قهر القايد. و حمل البندقية ضد قريته. أصبح حركيا! !قلت لها. كانت تحكي ماضيها:
ـ الحركة خونة. فعلوا الكثير!
ـ كلهم.
ـ لا هناك من ذهب مع الريح. لم يقتل و لم يعذب حشرة. هرب من الفقر. و كل ثورة كانت هكذا. لا بد من الفوز. من كان ربا. يموت تحت أقدام الفقراء!
ـ إذن؟
ـ لماذا لا تعودون. سأكتب شكوى لوطني!
(5)
فضيلة. الوطن ليس ترابا. الوطن إنسان طيب. متواضع. يسلمك الروح دفاعا عن الكلمة. عن الأرض. عن حبيبة!
ـ لماذا لا تعودين؟
قلت لها. كان المساء. يمتد رداء حزينا فوق مدينة الغربة.
وقفنا. عصرت كفها قالت:
ـ سأنتظرك!
قلت:
ـ سأبعث لك الوطن في كل الرسائل.
همست بحب:
ـ لا تنس بطاقات البريد!
كنا عصفورين غريبين نهبط إلى شوارع الوداع الماطرة.
آه فضيلة! سترين كل بلادك. المدن. القرى. الشواطئ. الكلمات. سأهديك الوطن مجزءا. مرسوما على كل بطاقات البريد. لكن. هل أعود غدا بكل هذه الأحزان؟
لا أعرف..فضيلة..لا أعرف...
هل سأبكي أم أكتب شكوى؟
(6)
شكوى!
وطني. عرفتك دائما فلاحا متسامحا. يحب الخير. و يسلمك الروح دفاعا عن قطعة أرض. عن شرف. عن كلمة.
وطني. عرفتك دائما عاملا بسيطا. يأخذ غداءه المتواضع و يقتسمه مع الرفاق. هل تقدم لي حليب الحب مرة أخرى فتسمح لفضيلة عاشقتك المهاجرة بالعودة؟
إني أنتظر!
فرنسا، ديسمبر 1967
ــــــــــــــــــــــــــ | |
|
Fati المديــــر العــام
اسم الدولة : فرنسا
| موضوع: رد: فضيلة الأحد أغسطس 01, 2010 12:10 am | |
| صدقت سيدي الكريم بأفتقادنا لمثل هذه الثروة .. ماأروع مايكتب رحمه الله | |
|
زيتوني ع القادر مدير منتدى شاعر وقاص
اسم الدولة : الجزائر
| موضوع: رد: فضيلة الأحد أغسطس 01, 2010 11:52 am | |
| لقد كان قمة في التصريح وما دخل مسابقة قصة الا نالها وساوافيك بقصص من نماذه تثير الاعجاب وتاخذ بتلافيف الدماغ انه قمة ويشهد له جميع كتاب العالم العربي. | |
|
سهى الجنابي مرفأ ذهبي
اسم الدولة : العراق
| موضوع: رد: فضيلة الأحد أغسطس 01, 2010 3:39 pm | |
| " فرنسا غولة يا وليدي..عينك على نفسك!"
" لا تنس الأحباب..إخوتك..تذكر دائما..تلقى الخير".
استاذنا الكريم اعذرني لااجيد النحو او قواعد اللغة ، ساكلمك على سجيتي
تكفي ان يقول هذه وعلى فطرته لتكون كحد السيف
" فرنسا غولة يا وليدي..عينك على نفسك!"
" لا تنس الأحباب..إخوتك..تذكر دائما..تلقى الخير".
الله يرحمو وشكرا لك استاذي لانك وفي وتحترم ما كان يكتبه عملاق القصة المرحوم بلحسن
| |
|
شذا الاصيل مرفأ ذهبي
اسم الدولة : العراق
| موضوع: رد: فضيلة الأحد أغسطس 01, 2010 3:45 pm | |
| اخي العزيز
اقف لك وله احترام لاني يوما قرات لك فقد كنت مذهل والان قرات للمرحوم مثواه الجنة | |
|
Tülay Mert المديــــر العــام
اسم الدولة : تركيا
| موضوع: رد: فضيلة الأحد أغسطس 01, 2010 3:52 pm | |
| القاص الاستاذ الزيتوني
فقد الادب العربي مثل هذا الارث الكبير رحمه الله وانار دربك ودربنا بالايمان | |
|
محمد عبد الحق مرفأ فضي
اسم الدولة : عمان
| موضوع: رد: فضيلة الأحد أغسطس 01, 2010 4:01 pm | |
| والله يااخي المحترم زيتوني عبد القادر
بصح مثل ماقالوا الاخوة اللي قبلي خسر الادب مثل هيك رجل عظيم ويكتب بهذا الجمال والاحترام
الله يرحمو ويصبر كل من بقلبو ليه ود وذكرى طيبة | |
|
زيتوني ع القادر مدير منتدى شاعر وقاص
اسم الدولة : الجزائر
| موضوع: رد: فضيلة الثلاثاء أغسطس 03, 2010 5:22 pm | |
| شكرا للاعزاء المارين على هذه التحفة اشد على اياديكم واكركم بانه وزميل اخر -شاعر-كانا لا يغيبان عن مربد الشعر ببغداد وكان صدام يحرس على حضورهما. | |
|