الراحل المقيم
كلمة تابينية في حق الصديق الكاتب والباحث الجزائري : عمار بلحسن
اردت ان ارسمها هنا حفاظا عليها ووفاءا له.
<<ادخل بلادا....اخرج بلادا....>>
<<ابني حلما...اهدم سوقا...انحت لفظا..اشكل قلبا..ارسم نجما..اصور نغما..اسحق حقدا ..اسقط عرشا....ارمي حرفا ..اقتل قصرا..في لحظة التطهر كنت هائجا كالبحر.. بين اللغة واللغة ..كنت ابحث عن لحظة معاناة تشبه فجرا ريفييا...عسلا جبليا..فرحا طفوليا......>>.
تلك حياتك يا عمار يا سيد الرجال.
رجل صال وجال....دخل بلدانا وعرف رجالا..باليد <<فوانيس>> يتلمس بها مسالك ودروب هذه الحياة الوعرة...ويحاول بصدق تسليط انوارها -<<الفوانيس>>-على النقاط المخلة في مسيرة الانسان كيفما كان واينماكان..لعله يمكنه من الوصول الى قمة السعادة-الفرح الطفولي-
فهل عرفت يا عمار هذا الفرح الطفولي؟؟
منذ نعومة اظافرك..عمار كنت طفلا ..بل مخلوقا مكافحا ومجاهدا يبحث عن لحظة فرح تبدو سرابية في هذا الزمن الوعر...
اعرفك عمار تلميذا على مقاعد الدراسة: دار المعلمين –تلمسان- واستاذا جامعيا : وهران.
كفاح ومعاناة هي حياتك ...عمار.
وذلك قدرك لانك خلقت فنانا
وكنت انسانا...
حرمك الفقر واليتم من الدراسة المنظمة...فسهرت الليالي في سبيل تهجية الحروف.
عصاميا كنت.
حفت قدماك في التقاط بقايا السنابل وراء الحاصدات وتذبحت يداك في جمع حبات الزيتون الباقيات لتقتني لوازم دراستك وتشتري كتبا من بائعي الخردوات لعلك تطفيء ذلك اللهيب الذي شب بين حناياك وتسد تلك الفجوة التي انشقت بداخلك: فجوة الامتلاء والارتواء....قراة وثقافة.
فكنت المثقف حقا.
لا زلت اتذكر ..عمار.
ايامنا بدار المعلمين-تلمسان-حينما كنا نحن الفقراء المنحدرين من الجبال والمداشر نرفض مغادرة الداخلية في العطل القصيرة حينما نخير.فيعيرنا الحراس الذين يجبرون على البقاء معنا: بالجوع وعدم الشبع في منازلنا..
وهل كان امثالنا يشبعون في منازلهم؟؟
ما ابخس تخميناتهم المتبججون.
لم يدركوا ان جوعنا كان جوعين.
ورغم ذلك.رغم الفقر..رغم البرد الاجتماعي...تعلمت...شكلت...هدمت ورسمت فوصلت يا عمار.
شيء واحد لم يتحقق لك عمار.
هذا الفرح الطفولي الذي يبدو انه كان سرابك الدنيوي.
ولجت ابواب الجامعة..صرت استاذا...ولكن اللهيب يعاودك فتنغرس وتتيه في شعاب البحث والتنقيب..تعشق نجمة نجمة البحث فتغفل عن كل شيء..وتترك فرصة لهذا الداء الخبيث ينهش جسدك الطري الفاني في صوفية البحث والدراسة.
معاناة وكفاح حياتك يا عمار.
وذلك قدرك لانك كنت الانسان.
وكنت الفنان.
عمار
ان القلم اعجز من ان يصور الفاجعة.
ماذا عساني اقول في عرسك الجنائزي؟؟
فقط اعلن:
انك كنت نخلة اصيلة..طويلا في كل شيء....في قامتك ..في دابك على التحصيل العلمي...في باعك الادبي...في ايقاعات جملك الغجرية..فائضا اصيلا في تصعيداتك اللغوية الحنونة.
شيء واحد كنت قصيرا فيه يا عمار؟؟؟
هذا المسمى عمرا.؟؟؟
حزين ومفجع ان يرحل حبيب على حين غرة الى مملكة غريبة وهو في اوج عطاءه.
واحزن منه اننا وانك تعرف عجزنا على منعك من هذا الرحيل غير المرتقب..
لكن.
لتنم هادئا..فيكفيك فخرا وفجرا انك كنت كما قلت:
<<ممن يتعذبون بفرح ووعي.لانهم يعرفون ان الامساك بنجمة ليس مستحيلا فيقاومون..>>
وقد قاومت يا ابن الارض.
فهل امسكت بالنجمة؟
هذا ما سيخبر به عنك الاصدقاء الاوفياء بابراز كما تمنيت<<شعلة قلمك الغض فانوسا ازرق في ركن من محيطات ذاكرة هذا الوطن..ليحيا وشما في جدارية فتوته القادمة...>>
تلك امنيتك عمار.
فيا اصدقاء دربه والحاملين همه-هم الكلمة النجمة-هل حققها عمار؟
ابحثوا في منشوراته ونقبوا في كتاباته. فذلك خير تأبين لامثاله.
زيتوني ع القادر
كلمة تابينية للراحل الاديب والبحث الجزائري عمار بلحسن.
مابين قوسين كتابات لعمار بلحسن من مجموعة: <<فوانيس>>
كتبت هذه الكلمة بتاريخ 13/09/1993 جريدة الجمهورية العدد:9604