الكاتب:محمد صفاء حمودي - رئيس قسم الفنون التشكيلية في معهد الفنون الجميلة - بغداد الرصافة
التعبير الفني هو ذلك الفعل الذي يسلط الضوء على أسرار ومكونات موضوع يدور في خلد الإنسان، وقد يراد لهذا الإيضاح أن يكون مؤثراً فيقدم على شكل قصيدة أو عمل نحتي أو لوحة أو عمل مسرحي..... الخ، وقد يمتلك التعبير دلالات عديدة يكون من بينها أنه الدلالة الجمالية في العمل الفني وهو الذي يفصح عن العلاقة بين الفنان والموضوع، وهو مظهر من مظاهر تحكم الفنان بوسائطه أن يتعامل وجدانياً مع الموضوع، وهو الرابطة الحية بين الفنان و أنتاجه وهو مركز أشعاع وعملية الإبداع الفني، أو هو لغة أهلته لتحمل نسقاً فريداً لا يحاكي أبعاد الواقع الملموس، بل يكشف لنا عن بعده الوجداني بنسق جمالي محدد يفسر العملية الإبداعية من خلال معايشة التجربة الإبداعية، يبدأ الفن بالحافز الجمالي وثمرة هذا الحافز هو التعبير الفني.
والتعبير هو الأسفار الخارجي عن المشاعر الداخلية، وهنا يجب أن نفرق بين التعبير والتعبيرية، فالتعبيرية هي اتجاه في الفن يتقصى الذات بالدرجة الأساس وليس لها فهما غير هذا. أما التعبير في العمل الفني كما هو في المنحوتات والأعمال الفنية الأخرى هو محصلة تفاعل الفكرة سواء كانت موضوعية أم روحية أم صوفية أم كونية، مع روحية المادة الأزلية، كل ذلك ينصهر في بودقه واحدة بتفاعل دينامي وصولاً لعملية التعبير، فلا تعبير دون ما هو فكري، ولا تعبير دون رؤية ناشطة في استنطاق الخامات ولا تعبير ألا بتفاعل ذلك كله من مكونات العمل الفني.
والتعبير هو غريزة موجودة لدى البشر بشكل فطري وغير أرادي ويظهر إلى حيز الوجود من الذات الإنسانية، وبما أن الباحث يدرس في التعبير الفني وماذا يعني وما هو وكيف يكون فيجب أن نوضح بعض الأمثلة عن التعبير في الفن بشكل عام ولدينا مثال أولي يشير إلى التعبير لدى الإنسان القديم ولعلها هي رسوم الكهوف التي خلفها الإنسان، حينما أراد محاورة الطبيعة وما موجود فيها من بشر وحيوان، وتعد هذه الرسوم هي أقدم من ظهور الكتابة و شاهداً من شواهد التعبير الإنساني آنذاك ليعبر عن احتياجاته بعد خوضه مرحلة كبيرة من عدم أدراك معنى الكتابة ولغة التفاهم بها، حيث جاء معبراً عن حاجة ماسة لإخراج أحاسيسه المكبوتة داخل النفس، لتجد متنفساً لها في هذا التعبير وقد أحس الناس في مختلف العصور بجمال الطبيعة وعبروا عنها أجمل تعبير.
عند مشاهدتنا لإعمال الكهوف نجد القدرة والبلاغة والصدق في التعبير، حيث أن الموضوع المعبر هو ذلك الموضوع الذي يخبرنا بشيء حيث عبر في أشكاله على الأشياء التي تحيط به في حياته وفقاً لانفعالات وعقيدة كانت تربط بينه وبين محيطه. وكان تعبيره الفني لم يمثل نقلاً مباشراً من الطبيعية، بل أستثمر هذه الصورة والمشاهد مما أوحى له بأفكار قد هضمها وأضاف إليها أحساسه وشعوره ثم صاغ هذه الأفكار صياغة جديدة مبتكرة معتمداً على تجاربه وخبراته الفنية التي تداولها، فجاءت أعماله التعبيرية قوية وصادقة تمتاز بتكوينها الفني والجمالي المبدع. لقد جاءت هذه الأعمال بأساليب مختلفة منها المنجز النحتي على شكل منحوتات بارزة أو غائرة، وكذلك مدورة. وجاءت على شكل رسوم ملونة بعدد من الألوان التي أبتكرها لكي تلائم موضوعه وتعبيره " فالفنان البدائي حينما عبر عن انفعالاته وعن أحاسيسه وشعوره بالنسبة للثور– مثلاً- ذلك الحيوان الذي كان يخشاه ويأبى مواجهته والذي كان يهدد حياته دائماً، رسمه في الكهوف التي يسكنها وقد بالغ في مقدمته مقارنة بباقي الجسم، ليعبر عن قوة هذا الحيوان وصعوبة السيطرة عليه.
أن هذا العمل الفني وغيره من الفنون البدائية، عمل خالد ليس لأهميته التاريخية فحسب وإنما لأنه تعبيراً صادقاً يحمل قيماً فنية رائعة."
ولعل ما نشاهده من أعمال مثل نحت جداري بارز كاللبوة الجريحة في جدارية صيد الأسود من العهد الأشوري وتمثال كوديا،تعد كأمثلة للتعبير الفني الذي يعبر عن حضارة وادي الرافدين التي تزخر بانجازاتها العظيمة التي يشهد لها التاريخ والعالم أجمع كما يتضح أن التعبيرهو فعل يحمل صفات ومميزات ذاتية تخرج من الذات على شكل أعمال فنية لكي توصف بالإبداع والابتكار تكون لها قوة مؤثرة على المتلقي، كون هذا الإبداع يظهر لنا بأشكال مختلفة باختلاف الفنون فقد يظهر لنا على شكل "تعبير عن الأشكال والعناصر بعد أعادة تشكيلها وتكوينها في صوره جديدة حسب وجهة نظر الفرد بنفسه، أما الثاني فهو تسجيل الفرد للإشكال ونقلها بطريقة آلية".
وينقسم التعبير في العمل الفني الواحد إلى مجموعة من التعبيرات تقترن بعناصر العمل الفني إذ أن "العمل الفني هو انعكاس معادل للمضمون المراد إيصاله على اعتبار أن الفنان لابد أن يضمن عمله مضموناً يود نشره في العمل الفني وهي حاله يحددها الفنان من خلال التعبير. فمثلاً عملية التعبير في اللون أو الخط أو الحركة وغيرها من العناصر، حيث تكون مهمة الفنان جمع هذه التعبيرات في وحدة كاملة هدفها خلق تعبير واحد في العمل الفني أوسع من تعبيرات العناصر لو كانت منفصلة على الرغم من دلالاتها التعبيرية".
ميز سانتيانا في كتابة الإحساس بالجمال بين حدين في كل تعبير يصدر في العمل الواحد "الحد الأول وهو الموضوع الماثل أمامنا بالفعل، أي الكلمة أو الصورة أو الشيء المعبر، والحد الثاني هو الموضوع الموحى به، أو الفكرة أو الانفعال الإضافي أو الصورة المولدة أو الشيء المعبر عنه، ويوجد هذان الحدان معاً في الذهن ويتألف التعبير من اتحادهما... وأن التعبير يعتمد على اتحاد حدين لابد أن يقدم لنا الخيال أحدهما ولا يستطيع الذهن أن يقدم ما ليس موجوداً فيه. وينتج من ذلك أن القدرة التعبيرية للأشياء تزيد بزيادة ذكاء المشاهد".
ونستطيع القول بان التعبير يعد من عمليات الذات المعبرة تتجسد في وسط مادي أو سلوكي تظهر بواسطة الوسائل المتاحة لإظهارها من تقنية إلى قدرات فعلية، التي تستطيع أن تحول كل ما هو ذهني –عقلي- إلى ما هو مادي حسي.
وطبعا هذا القول يختلف عنه المثاليون في فلسفتهم للفن حيث يرى المثاليون "أن الأشياء في الطبيعة لا وجود لها ألا من خلال عقل يعيها"، حيث أن المثالية تقترب من المطلق وتبحث في أشكال جديدة للتعبير التي تنبع من الواقع أنها تحث التكوين الشكلي على التحفيز لإيجاد لغته التعبيرية، وقد وجدت الكلاسيكية الإغريقية المثال في أعمالها، فجاء التعبير في الإشكال ليحاكي المثال المطلق في أيجاد النموذج الأعلى.
هذا ما تنظر إليه المثالية ولعل المادية ترى أنها هي الأقرب من الذات البشرية وتعتبر المادة أصلاً والوعي أو الفكرة نتاج له. حيث أن الماديين "لا ينكرون وجود العقل أو الوعي وما ينكرونه هو أن يكون العقل أو الوعي صفة مميزة للأرواح المادية" ومن بواطن الفلسفة المادية يمكن أن نرى التعبير الفني من وجهة نظر التطبيق المادي، فالفنان لابد أن يتحكم بالتجربة ويحولها إلى ذكرى "ويحمل الفن في أعماقه التوتر والتناقض فهو ليس معاناة للواقع بل لابد أن يحتوي عملية تركيب تكتسب شكلاً موضوعياً فيتحكم الفنان بالتجربة ويحولها إلى ذكرى والذكرى إلى تعبير أي يحول المادة إلى شكل" وأتبعت المادية في الفنون أشكال محاكاة الواقع وجاءت التعبيرات في أمكانية النقل الواقعي للأشكال لما تحمله المادة والجوهر من أهمية للمذهب المادي في تصوير الأشياء بذاتها لتحمل تعبيراتها ضمن حقيقتها دون إضافة، فالصفة المشروعية لذلك التقييم التعبيري للأشكال ينبع من واقعها وهدف ذلك الواقع التعبيري في النقل الحر في الطبيعة".
وكما أشرنا أن التعبير هو عملية خارجة من الذات تمر بمرحلة من الانفعالات. كذلك الفن نجد في التعبير الفني هو خلاصة الانفعالات والأفكار التي تجسد في وسط مادي، يتخذ شكلين من التعبير، أحدهما ابتكاري والأخر تقليدي الآلي.
ففي الشكل الأول للتعبير يكون الفنان مبدعاً مبتكراً متجدداً يتخذ الواقع أساساً له، لكن بصياغات جديدة تعتمد على قدرات ابتكاريه في تحليل عناصر الشكل الواقع، ومن ثم أعادة تركيبها في صور جديدة. كما نلاحظ في عمل لبيكاسو (غيتار)، نجد أن استخدامه لمفردة موجودة وهي الآلة الموسيقية واستخدامها كوسيلة لانطلاق تكوينه الصوري منها فقد حللت إلى عناصر تكوينها ومن ثم أعيد تركيبها في تكوين جديد يحمل بعداً جمالياً، لا لكونه ينفي الواقع بل ليؤكد تنظيمه الجمالي وفق تركيب أخر وهذا ما يفتقر إليه.
الشكل الثاني للتعبير الذي يعتمد على النقل الحرفي والآلي للواقع والذي كان فترة من الفترات – نموذجاً معيارياً – في تقييم الفنان، فكلما كان الفنان قريباً، محاكياً للواقع كان عظيماً ومقتدراً وقد فرضت هذه الآراء والقوانين نفسها لتصبح المنهج المتداول في الوسط الفني، وعلى سبيل المثال المنهج الكلاسيكي – ولكن ورغم هذه القوانين الصارمة التي أحاطت بالفنان الكلاسيكي، نجده على مر العصور – ونقصد الفنان الحقيقي في طبيعته أنساناً متجدداً أبتكارياً لا يحب التقليد ولم يخضع لقانون يحد من قدراته الذاتية وميوله فما كان لمايكل انجلو ودناتيلو – مثلاً أن يكونا على ما هو عليه، لولا امتلاكهم هذه الصفة الإبداعية، حتى أصبحت هذه الصفة – أي الإبداع – فيما بعد وفي وقتنا الحاضر أحدى المقومات الرئيسة للفنان، وفي جميع ألوان الفن التشكيلي بشكل عام – نجد من ذلك أن الفنان المبدع، كان ولا يزال هدفه التجدد والابتكار، بتعبير صادق، يبحث ويجرب بكل ما تمتلك يديه من وسائط مادية، ووسائل أظهار سواء كانت ببعدين أم ثلاث أبعاد، لخلق تكوينات معبرة، وفي كل عنصر من عناصر العمل الفني التشكيلي.
"أن التعبير في الفن يمكن أن يكون نوعاً من مضاعفة الحياة، فهو شبيه بها والصفات الرئيسة التي نجدها في العمل الفني نجدها في مبدعه وقد دعم التعبيريون هذا القول بغير حق عن الفن عامة".
وكما يقول (لالو) "أن التعبير ليس شبيه بالحياة بالمرة في حين يعبر الفنان عن الانفعالات هو يصنعها لا علاقة لها بحياته، وأحياناً نرى في أصعب الظروف وأقساها ينتج إبداعا وفناً عظيماً ولا علاقة له بالظروف الاجتماعية، ونجد فنوناً تعبيرية في غاية الإبداع لأناس يهتمون بالتفكير التأملي والفنتازي والميتافيزيقي وهذا لاعلاقة له بالحياة الواقعية بل بالتجربة الروحية فالفنان لا يقدم معادلا موضوعيا كما يقول (اليوت) ولكن يقدم بدائل مرئية محسوسة لتلك العوالم، فالفنان لا يستنتج ولا ينقل الموضوع بل يقدمه من خلال مرشحات عديدة بعلائق تشكيلية وجمالية وقد توحي لنا بعض الفعاليات الحركية للفنان على سطح اللوحة وكأن هناك حركة موازية لها في القوة وفي الاتجاه بداخل الفنان. ولكنها إيحاءات ليست الا.
فالعمل الفني حين ظهوره يختلف تماماً عن نشأته الجوانيه وليس مطابقاً لها في كل الأحوال بل مقارباً لها أو موحياً لها أو مكثفاً لها، فأدائية التعبير دينامية وليس ميكانيكية كما يفهم من الآلية بل عملها مشترك بين أيهام اللاوعي ويقظة الوعي... ولولا ذلك لما تحققت ظاهرة (التحول) ولعل هذا ما عبر عنه (رفردي) حيث يقول "أن مثل الشعر من الحياة كمثل النار من الخشب: فأن الواحد منهما ليصدر عن الاخر ولكنه يحوره ويغير منه"، وما أقوى الفعل وما أعظم النتيجة. فالفعل تنظيم واختيار وغربلة للحياة الجوانيه مع تنظيم آخر مغاير لعناصر التجربة الفنية... فبيكاسو يقول "أنني أقوم بتنظيم الأشياء بما يتفق مع انفعالاتي. أنني أضع في لوحاتي كل شي أحبه". فلا يمكن أن نسمي رسوم الأطفال فناً والطفل فناناً الا في حالات معينه مثل تفتح وعيه والسيطرة على أدواته ومشاعره وتجسيدها في العمل الفني، أي أخراج الوجدان إلى حيز الموضوعية بتوجيه وقصديه فالفنان قادر على تحويل الفكرة في المادة وتجسيد الخيال في عالم الواقع واستخدام الحدس إلهاما وبديهية للأفكار.
"ألا أن هذه الأحكام ليست أبسط أو أكثر مباشرة في أدراك الأشياء بل هي على العكس طريقة أكبر تعقيداً وأقل مباشرة، لأنها تعتمد على واقع المؤثر على العين والحواس وحدها بل تدخل في حسابها اضطراب الجسم كله وتأثيره العضوي الشامل بالمؤثر وهذا منشأها الحقيقي".
وفي الحقيقة أن العمل الفني ككيان ينتمي أكثر إلى خصوصيته وإشكالاته أن أستطاع أن ينجح في التعبير ويمتلئ جمالية يكون قد أصبح فناً فلا تشفع المرجعيات والالتزامات بهدف اجتماعي أو سياسي ولكن يزيد الفن قيمة أن أضيفت له قيم أخرى أخلاقية أو اجتماعيه أو إنسانية وهذا ما التزم به التعبير في الفن عموماً ولاسيما التعبيرية كتيار فني حديث.
والواقع أن المادة التي يتركب منها أي عمل فني فهو ينتمي إلى العالم المشترك أكثر مما تنتمي إلى الذات الفردية ومع ذلك فأن الفن تعبير "عن الذات لان الذات تتمثل تلك المادة بطريقة خاصة متميزة".
ويجب أن نفرق بين حياة الفنان التي تمثل أحداث كثيرة فليس دائماً يعبر عن ذاته بل عن وجدان المجتمع ولكن يبقى الفن في مجملة فردياً ذاتياً وينفتح على المجتمع أيضاً وكما أن هناك فرقاً بين معنيين أخريين. "بين التعبير النفسي والتعبير الفني، وأن الفرق مثلاً بين رجل يطلق العنان لدموعه ليعبر عن حزنه وبين آخر يجلس ليكتب أغنية أو يؤلف مقطوعة موسيقية تعبر عن هذا الحزن والتعبير الطبيعي في الحالة الأولى ينقصه التعبير الفني الموجود في الثانية".
فالفنان تارة يعبر عن خواطره ومشاعره وتارة يعبر عن روح المجموع او عن اللاشعور الجمعي كما يقول يونغ "فالفنان الحقيقي يجب ان يعرف ويفهم كل ما يشغل ويقلق تفكير معاصريه فهو لا يستطيع أن يقف موقفاً لا مبالياً من نبض الحياة الاجتماعية".
ويبقى أن نشير إلى ان التعبير قد يكون رمزاً كما يقول كروتشة فأن الرمز هو أحد أوجه التعبير. وليس التعبير كما قال كارناب " مجرد صيحات هي من قبيل قولنا: أوه، أوه" وإنما هي تعبيرات رمزية تحمل معاني ضمنية، بل أننا لو نظرنا إلى أية لوحة من اللوحات، لما وجدنا أنفسنا بإزاء مجموعة من الخطوط والألوان والأشكال فحسب، بل لوجدنا أنفسنا أيضا بإزاء لغة رمزية تنقل إلينا بعض الدلالات من خلال ذلك المظهر المادي". ولكن ليس بمعنى الرمز التقليدي فليست العلاقة بين العمل وما ترمز إليه أو بين السبب وما يؤدي اليه.
فالرمز كما يحلله هوايتهيد كما لو "انه الصورة مضافا إليها العنصر العقلي. بينما التجربة الإدراكية هي أدراك مباشر للصورة" والعمل الفني لا يمكن أن يعد رمزا الا بعد إدراكه وإبداعه كمنجز فهو تعبير "والرمز لا يمكن فصله عن الحدث الفني فهو مرادف له ليس هناك وجهان للفن وكل شيء في الفن رمزي لان كل شيء مثالي الخطاء العقلي: وهو أن الرمز ماهو الا عرض وتمثيل أو تجسيم لمفهوم مجرد"
والإحساس والمشاعر والوجدان والخيال عندما تتموضع في العمل الفني يتحول إلى رمز لوجدان الفنان "ولقد يختلط على الذهن ما تعنيه هنا بكلمة (رموز) بما تستعمل له هذه الكلمة من معان أخرى. فهناك مثلاً الرموز الرياضية والرموز العلمية وهناك أيضاً الرموز التقليدية التي يستعملها بعض الرسامين الذي نسميهم رمزيين. ولست أقصد إلى شيء من هذا كله "فهذه رموز من صنع العقل الواعي وضعها لتعبر في اختصار عن شيء مفهوم لديه من قبل، أما الرموز التي أقصدها فهي تلك التي تتصل اتصالاً مباشر بالعقل الباطن – شأنها تماماً شأن الرموز التي نصوغها في أحلامنا والتي يقول فرويد أنها بمثابة أقنعة تختفي خلفها رغبات العقل الباطن لتفلت من رقابة العقل الواعي الذي يحاول كبتها ولا يسمح لها بالتعبير عن نفسها تعبيرا سافراً صريحاً".
فمشاعر الفنان وانفعالاته تتحول في العمل الفني إلى رمز لها. والرمز في أصله كأصل المشاعر عفوي ويتلبس في الشكل الفني ذاته ويكون معناه كامنا فيه، بحيث لا يشير إلى شيء ما خارجه. الفن الرمزي هو رمز مبدع لم يكن موجوداً من قبل وظهر إلى الوجود من خلال الإبداع"
فالمعاني رموز العمل الفني الرمزي تنحصر مهمته في التعبير عنها بأشكال رمزية "فالخصائص الحقيقية للتعبير الرمزي لا تتمثل في الغموض والسرية، بل تكمن في أزدواج التفسيرات الممكنة وتنوعها أي في التقلب الدائم للمعنى الذي تؤديه الرموز". والرمز كالتعبير أيضاً يعتمد في ظهوره على "الحدس من ناحية، والإسقاط من ناحية أخرى. بالحدس يصل الإنسان إلى الوتر المشترك وبالإسقاط يحدد مشهده ويخرجه من نفسه واضعاً إياه في شيء خارجي هذا هو الرمز نفسه"
واذا قلنا ان الفن عند سوزان لانجر هو الرمز وليس المحاكاة فهو ليس انفعالا او وصفا للانفعال بل تعبيرا وتصويرا للانفعال من هذا الباب يمكن ان نقول: ان كل مكونات المنجز الفني بما فيها من مادة وحركة وفضاء وإضاءة ولون تعدُ استخدامات معبرة عن العمل الفني وهي تعكس حالة الانفعال النفسي والإرهاصات التي تجول في مخيلة ونفسية الفنان وهذا ما يعد من متممات العمل الفني الناجح.
وبهذا يكون التعبير فنياً عن التجربة الإنسانية للفنان في محيط ما يقرنه بقدرته العقلية على إظهارها منظمة واعية بإنتاجه الفني بمعنى أخر "في وسع الإنسان ان يعمل بطريقة شعورية واعية اعني في مستوى المعنى على تحقيق أسباب الاتحاد وبين كل من الحس والدافع والفعل وهو الاتحاد الذي يتميز به المخلوق الحي بصفة عامة. فإذا ما تدخل الوعي او الشعور أضاف إلى هذا الاتحاد عناصر التنظيم والقدرة على الاختيار او الانتقاء وعملية أعادة التنسيق."
وحين يلجأ الفنان –النحات- للتعبير عن تصوراته وانطباعاته التي شكلتها المؤثرات العامة للحياة البيئية من خلال الإنتاج الفني لأن هذا الفن يبدأ من تلك المحاولة عن طريق استشارة مكنونات تلك الانطباعات والأفكار التي وجدت مكانها بالفعل في تركيبته الحسية والتي سبق لها معاناتها وإدراكها في ظل تأثير الواقع المحيط به ثم يحاول التعبير عن تلك المؤثرات والأفكار بواسطة استذكار صور محددة تتشكل وفقا لمستوى تطور هذا الإنسان العقلي من ناحية ووفقا للمادة المستخدمة في التعبير من ناحية أخرى.
ولأجل الإفصاح عن تركيبة العلاقة بين جدل التعبير في كونه كمصطلح لابد ان من رصد نقطة للدخول لموضوع التعبير والتعبيرية إجمالا القول المحدد لكلمة التعبير وما شابهها قد سيطرت على اغلب نظريات الجمال والنقد الفني أما بالفن الحديث فتكمن أهمية هذه الكلمة انه احد المذاهب الفنية الحديثة وطبقا لممارستها نوعا من النشاط الفني الذاتي اتخذت من كلمة التعبير اسما للدلالة عنها.
المصادر
1. سعيد، أبو طالب محمد، علم النفس الفني، مصدر سابق، ص 123
2. إبراهيم، زكريا، مشكله الفن، مشكلات فلسفية، دار الطباعة الحديثة، القاهرة، ط1، 1977، ص 36
3. ديوي، جون، الفن خبرة، مصدر سابق ، ص 141
4. حسين، سيد حسن، التعبير الفني والتربية، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة 1960،ص64
5. حسين، سيد حسن، التعبير الفني والتربية، مصدر سابق، ص16
6. التكريتي، صباح فخر الدين، الشكل والمضمون في النحت الجداري المعاصر في العراق، رسالة ماجستير (غير منشورة) جامعة بغداد، كلية الفنون الجميلة، 1989، ص 52
7. سانتيانا، جورج، الإحساس بالجمال، ترجمة محمد مصطفى، مراجعة زكي نجيب، مكتبة الانجلو المصرية، القاهرة، ص214
8. كامل، فؤاد واخرون، المسوعة الفلسفية المختصرة، دار القلم بيروت،1983 ص 396
9. العذاري، أنغام سعدون، بنية التعبير في المنحوتات الفخارية والخزفية في العراق القديم، أطروحة دكتوراه (غير منشورة) جامعة بغداد كلية الفنون الجميلة، 2004، ص 280
10. العذاري، أنغام سعدون، بنية التعبير في المنحوتات الفخارية والخزفية في العراق القديم، المصدر نفسه، ص 386
11. فيشر، أرنست، الاشتراكية والفن، دار الهلال، مصر 1966، ص 9 -28
12. العذاري، أنغام، بنية التعبير في المنحوتات الفخارية والخزفية في العراق القديم، المصدر السابق ص 228
13. سويف، مصطفى. الاسس النفسية للابداع الفني في الشعر، القاهرة، دار المعارف بمصر، 1969.ص41
14. ينظر / ابوالنصر، ملك احمد. تحقيق الوجود الانساني في التصوير المعاصر، الاسكندرية، منشأة دار المعارف، د.ت.ص44
15. إبراهيم، زكريا، الفنان والانسان، القاهرة. مصدر سابق، ص41
16. عبد الحميد، شاكر. العملية الابداعية في فن التصوير، الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 1987.ص40
17. النويهي، محمد. طبيعة الفن ومسؤولية الفنان،، دار المعرفة، الطبعة الثانية، القاهرة، 1964.ص40
18. إبراهيم، زكريا، الفنان والإنسان، مصدر سابق، ص38
19. حمودة، عبد العزيز. علم الجمال والنقد الحديث، مكتبة الانجلو المصرية، القاهرة، د.ت.ص32
20. اوفسيانيكوف. يودين. موجز تأريخ النظريات الجمالية، ترجمه: باسم السقا، دار الفارابي، بيروت، 1979.ص415
21. الحكيم، راضي. فلسفة الفن عند سوزان لانجر،، مصدر سابق، ص311
22. المبارك، عدنان. الاتجاهات الرئيسة في الفن الحديث على ضوء نظرية هربرت ريد، مصدر سابق، .ص25
23. كروتشه، بنديتو. المجمل في فلسفة الفن، ت سامي الدروبي، دمشق، ب.د، 1964.ص47
24. يونان، رمسيس. دراسات في الفن، القاهرة، دار الكاتب العربي، 1969.ص28
25. الحكيم، راضي، فلسفة الفن عند سوزان لانجر، مصدر سابق ، ص 32
26. هاوز، ارنولد. الفن والمجتمع عبر التاريخ، مصدر سابق، ص 58
27. ابو النصر، مالك أحمد، تحقيق الوجود الإنساني في التصوير المعاصر، المصدر السابق، ص 61
28. أنظر / جون ديوي ، الفن خبرة، مصدر سابق، ص 46
29. انظر / هربت ريد ، معنى الفن، مصدر سابق، ص 49
30. ريد، هربت، معنى الفن، مصدر سابق ، ص 243